Ch24 الخطاف الخلفي
كان لانغ فنغ يحكي قصته بسرعة ووضوح ،
بعرض منظم أشبه بتقرير مرتب بعناية ،
لدرجة أنه من الممكن لمن يسمعه يرى أن لانغ يقرأ سيرة
ذاتية وليس ذكريات عاطفية ،
تحدث عن ثلاث علاقات سابقة له، فذكر أسماءهم ،
وكيف تعرّف إلى كلٍّ منهم ، ومدة العلاقة ، وسبب
الانفصال ، كل ذلك بأوجز ما يمكن
كانت حكاياته عادية إلى حدٍّ ما ،
أولى علاقاته كانت في الجامعة ، مع صديقٍ مقرّبٍ اكتشف
معه أنهما من ' النوع نفسه ' فارتبطا لفترة ،
لكن ما إن التحق لانغ فنغ بكلية الطيران انفصلا
أما الثاني ، فكان في ألمانيا ، لكن لم تدم إلا سنة واحدة ،
لأن الطرف الآخر لم يعترف بميوله بعد ،
أما الثالث ، فكان قبل ثلاث سنوات في أمستردام ،
مع شاب يصغره بخمس سنوات ،
ولم تستمر حتى سنة كاملة
سأل تشو تشيتشن بدهشة :
“ إذًا لم تكن في علاقة تجاوزت العام قط ؟”
فأجاب لانغ فنغ ببساطة:
“ نعم ، لم يكن التوقيت مناسبًا .
كنت أكتشف بعد فترة أننا غير منسجمَين .”
تشو تشيتشن:
“ وحين تكتشف ذلك… تنفصل فورًا ؟”
أجاب لانغ فنغ بعد ترددٍ قصير :
“ يمكنك وصفه هكذا ”
تأمل تشو تشيتشن وجهه لحظة ، ثم ابتسم :
“ لو كنت أملك نصف وعيك هذا ، لكنت بخير ”
ضحك لانغ فنغ قليلًا :
“ إذًا لما كنت الآن أعزبًا ...”
و أضاف مفسّرًا:
“ من يستطيع أن يترك ما مضى بسهولة ، لا يخشى أن يبدأ من جديد ”
ضحك تشو تشيتشن :
“ أتقصد أنني صعب الإرضاء ؟”
فأجابه لانغ فنغ بنبرةٍ شبه جادة :
“ بل إن عتبة مشاعرك مرتفعة ”
و بابتسامة خفيفة:
“ لكن لا بأس… لقد تجاوزتها أنا بالفعل "
سكت تشو تشيتشن قليلًا ، ثم خطر له سؤال لطالما دار في
ذهنه ولم يطرحه من قبل :
“ أخبرني… لماذا أحببتني أصلًا ؟”
ابتسم لانغ فنغ وقال بلا تردد :
“ السؤال الأدق هو : كيف يُمكن ألا أحبك ؟
أنت من أضافني ثم رفضت المواعدة ،
وبعدها التقينا ، وكنت أنت أول من حاول إغرائي أولاً ،
ثم تركتني ورحلت دون كلمة…
شخصٌ كهذا ، من لا يفتتن به؟”
لم يتمالك تشو تشيتشن نفسه من الضحك ،
إنها المرة الأولى التي يسمع فيها القصة من منظوره ،
وقال:
“ في البداية كنت أظنك مهتمًّا بفانغ هاو ، لأنك سألتني عن
الهدية ، لكن… الهدية التي قدمتها له كانت بالفعل مميزة .
و سمعت إشاعة تقول أن مجسم طائرة الكونكورد
الذي أهديته مثل الشوكة في عين تشن جيايو ~ ”
سأل لانغ فنغ بفضول :
“ ماذا تقصد ؟”
قال تشو تشيتشن مبتسمًا:
“ يعني أنه يغار منها لأنها كانت الهدية الأجمل والأكثر تميّزًا ”
تأمل لانغ فنغ كلامه لحظة ، ثم رفع عينيه وسأل فجأة :
“ وهل أنت تغار ؟”
تفاجأ تشو تشيتشن:
“ أنا ؟ من تلك الهدية ؟”
فقال لانغ فنغ بابتسامة خافتة :
“ سأهديك ما هو أجمل ،،
فقط أخبرني مسبقًا ما الذي تحبه ”
أجابه تشو تشيتشن بصدقٍ عفوي :
“ لا أريد شيئًا ماديًا… يكفيني أنت ”
بدأ صوت لانغ فنغ يهبط شيئًا فشيئًا وقد غلبه النعاس، وقال بهدوء خافت كالهمس :
“ أنا هنا… لن أذهب إلى أي مكان ،،
لكن فكر في شيء آخر قد تريده ،
في أي وقتٍ تريد ، فقط أخبرني ”
ابتسم تشو تشيتشن ،، كان يشعر أن لانغ فنغ يصبح أكثر
طاعة بعد كل مرة يفعلانها ، كأنه يتغيّر قليلًا ،
يُقال إن فارق ثلاث سنوات يكفي ليجعل أحدهما ينتمي
لجيلٍ آخر ، ولانغ فنغ يقود طائراتٍ أكبر منه ،
وجسده أطول ، لكن تشو تشيتشن كان يجد في فارق العمر
البسيط هذا المساحة الوحيدة التي يستطيع أن ' يتفوّق '
فيها عليه
إحساسه هذا عادةً يستمر حتى المرة التالية التي يُمسكه
فيها لانغ فنغ ويطرحه أرضًا دون جهدٍ يُذكر ~~
ضحك في نفسه من هذه الفكرة ، وأراد أن يفتح حديثًا
جديد ، لكنه التفت فوجد أن لانغ فنغ قد غفا بالفعل
حينئذٍ مدّ يده إلى الهاتف على طاولة السرير ،
وشغله ، مرت لحظة يفكر بصمت ، ثم فتح البريد الذي
أزعجه طوال الوقت ، وكتب ردّ قصير ، لا يتجاوز سطرين :
[ ما زلت في بكين . رقم هاتفي 1371XXXXXXX ]
ثم وضع الهاتف على الطاولة الجانبية ، وأطفأ الأنوار ،
واستدار ليعانق لانغ فنغ استعدادًا للنوم
كان معتادًا على النوم بمفرده ، وغالبًا يجد صعوبة في النوم
إذا كان جانبه شخص آخر ، لذا لم يبيت يومًا في منزل أحد ،
ولم يسمح لأحد أن يبيت في منزله ،
لكن مع لانغ فنغ — وهو حبيبه الآن بشكلٍ واضحٍ ورسمي ،
استطاع أن ينام بعمق
ضاقت مساحة السرير المزدوج حتى بدى وكأنه سرير
لشخص واحد ،
لكن شعور النوم هذه المرة لم يكن شعور شخص واحد
بل اثنين
——
في صباح اليوم التالي،
ما إن استيقظ لانغ فنغ حتى كانت أولى كلمات تشو تشيتشن له:
“ متى تريد أن تعود إلى منزلك ؟”
: “ هاه ؟”
: “ قلت إنك ستعود لتناول العشاء مع والدتك.”
عندها تذكّر لانغ فنغ وقال:
“ صحيح، أنت…”
: “ يمكنني أن أذهب معك ”
لم يكن لانغ فنغ يتوقّع أن يغيّر تشو تشيتشن رأيه بعد ليلة واحدة فقط
: “ بالطبع أتمنى أن تأتي ، لكن بشرط واحد…
أن تكون مرتاح ، وتشعر أن الأمر مناسب لك ،
لن أُجبرك على شيء لا تريده .”
: “ لا، أنا أرغب في ذلك .” أجابه تشو تشيتشن ببساطة
وبعد أن غسل لانغ فنغ وجهه وبدّل ملابسه وشرب قهوته،
عاد وسأله مجدداً في وعيٍ تام ، ليتأكد من أنّه ما زال على رأيه ،
وعندما سمع التأكيد ، اتصل بوالدته لترتيب اللقاء
لم يكون لانغ فنغ في بكين لفترة طويلة ، ولهذا جرى تحديد
الموعد في نفس ليلة هذا اليوم
وعندما نقل الخبر إلى تشو تشيتشن وسأله عن رأيه ،
بدا الأخير متفاجئًا قليلًا من السرعة ، لكن بما أنه وافق
مسبقًا ، فقد أبقى على موافقته
و في فترة بعد الظهر ، بدأ تشو تشيتشن يقلب خزانة
ملابسه باحثًا عن ما يناسب المناسبة ،
وبعد بحثٍ طويل اكتشف أنه لا يملك شيئًا رسميًا يليق
بمقابلة والدة حبيبه ،
بل فكّر أنه إن لم يجد حلاً فسيَتظاهر بأنه للتوّ عاد من رحلةٍ جوية ، ويرتدي زيه الرسمي ~~~
و قال ضاحكًا للانغ فنغ:
“ ربما لو رأتني بزيّ الطيران ، ستحصل على انطباعٍ جيدٍ عني
ههههههههههههه ما رأيك ؟”
ابتسم لانغ فنغ :
“ أمي لن تأخذ عنك انطباعًا سيئًا ، وأيضاً ليست من النوع
الذي يحكم على الناس من النظرة الأولى .”
وفي النهاية أخرج لانغ فنغ من حقيبته قميص أزرق فاتح غير رسمي ،
وكواه بنفسه ثم أعطاه لتشو تشيتشن ليرتديه
لقد لاحظ توتره منذ الظهيرة ، فظل يطمئنه حتى لحظة
الوصول ، مؤكدًا له أن الأمر بسيط ، و مجرد عشاء وحديث عابر
وعندما رفع لانغ فنغ يده ليضغط على جرس الباب ،
مدّ يده الأخرى وأمسك بيد تشو تشيتشن
جيانغ يينغ —- والدة لانغ فنغ، في الخامسة والخمسين من
عمرها، وما إن رآها تشو تشيتشن حتى وجدها تجسّد تمامًا
معنى ' الشيخوخة الأنيقة '
من ملابسها إلى تصرفاتها ، كلّها تنمّ عن ذوقٍ راقٍ ونبلٍ
طبيعيّ ، تجمع بين الرقيّ واللطف
لقد أعدّت بنفسها مائدة صغيرة مليئة بأطباق مطبخ 'هواييانغ '
و بعد بضع دقائق من الحديث ، بدأ تشو تشيتشن يشعر أن توتره يزول
فهو بارع في المحادثة ، وجميع أصدقائه يحبون دعوته إلى
حفلات العشاء ،
وبكلمات لانغ فنغ المشجّعة التي همسها له في أذنه قبل
قليل — أخبره أن يُعامل جيانغ يينغ مثل صديقة كبيرة بالسن ،
فاستعاد تشو طبيعته الهادئة سريعًا
تدور أغلب الأحاديث حول مواضيع عادية : بكين ،
مسقط رأسه ، عمله في طيران هاينان
لكن عبارتين قالتْهما جيانغ يينغ بقيت عالقة في ذهنه
الأولى كانت مجاملة خفيفة :
“ سمعت إيفان يذكر كثيرًا مؤخرًا "
أما الثانية، فكانت أصدق وأعمق أثرًا :
“ أنت أسرع شخصٍ دخل حياته على الإطلاق…
لا بدّ أنه معجب بك كثيرًا ”
في تلك اللحظة احمرّ وجه لانغ فنغ قليلًا ، ولم يُنكر شيئ ،
ضحك تشو تشيتشن ولم يعلّق ،
لكن ذهنه ظلّ شاردًا لبضع دقائق ، يعيد تكرار تلك الجملة في رأسه
لانغ فنغ لم يقل شيئ كهذا من قبل ، لكن هذه المرة استثنى
تشو من كل قواعده ،
( يعني لانغ مايجيب سيرة شخص معجب فيه عند اهله ،
لكن إلا تشو تشيتشن تكلم عنه اكثر من مرة معاهم )
لانغ فنغ كان مولودًا ليكون طيارًا ، منضبطًا في كل تفاصيل
حياته ، شديد الالتزام بالنظام ،
و يصلّي قبل كل رحلةٍ مجدولة ، ويتّصل أسبوعيًا بوالده لانغ
رنينغ ووالدته جيانغ يينغ ، ولا يضع الأجهزة الإلكترونية إلى
جانبه حين ينام
عرف تشو تشيتشن لاحقًا أنه كان الاستثناء الوحيد في كثيرٍ
من تلك القواعد — خصوصًا في ما يتعلق بالمشاعر ،
فمن بين قواعد لانغ الصارمة : ألّا تكون هناك علاقة جسدية
من دون أساس عاطفي ، وألّا يبدأ أي علاقةٍ رسمية قبل مرور
ثلاثة أشهر من المواعدة
ما يُعدّ لدى الآخرين ' الغرق في الحب والاندفاع '
كان في عالم لانغ فنغ يُعتبر ' اختلالًا في النظام '
وحين غادرا المنزل ، تنفّس تشو تشيتشن الصعداء أخيرًا
لاحظ لانغ فنغ توتره ، فاقترب منه ووضع ذراعه على كتفه وقال مبتسمًا :
“ أخبرتك ، أمي ستعجب بك كثيرًا .”
هزّ تشو تشيتشن رأسه وضحك قائلًا :
“ كنت أفكر فقط… كم سأكون محرجًا لو أنها سألتني عن
عائلتي ، لحسن الحظ أنها لم تفعل "
لكن ما إن قال ذلك ، حتى التفت ورأى تعبير وجه لانغ فنغ،
وفهم على الفور
“ أنت أخبرتها ، أليس كذلك؟”
لقد لاحظ أثناء العشاء أن جيانغ يينغ كادت مرتين أن تسأله
عن عائلته ، لكنها تراجعت وغيرت الموضوع بنفسها ،
والآن فقط فهم السبب ——
قال لانغ فنغ معتذرًا :
“ آسف ، أعلم أنه لم يكن عليّ أن أُخبر أحدًا بشيءٍ من
خصوصياتك ، لكنني خفت إن سألتك فجأة ولم تكن
مستعدًا… أن يُحزنك الأمر "
ابتسم تشو تشيتشن بهدوء :
“ لا بأس ، لو سألت كنت سأجيب ، لقد اعتدت على ذلك
خلال السنوات الماضية… ومع ذلك ، أشكرك .
لقد كنت لطيفًا .”
كان لانغ فنغ لا يزال ممسكًا بكتفه منذ البداية ، ومع
الحديث لم يُفلت ذراعه حتى وصلا إلى السيارة ، وهناك فقط تركه
—————
في صباح اليوم التالي ،
استيقظ تشو تشيتشن قبل الخامسة ، وقاد سيارته الـSUV
ليقلّ لانغ فنغ إلى المطار ،
رحلته إلى مطار شارل ديغول في باريس ، ثم إلى أمستردام
— الجزء الأخير من رحلته الطويلة
اقترح لانغ فنغ أن ينام تشو تشيتشن قليلًا بدلًا من النهوض
باكرًا ، لكن الأخير رفض
فقد اعتاد منذ سنوات خدمته العسكرية على الاستيقاظ
المبكر ، وعلى كسر رتابة الجسد والنوم متى شاء النظام وليس متى شاء هو
و بينما في الطريق إلى مطار داشينغ، كانت السماء تلوح
بشفق الفجر الأول
نظر تشو تشيتشن إلى ملامح لانغ فنغ الجانبية وسط الضوء
الرمادي ، فاجتاحه شعور غامض لا يعرف كيف يصفه
لاحظ لانغ فنغ أنه انحرف عند مفترق الطريق إلى اليمين،
مبتعدًا شيئًا فشيئًا عن خط الملاحة في الخريطة
قال باستغراب:
“ ألا تتبع الخريطة ؟”
لم يُجبه تشو تشيتشن، بل اتجه إلى طريقٍ فرعيٍّ هادئٍ في
ضواحي الطريق السريع
قال لانغ فنغ وهو ينظر إلى الساعة بقلق:
“ تذكّر ، تسجيل الدخول عند الخامسة والنصف…”
كان دقيقًا في مواعيده بدقةٍ تكاد تُذكّر بالألمانيين ، لا يريد
أن يتأخر دقيقةً واحدة
ابتسم تشو تشيتشن :
“ ممم ، أعلم .”
لكن بينما يقول ذلك ، حرّك المفتاح في عكس اتجاه عقارب
الساعة ، فانطفأ المحرّك في لحظة ،
وغرق الشارع كلّه في ظلمة خافتة مع انطفاء المصابيح ،
قبل بزوغ الفجر
مدّ يده يلمس خدّ لانغ فنغ الجانبي ، ثم مال نحوه واقترب
منه ، وأنزل رأسه ليقبّله
تداخلت أنفاسهما ، واختلّ الإيقاع بينهما ، وصار كلّ شيء فوضويًّا ودافئ
لانغ فنغ فاجأته هذه القبلة ، بدأ يشعر بحرارة في جسده ،
فامتدت يده بعفوية تحت قميص تشو تشيتشن ،
تشو رغم برودة الجوّ ، لا يرتدي سوى قميصٍ أسودٍ خفيف
تحت سترته الخفيفة ، وكفاه دافئتان بشكلٍ غريب
أما لانغ فنغ فكان بزيّه الرسميّ الكامل : سترة الطيران ذات
الأشرطة الفضية الأربع على كتفيه ،
وقميصه الأبيض بأزراره المحكمة حتى أعلاها ،
وربطة عنق زرقاء — مظهر منضبط يبعث على الهيبة
شعر تشو تشيتشن بالندم ، لعدم البقاء معه لفترة أطول أمس
صحيح أنهما فعلاها معاً ، و آثار عضات لانغ و قبلاته ما تزال على عنقه —
{ لكن ذلك لم يكن كافياً ….
لا يمكن أن يكون كافياً أبداً …. }
اضطرّ لانغ فنغ إلى أن يتوقف بلا رغبة ، و همس وهو يقبل عنقه ،
صوته خافت متردّد :
“ حقًّا… عليّ أن أذهب الآن ”
أجاب تشو تشيتشن وهو يضحك بخفوت ، خافضًا رأسه :
“ ممم .” ثم قبّله قبلة خفيفة على أذنه ، وابتعد عنه ببطء
كلاهما قد تأثّر ، لم يكن يحتاج إلى اعتراف أو شرح ،
فالأمر واضحٌ بما فيه الكفاية ،
ضحك تشو تشيتشن وقال وهو يشغّل السيارة مجددًا :
“ سنؤجّلها ، المرة القادمة نعوّضها معًا ”
تذكّر لانغ فنغ شيئ ، ففتح حقيبة الطيران الصغيرة وبدأ
يبحث فيها حتى أخرج سلسلة مفاتيح عليها دمية محشوّة
صغيرة على شكل طائرة سمينة زرقاء فاتحة اللون ، بوجهٍ
مبتسم و مرسوم عليها — شعار طيران KLM
خلع الدمية من السلسلة ، ومدّها إلى تشو تشيتشن قائلًا:
“ هذه أصدرتها الشركة الأسبوع الماضي للجميع ، خذها .
طالما لست هنا ، فليكن هو رفيقك مؤقتًا .”
في البداية ابتسم تشو تشيتشن، ورأى في ذلك حركةً
طفولية من لانغ فنغ — وكأنّه يحاول مواساته كما يُواسى
طفل حزين بقطعة حلوى
لكن حين غادر لانغ فنغ —-
وتابع بنظره قامته المستقيمة حتى اختفت عند مدخل المطار ،
ثم عاد أدراجه نحو منزله … و وجد نفسه دون وعي ،
ينعطف عند التقاطع نفسه الذي انحرف فيه فجرًا ،
وقف في الشارع نفسه ،
وكأن شيئ بداخله لم يرغب أن يترك هذه اللحظة بعد
لم يُطفئ المحرّك ، لكنه أخرج من جيبه الطائرةَ الزرقاء
الصغيرة ذات الرأس الكبير التي أهداه إيّاها لانغ فنغ،
وعلّقها أسفل مرآة السيارة ،
إلى جانب تميمة الحظ التي اشترتها اخته تشو تشيروي
ذات ربيع من رحلة مدرسية
كان ذلك الربيع مليئًا بأيام الضباب ، لكن صباح هذا اليوم
بالذات صادف أجمل وأضخم شروق شمس شهدته بكين ،
غمرت السماء والطرقات أشعة ذهبية مبهرة أدفأت جسده كلّه ،
وعندما حرّك السيارة مجددًا ، بدأت التميمة تهتز مع
ارتجاج الطريق ، و الطائرة الزرقاء تتمايل برفق إلى جوارها
في هذه اللحظة ، شعر تشو تشتشنغ برغبة جامحة تفيض في صدره ؛
أراد أن يكتب لـ لانغ فنغ قصيدة حب ،
رغم أنه لا يعرف كيف يكتب الشعر ،
أراد أن يشرب معه أعتق الخمور ،
وأن يرافقه إلى أقاصي الأرض والسماء ،
أراد أن يمدّ يده ، فيتبعه لانغ فنغ بلا تردّد ،
ولكن هذا ليس مجرد اندفاع ورغبة عابرة ،
بل إحساسٌ ظلّ يتكوّن في أعماقه طويلاً ، مكبوتًا حتى فاض،
وانسكب في هذه اللحظة كالنهر الجارف
كان إحساسًا أعمق من لحظة حماس ،
وأثقل من لهفة شوق ،
كأن القدر نفسه يناديه ليسير في طريق لا يؤدي إلا إلى لانغ فنغ
——-
بعد أسبوعٍ ،
وفي المساء ،
تشو تشيتشن ينتظر في منزله عودة لانغ فنغ على الرحلة
القادمة من أمستردام ، مرورًا بباريس إلى بكين — نفس
المسار ، ونفس رقم الرحلة ، ونفس التوقيت تمامًا
وبعد تفكير طويل ، قرر أن يمنحه مفاجأة ،
فتح اللابتوب ، وتحقّق من جدول رحلات لانغ فنغ، تأكد أن
رحلته التالية ستكون من بكين إلى أمستردام، ثم حجز
مقعد على نفس الطائرة —-
{ فطالما أن جواز سفري وتأشيرتي جاهزة ، فلمَ لا ؟
ولايوجد سبب ليبقى في بكين ، فالأجدر أن أمضي بضعة
أيام في أمستردام —
الكل يرافق في المأكل والمنام ، لكن أنا … أريد أن أرافقه في السماء أيضًا …. }
لكن —— ،
بعد مرور خمسة عشر دقيقة فقط على قيامه بالحجز
واستلام التذكرة ، اتصل لانغ فنغ به كما لو أنه يقرأ أفكاره
تفاجأ تشو تشيتشن، ظنّ لوهلة أن عقل لانغ فنغ متصل
مباشرةً بخوادم طيران KLM، وقد كشف أمر المفاجأة قبل أوانها
فتح التقويم بسرعةٍ ليتأكّد من الوقت هناك { لا بد أن لانغ
فنغ في هذه اللحظة يستعدّ لرحلة أمستردام – باريس – بكين }
ردّ عليه بابتسامةٍ في صوته وقال :
“ مرحبًا ، ما الأمر ؟ ألستَ منشغلًا الآن ؟”
جاء صوت لانغ فنغ صافياً يحمل شيئًا من الجدية :
“ هل أنت في المنزل ؟ يوجد أمر مهم يجب أن أخبرك به "
تجمّد تشو تشيتشن في مكانه لحظة ، ثم قال متوتّرًا :
“ انتظر لحظة .”
أخذ نفسًا عميقًا ،
وضبط نبرته ، ثم قال أخيرًا :
“ حسنًا ، تفضّل ، قل ما لديك ”
لانغ فنغ بهدوء شديد :
“ لن أقود بعد الآن رحلات أمستردام – بكين "
يتبع
من بوكس الرواية :


تعليقات: (0) إضافة تعليق