Ch20 احتراق القلب
كان صوت فو نان آن خافت ، ينساب قرب أذن تشي تشاو ،
محدثًا وخزًا خفيفًا جعل أعصابه الحسّاسة ترتجف كما لو
أن شيئ لامسها برفق ،
تسارع تنفّس تشي تشاو فجأة …..
الكحول يجري في عروقه ، وأنفه يفيض برائحة خشب
الصندل الغامضة ، كان تشي تشاو يعشق هذا الإحساس
أصبح التماسك صعبًا للغاية في هذه اللحظة ….
قلبه يخفق بجنون ، كأن أرنبًا صغيرًا يركل صدره من الداخل
تحركت تفاحة حنجرته صعودًا وهبوطًا ، وخدّاه اشتعلا
بحرارة حادّة حين اندفعت الدماء إلى وجهه دفعةً واحدة
تلاشى وعيه تحت تأثير الاندفاع ، فمدّ يده مباشرةً وأمسك بمعصم فو نان آن
: “ يمكنك أن تلمسها ! "
أخذ بيده وقادها إلى مكان غمازته ، احمرّ وجهه إلى حدٍّ لا
يُحتمل : “ ستعرف إن لمستها "
هذه الغمازة في خده الأيسر ، حفرة خفيفة صغيرة ،
تشي تشاو نحيل ، لكن وجهه ما زال يحتفظ ببعض الدهون ،
وما إن لامست أنملة فو نان آن بشرته الساخنة حتى شعر
بشيءٍ واحد فقط: النعومة ——
{ ناعم … دافئ … }
وجه تشي تشاو متوردًا من أثر الخمر ، فغدت وجنتاه
محمومتين بحرارةٍ لطيفة
المكان الذي لامسه بأصبعه كان منخفض صغير لين ،
و ينحني تمامًا على شكل إصبعه ،
يُخيّل لِمن يلمسه أنه قد يغرق فيه ….
لم يجرؤ تشي تشاو على الحركة ، ومع ذلك استطاع فو نان آن أن يشعر بأن
الغمازة الصغيرة كانت ترتجف بخفة ،
كما لو أنه خائف ، تمامًا مثل صاحبها
سأل تشي تشاو بصوت خافت بالكاد يُسمع : “ هل شعرت بها ؟”
ولم يجرؤ حتى على التنفس بعمق
في الحقيقة —— ندم فور أن فعل ذلك
كان الأمر غير لائقٍ إطلاقًا ——-
لكنه لا يستطع أن يترك معصم فو نان آن الآن …
: “ هل… هل سمعتهم قبل قليل؟
كلهم قالوا إن غمازتي جميلة "
أجاب فو نان آن بهمهمة خافتة ، وسحب يده ببطء
وبينما أنامل فو نان آن تبتعد عن خده ، شعر وكأن الغمازة
كـ خطّاف يشد قلبه —- أنزل ذراعه وقال :
“ إنها جميلة فعلًا . تليق بك "
كانت مجاملة بلا أساس ، أشبه بمديح أعمى
كيف يصف بالجمال شيئًا لم يره بعينيه ؟
لكن تشي تشاو كان أضعف ما يكون أمام كلمات الثناء من
البروفيسور فو …
فهي تُسعده أكثر من أي مديحٍ من الآخرين ،،،
لم يعرف بمَا يجيب ، فاكتفى برفع كأسه وشرب رشفة من النبيذ
{ ابتسامة البروفيسور فو … أفتن من الخمر نفسه }
رد بخفة : “ أنت ماهرٌ جدًّا في المجاملة "
: “ هيييه تشي-غا ألم تقل إنك انتهيت من الشرب ؟
لماذا ترفع كأسك مجددًا للبروفيسور فو ؟”
كانوا جميعًا يجلسون حول الطاولة ذاتها ، وجهاً لوجه ،
فكان كلّ ما يجري على أحد الجانبين واضحًا للآخرين ،
وحين رأى تشين كايجي تشي تشاو يرفع كأسه ،
وجد المشهد طريفًا فمزح معه قائلًا :
“ ما الأمر ؟ هل البروفيسور فو مميّز عندك ؟”
بعد أسابيع من العمل معًا أصبح الاثنان على درجة من الألفة ،
وكان تشين كايجي يحبّ أن يمازح تشي تشاو بهذا الموضوع ،
أما تشي تشاو —- وقد أزال الخمر تحفظه ، رفع كأسه بجرأة
وقال مبتسمًا:
“ بالتأكيد ،،،
البروفيسور فو هو مشرفي الأكاديمي بعد كل شيء "
وأثناء حديثه ، تعمّد تشي تشاو أن يلتفت نحو فو نان آن
عيني فو نان آن للأسفل قليلًا ، لا يمكن قراءة ملامحه
شعر تشي تشاو بسخونة تجتاح عقله مجددًا ، فأضاف بصوت متردّد :
“ أنا… أنا حقًّا ، معجب به كثيرًا ، كثيرًا "
كان صوته صادقًا إلى درجةٍ مبالغ فيها
توقّفت حركة فو نان آن لحظة عند سماعه ذلك
لقد سمع كلمات شبيهة من تشي تشاو من قبل،
لكن تلك المرة كانا وحدهما ، وكانت الكلمات خارجة من القلب ،
أما الآن ،
فقد قالها أمام الجميع ، وهو ما لم يتوقّعه فو نان آن مطلقًا ،
فالثقافة الصينية بطبيعتها متحفّظة ، مهما كانت المشاعر
عميقة ، تبقى مخفيّة خلف الحياء
ظلّ فو نان آن صامتًا للحظة ، ثم قال لمن يجلس إلى جواره :
“ هل بقي نبيذ ؟ صُبّ لي قليلًا "
أثارت كلماته دهشة من حوله ، فو نان آن نادرًا يشرب ،
ليس لأنه لا يستطيع ، بل لأنه لا يحبّ ذلك ،
لكن إعجاب شاب صادق مثله أمرٌ ثمين — ونبرة تشي تشاو
كانت صافيةً مخلصة ، فشعر فو نان آن برغبة في الردّ
بطريقة تليق بهذا الإخلاص ،
حاول الآخرون منعه لأنهم يعرفون أنه لا يشرب عادةً ،
لكنه رفع كأسه نحو تشي تشاو وقال بهدوء :
“ لنشرب نخبك "
احمرّ وجه تشي تشاو أكثر ، ورفع كأسه أيضاً وشربها دفعةً واحدة قائلاً :
“ شكرًا لك بروفيسور فو "
في مثل هذه التجمعات ، لا يكون الشرب لأجل الكمية ،
بل لأجل الجوّ العام ،
وما إن تمت هذه الطقوس البسيطة حتى انطلقت الحماس في المكان ،
رفع الجميع كؤوسهم مجددًا ، واصطدمت الأنخاب بعضها
ببعض وسط أصوات الضحك والأحاديث المتشابكة ،
حتى انتقل الحديث في النهاية إلى محورٍ جديد — فو نان آن نفسه
البروفيسور تشيان قد شرب بعض النبيذ أيضًا ، فارتفعت
مشاعره ولم يستطع كتمان ما يدور في صدره ،
و التفت نحو فو نان آن وسأله :
“ ذلك الفتى المسمّى يوانليانغ… هل كنت تعرفه من قبل؟”
هزّ فو نان آن رأسه وقال بهدوء:
“ لا "
نقر البروفيسور تشيان لسانه متذكّرًا كيف ساعده فو نان آن
في قبول ذلك الفتى ، وقال:
“ رأيت كم تهتمّ به، و تتقدّم بطلبات لأجله ، وتكتب له
المستندات ، وتتنقّل مشغولًا لأيامٍ بسببه ،
ظننتُ أن بينكما معرفة قديمة .”
ابتسم فو نان آن ابتسامة عادية وقال بنبرة عفوية:
“ لا، لم أكن أعرفه .
فقط شعرت أن الطفل مسكين قليلًا ، ففكرت أنه إن أمكنني
المساعدة ، فلِمَا لا؟”
كان سؤالًا عابرًا أثناء العشاء ، لكن تشي تشاو شعر أن هناك
شيئًا غير طبيعي
فو نان آن قد قال له من قبل أنه سيساعده ، لكنه لم يذكر كيف
وبعدما جاء يوانليانغ، و تمّ قبوله مباشرةً في القسم دون أيّ عقبات
كان تشي تشاو يظنّ أن الأمر سار بسلاسة طبيعية ،
إلى أن أدرك الآن أن أحد ما كان يتدخّل خلف الكواليس
ولمّا بدأ العشاء يشارف على نهايته وقلّ الأكل على الطاولة ،
اقترب تشي تشاو من أحد زملائه الكبار وسأله بصوت خافت :
“ سينباي ، حالة مثل حالة يوانليانغ… هل تكون معقّدة جدًا ؟”
أجاب الزميل بلا تردّد ، ونبرته حاسمة :
“ طبعًا معقّدة . فيها الكثير من الإجراءات الرسمية ،
وأمور خفيّة وراءها ، وإلا لِمَا رفض بقية الأساتذة استقباله ؟
مَن لا يريد أن يفعل خيرًا ؟”
فتح تشي تشاو فمه بتردّد :
“ إذًا البروفيسور فو…”
رفع الزميل كتفيه وقال متكهّنًا :
“ البروفيسور فو طيّب القلب على الأرجح ، أو لعلّ أحدًا
توسّط لديه لأجل الطفل ...”
ثم تنهد :
“ في الحقيقة ، لم يكن بحاجة لفعل ذلك ،،،
لقد جرّ على نفسه دينًا كبيرًا لرئيس القسم
بسبب هذا الأمر "
اهتزّ قلب تشي تشاو بشدّة —
' المتكلّم لا يعني شيئ ، لكن السامع يتأثر '
{ ' شيء لم يكن ضروريًا أصلًا ،، قام به البروفيسور فو ' }
لم يكن تشي تشاو غبيًا؛ فهم تمامًا ما وراء المسألة —-
{ فو نان آن كان طيّبًا أكثر من اللازم ،
فعل ما لا لزوم له من أجل طلبي أنا …. }
اقتربت نهاية العشاء ،
والحديث على الطاولة أصبح عابرًا وهادئًا ،
فو نان آن يتبادل الكلام مع أستاذ يجلس بجانبه ،
والضوء الأصفر الدافئ في القاعة الخاصة ينسكب عليهم كضباب ناعم
أمال فو نان آن رأسه قليلًا ، وتحركت تفاحة حنجرته وهو يتكلم
شعر تشي تشاو فجأة بجفاف في حلقه
حبّ المرء لشخصٍ ما لا يمكن إخفاؤه ، والعشق أوضح من
ذلك …
بعد انتهاء الوليمة ، التُقطت صورة جماعية
وفي اللحظة التي انغلق فيها مصراع الكاميرا ، التفت تشي
تشاو بغريزه نحو فو نان آن
و هكذا ، تم تثبيت تلك النظرة العابرة في الصورة إلى الأبد ——
كان العشاء مفعمًا بالمرح والارتياح
وفي المساء ، نشر كثيرون الصور على صفحاتهم في وسائل التواصل
كان معظمهم طلابًا يتناوبون بين الأقسام الطبية المختلفة
صادف تشو آنهي الصورة على صفحته —-
وعندما وقعت عيناه عليها، عقد حاجبيه بتأمل، وتردّد
للحظة ، ثم رفع هاتفه واتصل بفو نان آن
سأل فو نان آن بعد أن أجاب على المكالمة : “ ما الأمر ؟”،
و بنبرة مازحة:
“ هل لدى المدير تشو أي توجيهات جديدة ؟”
لقد عرف كلٌّ من فو نان آن وتشو آنهي بعضهما منذ سنوات طويلة ،
وكانت العلاقة بينهما دائمًا جيدة ،
لم يكونا يتحدثان كثيرًا ، لكن حين يفعلان ، يجدان دومًا ما
يتبادلان الحديث حوله ،
والمزاح بينهما صار عادة ،
لكنّ تشو آنهي اليوم لم يكن في مزاجٍ للمزاح، فجاء صوته جادًّا:
“ أي مدير تشو ؟ المدير تشو لديه أسئلة لك "
حين سمع ذلك ، تخلّى فو نان آن عن نبرته المرحة وقال بهدوء :
“ تفضّل ، اسأل .”
فتح تشو آنهي الصورة التي رآها قبل قليل على وسائل التواصل ،
في الصورة — ، تشي تشاو ينظر إلى فو نان آن بنظرة مشتعلة ،
وفو نان آن يرفع عينيه نحوه قليلًا ،
عينا تشي تشاو لامعة ، وخدّاه يكتسيان بحُمرة خفيفة
تنفّس تشو آنهي ببطء وقال بصوت منخفض :
“ أنت وتشي تشاو… ما الذي يجري بينكما بالضبط ؟”
لقد لاحظ منذ وقت أن تشي تشاو يُبدي اهتمامًا واضحًا بفو نان آن،
لكن رؤية الصورة الآن فاجأته حقًا ،
كان في السابق يظنّ أن فو نان آن لن يُكنّ أي مشاعر
متبادلة ، لذا لم يقلق ،
لكنه أدرك فجأة أنّ فو نان آن يعامل تشي تشاو بطريقةٍ
مختلفة فعلًا ——
كان فو نان آن بطبعه لطيف ، لكن فيه مسافة لا تُخطئها العين
لطالما أُعجبت به بعض الطالبات والطلاب ،
إلا أنه كان دائمًا يعرف كيف يُبقي بينه وبينهم حدودًا واضحة ،
أما الآن —- ، حتى تشو آنهي نفسه لاحظ مشاعر تشي تشاو ،
فلا يمكن أن يكون فو نان آن غافلًا عنها —-
ومع ذلك، بدا أنه يتساهل معه ، بل يتقبّل قربه
توقّف تشو آنهي لحظة ثم قال ببطء:
“ هل أنتما… معًا ؟”
ضحك فو نان آن حين سمع ذلك ، ضحكة حقيقية فيها
شيء من الدهشة :
“ كيف يمكن ذلك ؟ إنه مجرد صغير .
ما الذي يعنيه أن أكون معه ؟”
سأله تشو آنهي بجدية :
“ وهل أنت معجب به؟”
ابتسم فو نان آن مجددًا ، دون أن يؤكد أو ينكر ، وقال بنبرة هادئة متزنة :
“ سواءً أُعجبت به أم لا ، فالأمر واحد .
نحن… غير مناسبين .”
كان كلامه بسيط ، لكنه كافٍ
حتى تشو آنهي، الذي لم يكن معنيًا بالأمر ، استطاع أن يرى
بوضوح مشاعر تشي تشاو ، فكيف لا يلاحظها فو نان آن؟
هذه المواقف مألوفة للغاية — فمعظم الناس ، في مرحلة
من حياتهم الدراسية ، يُعجبون بمعلم أو أستاذ ،
لكن ذلك الإعجاب غالبًا يكون غامض ، مؤقت ، وليس حبًّا
يمكن أن يسير بالاثنين معًا في الطريق ذاته
أومأ تشو آنهي وقال موافقًا :
“ صحيح… غير مناسبين فعلًا ….”
ثم تردّد قليلًا :
“ أتعلم ؟ تشي تشاو يخطط للدراسة في الخارج ”
أومأ فو نان آن ببطء وقال:
“ أعرف .”
كان تشي تشاو قد ذكر ذلك في بعض أحاديثهما من قبل ، وفو نان آن كان دائم التشجيع له ،
فالسفر إلى الخارج ورؤية العالم أمر جيد ،
والدراسة في الخارج لا تعني أنه سيعيش هناك إلى الأبد ،
ولا أنه سيقطع صلاته ،
لكن طريق الحياة طويل ، وفتى في عمره ما زال أمامه الكثير
من الخيارات الجميلة ،
لا ينبغي أن يُقيَّد أو يُحدّ الآن
ابتسم فو نان آن ابتسامة خفيفة وقال بهدوء :
“ لا تقلق ، أنا واعٍ تمامًا بما أفعل ”
تنفّس تشو آنهي باطمئنان :
“ هذا جيد "
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق