القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch27 الخطاف الخلفي

Ch27 الخطاف الخلفي




حياة لانغ فنغ خلال الأعوام التسعة والعشرين الأولى من 

عمره يمكن القول عنها إنها تسير بسلاسة تامة ،

لم يُتعب أحد في دراسته قط، حتى إن والده لانغ رنينغ 

أستاذ الجامعة لم يجد عليه ملاحظة واحدة ،

كما أن تعامله مع الناس كان أهدأ وأنضج من أقرانه بكثير ،

العثرة الصغيرة الوحيدة في مسيرته كانت في عامه الأول 

من المرحلة الإعدادية ، 

حين دخل في علاقة مع ' حبيبة ' أمسك بيدها مرة ، 

ليكتشف أنه لا يُحب الفتيات أصلًا


وهذا الاكتشاف في ذاته لا يمكن اعتباره عثرة حقيقية ،،

فبعد أن استوعب الأمر بنفسه لبضعة أسابيع ، صارح والديه 

وأخته الصغيرة بالحقيقة ، وبعد أن قال ما لديه ، 

واصل لانغ رنينغ قراءة كتابه ، بينما ظلت جيانغ يينغ 

تدردش مع صديقاتها عبر الهاتف ، وكأن ما قاله لا يختلف 

عن قوله ' لن أتناول العشاء في المنزل اليوم '


لانغ فنغ وشقيقته لانغ يي يحضران نهاية كل أسبوع تجمع 

في كنيسة للشباب ، 

حيث تُقام محاضرات تتيح لهم التعبير عن فهمهم 

وإيمانهم ، وكانت أيضًا فرصة جيدة للتعارف ،

وبعد بضعة أسابيع ، جاء دور لانغ فنغ لإلقاء كلمته ، 

أمضى ليالي عدة يُحضّر لها بعناية ، ثم وقف ليشارك فهمه 

عن الحب بين الجنس الواحد وتعاليم المسيحية


و حين أنهى حديثه ، بدا على القسّ المسؤول الذهول 

الواضح ، ثم ساد المكان صمتٌ مُحرِج ، 

ثم شكر مختصر من القسّ دون أي تعليق أو نقاش ، 

ثم قام بدعوة المتحدث التالي إلى المنصة 


وبعد انتهاء اللقاء ، تبع لانغ فنغ القسّ ليسأله عن رأيه في ما قال ، 

إلا أن القس تجنّب الخوض في الموضوع أمام بقية الشباب ، 

فاكتفى بردٍّ عام ومبهم ، 

عاد لانغ فنغ إلى المنزل مكتئبًا ، وحكى ما حدث على والده لانغ رنينغ


كان في السادسة عشرة من عمره وقتها ، في سنٍّ يرى فيه 

كل شيء إمّا أبيض أو أسود ، ويُصرّ على الجدال حتى النهاية


تذكر أن والده ، الذي كان يُحضّر محاضرته ، وضع أوراقه 

جانبًا وطلب منه أن يعيد الحديث وكأنه أمام جمهور

و حين انتهى ، أثنى عليه والده ، لكن لانغ فنغ سأله:

“ إذًا هل كنتُ مخطئًا ؟”


قال لانغ رنينغ بهدوء :

“ لم تكن مخطئ .”


فسأله لانغ فنغ بقلق :

“ لكنني لم أجد الجواب في الكتب .”


أجابه والده وهو ينظر إليه بنظرة ثابتة وصوت مفعم بالطمأنينة :

“ بعض الإجابات لا تجدها في الكتب ، بل في قلبك .”


—-


في اليوم التالي ، 

اصطحب لانغ رنينغ وزوجته جيانغ يينغ ولديهما لانغ فنغ 

ولانغ يي إلى كنيسة أخرى ، كانت أبعد قليلًا عن المنزل ، 

فكان على لانغ رنينغ أن يستيقظ قبل عشرين دقيقة إضافية 

كل أسبوع ليقود السيارة إليها

ومع ذلك ، لم يتخلّف عن إيصالهم يومًا واحدًا ، 

لا في المطر أو البرد ، حتى تخرّج لانغ فنغ والتحق بالجامعة


حكى لانغ فنغ هذه القصة ل تشو تشيتشن وهما يركبان الدراجات في أمستردام بين حقول التوليب —- 

تابع لانغ فنغ وهو يبتسم :

“ لقد جئتَ في الوقت المثالي ، منتصف مارس هو موسم 

تفتح التوليب ، لا حاجة للذهاب إلى مواقع سياحية ، فحتى 

الحدائق العادية تزهر الآن .”


و كانا يتوقفان من حين لآخر ليتأملا الألوان ، 

و حتى حين وصلا إلى شمال مركز المدينة ، قاد لانغ فنغ 

الدراجة في طريق فرعي ، وتوقف أمام كنيسة صغيرة ، 

قال وهو يشير إليها:

“ هنا حضرتُ ثلاث سنوات كاملة .”


و على واجهة الكنيسة تُرفرف راية بألوان قوس قزح


قال تشو تشيتشن فجأة :

“ هل ندخل ونلقي نظرة ؟”


هذا بعد ظهر أحد أيام الأسبوع ، لذا لايوجد قداس أو 

فعالية ، والكنيسة مفتوحة للزوار

و دخل الاثنان معًا بعد أن أوقفا دراجتيهما


بدا المبنى من الداخل عصريًا على غير ما توقع تشو تشيتشن


أشعة الشمس تتسلل من النوافذ الزجاجية العليا والملونة ، 

فتملأ المكان بخيوط من الضوء المتناثر ، دافئة أو ملونة ، 

كأن الآلهة سكبت ألوانها في السماء ،


كل التصورات التي حملها في ذهنه عن الكنائس — من 

ضيق ، وكآبة ، وجمود — تلاشت تمامًا —

و كل ما بقي أمامه كان النور 


ما إن خطا تشو تشيتشن نحو الكنيسة حتى شعر بشيءٍ 

غريبٍ وقويّ ، 

كأنه يقترب شيئًا فشيئًا من اكتمال صورة ماضي لانغ فنغ ،

كل قطعةٍ من هذا اللغز ، كل تفصيلٍ يكتشفه ، كانت تمامًا 

كما تخيّلها ،


وكأنها معادلة بسيطة : لا يمكن أن ينتج عن تلك الشخصية 

التي أمامه إلا ماضٍ كهذا


ومع أنه توقّع كل شيء مسبقًا ، إلا أنه لم يشعر بالملل إطلاقًا


حين اقترح السفر إلى أمستردام ، كان يفكر فقط في قضاء 

وقت أطول مع لانغ فنغ، ولم يكن يتخيل أن هذه الرحلة 

ستحمل كل هذه المعاني الإضافية


أما لقاء لانغ رنينغ فكان أكثر ما فاجأه ——


الانطباع الأول الذي كوّنه تشو تشيتشن عنه هو أن كل شيء 

فيه على ما يرام ، لكنه ببساطة لا يُشبه “ الأب ”


كان يمكن أن تراه أستاذ جامعي ، أو مرشد في الحياة ، 

أو باحثًا غارق في الكتب ، لكن ليس أبًا


ربما السبب هو تلك الرسمية الزائدة بينه وبين ابنه 


فبينما يتبادلان المزاح أحيانًا ، تبقى نبرتهما في معظم 

الوقت جادة ومحافظة


و لانغ رنينغ لا يفارق قميصه الأبيض المكويّ بعناية ، حتى 

صار علامة مميّزة له، 

بينما لانغ فنغ حتى اليوم ، لا يحضر أي عشاء عائلي إلا وهو يرتدي 

قميصًا بـ ياقة ، 

كلاهما يهتمان كثيرًا بالمظهر والمناسبات ، 

حين نظر تشو تشيتشن إلى لانغ رنينغ ، شعر وكأنه يرى في 

داخله مئة ظلّ من ظلال لانغ فنغ


وحين علم لانغ رنينغ أن ابنه سيعود إلى أمستردام 

ومعه “حبيبه”، رغم انشغاله الشديد ، خصص وقتًا 

ليأخذهما في جولة بالقارب عبر القنوات


كان تشو تشيتشن ينظر إليه وهو يرفع أكمام قميصه 

الأبيض ، و يجدّف تحت شمس الظهيرة حتى التصق 

القماش بظهره من العرق، فشعر نحوه بمودة كبيرة ، ورآه 

لطيفًا بشكلٍ غير متوقع


——

في الليل ، 

عادوا جميعًا إلى شقة لانغ فنغ في أمستردام ، 

قرروا أن يُعدّوا البيتزا بأنفسهم ،


تشو تشيتشن، الذي لم يكن يومًا من محبي المطبخ، اضطر 

هذه المرة لأن يتظاهر بالحماس ويشارك


كان لانغ رنينغ يوزع عليهم المهام ويتحدث معهم بخفة ، 

حتى مرّ الوقت بسرعة دون أن يشعروا


وحين انتهوا من وضع البيتزا في الفرن ، كان تشو مشغولًا 

بمسح الطاولة حينها فتح لانغ رنينغ خزانة النبيذ وسأله بابتسامة هادئة :

“ هل يشرب شياو تشو قليلًا ؟”


تردّد تشو تشيتشن للحظة ، وهمّ بأن يرفض ، لكنه التفت 

إلى لانغ فنغ، فالتقت عيناه بعينيه، ثم أجاب موافقًا


وبينما لانغ رنينغ يفتح زجاجة النبيذ ، سأل بنبرة خفيفة:

“ هل بردُ شنيانغ في الشتاء قاسٍ ؟”


قال تشو تشيتشن وهو يرفع رأسه بعد أن شرب قليلًا من النبيذ :

“ في طفولتي كان البرد قارس ، أمّا الآن فليس كذلك . 

ربما السبب أنّنا لم نكن نملك ملابس دافئة بما يكفي حينها .”


ابتسم لانغ رنينغ :

“ أتذكر حين كنت أتابع دراستي العليا مع قروب بحثي 

هناك ، وبقينا شهرًا كاملًا في تلك المنطقة ، 

كان ذلك في ذروة الشتاء ، أيام البرد القارس ، 

ولم نحمل ما يكفي من الملابس الثقيلة ، فاضطررنا إلى 

استعارة معاطف الجنود الذين كانوا يقفون أمام البوابة .”


سأله تشو تشيتشن:

“ أي عامٍ كان ذلك ؟”


لانغ رننينغ:

“ عام 1984، أظنك لم تكن قد وُلدت بعد ، أليس كذلك؟”


: “ صحيح ، أنا من مواليد 1986.” ثم أضاف بعد تفكير 

قصير: “لكن سمعت من أهلي أن شتاء تلك السنوات كان 

شديد البرودة فعلًا .”


ابتسم لانغ رنينغ ابتسامة خفيفة ، ثم سأله:

“ هل عدت إلى البيت في عيد الربيع هذا العام ؟”


توتّر لانغ فنغ قليلًا ، ورفع رأسه يراقب تشو تشيتشن بصمت


رد تشو بهدوء :

“ لم أعد منذ عدة سنوات… علاقتي مع العائلة ليست على 

ما يرام ” لم يشرح أكثر من ذلك ، لكن المعنى كان واضح


استوعب لانغ رنينغ الأمر بسرعة ، ثم نظر إليه بعينين صريحة مباشرة وقال :

“ إذن في الأعوام القادمة ، يمكنك أن تأتي إلى هنا لقضاء العيد . 

ليأخذ إيفان إجازة ، وتعودان معًا . 

نحن عددنا قليل ، لكن أجواء العيد لدينا لا تنقص شيئًا .”


تدخّل لانغ فنغ بسرعة :

“ حسنًا يا أبي، فهمت . هذه السنة فقط لم أرجع ليلة رأس 

السنة ، لكن العام القادم سأطلب إجازة بالتأكيد .”


أما تشو تشيتشن فلم يعرف بمَ يرد ، فاكتفى بأن يرفع رأسه قائلًا :

“ شكرًا جزيلاً .”


أعاد لانغ رنينغ كلامه بجدية أكبر ، موجّهًا نظره إليه مباشرةً :

“ أنا لا أقول هذا من باب المجاملة . حتى لو لم يأتِ لانغ فنغ يمكنك أنت أن تأتي . 

أنا ووالدته سنقضي العيد معك ”


أجابه تشو تشيتشن هذه المرة بنبرة حازمة :

“ حسنًا ، شكرًا لك يا عم ”

وبينما قالها، بدأ يشعر بأن الخمر يتسلّل إلى رأسه



وفي تلك الليلة ، حين ودّعوا لانغ رنينغ عند الباب ، 

كان تشو تشيتشن يعلم في أعماقه أن هذه الأمسية ستبقى 

في ذاكرته طويلًا ،

وأنه حتى لو انفصل يومًا ما عن لانغ فنغ ،،، 

فلن ينسى دفء هذا العشاء أبدًا …..


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي