القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch37 الخطاف الخلفي

Ch37 الخطاف الخلفي



كان شهر أكتوبر مضطربًا لا يهدأ —-

أراد تشو تشيتشن أن يعيش بهدوء ، متجنبًا كلّ ما قد يعكّر صفوه ، 

آملاً أن يمضي العام سريعًا ليُرفَّع إلى رتبة كابتن طائرة ،

بل إنه خطّط بعد ذلك أن يأخذ إجازة قصيرة مع لانغ فنغ

لا شيء محدّد ، فقط ليمضيا وقتًا معًا ، 

لم يكن المكان مهم بالنسبة له، حتى لو كانت أمستردام 

مجددًا ، فالمغزى كله أن يكون برفقته ، وحسب


لكنّ الواقع خذله —-

الترقية لم تعد أولوية ، لأنه أصيب بوعكة شديدة اضطرته 

لأخذ إجازة أسبوع كامل ، 

وخلال شهرٍ واحد فقط ، عاد إلى بلدته في شنيانغ، وزار 

والديه تشو تشنغهاي ووو مياو ، بل حتى التقى أخيرًا بـ باي زيوي ،

الأحداث توالت عليه واحدةً تلو الأخرى ، ولو أنّها وقعت في 

الماضي لما عرف كيف يتعامل معها ،

لكن حين جاءت الآن ، وجد نفسه أكثر هدوءًا وقدرةً على التقبّل ،

ربما لأنه نضج ، وربما لأن المسافات خففت من وقع الأشياء…

أو لعل السبب ببساطة هو أنه لم يعد يخاف من مواجهة نفسه ،،،


سأله لانغ فنغ وهو يقود سيارة تشو تشيتشن الجديدة ، 

قبل أن يتوقف أمام باب المطعم :

“ في أيّ ساعة أعود لاصطحابك ؟”


فكر تشو تشيتشن لحظة :

“ بعد ساعةٍ تقريبًا ، لن أتأخر كثيرًا .”


أومأ لانغ فنغ:

“ حسنًا ، سأنتظرك بالقرب من هنا ، أرسل لي رسالة حين تنتهي .”


ابتسم له تشو تشيتشن بخفة ، ثم استدار مبتعدًا


كان يستطيع أن يشعر بنظرات لانغ فنغ تتبعه ، 

على ظهره بثبات ، كأنها نار خفية تشتعل ،

توشك أن تحرقه من الخلف حتى تصل إلى صدره ،




حين التقى تشو تشيتشن بـ باي زيوي، وجد الرجل يرتدي 

ملابس بسيطة غير رسمية ، ما جعله يبدو غريبًا ، 


استغرق تشو تشيتشن نصف ثانية ليتعرّف عليه ،

فخلال السنوات العشرة الماضية ، لم يره بملابس غير 

العسكرية سوى ثلاث مرات على الأكثر ،

حتى خُيِّل إليه أنّ باي زيوي حين يخلع بزّته العسكرية ، 

يفقد جزءًا من هالته وهيبته ،

وكأنّ شيئًا من صلابته ينكسر ، فيصبح كلّ ما يقوله أو يفعله 

أقلّ وزنًا من ذي قبل ، 


طلبا طبقين من الطعام ،

وحين جاء النادل ومعه قائمة المشروبات ، لاحظ تشو 

تشيتشن أنّ باي زيوي قلّب الصفحة ثم رفع رأسه نحوه ،

فسارع تشو بطلب كأس بيرة له ،


رفع باي زيوي نظره إليه ، لكنه لم يعلّق بشيء


وحين وُضعت الكؤوس أمامهما ، كان تشو تشيتشن هو 

أول من كسر الصمت :

“ كيف حالك هذه الأيام ؟”


شرب باي زيوي كمية كبيرة وأجاب باختصار :

“ بخير "


سأله تشو تشيتشن بهدوء :

“ وأنت وزوجتك ؟ هل كلّ شيءٍ بينكما على ما يرام ؟”


أنزل باي زيوي رأسه ، ففعل تشو تشيتشن الشيء نفسه 

من غير قصد ،

فرأى في إصبعه البنصر أثر خاتم باهت أشعة الشمس 

طبعته هناك ، بينما الخاتم نفسه قد اختفى منذ زمن


باي زيوي بحكم عمله على السفن ، يتعرض للشمس والرياح يوميًا ،

حتى اسودّت بشرته أكثر من بشرة أي طيار ،

لكن تلك الحلقة الفاتحة حول إصبعه ظلت واضحة كندبةٍ صغيرة لا تزول ،

وفي هذه اللحظة ، أدرك تشو تشيتشن أنه طرح سؤالًا خاطئ


لكن باي زيوي لم يُبدِي أي ضيق ، بل أجاب بهدوءٍ شديد:

“ لقد تطلقنا . الطفل عندي .

آوه كنت أنوي إحضار تاوتاو معي اليوم ،

لكن أحد أقاربي صادف أن لديه وقت فراغ ، فتركته عنده ، 

فجئت وحدي .”


سكت تشو تشيتشن مذهولًا ،

وأخيرًا فهم لماذا كان باي زيوي مصرًّا على اصطحاب ابنه 

ذو الثلاثة أعوام معه إلى بكين

قال مترددًا :

“ زواجك في البداية… كان عن حب أليس كذلك؟”


ابتسم باي زيوي ابتسامة باهتة وقال:

“ كان عن حب، نعم… وربما ما زال كذلك .

لكن زواجي أيضًا كان بسبب مرض والدي ،

كان يريد حفيدًا قبل أن يرحل .

الطفل… غيّر كلّ شيء .”


حين بدأ يتحدث ، شعر تشو تشيتشن وكأنهما عادا فجأة إلى نمطهما القديم ،

ذاك الوقت عندما يسمعه بعد كل كأسٍ من الشراب بصمت ،

يستمع لما يبوح به له فقط


كان باي زيوي يشبه والده كثيراً ، 

حتى في الشعر الذي غزاه الشيب وهو شاب ،

لم يتغير شكله كثيرًا بعد ثلاث سنوات ،

لكنّ الشعر الأبيض ازداد ،

وعيناه غائرة تحت ظلال الإرهاق والسهر ، 


تابع : “ بعد أن بلغ الطفل عامه الأول ، طلبت زوجتي الطلاق .

رفضت في البداية ، لأن الإجراءات معقدة ،

وكنت أريد أن نصبر حتى يدخل المدرسة ، أو على الأقل حتى أتقاعد .

لكنها كانت مصممة على الرحيل ،

وفي النهاية وافقت .

والآن، بسبب كِبَر سنّ والديّ ، وبما أن الطفل معي،

قد أضطر للتقاعد مبكرًا .”


عندها فقط نطق تشو تشيتشن بهدوءٍ متأمل:

“ إلى متى تنوي البقاء إذًا ؟”


تنهد باي زيوي :

“ حتى نهاية العام .”


قال تشو تشيتشن بلطفٍ رسميّ:

“ خسارة… غيابك سيكون فقدانًا كبيرًا للدفعة 029 ولجيل 

الطيارين الجدد .”



كلماته الهادئة تلك أصابت باي زيوي في موضعٍ حساس،

فاستدار للحظة ينظر إلى الزجاج،

ثم عاد بنظره إليه وقال بنبرةٍ متماسكة:

“ عشرة رجال يحتاجون إليّ ،

لكن طفلي يحتاج إليّ أكثر .

قل لي أنت ، أيّهما أهم؟”


لم يصلا إلى صلب الحديث ،

تناول تشو تشيتشن لقمتين ثم بدأ بتغيير الموضوع ،

لكن باي زيوي، كأنه قرأ نيته ، فقال قبله :

“ سبق أن أخبرتك… جئت اليوم لأعطيك شيئ ”


كان بالفعل يحمل كيس هدايا صغير ،

تشو تشيتشن قد لاحظ الكيس حين التقيا ، ونظر إليها 

طويلاً دون أن يدرك ما بداخلها 

وحين سلّمه إياها الآن ، فتحها ببطء ،

فوجد داخلها قطعة قماش قديمة ، ملفوفة حول جسم معدنيّ صغير


تحرك قلبه بشعور غريب،

ومدّ يده ليكشف القماش،

فبان له جزء أبيض اللون من المعدن،

عرفه قبل أن تكتمل رؤيته


إنه رأس خطّاف التوقيف من ذيل طائرته الحربية 

جيان 15 التي تحطمت ذاك يوم

لا يحتاج أن يراه ليعرفه ،

فحتى لو أغمض عينيه ، يمكنه أن يميّزه بملمس أصابعه وحدها


يتكوّن نظام اعتراض هبوط الطائرات الحربية على حاملات 

الطائرات من خطاف الذّيل و حبل الإيقاف 


تشو تشيتشن يتذكّر أنّ هذا هو الرأس الثالث لحبل الإيقاف 

الخاص بالمقاتلة رقم ZY2913A1B2، 

وهو قطعة من التيتانيوم تزن 9.8 كيلوغرامات، 

استُخدمت 1328 مرة، ولم يتبقَّى لها سوى 172 استخدامًا 

ثم تُستبدل ،

هذا الرأس هو آخر حلقة ضَمِن له الحياة ، 

و في الوقت نفسه سيفه وقلبَه ، 


بعد مغادرته حاملة الطائرات ، أمضى لياليَ لا تُحصى في 

شقّته المرتفعة في تشنشي ، وحيد في العتمة الطويلة


يرى في أحلامه مقصورة القيادة الضيقة التي منحته آلاف 

المرات من الضغط والتوتّر ، لكنها أيضًا منبعَ أمانه اللامحدود ، 

بعد الحادث قصَّ بطاقة الاسم عن مظلته ووضعها في 

صندوق صغير ، يحتفظ به إلى جانب القصاصة الورقية التي 

أهدته إيّاها أخته تشو تشيروي 


و لأنه غادر الدفعة مبكرًا ولأسبابٍ شخصية ، لم ينل أي 

وسام شرف ، ولا التُقطت له صورة جماعية مع زملائه ،


كان يريد أن يتمسك بأي شيءٍ يمكنه حمله معه ، 

لكن في النهاية لم يستطع أن يأخذ شيئ ، 

حريق واحد ، وركام من الحديد المحترق ، والمقاتلة صارت 

رماد لا يُرى فيه أثر فولاذ ، ومعها احترقت ذكرياته


ظلّ تشو تشيتشن صامتًا قرابة دقيقتين كاملة ، 


نظر إليه باي زيوي بهدوء ، ثم قال مبادرًا : 

" سألتُ رجال الموقع ، تقريبًا لم يتبقَّى شيء من الأجزاء 

الأخرى ، كلّها احترقت بالكامل ، 

أمّا رأس الإيقاف فكان داخل جهاز التمدّد ، فحُميَ نسبيًا ، 

ويمكن اعتباره القطعة الوحيدة التي بقيت كاملة... 

ولأن لونه مختلف ، تعرّفت عليه من النظرة الأولى "


ولأجل أن يتمكّن ضابط توجيه الهبوط من رؤية ما إذا كانت 

المقاتلة قد تعلّقت بالحبل بنجاح ، يُصنَع رأس الإيقاف بلون

مختلف عن الطائرة ، واللون الموحّد في الصين هو الأبيض


لفّ تشو تشيتشن رأس الإيقاف بقطعة قماش ووضعه 

داخل الكيس ، ثم قال لباي زيوي بصوتٍ خافت : 

" شكرًا "


كان من المفترض أن يكون سعيد ، بل مبهور ؛ فهي لحظة 

استعادة شيء بعد ثلاث سنوات من الفقد ،

حتى نظرات باي زيوي كانت تقول له بوضوح أنه كان 

متحمس إلى هذا اللقاء ، 


لكن تشو تشيتشن لم يشعر بشيء


كأن القدر يسخر منه ، يرتّب له أكثر المواقف دراميةً 

وسخرية ، لكن جميع المشاعر التي كان ينبغي أن تتفجّر في 

داخله لم تأتِي


وأخيرًا، اضطرّ باي زيوي أن يسأله بصوتٍ متردّد : 

" أأنت... لست سعيد ؟"


توقّف تشو تشيتشن لحظة ، ثم قال بهدوء : 

" باي زيوي منذ متى عرفتَ ؟" 


نادِر يناديه باسمه الكامل ؛ عادةً يدعوه ممازحًا " لاو باي"، 

( العجوز باي )

وما إن نطق اسمه هكذا حتى خيّم الصمت على باي زيوي


ابتسم تشو تشيتشن أولًا ، وقال بصوتٍ مبحوح : 

" لقد أُعجبت بك ما يقارب ثماني سنوات ، 

وأظنّك كنت تعرف ،

إن كنتَ تشعر بالاشمئزاز ، يمكنك أن ترحل الآن ، لن أجبرك 

على شيء ، 

لكن إن لم ترغب الرحيل، فأخبرني فقط... متى عرفت ؟"


أمر بسيط ، ويا لها من عتبة صغيرة ، مجرد خطوة واحدة ليتجاوزها ، 

منذ شبابه ، كان شاب حادّ الطبع ، لا يطيق كبت مشاعره ، 

لو كان يستطيع كبحها ، لما ظلّ حبيس مشاعره حتى اليوم


لم يُجب باي زيوي لكنه اعترف أخيرًا بصوتٍ خافت : 

" كنتُ أعلم …." وحين لاحظ أن تشو تشيتشن يحدّق في 

عينيه بإصرار ، أضاف مستسلمًا : " ولم أكن أنوي الرحيل "


تشو تشيتشن: " عدتُ بعد الحادث بأربعة أشهر ، قضيت 

شهر في الفحص البدني ، وشهر آخر في استعادة التأهيل ، 

ستة أشهر كاملة ، 

و هذا الرأس... حصلتَ عليه بعد الحادث أليس كذلك ؟ 

فلماذا لم تُعطني إياه طوال هذا الوقت ؟"


تذكّر كيف بدأت علاقتهما تتباعد في تلك الشهور ، 

وقد خدع نفسه وقتها بأن السبب ربما هو غيابه الطويل ، 

وأن باي زيوي أصبح أقرب إلى الآخرين... 

لكنها كانت مجرّد كذبةٍ يواسي بها نفسه ، 

وإذا أعاد التفكير ، فقبل الحادث بشهرين ، كان باي زيوي 

قد بدأ يبتعد عنه أصلاً ،


ظلّ باي زيوي ينظر إليه ، ولم يقل شيئ


قال تشو تشيتشن بصوتٍ بارد :

“ حسنًا ، سأقولها أنا عنك . كنتَ تعرف ، أليس كذلك؟ 

قبل أن يقع الحادث .”


أجاب باي زيوي أخيرًا:

“ قبلها بشهرين أو ثلاثة تقريبًا .”


تشو تشيتشن:

“ وكيف عرفت ؟”


قال باي زيوي بعد تردّدٍ قصير:

“ قبل ذلك… كان يوجد بعض التفاصيل الصغيرة التي 

جعلتني أشعر بشيء ، لكنني لم أكن متأكد ، 

أما اللحظة التي تأكدت فيها حقًّا ، فكانت تلك الليلة حين 

شربنا مع لاو لو ولاو هان ، 

كنا ثملَين، وذهبنا إلى الشاطئ لندخّن ، 

أخبرتك أنني سأغادر لأن عليّ أن أستيقظ باكرًا للتمارين ، 

ومشيتُ بضع خطوات ثم تذكّرت أني نسيت القارورة ، 

فعُدتُ لأخذها ، وعندما رفعت بصري رأيتك تحدّق بي طوال الوقت .

في تلك اللحظة … كنتَ قد شربتَ أكثر منّي ، ربما لا تتذكّر ، 

لكن نظرتك لي حينها كانت تمامًا مثل نظرتي قديمًا إلى ليو شياويُو "


ليو شياويُو الممرضة العسكرية التي خدمت مع وحدتهم 

لفترةٍ قصيرة ، 

وهي الفتاة الوحيدة التي أُعجب بها باي زيوي في حياته ولم 

يتمكّن من الفوز بها 


أمسك تشو تشيتشن عيدانه ، محاولًا التظاهر بتناول لقمةٍ 

أخرى ، لكن كلّ ما ذاقه كان كأنّه رماد في فمه ،

وضع العيدان أخيرًا وقال :

“ مشاعري تجاهك هي نفسها تمامًا مشاعرك وقتها تجاه ليو شياويُو

الفرق الوحيد هو أنك كنتَ تستطيع أن تعبّر عنها ، 

أما أنا فلا. ،

و حتى التفكير بها كان محرّمًا عليّ .”


ظلّ باي زيوي يحدّق فيه طويلاً ، ثم تمتم:

“ أعرف ، أنا…”


قاطعه تشو تشيتشن:

“ لا، أنت لا تعرف .”


تجمّدت الأجواء بينهما ، والسكوت ثقيل كالمعدن ،

كان باي زيوي دائم الحذر في كلماته ، 

لطالما ظنّ تشو تشيتشن أنّ تلك رزانة وهدوء ، 

أمّا الآن فلم يرَى فيها سوى البرود والتردّد ،


تشو تشيتشن :

“ ولماذا قرّرت الآن فقط أن تعيده إليّ ؟”


أجاب باي زيوي ببرودٍ متصنع :

“ كنتُ أنوي دائمًا أن أفعل ، لكن لم تتوفر الفرصة المناسبة .”



ضحك تشو تشيتشن بمرارة:

“ كانت لديك فرصٌ كثيرة . شهران وأنا في المستشفى ، 

وشهران آخران في فترة التعافي بالمنزل ، وبعد عودتي 

بشهرين أيضًا… وحتى صباح اليوم الذي قلتُ فيه إنني سأرحل .

كنتَ تعرف كم كنتُ أريد هذا الشيء ، أردتُ أن أحتفظ به كذكرى ،

لكنك فضّلت أن تُخفيه حتى يتآكل في كفّك، فقط لأنك 

تخاف من أن يُساء الظنّ؟ أو من القيل والقال؟ 

والآن بعدما اشتقتَ إلى صداقتي ، أخرجته من جيبك وكأنك 

تؤدّي خدعة سحرية ؟”


تغيّر وجه باي زيوي، وبدا عليه الغضب والحرج في آنٍ واحد


ابتسم تشو تشيتشن ابتسامةً مليئة بالألم وقال:

“ كيف كنت تنوي أن تشرح الأمر أصلًا ؟ 

شيء اختفى ثلاث سنوات ، وفجأة يعود للظهور… 

أيمكنك أن تشرح لي هذا ؟ أنا حقًّا أودّ أن أعرف .”


لم يُجب باي زيوي، لكن كلماته الأخيرة خرجت منه بصوتٍ 

خافتٍ يشبه الانكسار :

“ آسف "


لم يقبل تشو تشيتشن الاعتذار ، لكن لم ينكره أيضًا ،

لو أنّ هذا الموقف حدث قبل ثلاث سنوات ، لكان سأل باي 

زيوي حتى النهاية ، بلا مراعاة ولا تحفظ ، 

حتى لو اضطرّ لتمزيق آخر ما تبقّى من الودّ بينهما ، 

فقط ليحصل على إجابةٍ صريحة  

لكنّه اليوم لم يعد ذاك الشاب الحادّ ، لقد نضج ، وأدرك أن 

البالغين لكلٍّ منهم عجزه وأزماته ، 

وأن ما مرّ به لم يكن باي زيوي وحده قادرًا على حله


أخذ كيس الهدية و نهض ودفع الحساب ، ثم قال بهدوء:

“ تأخر الوقت ، هناك من ينتظرني ، سأعود الآن . 

على أي حال… شكرًا لأنك أعدته إليّ ، لكن بعد اليوم… 

من الأفضل ألّا نتواصل مجددًا ”


أراد باي زيوي أن يقول شيئ ، لكن الوقت فات

اكتفى بأن نظر إليه وأومأ برأسه ، 

ثم نهض ليرافقه إلى باب المطعم ، وقال بصوت

 خافت يحمل ندمًا حقيقيًّا :

“ كان عليّ أن أقول ذلك في وقتٍ أبكر ،،

في تلك الليلة التي قلتَ فيها إنك سترحل ، كنتُ أنوي أن 

أراك وأعطيك إياه… أنا حقًا آسف .”


تشو تشيتشن:

“ آوه لا بأس ، لا داعي .”


سأله باي زيوي مجددًا :

“ ألا يمكننا أن نبقى صديقين فحسب ؟ 

بعد نهاية العام إن كان لديك وقت تعال لزيارتي ، 

أنت و تاوتاو يمكنكما اللعب سويًّا ، 

صداقتك مهمة جدًا لي، وأعرف أني كنتُ مهمًا لك أيضًا .”


أجابه تشو تشيتشن بصوت هادئ غير معتاد :

“ لقد ساعدتني كثيرًا ، ورفعتَ من شأني ، وآمنت بي هذا صحيح ، 

كنتَ شخصًا مهمًا في حياتي ، 

لكن بقدر ما كنتَ مهمًّا وقتها ، بقدر ما تألمتُ من بعدك ، 

أما الآن ، فيوجد شخص آخر أكثر أهمية .

هو يريدني سعيد ، وأنا أيضًا أريد أن أكون سعيد .


قلتَ إنّ هناك عشرة جنود يحتاجونك ، وقلتَ إنّ تاوتاو 

يحتاجك ، وسألتَ أيّهما أهم .

الضابط الموجّه LSO إن رحل ، سيأتي غيره ،

لكن تاوتاو لا يملك إلا أبًا واحدًا .

و في الحقيقة ، أنت اخترتَ بالفعل .

وأنا أيضًا اخترتُ يا الأخ يو 


أنا مجرد إنسانٍ عادي ، أريد أن أحتفظ ببعض الذكريات الجميلة .

لكن أن أنسى تلك الشهور القاسية ، وتلك السنوات الثلاث 

من الصمت ، ثم أتصرف وكأن شيئًا لم يحدث… 

وأعود لأكون صديقك كالسابق؟ لا أستطيع .”


توقفت الكلمات في حلق باي زيوي، أراد أن يتكلم، لكنه لم يستطع

أمسك بمعطفه، ووقف عند باب المطعم يراقب تشو تشيتشن وهو يبتعد


أما تشو تشيتشن —- فخطا بثباتٍ إلى الأمام ، دون أن يلتفت وراءه

وعند زاوية الشارع ، لمح السيارة السوداء تومض أضواؤها المزدوجة ،

فتح الباب ، وجلس إلى الداخل ، ثم مدّ يده وأمسك بيد لانغ فنغ ،


لانغ فنغ فهمه دون كلمة ، مال نحوه وقبّله قبلةً خفيفة 

كلمسة يعسوب


بعدها التفت لانغ فنغ نحو باب المطعم ، كأنه يريد أن يرى باي زيوي،

لكن تشو تشيتشن قال بصوتٍ خافت ثابت:

“ لا تنظر… هيا بنا "


كان باي زيوي بالفعل قد رأى الاثنين داخل السيارة ، 

رفع يده ، يريد أن يلوّح مودّعًا ، لكن السيارة انطلقت فجأة ، 

تاركين وراءهم سكون قاتم


كلّ شيء حدث بسرعةٍ مذهلة


منذ تلك اللحظة التي قال فيها تشو تشيتشن: “منذ متى عرفت؟”،

خرج كلّ شيء عن مساره ، كقطارٍ انحرف عن السكة


لم يكن يقصد من هذا اللقاء سوى أن يستعيد صداقة انقطعت ثلاث سنوات ،

لكنه في النهاية فقدها إلى الأبد ،،.


ولم يدرك باي زيوي ذلك إلا بعد وقت طويل ،

حين فهم أنه لم يفقد تشو تشيتشن هذه الليلة ،

بل فقده منذ ثلاث سنوات ،

منذ اللحظة التي أمسك فيها رأس الخطّاف من حطام الطائرة ،

واحتفظ به صامتًا دون أن يقول شيئ .


السنوات من الحادية والعشرين إلى التاسعة والعشرين من 

عمر تشو تشيتشن كلها تحت ظلال باي زيوي،

هو من علّمه كيف يقود المقاتلة ، وكيف يقرأ الأضواء ، 

وكيف يوازن الاتجاه ، وكيف يعلّق الخطّاف ،

وكيف يتفادى صراخ القادة ،

بل حتى كيف يغازل فتاة ،


لكن في النهاية ، كان تشو تشيتشن هو من لقّنه درسًا لن ينساه —— :

أن بين شخصين يمكن أن يُحبّا بعضهما ، يوجد فجوات 

أعمق من مجرّد اختلاف الجنس ،

لكن باي زيوي أدرك ذلك… بعد فوات الأوان ….


يتبع


بتعبير أبسط : ' المشكلة لم تكن في أننا رجلان ، المشكلة 

كانت في أننا لم نعد نستطيع أن نكون واضحين وصادقين 

مع بعضنا البعض ، ( تخاف من أن يُساء الظنّ ؟ 

أو من القيل والقال؟  )

وهذا الخلل الداخلي أقوى وأكثر تدميرًا من أي حكم مجتمعي '


و أن الحب يحتاج لأكثر من مجرد مشاعر جميلة ، 

يحتاج إلى أساس متين من الصدق والثقة ،

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي