القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch25 احتراق القلب

Ch25 احتراق القلب



{ يا له من حدث غريب ! } ظل تشي تشاو يحدق في شاشة 

هاتفه مذهولًا، غير مدرك كيف يرد على الرسالة


اسم فو نان آن وصورته الشخصية كانا مختلفين تمامًا عن 

تشونغ يانغتشيو، ولم يفهم كيف خلط بينهما


تشي تشاو يُقسم أن هذا لم يكن مقصودًا على الإطلاق


علاقتهما قد أصبحت متباعدة بالفعل ؛ ولم يرَى تشي تشاو 

سببًا لإزعاج الطبيب فو بهذا الأمر


ظل طرف إصبعه يلامس الشاشة مترددًا في الرد ، 

حتى جاء اتصال من فو نان آن مباشرةً ———


اهتز الهاتف ، 


شعر تشي تشاو وكأنه على وشك إسقاطه


بسرعة ودع ليو يانغ ، وركض إلى مكان هادئ ، ثم أجاب المكالمة


: “ بروفيسور فو، أنا…” ارتجفت كلمات تشي تشاو قليلًا


فتح فمه ليشرح أنه أرسل الرسالة إلى الشخص الخطأ، 

لكن فو نان آن، اعتقد أنه ما زال قلق ، و طمأنه بهدوء : 

“ لا تقلق . لقد تحدثت مع الممرض ليو بالفعل .”


بالمقارنة مع صوت تشي تشاو المرتجف ، كان صوت فو نان آن أكثر ثباتًا


بدا أنه لا يزال في قسم المستشفى، إذ يمكن سماع أصوات 

خافتة في الخلفية


عبر السماعة، سمع تشي تشاو فو نان آن يقول “ عذرًا ” 

لشخص قريب ، تلاه صوت خطوات، ثم هدأ المكان حوله


تابع : “ أخبرت الممرض ليو أنك تعمل على مشروع معي . 

من المحتمل ألا يسألك مجدداً .”


ربما بسبب أن الحديث كان هاتفيًا ، اختفى الشعور 

بالمسافة الطفيفة بينهما، واستبدل بحميمية دقيقة


ارتعشت زوايا شفتي تشي تشاو قليلًا، ثم قال بهدوء: “شكرًا لك.” 


أجاب فو نان آن بلطف: “على ماذا تشكرني ؟ 

لا حاجة للشكر معي .”


كان صوته دافئًا ، وكذلك شعور تشي تشاو في قلبه ، الذي 

أصبح دافئًا كينبوع ساخن يتدفّق


محمرّ الخدين و شرح تشي تشاو للأستاذ فو أنه أرسل 

الرسالة إلى الشخص الخطأ، 

وأنه كان يقصد إرسالها إلى تشونغ يانغتشيو


ضحك فو نان آن وقال: “ كنتُ أتوقع ذلك .”


لقد خمن الأمر منذ البداية بالفعل —- تشي تشاو لم يكن ليخاطبه بـ”يا غاااا ” في رسالة ، 

لكن بما أنه رأى الرسالة ، لم يكن بإمكان فو نان آن إلا أن يساعده


كان صوته لطيف ، لكنه يحمل ثقلًا مع ذلك: “ إذا واجهت 

موقفًا كهذا مجدداً ، فقط اتصل بي مباشرةً .”


المتدرّبون يقومون بأعمال متنوعة أينما كانوا ، والتعرض 

للضغط أو الطلبات الزائدة أمر شائع


لم يظن تشي تشاو أن عملًا إضافيًا قليلًا خسارة كبيرة ، 

لكن شعور وجود من يدعمه يختلف تمامًا ، 

البروفيسور فو —- ، كطبيب كبير ، كان يهتم بهم دائمًا ، 

ولم يكن ليترك أحدًا يُظلم


عمق الشتاء وقت شديد البرودة — و بعد الحديث مع 

الأستاذ فو قليلًا ، شعر تشي تشاو بدفء قلبه يزداد


بعد إنهاء المكالمة ، سار ببطء عائدًا إلى مبنى السكن ، 

والرياح الباردة تتسلل إلى ملابسه من خلال ياقة المعطف ، 

لكنه شعر بالراحة والطمأنينة رغم كل شيء


———-




مرّ الوقت سريعًا حتى ليلة رأس السنة ———



جميع زملاء تشي تشاو في السكن قد غادروا ، 

ولم يبقَى في الممر كله سواه


سلّمته مشرفة السكن مفاتيح الغرف كلها مباشرةً


لم تكن تلك أول مرة يقضي فيها تشي تشاو رأس السنة وحيدًا ، 

وقد اعتاد على الأمر ،


نزل إلى السوبرماركت في الأسفل ، واشترى بعض الزلابية ليغليها، 

وبعد قليلٍ من التردّد ، أضاف إلى مشترياته علبة بيرة أيضًا


فكر —-بما أنّها ليلة رأس السنة ، فلا بدّ من شيءٍ يضفي 

قليلًا من الأجواء الاحتفالية


ورغم أن لوائح سكن الطلاب تمنع استخدام المواقد ، 

إلا أن كل غرفة تحتفظ سرًا بطباخ كهربائي صغير منخفض القدرة


الطباخ الذي يملكه تشي تشاو ذا واط منخفض وغير خطير 


وضع فيه نصف كيس من الزلابية ، فبدأت تغلي ببطء ، 

مانحةً نكهة مختلفة عمّا تعوّد عليه


دفأه طبق الزلابية من الداخل، وشرب بعدها بعض البيرة


تصاعد البخار أمام عينيه ، وبدأ ذهنه يتشوش شيئًا فشيئًا


وعندما يتشوش الذهن ، بماذا يفكر الإنسان ؟


رمش تشي تشاو بعينيه ، ثم رفع هاتفه واتصل بفو نان آن ~


قال بصوتٍ يغمره الحماس :

“ بروفيسور فو سنة جديدة سعيدة !”


حين تلقّى الاتصال ، كان فو نان آن جالسًا إلى مكتبه ' يقرأ '

كتاب مطبوعًا بطريقة برايل


تردد الصوت المفعم بالحيوية في أذنه، فابتسم ابتسامة خفيفة :

“ سنة جديدة سعيدة تشي تشاو .”


خلافًا لصمت السكن ، كان الجو حول فو نان آن يعجّ بالحركة والحياة


فعلى الرغم من أن المدينة قد حظرت إطلاق الألعاب النارية ، 

إلا أنّ البعض لم يمتثل تمامًا ، فكانت أصوات الفرقعات 

تتردّد واضحة في أذنيه


فالأذن، على خلاف العينين، لا يمكنها أن تحجب ما تسمعه


سأله تشي تشاو بصوتٍ مرتفعٍ يغلب على ضوضاء المفرقعات :

“ بروفيسور ماذا تفعل الآن ؟ 

ولماذا أسمع صوت المفرقعات عندك ؟”


وضع فو نان آن الكتاب جانبًا، وتلمّس طريقه نحو النافذة



أما تشي تشاو، فلم يرغب بإنهاء المكالمة بهذه السرعة ، 

فتابع الحديث بحماس :

“ بروفيسور ، أين منزلك ؟ هل ما زال مسموحًا بإطلاق الألعاب النارية هناك ؟”


قال فو نان آن وهو يضع يده على حافة النافذة :

“ ما زلت في المستشفى . لم أعد إلى منزل عائلتي هذا العام .”


لم يكن السبب أنه لا يريد العودة ، بل كان الأمر محض صدفة


فوالدا فو نان آن كانا أستاذين جامعيين تقاعدا قبل بضع سنوات ، 

لكنهما لم يحتملَا الجلوس بلا عمل ، وبدآ يسافران باستمرار ،


وهذا العام قرّرا قضاء رأس السنة في جزيرة هاينان


أما فو نان آن ، فبقي ليُنهي بعض أعماله ، ولأنهم يلتقون 

عادةً كثيرًا، لم يجد داعيًا لمرافقتهم


قال بابتسامة فيها شيء من الدعابة :

“ لقد ذهبا ليستمتعا بوقتهما الخاص كزوجين . 

لن أزعجهما بقدومي .”


عائلة فو يتميزون بطبعٍ هادئ ، لا يبالون كثيرًا بالمظاهر أو الطقوس


فالأُلفة العائلية بالنسبة إليهم أمرٌ يومي ، لا يتوقف على يوم أو احتفال واحد


لكن تشي تشاو لم يشاركهم هذا المنطق ، إذ بدا عليه القلق وقال بانفعال:

“ كيف يمكن ذلك ؟ إنها ليلة رأس السنة !”


: “ فماذا أفعل إذن ؟” قال فو نان آن مبتسمًا ، وهو يرى 

تشي تشاو في حالٍ من الارتباك لم يرَه عليها من قبل، 

ثم أضاف مازحًا: “ لقد سافروا بالفعل إلى هاينان ، لا 

يمكنني الطيران إليهم الآن ، أليس كذلك ؟”


ارتبك تشي تشاو لحظة ، وخرجت الكلمات من فمه دون 

تفكير : “ إذًا سأقضي ليلة رأس السنة معك !”


وما إن قالها حتى تجمّد الاثنان في مكانهما ، 


تشي تشاو أكثر من ندم على ما تفوّه به


لم تكن بينهما صلة قرابة ، فاقتراح قضاء رأس السنة معًا 

بدا غريبًا بعض الشيء


لمس خدَّه بخفة عند الغمازة ، وقال متلعثمًا في محاولة لتبرير كلامه:

“ أنا… أنا لم أقصد ذلك… فقط فكّرت أنه بما أنك وحدك ، 

وأنا أيضًا وحدي ، فيمكننا أن… يعني… نقضيها سويًا— 

لا، لا أقصد بهذا الشكل !”


وتوقف فجأة ، شعر أن الموقف يزداد سوءًا كلما حاول تفسيره ~

{ يا إلهي !!! ما الذي أقوله ؟ 

كلما حاولت التوضيح، ازددت حرجًا ! }


ظل تشي تشاو يعبث بغمازته وهو لا يعرف ماذا يقول بعد،


بينما قال فو نان آن بنبرة هادئة :

“ أأنت وحدك في السكن الجامعي ؟”


أومأ تشي تشاو : “ نعم… الجميع عادوا إلى منازلهم "


فو نان آن : “ تشعر بالوحدة ؟”


واصل تشي تشاو الإيماء برأسه : “… قليلًا "


كان من المستحيل أن لا يشعر بالوحدة ،،،، 

زملاؤه غادروا منذ فترة ، وموسم الربيع بطبيعته موسمُ لمّ 

الشمل ، مما جعل وحدته أكثر قسوة


هو الشخص الوحيد الباقي في المبنى بأكمله ، لكنه اعتاد 

على ذلك منذ زمن


في السابق ، كان يعود إلى دار الأيتام كل عام لزيارة المعلّمة 

التي اعتنت به صغيرًا ، 

لكنها توفّيت فجأة قبل عامين ، ومنذ ذلك الحين لم يعد له أحد ،


ضحك تشي تشاو بخفة محاولًا طمأنة فو نان آن:

“ في الواقع ، الأمر ليس سيئًا . البقاء في السكن وحدي 

مريح أيضًا ، أنام متى أشاء وأستيقظ متى أشاء ، 

كأنني أعيش في فيلا كبيرة بمفردي .”


لقد تعوّد على إخفاء مشاعره والتظاهر بالقوة


ابتسم وهو يتحدث ، لكن فو نان آن تنهد تنهيدة خفيفة 

وقال بصوت منخفض :

“ تعال إلى منزلي ، على الأقل نتحدث قليلًا "


تجمّد تشي تشاو بضع ثوانٍ قبل أن يستوعب كلامه


: “ ح-حقًا؟ هل هذا مناسب ؟ ألا يسبب لك إزعاجًا ؟”


قال فو نان آن بهدوء دون أي تردد :

“ منزلي ليس بعيدًا عن المستشفى ، سأرسل لك العنوان ، 

خذ وقتك في الطريق .”


: “ اوووه ! اوووه !” رد تشي تشاو بحماس كاد يفقد هاتفه 

من فرط السعادة


وبعد أن أرسل فو نان آن العنوان ، ظلّ تشي تشاو يحدّق فيه مرارًا وتكرارًا


لم يكن يصدق أنه سيقضي ليلة رأس السنة مع الأستاذ فو


كان الأمر أشبه بحلم


قرص نفسه بقوة حتى يتأكد أنه لا يحلم ، 

وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة



ورغم أن فو نان آن أخبره أن يأخذ وقته ، 

إلا أن تشي تشاو لم يستطع التمهّل


غيّر ملابسه بسرعة ، جمع أشياءه ، ثم أمسك بزجاجة 

البيرة التي بقي نصفها ، وشربها دفعة واحدة


كما يقولون: ' الخمر شجاعة الخجول '

وهذه أول مرة يذهب فيها إلى منزل فو نان آن، 

فتوتره كان طبيعي


فكّر أن يأخذ شيئًا معه ، لكنه لم يعرف ماذا


وفي النهاية ، أخذ قدر آخر من الزلابية ، وضعها في علبة ، 

ثم خبّأها في معطفه قريبًا من صدره ، وانطلق نحو منزل فو نان آن


الشهر القمري الثاني عشر أشدَّ شهور السنة برودة —-

تجاوز الوقت الثامنة مساءً ، والليل قد أرخى سدوله


الرياح الشمالية تقطع الوجه كالسكاكين


لكن قلب تشي تشاو ظل دافئ


خشي أن تبرد الزلابية التي أحضرها ، فظلّ يحميها بيده طوال الطريق


وما إن وصل إلى منزل فو نان آن، حتى أسرع يمدّ له العلبة قائلًا بحماس:

“ البروفيسوووور فو تناول الزلابية !”


شعر فو نان آن بثقل العلبة في يديه ، فمرّر أصابعه عليها 

متسائلًا بهدوء :

“ لماذا أحضرت زلابية ؟”


ابتسم تشي تشاو ابتسامة جادة وقال:

“ توقعت أنك لم تأكل بعد . في رأس السنة يجب أن نأكل 

الزلابية ، إنها عادة .”


رفع فو نان آن حاجبيه بخفة :

“ عادة ؟”

فالعادات تختلف من منطقة لأخرى ، 

وفي عائلته لم يكن من تقاليدهم تناول الزلابية في العيد ، 

لذا بالفعل لم يأكلها ذلك اليوم ،

“ لم أتناول أيًّا منها فعلًا "


قال تشي تشاو فورًا وهو يقدّمها إليه كأنه يعرض كنزًا ثمين :

“ إذًا يجب أن تتذوّقها ! لقد طهوتها للتو !”


كان من الصعب أن يرفض حماسه الصادق


فو نان آن لا يتناول العشاء عادةً ، لكنه ابتسم قليلًا وقال بلطف :

“ حسنًا "


تشي تشاو قد أحضر كمية كبيرة ، فقسّم فو نان آن الزلابية 

إلى طبقين ،

جلسا متقابلين يتحدثان ويأكلان 


الزلابية عادية تمامًا ، من النوع المجمد الجاهز ، لا يهم ما 

كانت حشوتها ، فطعمها لا يختلف كثيرًا


وبسبب ضعف قوة الطهي في القدر الحراري ، كانت 

العجينة طرية قليلًا


ومع ذلك، اكتسب هذا الطبق البسيط طعمًا مختلفًا تمامًا، 

فقط لأنهما أكلَاها معًا


رغم أن تشي تشاو كان قد تناول وعاءً منها من قبل ، إلا أنه 

وجد هذه أطيب بكثير


رفع فو نان آن طرف شفتيه مبتسمًا وسأله:

“ هل تحب الزلابية ؟”


: “ أ-أجل، نوعًا ما.” أجابه تشي تشاو بابتسامة خجولة ، 

وكان يأكل بسرعة حتى لم يبقَى في وعائه سوى قطعة 

واحدة ، أشار إليها بعيدان الطعام وتابع :

“ الأمر ليس في الطعم ، بل في معنى العادة نفسها .”


كان تشي تشاو فعلًا شخصًا تقليديًا في نظرته للأشياء


فقد تشكّلت شخصيته على هذا النحو منذ صغره ، 

وتربّى على قيم بسيطة متجذّرة في العادات ،


وحين شارف الطبق على الانتهاء ، ذكّر فو نان آن أن يترك 

قطعة واحدة ، قائلًا بابتسامة :

“ يجب أن نترك زلابية واحدة ، فهي رمز للوفرة من عامٍ إلى عام "


وبينما واصلا الحديث ، انساب بهما الكلام إلى ذكريات الطفولة


قال تشي تشاو مبتسمًا وهو يصف ذكرياته :

“ عندما كنت صغير ، كانوا عائلتي دائمًا يقلون اللحم وكرات 

الدجاج في رأس السنة . 

تعرف تلك المقالي الحديدية الكبيرة ؟ التي لا يمكن 

احتضانها إلا بذراعيك الاثنتين معًا ؟ 

كنا نقلي فيها كل شيء دفعة واحدة ، و يمكن شمّ رائحة 

الطعام من بعيد ….”


مهرجان الربيع حقًا العيد المفضل لدى تشي تشاو ، 

ليس بسبب الأطعمة المقلية فحسب ، بل لأن والديه لم 

يكونا يضربانه خلال تلك الأيام القليلة


لأن الأقارب يزورونهم ، و والداه يخشيان أن يبكي فيجلب النحس ، 

أو أن يتحدث الناس عنهما إن رأوهما يضربانه


كانا يُلبسانه ملابس جديدة ، ويُعلّمانه كلمات لطيفة ليقولها


وحتى إن ارتكب خطأ، كانا يتغاضيان ويقولان له بلطف مصطنع :

“ لا بأس ، إنه العيد .”


لكنّ الأوقات السعيدة لا تدوم طويلًا


فبمجرد انتهاء العيد، يعود كل شيء إلى سابق عهده


وبعد أن يغادر الأقارب ، يستعيد والداه طباعهما القديمة ، 

فيُفرغان كل إحباطهما فيه ، 

يلومانه لأنه ليس ناجحًا مثل أبناء أقاربه ، 

ويضربانه حتى يعجز عن الوقوف ، 

ثم يُجبرانه في اليوم التالي على القيام بالأعمال المنزلية كالمعتاد ،


و بدأ الحديث يأخذ منحًى ثقيلًا …. 


في الحقيقة لم يكن تشي تشاو يقصد الوصول إلى هذا 

الجانب من ذكرياته


ربما لأن جوّ بيت الأستاذ فو كان دافئًا على نحوٍ غير مألوف، 

أو ربما لأن علبة البيرة التي شربها قبل المجيء جعلته أكثر راحة ، 

فوجد نفسه يتحدث بلا وعي عن أمورٍ كان يظن أنه نسيها ،


قال وهو يلمس وجهه ، وقد بدا عليه الخجل:

“ دعنا لا نتحدث في هذا بعد الآن ….”

لم يشعر سابقاً بحرارة وجهه ، لكنه الآن أدرك أنه احمرّ ، 

{ على الأرجح بسبب البيرة }  ابتسم :

“ لقد مضى وقت طويل ، في الواقع لم أعد أذكر التفاصيل جيدًا .”


أجابه فو نان آن بهدوء :

“ حسنًا ، لن نتحدث فيه . لقد أصبح من الماضي ”


أومأ تشي تشاو برأسه ، وردّد كمن يُقنع نفسه:

“ صحيح … من الماضي "


كان فعلًا من الماضي …..

فبعد الصقيع والثلج ، لا بدّ للشتاء القارس أن يمنح الدفء يومًا ما


و في هذه الغرفة المضيئة ، أمام فو نان آن ، 

وبجانبه المدفأة ، و الزلابية لا تزال دافئة… وكذلك قلبه


{ لا توجد لحظة أكثر دفئًا من هذه }


وبينما الجو مشبعًا بالطمأنينة ، تجرّأ تشي تشاو وسأل فو 

نان آن عن رأيه في “ المِثلية ”


صمت الأستاذ فو للحظة ، ثم قال بهدوء :

“ الحب الحقيقي لا يعرف جنسًا "


لم يكن فو نان آن ممّن يُحبّذون الحديث عن الحب ، 

لذا لم يُلحّ تشي تشاو أكثر ،

لكنه شعر بسعادة غامرة لسماع ذلك الجواب ، 

فطالما أخفى في قلبه سرًّا صغيرًا —- كان يخشى أن يُثير في 

الأستاذ نفورًا منه


انتهت وجبتهما الساخنة من الزلابية ، واقتربت المسافة بين 

قلبيهما دون أن يُدرِكا


تحدثا طويلًا حتى تجاوز الوقت منتصف الليل ، 

وبدأت الثلوج تتساقط في الخارج


غطّت الأرض طبقة بيضاء ناعمة ، 

وخيّم الهدوء على الشوارع التي كانت صاخبة قبل قليل


وبعد أن فرغا من الطعام وأطالا الحديث ، التفت فو نان آن إليه قائلًا :

“ هل ترغب في المبيت هنا الليلة ؟”


فرك تشي تشاو وجهه بخجل وأجاب بلطف:

“ لا داعي ، من الأفضل أن أعود .”


لو لم يذكر فو نان آن مسألة عودته ، لبقي تشي تشاو دون تردد


لكن بما أنّه أشار إلى ذلك، شعر أنّ عليه أن يتحلّى بالأدب


{ حين دعاني فو نان آن في البداية ، قال لي ' تعال لنتحدث قليلًا '


أما الآن ، فقد أكلنا الزلابية واستقبلنا العام الجديد معًا، 

لقد أزعجت الأستاذ فو بما يكفي ،

والمسافة بين شقّته وسكن الطلاب لا تتجاوز عشر دقائق سيرًا ، 

لو اقترحت المبيت لبدت وقاحة لا تليق .. }


توجّه إلى المطبخ ليغسل العلبة البلاستيكية ، مبتسمًا باعتذار خفيف:

“ لقد جلست عندك وقتًا طويلًا ، أظن أنه حان وقت عودتي، أليس كذلك؟”


في الحقيقة —- ، كان يريد أن يسمع من فو نان آن ما يمنعه 

من الرحيل ، 

فتعمّد أن يجعل سؤاله تلميحًا لذلك ، على أمل أن يُبقيه


لكن من غير المتوقع أن يومئ فو نان آن بالموافقة قائلًا :

“ حسنًا إذًا ، عد إلى السكن ، واحترس في طريقك .”


ثم مدّ يده ليُناوله معطفه المعلّق 


تشي تشاو كاد يختنق من الصدمة ، لم يتوقع أن تسير الأمور على هذا النحو


لكن بما أنّه قال كلمته ، لم يجد مفرًّا من الموافقة


“…حسنًا "


كل شيء حدث بسرعةٍ كبيرة ، حتى إنه لم يستوعب الموقف بعد


قبل لحظات فقط كانا يتحدثان في جوٍّ دافئ ، وها هو الآن 

يُطلب منه الرحيل


قلبه لم يطق الفكرة


حين فُتح الباب ، اندفع هواء الشتاء البارد فجأة ، قاطعًا 

دفء الغرفة في الداخل


لم يرغب تشي تشاو المغادرة حقًا ، فتباطأ في حركته ، 

يلوم نفسه لأنه لم يجرؤ على قول ما في قلبه منذ البداية


سأله فو نان آن من خلفه:

“ لماذا تقف هكذا بلا حراك ؟”


لم يتحرك تشي تشاو من مكانه عند المدخل ، 

فمدّ فو نان آن يده ودفعه بخفة على ظهره


وربما كان هذا الإحساس البسيط بالدفع هو ما فجّر شيئًا في داخله —

أو ربما بقايا البيرة التي شربها قبل مجيئه


كل ما في الأمر أنّ تشي تشاو لم يرغب أن يرحل


دمه بدأ يغلي في عروقه ، وجسده سبق تفكيره


لم يُدرِك ما يفعل إلا وهو يستدير فجأة ، ويُعانق فو نان آن بذراعيه


قال بصوتٍ خافت ، وقد دفن وجهه في عنقه ، 

يحتكّ به بخجلٍ وحرارة :

“ بروفيسور فو…”

برجاء مليء بالتوتر :

“ هل يمكنني… ألا أذهب ؟”


يتبع



كيف قلبك ي قلبي 2 ؟ 

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي