القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch29 الخطاف الخلفي

 Ch29 الخطاف الخلفي



قضى تشو تشيتشن الليل كلَّه مستيقظًا حتى آخرها ،

صحيح أنه استعاد هدوءَه ، لكنه لم يتمكّن من النوم ،

بل إن نزلة البرد التي أُصيب بها لم تتحسّن ، 

بل بدأت تسوء أكثر ، والألم في أذنه ازداد شدّة رغم تناوله 

الدواءَ المضادّ للالتهاب الذي وصفه الطبيب ،


وبعد صراعٍ طويل بين النوم واليقظة دام نصف الليل ، 

استيقظ قرابة السادسة صباحًا على رنين هاتفٍ أيقظه إلى الواقع


ردّ فعله الأول — ظنّ المتّصل هو لانغ فنغ، وأن الأخير قد 

هدأ أخيرًا وقرر الاتصال به ،

لكن ما إن نظر إلى الشاشة حتى اكتشف أن الرقم ليس له، 

بل رقم هاتف أرضي من داخل البلاد


وما إن سمع الصوت من الطرف الآخر حتى ندم على الردّ


: “ آ-تشن عدْ إلى منزل العائلة قليلًا . والدك حدث له أمر "


المتّصلة عمّتَه الكبرى تشو تشنغلو — أخت والده الكبيرة ،

ومنذ أن قطع أهله علاقتهم به، انتشر الخبر بسرعة بين 

أفراد عائلة تشو — ومضت ثلاث سنوات كاملة لم يتلقَّ فيها 

منهم أي اتصال ، 

ولا حتى رسالة تهنئة في رأس السنة ، 

لذا لم يحتاج إلى التفكير طويلًا ليُدرك ما الذي جرى ،


صمت لثوانٍ طويلة ، متردّدًا بين أن يتظاهر بعدم السماع أو 

يُغلق الاتصال ، ثم قال أخيرًا بصوتٍ متماسك :

“ وأمي ؟”


عمّتُه بعد لحظة دهشة:

“ يا إلهي ، لم أتوقّع أنك ستردّ فعلًا ! 

كنت خائفة أن تكون قد بدّلت رقمك أو أنك لا تريد الردّ علينا . 

آهههخ لا تعرف كم عانينا في اليومين الماضية !”


 تشو تشنغلو معلّمةً في مدرسة ابتدائية ، 

ذاتَ صوتٍ مرتفع وطبع انفعالي ، وكلامها دائمًا مليء 

بالمشاعر والمبالغة ، 

بدأت تشرح له وضع والده من دون أن تجيب عن سؤاله ، 

وقالت إن الأمر لم يكن كارثة كبيرة ، لكنه أصيب بتضخّم 

حادّ في القلب ، ونُقل إلى مستشفى المقاطعة و أُجريت له 

جراحة طارئة لزرع دعامة


أعاد سؤاله بصوتٍ أكثر هدوءًا :

“ أين أمي ؟”


تنهّدت عمّتُه :

“ أنت تعرف أمّك… من دون موافقة والدك ، حتى لو أرادت 

أن تتصل بك فهي لا تجرؤ .”


ابتسم تشو تشيتشن بسخرية خافتة وقال عبر الهاتف:

“ أيُّ نوعٍ من الناس هؤلاء… حقًّا لم أعد أعرفهم .”


كلماته هذه صدمت عمّتَه التي لطالما كانت فصيحة لا 

تُغلب في الكلام ، تصمت للحظة عاجزة عن الردّ ،

ثم قالت بصوتٍ أضعف قليلًا :

“ أعلم أنك عانيت كثيرًا في السنوات الماضية ، لكن عُدْ 

هذه المرّة ، فربما يرون ما جرى ويصفحون عنك . 

أليست العائلة حين تتصالح وتتصافى أجمل حالًا ؟ 

يا لك من شاب مؤسف ، كم أُشفِق عليك…”


لم يدع تشو تشيتشن عمّتَه تُكمل كلامها ، بل قاطعها قائلًا:

“ كم بلغت تكلفة العملية ؟”


لكن تشو تشنغلو واصلت كلامها دون أن تبالي بحديثه:

“ أنا اتصلتُ بك لأجل أن تعود وتراه ،، 

والدك دخل غرفة العمليات الليلة الماضية ، وحتى الآن لم 

يستفق بعد ،،

الطبيب قال إن قلبه قد لا يصمد طويلًا ، وإن لم تأتِ هذه المرة…”


فقاطعها تشو تشيتشن ببرود:

“ هو على الضمان الاجتماعي ، ولن يُعوَّض له أكثر من 

خمسين في المئة من تكاليف العملية ،،

و أمي لا تعمل ، وأنا أعرف تمامًا كم في حساب والدي من المال ،

بما أنكِ تقولين إننا عائلة واحدة ، فلنكن صريحين إذن ،

كم المبلغ المطلوب ؟”


ترددت قليلًا ، ثم قالت:

“ مع رسوم الإقامة والعلاج ، حتى الآن المجموع واحد 

وعشرون ألف ، والأدوية اللاحقة لم تُحسب بعد .”


ظلّ صامتًا


ثم قالت هي، بنبرة خافتة فيها عتب :

“ حتى لو كانت المرة الأخيرة التي تراه فيها… ألن تأتي ؟”


فكّر لحظة ثم سأل فجأة :

“ آ-روي… كيف حالها ؟”


: “ هي؟ الفتاة ستختبر امتحانات الثانوية العامة قريبًا . 

أمّك قالت أنه لا ينبغي إزعاجها وقت الدراسة . وهي تقيم 

في السكن المدرسي الآن ، أظن أن والدتك لم تخبرها بما حدث "


تمتم تشو تشيتشن وكأنه يحدّث نفسه:

“ تقيم في السكن… فهمت "

ثم سأل بصوتٍ خافت:

“ في أي مستشفى هو؟”


بعد أن أعطته العنوان ، أنهى المكالمة من دون أن يقول كلمة أخرى


ثلاث سنوات مضت، أكثر من ألف يومٍ وليلة ،

كان خلالها كغريق تسحبه دوّامات البحر العميقة إلى 

الأسفل بلا رحمة ،

الموج يعلو ويهبط ، لا يمنحه فرصة لالتقاط أنفاسه ،

حين بدأ أخيرًا يطفو تدريجيًا ، وكلما اقترب من سطح البحر 

حيث يسطع نور الحياة ، ما إن يرخِي عزمه قليلًا حتى تعود 

الدوّامة لتبتلعه من جديد


: “ اللعنننة …” تمتم غاضبًا ، وضرب السرير بقبضته حتى 

اهتزّ اللوح وصرّ الحديد ، كأن صدى الغضب يبحث عن 

مكانٍ يفرغ فيه نفسه


لكنّه نهض في النهاية



ارتدى ملابسه ، ثم معطفه ، وأخذ أوراقه ، وبدأ يبحث عن رحلة جوية


تحرّك بسرعة شخص اعتاد سماع صفارة الاستعداد في 

المعسكر ، فأنهى كل ذلك خلال عشر دقائق فقط ، 

ثم جلس في السيارة ،


والمكان الأول الذي قصدَه لم يكن المطار ، بل المجمع 

السكني الذي تقيم فيه جيانغ يينغ والدة لانغ


فهو يعلم أنه إن غادر الآن فسيغيب يومًا أو يومين ، 

بينما لانغ فنغ سيعود إلى أمستردام ، 

وحتى لو هدأ الاثنان وفهما بعضهما لاحقًا ، فلن يتمكنا من اللقاء قريبًا


لقد استعاد تشو تشيتشن هدوءَه ، لكنه خشي أن يفعل لانغ 

فنغ الأمرَ نفسه، وأن يقرّر بعد التفكير أن هذه العلاقة خانقة 

أكثر مما تستحق، فينهيها ببساطة ،


ولحسن حظّ تشو فإنه لا يزال يتذكّر جيدًا عنوان شقّة جيانغ 

يينغ ورقم المبنى والشقة ،


وبينما ينتظر ردّ الاتصال عبر نظام الدخول ، فكّر بسرعة في ما سيقوله لها

' خالتي ، أعتذر لإزعاجك في هذا الصباح الباكر ، 

أردت فقط أن أتحدث معه قليلًا '


لكن الصوت الذي أجابه لم يكن صوت جيانغ يينغ، 

ولا صوت لانغ فنغ، بل صوتَ شخصٍ غريب


وعندما ذكر تشو تشيتشن اسم جيانغ يينغ، قال له 

المتحدث إن تلك السيدة كانت المستأجرة السابقة، 

وقد انتقلت من الشقة منذ بضعة أسابيع


في هذه اللحظة فهم ——-

تذكّر أن لانغ فنغ قد دعاه على عَجَل لتناول العشاء في منزل 

جيانغ يينغ في ذلك اليوم تحديدًا ، وكان متحمّسًا لذلك على 

نحوٍ غير معتاد ، لأنها آخرَ أيام جيانغ يينغ في بكين ،

بل إنه لاحظ حينها صناديقَ كرتونية مغلّفة في صالة 

الجلوس بالزاوية ، لكنه لم يُعرها اهتمامًا


{ لانغ فنغ قال بالأمس إن لديه مكانًا يقيم فيه ، 

فتوقعت ….. أنه سيبقى في منزل والدته }


لم يتخيّل تشو أنه ربّما حجز رحلةً مبكرة وسافر بالفعل ،

و الآن وقد غادرت جيانغ يينغ، فلا شكّ أن لانغ فنغ أيضًا قد رحل و لم يتبقَّ سوى هو وحده


أخرج هاتفه وبحث عن الرحلات ، فوجد أنّ من بكين إلى 

أمستردام توجد رحلة واحدة فقط متأخرة في الليل، 

لكن في هذا الصباح توجد رحلة أخرى إلى أمستردام عبر 

ميونخ، و رحلة في طيران KLM رقم 1822


لقد عرف هذا الرقم فورًا، فهو الخط نفسه الذي كان لانغ 

فنغ يقوده حين كان طيّارًا رئيسيًا لتلك الرحلة ،

وبالنظر إلى الوقت ، لم يتبقَّ سوى نصف ساعة على موعد الإقلاع


أما تشو تشيتشن فكان عليه هو أيضًا أن يتوجّه إلى المطار 

للحاق برحلته من بكين إلى شنيانغ ،

وما إن أوقف سيارته حتى اتصل بلانغ فنغ


فإنْ كان بالفعل على متن رحلة KLM1822، فهو الآن حتمًا 

في مرحلة الصعود إلى الطائرة ،

لكن لانغ فنغ لم يُجب


دخل مبنى المطار بخطواتٍ واسعة ، ثم ركض نحو بوابة 

خطوط KLM


وهناك، من خلف الزجاج الممتدّ ، رأى طائرةَ إيرباص 330 

التابعة للخطوط الهولندية وهي تزود بالوقود ثم تبدأ في 

التحرك نحو ممرّ الإقلاع


قضى تشو تشيتشن سنواتٍ في مهنة الطيران، ومع ذلك 

نادرًا رأى طائرةً تغادر قبل الموعد المقرر بعشر دقائق


{ لقد تأخّرت خطوةً واحدة فقط … }


وفي هذه اللحظة ، أدرك بوضوحٍ مؤلم أن لانغ فنغ فضّل أن 

يعيد حجز تذكرةٍ ويعود إلى أمستردام قبل يومٍ كامل ، على 

أن يقضي ساعةً أخرى في منزله ….


هذا الإدراك ضربه كجدار صلب ، كأنه كان يركض في طريقٍ 

مظلم بكل طاقته، ليصطدم فجأةً بحقيقةٍ حطّمت كل ما 

تبقّى من أملٍ واندفاعٍ في داخله ….


وفجأة ، وجد تشو تشيتشن نفسه عاجزًا عن التماسك مجددًا ….


يتبع 

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي