Ch29 احتراق القلب
{ هل تفهم حقًا ؟ }
بدا كأنه سؤال ، لكن في الوقت نفسه إغواءً خافت——
صوت فو نان آن خافت ، أنفاسه الدافئة تلامس عنق تشي
تشاو وهو يهمس :
“ هل تفهم حقًا ؟
حبّ البالغين ليس مثل إعجاب الأطفال البريء ،
ليس لعبة منزل صغيرة .”
المسافة بينهما قريبة جدًا …
شفتاه ، التي تبتعد عنه سوى بضع انشات ، كانت تثير
أعصاب تشي تشاو الحسّاسة
وفجأة ، انقطع الخيط المتين في ذهنه
رفع نفسه على أطراف أصابعه ، وقبّل شفتي فو نان آن مباشرةً ——
قال بأنفاس متقطّعة :
“ أنا أفهم ، أستاذ ، أفهم .”
إن إعجابه بفو نان آن لم يكن يومًا إعجابًا سطحيًا
لقد كان يريده حقًا
لقد رآه في أحلامه مراتٍ لا تُحصى
ومثل هذا المشهد — تمامًا كهذا — قد تكرّر في أحلامه أكثر من مرة
لقد اشتاق إليه طويلًا ، حتى صار الحلم حقيقة الآن ،
وكان من الصعب عليه أن يصدق
كان تشاو يتنفس بثقل ، أمسك ذراع فو نان آن وحركها إلى
ياقة قميصه ،،،
لم يسبق له أن فعل شيئًا كهذا —— ،
كان متوترًا إلى حدّ الارتجاف ،
لكنه كان راغب ، و مستعد ——-
“ أستاذ ، أهذا ما تريده ؟
أنا أستطيع…”
حين لامست أنامله المرتجفة بشرة الآخر ، تشوش عقل فو نان آن للحظة ،
لكنّه استعاد وعيه بسرعة —-
“ تشي تشاو !”
لم يتوقع فو نان آن من تشي تشاو جرأة كهذه ،
أمسك بمعصمه بقوة ، وصوته حادّ كالسيف :
“ هل تدرك ما الذي تفعله ؟”
كان غاضبًا حقًا ، غاضبًا إلى حدّ أن صوته بدا كأنه يمكن أن
يجمد الهواء من حوله
تشي تشاو تجمّد في مكانه، مذهولًا،
وبعد لحظة، بدأ يستوعب مدى تهوّره
“ أنا آسف ، أستاذ ، أنا… أنا فقط…”
{ … أنا فقط معجب بك كثيرًا
أيّ شيء أفعله معك يجعلني سعيدًا ، وأنا راضٍ تمامًا }
لكن هذه الكلمات كانت صريحة أكثر من اللازم
حتى شخص مباشر مثل تشي تشاو لم يستطع قولها بصوتٍ عالٍ
أدرك أنه قد أساء الفهم ، فشحب وجهه في الحال ،
وامتلأ عقله بالفوضى ،
يخشى أن يظن فو نان آن أنه تجاوز حدّه ،
تصلّب جسده ، ولم يجرؤ على الحركة
لاحظ فو نان آن هذا التوتر في جسده ، فأرخى قبضته ببطء ،
ولم يعد يمنعه من الحركة ، وقال بهدوء :
“ أنا آسف… كان عليّ أن أكون أنا من يعتذر "
{ حقًا .. كان عليّ أن أعتذر ….
للحظة واحدة فقط ، راودتني رغبة في تشي تشاو ،،،
وانجرفت مع تلك الرغبة ، فقدت السيطرة على نفسي …
حين أمسكت به ،،، كنت أريده حقاً —
لذا …. ليس ذنب تشي تشاو أنه أساء الفهم …
الخطأ خطأي أنا …. }
لكن تلك اللحظة من الانفلات كانت قصيرة جدًا ،
و سرعان ما استعاد فو نان آن رباطة جأشه المعهودة
وحين أراد رفض تشي تشاو حقًا ، جاء صوته باردًا أكثر من أي وقت :
“ ألم تكن هذه الأسابيع كافية لتفكّر جيدًا ؟”
أجابه تشي تشاو بثباتٍ غريب :
“ لقد فكّرت . وكنت واضحًا منذ البداية ”
لم يبقَى لديه ما يخشاه بعد الآن ،
لا يزال أثر الخدر على شفتيه ،
في المكان الذي اصطدم فيه بأسنانه أثناء القبلة ،
رفع يده ، ولمس المكان بخفة ، يشعر بألمٍ خافت ،
ثم قال بصوتٍ مليء بالإصرار :
“ أعرف تمامًا ما أفعله… أنا فقط معجب بك ”
لقد بلغ مرحلة ' القدر المكسور ' حقًّا — حين لا يوجد ما يُخشى فقدانه
وبعد أن أنهى كلامه ، نظر تشي تشاو إلى فو نان آن بنظرة متوترة
بعيد كل البعد عن الهدوء الذي يُظهره ، قلبه يخفق بعنفٍ لا يُخفى
أرخى فو نان آن عينيه قليلًا ، وبدت في عينيه غشاوة
غامضة ، قال بصوتٍ خافت :
“ لم أرغب مناقشة هذا الأمر معك من قبل ،
لكن يبدو أنك مصرّ للغاية .”
ربما بسبب هذا الإصرار الشديد ، تغيّرت نبر الأستاذ فو قليلًا
عمّا كانت عليه من قبل
كان صوته أخفض ، فارتجف قلب تشي تشاو تلقائيًا
لا يعلم ما الذي سيسمعه ، ولا إن كان ما سيقال سيُسعده
أم يُحزنه ، فحبس أنفاسه منصتًا
ظل صوت فو نان آن عميقًا متّزنًا وهو يقول
: “ تجنّبي الحديث عن هذا كان خطأً منّي ،،، ما كان عليَّ أن
أتعامل معك كطفل ،،،
أعترف… أعترف أنّ لي أفكارًا تجاهك ،
لكني لم أفكّر قط في أن أدخل في علاقة ….”
لم يكن ما سمعه سعادة خالصة ، ولا حزنًا خالصًا
و قبل أن يتمكن تشي تشاو من أن يفرح باعتراف فو نان آن
بميوله نحوه ، فاجأته الكلمات التالية
: “ لكنني لم أفكر يومًا في علاقة "
لم يفهم تشي تشاو — وقال بصوت خافت:
“ لِمَا ؟”
وفجأة ، خطر له احتمال ما، فرفع نظره إلى تلك العينين الرمادية الفاتحة
ظلّ وجه فو نان آن هادئ كما هو ….
رفع يده ولمس عينيه بخفة :
“ أظنك تستطيع التخمين ...
أنت تعرف حالتي ….
لم أعد أرى منذ سنوات طويلة ...
أن تكون مع أيّ شخص يعني أن تتكيّف معه ،،
وأنا… لست معتادًا على ذلك ، ولا يعجبني .”
ارتبك تشي تشاو في لحظة ، فحديث العيون كان أكثر ما يُقلقه
فمنذ الأشهر التي قضاها إلى جانب الأستاذ فو —-
شهد بعينيه كيف يُعامله الناس بنظرات مختلفة ،
وكيف يُقصى في الخفاء ،
ولذلك ، فإن لطف فو نان آن الآن لم يكن إلا أشدّ وجعًا في قلبه
رد بسرعة ، وصوته يكاد يتوسّل :
“ أنا لا أبالي ، تعرف طبيعتي ، حقًّا لا يهمني—”
قاطعه فو نان آن بهدوءٍ حازم :
“ أعلم . لكنني أنا من يُبالي ”
ابتسم بخفة ، نافياً ما يدور في خاطر تشي تشاو
“ ما قلته لك ليس لتشفق عليّ ،،
لقد مضت سنوات طويلة منذ ذلك الحادث .
سرتُ في طريقي بعده ، ووجدت قيمتي في مجال علم النفس .
لكلٍّ منّا طريقه الذي يسير فيه ، ولا داعي لأن تشعر بالأسى تجاهي ...”
كان صوته رقيق ، لكن فيه قوة لا تُقاوَم ، ونبرة لا تحتمل الجدل
“ لقد اعتدتُ على هذه الحياة ،،
بالنسبة إليّ ، المشاعر ليست ضرورة ،،
بل إنّ المشاعر المفرطة تُربكني ،،
لا أحتمل هذا الإحساس بفقدان السيطرة ….”
كان ينبغي أن تنتهي المحادثة عند هذا الحدّ — فقد أوضح فو نان آن موقفه بوضوح ،
لكن حبّ الشباب جريء لا يعرف الاستسلام
ومع ذلك ، لم يكن تشي تشاو مستعدًا للتراجع
{ لقد اعترف فو نان آن بأنه كان يفكر فيني ، فكيف لا نحاول ؟ }
قال بعنادٍ هادئ :
“ لكن… ماذا لو كنّا مناسبَين لبعضنا ؟”
ابتسم فو نان آن ابتسامةً خفيفة وسأله بالمقابل :
“ وماذا لو لم نكن مناسبَين ؟”
{ لا أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل }
لم يرغب فو نان آن أن يمنحه أملًا زائفًا — فذلك سيكون ظلمًا
تذكّر كلمات العمة تشاو ، وتذكّر نبرة الخجل في حديث
الممرضات الشابات حين يذكرن اسم تشي تشاو
{ تشي تشاو شاب محبوب ، وحوله كثيرون من أبناء جيله أنسب مني }
قال فو نان آن ، بصوتٍ هادئ وحاسم:
“ ثمة كثيرون من هم في مثل سنّك ، أنسب لك مني ….
فلا تُهدر جهدك عليّ "
هزّ تشي تشاو رأسه بإصرار، وظل صوته ثابت :
“ لكنني فقط… معجب بك . لا أرى في هذا جهدًا ضائعًا ،
إنه شيء يجعلني سعيدًا ،،
إعجابي لك أمر يخصّني وحدي ،
لا بأس إن لم تستطع مبادلتي الشعور ،
أنا فقط… فقط معجب بك .”
كانت تلك الاعترافات السابقة فعلًا اندفاعية، لكنه لم يندم عليها يومًا
في ذلك الوقت ، كان فو نان آن يتجنّبه أصلًا
لم يكن يخشى الندم على فعلٍ متهوّر ،
بل كان يخاف ندمًا من نوعٍ آخر — أن يفقده هكذا ،
ببرودٍ وغموض ، دون أن يُقال شيء بوضوح
“ إن كنت لا تريد علاقة ، فلن تكون هناك علاقة ،،
أنا في الحقيقة لم أتوقع يومًا أن تقبلني .
أريد فقط أن أتحدث معك أكثر .
لم يتبقَّى لي في فترة التدريب هنا سوى نصف عام .
أعدك أنني سأوازن وقتي جيدًا ،
فقط… هل يمكنك ألّا تعاملني ببرود ؟”
' لا تعاملني ببرود '
كانت جملته بسيطة للغاية ، وبساطتها كفيلة بأن تمزق القلب
سأل تشي تشاو فو نان آن إن كان يمكنه زيارته من حينٍ
لآخر ، وأقسم بأنه لن يحمل أي نوايا أخرى
حرّك فو نان آن شفتيه مرتين دون أن يخرج صوت ،
لكن في النهاية ——- لم يستطع الرفض
: “ أنت حقًّا…”
رفع فو نان آن يده وضغط بها على صدغيه ، وكأنه يعجز عن مجاراة عناده :
“ لماذا تُصرّ على هذا ؟ أترى أن الأمر يستحق ؟”
ابتسم تشي تشاو ابتسامة صافية ، وقال بلا تردد :
“ يستحق ، أجل، يستحق تمامًا ….”
ثم كرر رجاءه بصدقٍ أكبر :
“ بروفيسور فو .. هل يمكنني الاستمرار بزيارتك ؟
و أساعدك في كمّادات العين ، فقط… أريد أن أراك ،
هذا ما أريده أنا "
لم يستطع فو نان آن أن يرفض — بل ربما لم يرغب أن يرفض
و حين قال تشي تشاو هذه الكلمات ، شعر فو نان آن بأن
قلبه لم يكن يومًا بهذا الامتلاء
كأن مخلوقًا صغيرًا ناعمًا استقرّ على صدره ، يبثّ فيه دفئًا عميقًا
تحسّس فو نان آن عصاه البيضاء ، وتنهد ببطء —-
“…افعل كما تشاء "
–——
لم يدركا كم من الوقت مضى ، حتى لاحظا أن الليل قد حلّ
حين عاد تشي تشاو إلى السكن، كان الجو قد أظلم تمامًا
ولم يستطع وصف شعوره بدقة — مزيج من الفرح والحزن في آنٍ واحد
بعد أن أفرغ ما في صدره من كلام ، أحسّ بفراغ تام ،
وكأن شيئًا في داخله انسكب كله دفعةً واحدة ،
لم يكن زملاؤه قد عادوا بعد ،،،
و فور دخوله ، أخذ حمامًا ساخنًا ، تاركًا الماء يغسل عنه
تعب اليوم وهمّه
جلس إلى مكتبه ، وفتح درج صغير يحتفظ فيه بعيدان
حلوى القطن — أكثر من اثني عشر عود
أخرجها واحد تلو الآخر ، وتأملها تحت ضوء المصباح ،
انشغل بها حتى أنه لم يلحظ اقتراب أحد منه
: “ تشي-غا ما الذي تفعله ؟”
ربّت تشين كايجي على كتفه من الخلف
لقد أنهى للتوّ تقديم هديته لتشو روياو — ولا تزال ابتسامة
النشوة تعلو وجهه بعد نجاحه العاطفي
: “ ما الممتع في بضع عيدان ؟
هيا تشي-غا ، طلبت مشاوي ، لنصعد إلى السطح ونتحدث قليلًا !”
عادةً يكون العشّاق الجدد هكذا — يريدون أن يشاركوا
العالم كله سعادتهم
و جرّه تشين كايجي إلى السطح بحماس ، ولم يجد تشي
تشاو سبيلًا للرفض
أعاد العيدان بسرعة إلى الدرج ، ونهض يتبعه
——-
سأل تشي تشاو بابتسامةٍ خفيفة وهو يصعد خلفه : “ عن
ماذا تريد أن نتحدث ؟”
{ وما عساه أن يكون غير ذلك ؟ }
فتح تشين كايجي علبة بيرة لتشي تشاو ، ثم فكّ كيس المشاوي
و انتشر في الهواء عبير الكمّون القويّ ،
فابتسم بخجلٍ طفيف وقال :
“ اححم … أردت فقط أن نتحدث عني وعن آ-ياو "
جلسا على سطح المبنى يأكلان المشاوي ويحتسيان البيرة
بدأ تشين كايجي يثرثر بحماس عن قصصه مع حبيبته —
لحظاتهم الخجولة ، والمواقف المضحكة بينهم
وانتقلت عدوى ابتسامته إلى تشي تشاو ، فبدأ يضحك
ويصطدم معه بالعلب المعدنية في جوٍّ مرح
كان تشي تشاو سعيدًا حقًا لأجله ،
بغضّ النظر عن وضعه العاطفي ، تمنّى لتشين كايجي
السعادة من قلبه
لكن مع ذلك، حين رأى تلك الابتسامة المشرقة على وجه
صديقه ، شعر في أعماقه بطعمٍ مرّ خفيف لا إرادي
. “ هيا يا تشي-غاا ، نخبٌ آخر لك!”
علبة البيرة الأولى قد شارفت على الانتهاء ،
فأخرج تشي تشاو أخرى من الكيس ،
وفتحها بصوت طَقطقة كسر سكون الليل ،
ناولها لتشن كايجي وهو يبتسم بصدق قائلاً :
“ احرصا على أن تظلّا مخلصَين لبعضكما ،
أتمنى أن تدوم بينكما السعادة إلى الأبد ”
ابتسم تشي تشاو ابتسامة مشرقة ،
متعمّدًا إخفاء مشاعره الحقيقية كي لا يفسد مزاج صديقه السعيد ،
لكن تشين كايجي كان ذا عينٍ فاحصة ،
ولاحظ على الفور أن شيئًا ما ليس على ما يرام ،
: “ ما بك يا تشي-غا ؟ تبدو مكتئبًا قليلًا "
: “ لا شيء ...” هزّ تشي تشاو رأسه ، مصرًّا على الإنكار ،
التقط سيخ لحم وتظاهر بالانشغال بالأكل ،
متجنبًا نظرات تشين كايجي :
“ ما الذي قد يزعج تشي-غا خاصتك ، هاه ؟”
: “ لا، لا، يوجد شيء … أنا متأكد !” حدّق تشين كايجي فيه
مليًّا، ثم هزّ رأسه بجدّية :
“ تشي-غا ، فقط قلها ...
أستطيع أن أرى ذلك بوضوح .”
ضحك تشي تشاو بخفة ، ورفع علبته يصطدم بها مع علبة صديقه :
“ نظرك حادّ يا صاحبي "
اتسعت عينا تشين كايجي بقلق :
“ هاه؟ إذًا يوجد فعلاً أمر ما؟”
لم يكن هناك مهرب ، فسيعرف عاجلًا أو آجلًا
فقال تشي تشاو بهدوء بعد لحظة صمت :
“ نعم، لقد اعترفت للأستاذ فو "
شهق تشين كايجي : “ لـلأستاذ فو؟! بحق السماء!”
و بدأ تأثير الكحول يظهر عليه —- قفز من مكانه ، وكاد
السيخ الذي في يده أن يصيب وجه تشي تشاو
ثم نظر إلى ملامح صديقه الهادئة ،
فغاص قلبه نصفه في القلق
: “ و… ماذا قال الأستاذ فو؟”
ابتسم تشي تشاو بمرارة وهو يرى انفعال صديقه ،
وربت على كتفه ليخفف من وطأة الموقف
: “ ماذا عساه أن يقول ؟
قال إننا غير مناسبين فحسب "
صحيح أن فو نان آن اعترف بأنه يكنّ له بعض المشاعر ،
لكن رفضه في النهاية ،
كان موقفه واضحًا جدًا — لم يكن يرغب فعلًا بأن يستمر
تشي تشاو بإيجاده ،
و حكى تشي تشاو الحوار كما كان ، حرفًا بحرف ….
استمع تشين كايجي بصمت ، يشرب جرعات متقطعة من
البيره ، حتى انتهى ، فتنهد تنهيدة طويلة وقال بأسى :
“ يا للخسارة "
{ حقًا ،،،، كان الأمر مؤسفًا ...
ولو قلت أنني لا أشعر بالأسف ، لكنتُ كاذبًا ...
فمن الذي لا يرغب في الارتباط بمن يحب ؟ }
لكن تشي تشاو لم يرغب أن يجعل من الأمر مأساة كبيرة ،
فذلك لا يستحق ،
فالحب في جوهره مزيج من المرارة والفرح ،
لا يفهمه إلا صاحبه ، ويكفي أن يكون الإنسان راغبًا فيه ،
ابتسم تشي تشاو وربّت على كتف تشين كايجي مواسيًا له
بدل أن يتلقى المواساة، وقال:
“ حسنًا ، حسنًا ، إنه مجرد اعتراف لمرة واحدة مرفوض ،
لا تجعلها مأساة . الطريق أمامنا ما يزال طويلًا .”
هزّ تشين كايجي رأسه وقال بسرعة :
“ لا، تشي-غا ، لم أقصد ذلك ...
فقط… لم أتوقّع أن تسير الأمور هكذا ...
كنت أظنّ أنكما ستنجحان .”
لم يفهم تشي تشاو قصده ، فسأله:
“ ماذا تعني ؟”
قال تشين كايجي وهو يعبث بعلبة بيرة فارغة في يده ،
ونبرته تتردد بين التردد والحرج :
“ أتعلم… لطالما مازحتكما بشأن الأمر ، لكن في الحقيقة ،
كنت أشعر دائمًا أن مشاعر البروفيسور فو تجاهك مختلفة ”
ضحك تشي تشاو :
“ مختلفة كيف ؟”
قال تشن كايجي مؤكدًا :
“ فقط مختلفة ! نبرته معك كانت مختلفة ،
وطريقته في التعامل معك لم تكن مثل الآخرين ،
ألم تكن تذهب إلى مكتبه كثيرًا ؟ عادةً هو لا يحب أن يدخل
أحد إلى مكتبه ،
وإن أراد أن يتحدث مع أحد ، يستدعيه إلى المكتب الرئيسي .”
ابتسم تشي تشاو بمرارة { ذلك فقط لأنني كنت أزعجه بإصراري }
ثم سأل تشين كايجي إن كانت هناك مواقف محددة يقصدها ،
فأجاب تشين كايجي بحماس :
“ طبعًا هناك !
مثلًا، عندما ذهبنا في مهمة التوعية الريفية ، لم يسمح لأحد
بالدخول إلى غرفته إلا أنت .
وعندما ضربك والد يوانليانغ، سألني أكثر من مرة على انفراد عن حالك .
آوووه و أيضًا تقييم نهاية الدورة !
رأيته بنفسي حين كنت أرتّب الأوراق !
كتب في تقييمك أنك أفضل طالب درّسه في حياته !
كتبها حرفيًا !!!!”
تحدث تشين كايجي بسرعة ، يسرد موقف تلو الآخر ،
بينما وجه تشي تشاو يتبدّل تعبيره مرارًا ،
لم يلاحظ أيًّا من هذه الأمور من قبل
و ومضت في ذهنه مشاهد متفرّقة —- :
فو نان آن يناوله حلوى القطن ،
و تلك اليدان الدافئة القوية ويُخبره أنه قد كَبُر ،
مساعدته ليُوانليانغ بناءً على توسّلاته…
وكذلك تلك الليلة التي أمضياها في حديثٍ من القلب إلى القلب
حقًّا ، أمور الحب والمشاعر مزيج من الحلاوة والمرّارة
فحتى وإن رفضه فو نان آن، فإن استحضار تلك الذكريات لا
بدّ أن يُحدث في قلب تشي تشاو تموّجات دقيقة كخيوط
من الضوء في أعماقه
حين قال فو نان آن أول مرة أنه كان يحمل له مشاعر ،
ظنّ تشي تشاو أن ذلك لم يكن سوى مجاملة وقتيه ،
لكنه الآن ، بعد سماع كلمات تشين كايجي ،
شعر أن مشاعره الصادقة لم تكن عبثًا تمامًا ،
{ إذاً فو نان آن يكنّ لب بعض المشاعر فعلًا ،
وهذا وحده كافي .. }
انتهت علبة البيرة بسرعة ، ففتح تشين كايجي أخرى
و تناثرت العلب الفارغة في الكيس البلاستيكي محدثةً
صوت خشخشة خافت
تشين كايجي:
“ وما الذي تنوي فعله الآن ؟”
ابتسم تشي تشاو وهو يواجه نسيم الليل ،
وعيناه تلمعان :
“ وماذا يمكنني أن أفعل ؟
سأترك الأمور تمضي كما تشاء .”
فالحبّ في الشباب يكون هكذا ؛ لا ينتظر نتيجة محددة ،
بل هو شعور غامض يتجذّر في القلب ،
مزيج من المرارة والحلاوة ، لا يعرفه إلا صاحبه ،
{ ومهما كانت النهايات ، تبقى التجربة حيّةً في الذاكرة ،
ستنبض دفئًا مستقبلاً ،،،
أنا لم أندم يومًا على إعجابي لفو نان آن }
——————
مرّ أسبوعان آخران ،
وبدأ الطقس يدفأ شيئًا فشيئًا ،،
وبعد حديثهما الصادق ، تلاشت الحرج والمشاعر المتوترة
بين تشي تشاو وفو نان آن تمامًا
أرسل فو نان آن رسالة في قروب المتدرّبين العام ،
يسأل إن كان هناك من يرغب في المشاركة بمشروع بحثي معه
رمش تشي تشاو بعينيه قليلًا ،
ثم أرسل له رسالة خاصة :
[ الأستاذ فو هل تظن أنني مناسب لهذا المشروع ؟ ]
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق