Ch17 احتراق القلب
كان تشي تشاو يريد حقًّا أن يساعد الطفل المسمّى يوانليانغ ،
لذا حاول بكلّ ما يستطيع أن يجد مخرج ،
قال بقلق واضح :
“ هل يمكننا تسجيل حالته كأحد الأشخاص من فئة (الثلاثة لا)…؟
أو نساعده في التقديم على قرض طبي؟
أليس هناك أيّ طريقة أخرى ؟”
صوته مفعم بالعجلة والرجاء ، حتى إن فو نان آن ، رغم عماه ، شعر بما في كلماته من يأسٍ وارتباك
تلقائيًّا ، قبض تشي تشاو على ذراع فو نان آن، وكانت
مفاصله ترتجف قليلًا، وأطراف أصابعه ترتعش برجاء صادق
أنزل فو نان آن جفنيه قليلًا ، ثم فتحهما من جديد ،
ومدّ يده ليضعها فوق يد تشي تشاو المرتجفة
قال بصوت هادئ وواثق :
“ يوجد طريقة "
تشي تشاو لم يصدّق في البداية
{ إن وُجدت طريقة ، فلماذا لم يساعد البروفيسور تشيان يوان ليانغ من قبل ؟
البروفيسور تشيان لم يكن رجلاً قاسيًا ، بل على العكس ، كان معروفًا بطيبته }
شدّ تشي تشاو قبضته أكثر وسأل بعجلة أكبر :
“ حقًّا ؟ أيّ طريقة ؟”
قال فو نان آن واضعًا كفّه بثبات فوق كفّ تشي تشاو:
“ صدّقني "
راحة يده جافة ودافئة ، ينفذ منها دفءٌ لطيف عبر الجلد ،
يهدّئ أعصاب تشي تشاو المتوترة شيئًا فشيئًا
ابتلع تشي تشاو ، ثم أومأ قائلًا:
“ حسنًا .”
عندها فقط أدرك أنه كان يشدّ يد فو نان آن طوال الوقت ،
وأن أصابعهما قد تشابكتا على نحوٍ محرج خفيف ،
أفلت يده بسرعة ،
ورفع يده الأخرى ليقرص أذنه المحمّرة ،
قال بخجلٍ مرتبك :
“ آسف البروفيسور فو… كنت متوترًا جدًا للتو "
ابتسم فو نان آن برقة ، وسحب يده بهدوء دون أن يُظهر شيئ
و بإبهامه ، مسح بخفة المكان الذي لامسه قبل قليل،
وصوته ظلّ مطمئنًا كما هو:
“ لا بأس ، أفهم شعورك ...
بما أنك تريد مساعدته ، فلنساعده بكلّ ما نقدر عليه .”
تردّد تشي تشاو قليلًا ثم سأل بقلق :
“ هل سيكون الأمر معقدًا جدًا ؟”
أجاب فو نان آن بجملة فقط ، بثقة هادئة لا تقبل الشك:
“ ثق بي "
' ثق بي '
تلك هي الوعود التي يمنحها فو نان آن لتشي تشاو — وعودًا لا تُقال عبثًا
كان تشي تشاو يعلم تمامًا أن مساعدة يوانليانغ ليست أمرًا يسيرًا ،
وإلا لما رفض البروفيسور تشيان الأمر من البداية ،
فهو بلا تأمين صحي ، ولا مصدر دخل ثابت ،
حتى طلب قرض طبي لن يُقبل له ،
لكن بمجرد أن سمع تلك الكلمات من فو نان آن ،
شعر بالطمأنينة تتسلّل إلى قلبه ،
{ ما دام البروفيسور فو قد قال إنه سيجد طريقًا ،
فذلك يعني أن يوانليانغ سيُنقذ حقًّا ،
لأن فو نان آن من الرجال الذين لا يَعِدون إلّا بما يقدرون على فعله }
وخارج النافذة ،
العاصفة ما تزال تهدر في الظلام ، والرياح الباردة تصفر عبر الشقوق…
الغرفة باردة ، فالبيت الريفيّ بلا تدفئة أو مكيّف هواء
لكن في هذه اللحظة ،
شعر تشي تشاو بدفءٍ يسري في جسده كله ،
دفءٍ مريح يملأه بالطمأنينة
—————
استمرّ المطر الغزير يومين آخرين ،
وخلالهما واصل فريق الرعاية الميدانية فحوصاته تحت المطر
مطر الريف غامر وثقيل ، والمنازل التي أقاموا فيها غارقة في
الرطوبة والبرد ،
ولا تتوافر فيها حتى شروط الاستحمام ،
تذمّر الجميع ، متمنّين لو يعودون إلى المدينة ليبيتوا في
غرف مكيّفة، لكن حين حان وقت الرحيل حقًّا ،
تنهدوا تنهيدات طويلة ، متحسّرين على مرور الوقت سريعًا
هذه الأيام القليلة كفيلة بأن تعلّمهم الكثير
ورغم أنّ قسم علم النفس لم يكن ذا رواجٍ كبيرٍ في القرى،
إلا أنّهم التقوا ببعض المرضى وساعدوهم قدر استطاعتهم
الصحةُ أمانة ، والحياة مسؤولية ، ومهما اختلفت الأقسام ،
فإنّ الأطباء جميعًا يحملون في قلوبهم نفس الرغبة في
معالجة الألم وإنقاذ الناس
فحين يستعيد مريض وجهه المبتسم بعد القلق ، تكون تلك
لحظتهم الأجمل
و كلّ ما يسبقها من مشقّة أو سوء فهم يتبدّد أمام هذا
الصدق البسيط في الابتسامة
في يوم الرحيل ، عادوا إلى قرية لينغهي
الطرق هنا أفضل قليلًا ، مما سهّل تجمّع جميع الفرق
الطبية في مكان واحد
المطر ما زال يهطل رذاذًا ، والمياه المتجمّعة في الطرقات تعيق السير
وصل فريق علم النفس أولًا إلى نقطة الالتقاء ،
بينما الفرق الأخرى لا يزالون عالقين في الطريق
سأل تشين كايجي بعد طول انتظار ، وهاتفه على وشك أن ينطفئ :
“ متى سيصلون ؟ هل سنلحق بالعودة في الوقت المحدد؟”
ردّ قائد الفريق وهو يتواصل مع الآخرين عبر الهاتف ،
بنبرة يائسة قليلًا :
“ يبدو أنهم سيحتاجون وقتًا أطول ،
الطرق محاصرة بالمياه .”
زمّ تشين كايجي شفتيه :
“ إذن ماذا نفعل الآن ؟”
ضحك البروفيسور تشيان قائلًا وهو ينظر إليه بنظرة طريفة:
“ وماذا يمكننا أن نفعل غير الانتظار ؟”
العمة تشاو قد حضرت أيضًا لتودّع يوانليانغ
فبعد تلك الليلة ، أخبرها تشي تشاو بالأخبار السعيدة ،
شدّت العمة تشاو على يديه ، تبكي وتضحك في نفس الوقت ،
ثم قضت الليل تحزم أمتعة يوانليانغ، وأرسلته في الصباح
الباكر إلى نقطة تجمع فريق علم النفس
وبينما ينتظرون هنا ، اقترحت العمة تشاو أن يذهبوا إلى
محطة الصحة في القرية ليدفئوا أنفسهم قليلًا قرب النار
هي من قرية مجاورة وتعرف المكان جيدًا ، فاستحسن الجميع الفكرة
أما تشين كايجي، الذي ملّ الانتظار و قد جلس يعبث
بالطين قليلًا ، لمعت عيناه وقال بحماس :
“ حقًّا ؟ يمكننا ذلك ؟”
ابتسمت العمة تشاو وبدأت تتحرّك بنشاط قائلة:
“ ولِمَ لا يكون ذلك ممكنًا ؟ أليس كذلك ، أيها الأساتذة؟”
لم يُعارض فو نان آن فكرة أن يستمتع الطلاب قليلًا ،
أما البروفيسور تشيان ، فكان دائمًا أكثر صرامة ،
لا يسمح باحتكاكٍ مفرطٍ مع سكان القرى الذين يقدمون لهم المساعدة ،
لكن الآن ، تحت أنظار الجميع المترقّبة ، لم يجد حلاً غير إيماء رأسه بيأس بسيط ويقول:
“ إن أردتم التدفئة ، فاذهبوا إذًا .”
ابتهج المتدرّبون ،،، الطقس في الريف بارد للغاية ،
والجلوس قرب النار في مثل هذا الجوّ القارس يُعدّ رفاهيةً حقيقية
جمعوا حزمًا من الحطب ووضعوها في حوضٍ حديديٍّ كبير، ثم أشعلوا النار
توهّجت ألسنة اللهب وارتفعت بشكل عالي ، تصبغ الفناء
بوهجٍ برتقاليٍّ دافئ
جلس الجميع حول النار في دائرة ، يتبادلون الأحاديث العابرة
بل إنّ أحدهم أحضر خضار ولحم ، فشقّهما على أعواد
خيزران وبدأ يشويهما، وانتشرت رائحة الشواء في المكان
ضوء النار جعل الفناء يبدو أكثر دفئًا وبهجة ، فالجسد دافئ،
وكذلك القلب
اقتربت العمة تشاو من تشي تشاو وسألته بتردّد مملوء بالرجاء :
“ الطبيب شياو تشي هل حقًّا يمكن ليوانليانغ أن يذهب إلى
العاصمة لتلقي العلاج ؟ ولن تتقاضوا منا شيئ ؟”
أجابها تشي تشاو بعد أن اطّلع تمامًا على سياسات المستشفى:
“ ليس الأمر أننا لن نتقاضى شيئ ، بل سيُسجَّل كحالة من
فئة (الثلاثة بلا) — أي بلا معيل ولا مصدر رزق ولا ضمان طبيّ .
هذا يعني أننا سنتكفّل بدفع النفقات الآن ،
لكن إن كان بمقدوركم السداد لاحقًا ، فستُعاد الأموال حينها "
أومأت العمة تشاو رأسها مرارًا بحماس :
“ طبعًا ، طبعًا ! أنتم منقذونا . عندما يتعافى يوانليانغ،
سنعمل سويًّا ونسدّد كل ما علينا !”
كانت العمة تشاو تُكنّ ليوانليانغ محبّة صادقة ،
حتى أنها فكّرت سابقًا ببيع بيتها من أجل علاجه ،
ومنذ أن سمعت أنه سيُعالج ، لم يفارق الابتسام وجهها ،
مقارنةً بأبيه عديم المسؤولية ، وجود قريب كهذا إلى جانبه
نعمةً حقيقية ليوانليانغ
تبادلا الحديث لبضع دقائق أخرى ، دون أن يشعرا كيف
تحوّل الكلام إلى المستقبل
لقد بدأ الظلام الذي غطّى طريق يوانليانغ يتبدّد أخيرًا ،
وها هو ضوء الفجر يلوح في الأفق
لكن فجأة ، دوّى صوتُ صراخ وشتائم من خارج البوابة —
تغيّر وجه العمة تشاو على الفور
“ ذلك الصوت… إنه والد يوانليانغ!”
نهضت مسرعةً متجهة نحو الباب ، ولم تخطُو سوى
خطوتين حتى اقتحم رجلٌ ممسكاً بزجاجة خمر الفناء وهو
يهتف بحدة :
“ يوانليانغ! أين ابني ؟!”
عيناه زائغتين ووجهه محمرًّا احمرارًا شديد ،
و تفوح منه رائحة الخمر حتى من بعيد
الطلاب الجالسون قرب المدخل ارتعدوا من الخوف ،
فنهضوا واقفين وتراجعوا إلى الداخل
عبس فو نان آن بحاجبيه قليلًا وسأل من بجانبه:
“ من هناك ؟”
أجابه تشين كايجي بصوت منخفض وهو يصف المشهد:
“ رجل طويل ضخم الجثة ، يبدو في الأربعين أو الخمسين
من عمره… واضح أنه سكران ، لا نعرف من هو "
لكن قبل أن يُكمل كلامه ، دوّى صوت الرجل في الفناء قائلًا:
“ أنا والد كونغ يوانليانغ! ذلك الذي يجلس هناك هو ابني!
سمعت أنكم تريدون أخذه ، فهل استأذنتموني أولًا ؟!”
يوانليانغ يجلس بجوار عمّته تشاو ، وما إن سمع صوت
والده حتى ارتجف بأكمله ، وانكمش في الزاوية ،
يرتعد بشدة دون أن يجرؤ على الهرب ، يتمتم بصوت
مبحوح متكرر :
“ لا تقترب… لا تضربني… لا تقترب…”
رآه الرجل فانقضّ نحوه وهو يلوّح بزجاجة الخمر
“ أيها الكلب ! ما زلت تجرؤ على الهرب؟
تعال معي إلى المنزل !”
صرخت العمة تشاو غاضبة :
“ كونغ تشييونغ! ألا يكفيك ما فعلت ؟!”
تقدّمت بخطوات حازمة ، ووقفت أمامه حاجزة الطريق بينه
وبين يوانليانغ، ثم دفعت صدره بيدها قائلة :
“ أنظر إلى ما صنعت بابنك !
حتى بعته ليعمل عند الناس ! أتستحق أن تُدعى أبًا ؟!”
زمجر وهو يرفع ذقنه ، تفوح من أنفاسه رائحة الخمر
النفاذة ، وقال باستهزاء:
“ ولِمَ لا أستحق ؟ أنا من أطعمه وألبسه !
هو ابني في النهاية ، وما المانع أن يدرّ عليّ بعض المال ؟”
: “ أنت…!”
لم تكمل العمة تشاو عبارتها حتى دفعها بعنف شديد،
فتعثّرت وسقطت أرضًا متألمة
أسرع تشي تشاو نحوها ليمسك بها
“ هل أنتِ بخير يا عمّة تشاو ؟”
أجابت وهي تومأ برأسها محاولةً النهوض:
“ أنا… بخير "
لكن ساقيها قد خذلتاها من شدّة الدفع ، فلم تستطع
الوقوف ، فاكتفت بالإمساك بذراع تشي تشاو ترتجف
وتصرخ برجاء :
“ يا بُني، لا تهتم بي! اذهب إلى يوانليانغ، لا تدع ذلك الرجل يأخذه !”
صوتها مبحوح يقطّع القلب ، تعلم تمامًا مدى وحشية والد
يوانليانغ حين يجنّ جنونه
طمأنها تشي تشاو وهو يساعدها على الجلوس إلى جانب الحائط :
“ لا تقلقي يا عمّة تشاو ، نحن كُثُر هنا ، ولن نسمح له بأن يأخذه .”
أدرك الآخرون الموقف بدورهم ، وارتفعت أصواتهم يوبّخون
الرجل السكير ويصرخون في وجهه
لقد سمعوا سابقًا عن قسوته وحقارته ، لكن رؤيته بهذه
الصورة أثارت فيهم غضبًا شديدًا وشعورًا بالعدالة
تجمّعوا حول يوانليانغ لحمايته ، مصرّين على ألا يتركوه يؤخذ عنوة
حتى البروفيسور تشيان قال بحزمٍ شديد :
“ إنه مريضنا الآن ، ولن نسمح لك بأخذه !”
قال كونغ تشييونغ بازدراء وهو يلوّح بيده:
“ تريدون أخذه ؟ لا بأس ، أعطوني مالًا إذن . أبيعُه لكم !”
ابتسم ابتسامة شريرة ، رفع أصابعه محددًا رقمًا بالهواء ،
ثم اندفع فجأة نحو يوانليانغ ليقبض على ياقة ملابسه
تشي تشاو كان الأقرب ، فتقدّم بخطوة ووقف حاجزًا بينه
وبين الفتى ، حاميًا إياه بجسده
صرخ بغضب حادّ:
“ لا تلمسه !”
ثار كونغ تشييونغ غيظًا ، فزمجر بصوتٍ ثقيل :
“ ومن أنت بحقّ الجحيم ؟ هذا ابني !”
ثم بدأ ينهال على تشي تشاو ضربًا ولكمًا وركلًا ،
ولوّح بزجاجة الخمر كمن فقد عقله
أما يوانليانغ —— يرتجف خلف تشي تشاو ——
غلبه الخوف ، وهو يجهش متوسلًا :
“ توقّف… أرجوك ، لا تضربه … كنت مخطئًا…”
لكنه لم يكن مخطئًا في شيء، فالذنب كلّه كان على ذلك
الأب الساقط الذي باع دمَ ابنه
الضربات تنهال على تشي تشاو بعنف ، والوجع يشتعل في
عظامه ، لكنه لم يتراجع قيد أنملة ،
مصرًّا على حماية الفتى خلفه
أسرع الباقون ليفصلوا بينهما ، لكن كونغ تشييونغ كان
ضخم الجثة قويّ ،
فعمّت الفوضى ، وتحوّل المشهد إلى عراكٍ عنيف بين الجميع
تغلغلت آلام اللكمات في جسده ، وسرت حرارة موجعة في
عظامه ، وكاد يسقط أرضًا —- حينها دوّى فجأة صوت حازم
من خارج البوابة :
“ ما الذي يجري هنا ؟! قفوا مكانكم ! الشرطة !”
رجال الشرطة من المركز القريب ، اندفعوا بسرعة ،
مستخدمين الدروع والهراوات لتثبيت كونغ تشييونغ على الأرض
تقدّم فو نان آن، مستدلًا بالصوت ، حتى وصل إلى الضابط
المسؤول، ولا يزال ممسكًا بهاتفه بيده
قال بهدوء وثبات :
“ حضرة الضابط لقد وصلتم أخيرًا "
سأله الشرطي وهو يتفحصه بعينين حذرتين:
“ أأنت من اتصل بنا؟ ما الذي حدث بالضبط ؟”
أومأ فو نان آن وأجاب باختصارٍ واضح:
“ نعم ، نحن أطباء من المستشفى الخامس ، جئنا لإجراء
عيادة طبية مجانية في القرية .
وهذا الرجل اقتحم المكان واعتدى علينا وعلى أحد المرضى .”
وبمجرد أن عرف الضابط هويتهم ، تغيّر موقفه على الفور ،
فخفّت نبرته وقال باحترام:
“ لقد تعبتم فعلًا . لم نتوقع أن تواجهوا أمرًا كهذا خلال
مهمتكم التطوعية . نعتذر عن الإزعاج .”
—————————-
رجال الشرطة يعرفون وضع عائلة كونغ تشييونغ في القرى المجاورة ،
وإن لم يسبق لهم التعامل معه مباشرةً ، إلا أن انطباعهم
عنه لم يكن جيداً أبدًا ،
وهذه المرة ، أمسكوا به متلبسًا بإثارة الشغب أمام أطباء
قادمين من المدينة الكبرى ، بدا لهم أكثر إثارة للاشمئزاز ،
فكبّلوه في لحظات معدودة ، وقال أحدهم بصرامة :
“ هيا ، تعال معنا ، ما تريد قوله ستقوله في المركز .”
حاول كونغ تشييونغ المقاومة ، لكن الشرطة اقتادته إلى
سيارتهم بالفعل
جلس تشي تشاو على مقعد خشبي قريب ، وقد أسنده أحد
الزملاء ليساعده على الجلوس ،
تنفس تشين كايجي الصعداء ، وقال:
“ على الأقل لن يخرج قبل عشرة أيام أو نصف شهر ،
يستحق ما جرى له "
اقترب من تشي تشاو يسأله عن حاله ، لكن عندما اقترب
منه —— رأى تشاو جالس على الكرسي ، صامت لا يتحرك
: “ تشي-غا ما بك؟”
مد يده يلمس كتفه ، لكن تشي تشاو ضربها بعيدًا فجأة
وهو يقول بصوت مبحوح :
“ لا تلمسني !”
عيناه محمرتين ، وعلى ملابسه آثار أحذية من ركلات كونغ تشييونغ
بدا أن أعصابه كلها مشدودة كوتر رفيع
كرر بصوت خافت مرتجف :
“ لا تلمسني…”
لا يدري تشي تشاو ما الذي أصابه ،
حين كانت اللكمات تنهال عليه قبل قليل ، كأنه عاد فجأة
إلى تلك السنوات التي كان يُضرب فيها بلا رحمة
حاول كثيرًا أن يهرب ، لكنه لم يستطع يومًا الإفلات
و أينما اختبأ — بين الشجيرات ، أو في حقول القمح ،
أو تحت سيارة — كانا يجدانه دومًا ، ليُضرب حتى يغيب عن الوعي
كان يضربه أقسى مما فعل كونغ تشييونغ، يستخدمان الأحذية ، وأحزمة الجلد ،
والمجارف… كل شيء يمكن أن يتحول إلى أداة للضرب
مرة… بعد أخرى
تلعثم تشي تشاو وهو يتمتم بصعوبة:
“ لا… تلمسني…”
رؤيته ضبابية فوضوية ، لكن الألم في جسده كان حادًا وواضح
لف ذراعيه حول رأسه ، يحاول حماية نفسه من شيء لم يعد موجود
لم يعد يشعر بجسده ، لم يستطع التنفس ،
كل ما أراده هو الفرار من هذا المكان
وفي هذه اللحظة ،
أحاطت به يدان دافئتان قوية ،
وجذبته إلى صدر هادئ مطمئن
: “ لا بأس الآن… لقد انتهى الأمر ….”
قال فو نان آن وهو يجثو على ركبته إلى جانبه ،
يحتضنه برفق صادق
: “ كل شيء بخير الآن يا صغيري…”
يتبع
الفصل التالي الفصل السابق
ببكيييييي وليدي مايستحق
ردحذف