Ch82 برج الأبروش
قبل ثلاث سنوات ——- ,
11 ديسمبر 2015. بكين ، حي غوماو
فانغ هاو أنهى للتو مناوبة ليلية طويلة في مطار العاصمة ،
ويحاول إعادة ضبط جدول نومه ،
يشارك شقة بغرفة نوم واحدة في غوماو مع لو جياوي ،
الشقة صغيرة — أصغر من أن تتسع لرجلين بالغين —
وقد تشاجرا أكثر من مرة بسبب ذلك
و في هذا الصباح أحد تلك المرات —- عاد فانغ هاو لتوه
إلى المنزل ، بينما لو جياوي يستعد للذهاب إلى العمل ،
تشاجرا ، ثم تعامل لو جياوي مع الأمر باستخفاف وغادر إلى
المكتب وكأن شيئًا لم يكن
الخلاف بدأ بسبب أمر تافه — كان فانغ هاو يعمل لساعات
طويلة وترك كومة من الصحون المتسخة بعد أن طبخ
تقنيًا ، كان دور لو جياوي في التنظيف لأنه متفرغ في
الليل ، لكن الصحون بقيت هناك يومين كاملين دون أن
يمسها أحد ، و لم تكن هذه المرة الأولى ، ولم يتردد فانغ
هاو في مواجهته
لكن بدلًا من الاعتذار أو النهوض لتنظيفها ، قال لو جياوي:
“ ألم أقل إنني سأطلب طعامًا جاهزًا في المرة القادمة ؟
نوفر على أنفسنا عناء غسل الصحون ،، يا لها من متاعب .”
يتذكر فانغ هاو أنه عبس محاولًا إقناعه :
“ ليست هذه هي النقطة ، لو لم تكن تريد غسل الصحون ،
كان يمكنك أن تقول ذلك من قبل ، لكنني أنا الذي طبخت ،
وأنت أكلت ، والآن حين جاء دورك فجأة لديك مشكلة ؟”
رد لو جياوي بأنه لم يذكر الأمر وقتها حتى لا يُثبط حماس
فانغ هاو ، عندها لم يستطع فانغ هاو الاحتمال أكثر ،
وقال له أن يذهب إلى عمله فحسب
ومع ذلك ، يعلم فانغ هاو أن القضية لم تكن حقًا عن الصحون ،
ففي أعماقه يعرف أن مشاكلهما أعمق من ذلك بكثير ،
لو جياوي كان دائم الادعاء بأنه يحبه ، لكن بالنسبة لفانغ
هاو — كان الأمر يبدو آليًا— كما لو أنها جملة محفوظة
يكررها ، أو دور يؤديه بتكرار ،
لم يعد هناك رابط حقيقي بينهما ، كلما كانا في نفس
الغرفة ، بدا لو جياوي دائم الشرود ، فاقد الاهتمام ،
لم يعد بينهما ما يتحدثان عنه ، و معظم الوقت يكون لو
جياوي إما ملتصقًا بهاتفه أو غارقًا في جهازه اللابتوب
لقد عاشا معًا لما يقارب ستة أشهر الآن ،، نظريًا ، كان من
المفترض أن تزول الحدة مع الوقت ، وأن يتأقلم أحدهما
مع الآخر ، لكن مؤخرًا ، بدا أن شيئًا ما تغيّر ،
حياة فانغ هاو أخذت منعطفًا جديد ،،
مع افتتاح مطار داشينغ، سألته لو يان زميلته المراقِبة
الجوية ، بشكل خاص إن كان يرغب في الانتقال معها إلى هناك
لو يان قد تولّت توجيهه من قبل عندما انتقل إلى قسم
الأبروتش ، ورغم أنهما لم يكونا مقربين ، إلا أنه يكنّ لها
احترامًا بالغًا،
وكان يفكر بجدية في عرضها ،
كان يعلم أن النقل لن يجلب ترقية أو زيادة في الراتب ،
لكن فريق داشينغ سيكون أول من يؤسس وحدة الأبروتش
الجديدة ، ذلك النوع من الخبرة كفيل بأن يعزز مستقبله المهني بدرجة كبيرة
لو يان :
“ إذا أردت القدوم ، فقط أخبرني . سأكلّم المسؤولين عنك .”
كانت تكبره بعامين ، محبوبة ، ذات علاقات قوية ، واسمها
يحظى باحترام كبير في مراقبة الحركة الجوية في شمال الصين ،
لم يكن لدى فانغ هاو أي سبب لعدم الوثوق بها تمامًا
لكنه يعرف أيضًا أنّ قبول العرض سيعني على الأرجح أن
عليه أن ينتقل من شقة لو جياوي ،
فمطار داشينغ بعيد جدًا عن غوماو ،
رحلته اليومية مرهقة أصلًا ، ولا يمكنه أن يتحمل ساعتين
ذهابًا وإيابًا كل يوم
علاقتهما قد وصلت إلى طريق مسدود ، مأزق خانق ،
فانغ هاو يعرف أنّه إن خرج من الشقة الآن فسيبدو وكأنه
بداية النهاية —إشارة سيئة —- لذا تردّد ،
وأجّل رده على لو يان لثلاثة أسابيع كاملة
في ذلك اليوم استيقظ حوالي الرابعة أو الخامسة مساءً ،
وبمجرد أن تحقق من هاتفه ، رأى أن جميع قروبات العمل
على ويتشات مشتعلة ،
هو عادةً يكتم إشعارات معظم المحادثات ، لكن قروبات
العمل المهمة كانت تطن بلا توقف ، و فتح إحداها ، وفي
البداية لم يبدُو هناك شيء استثنائي ،
لكن حين ألقى نظرة ثانية ، قفز من على الأريكة فجأة
رحلة إير تشاينا 416 — المتجهة من جاكرتا إلى شنغهاي،
تعرضت لعطل خطير ، كلا المحركين تعطّلا —
الطائرة تمكنت من الهبوط اضطراريًا في هونغ كونغ —-
الأعطال التقنية لم تكن أمرًا نادر ، حتى أنّ فانغ هاو تعامل
من قبل مع بعض الأعطال في محرك واحد ،
لكن تعطل كلا المحركين معًا كان أمرًا نادرًا للغاية ،
لم يحدث سوى بضع مرات على مستوى العالم خلال العقد
الماضي ، ومعدلات النجاة في مثل هذه الحالات بالكاد
تصل إلى 50-50 ،
لم يحدث شيء كهذا من قبل في تاريخ الطيران التجاري الصيني ،
هذه المرة الأولى في التاريخ —-
شغّل فانغ هاو التلفاز ليجد الأخبار قد بدأت تغطي الحادثة ،
تسجيـل صوتي للاتصال بين الطائرة ومراقبة الحركة الجوية
في هونغ كونغ قد نُشر بالفعل في إحدى القروبات
في التسجيل ، ظلّت المراقِبة الجوية في هونغ كونغ هادئة
ومهنية ، تتحدث بالإنجليزية طوال الوقت مع طاقم
رحلة 416 الكابتن تشن جيايو — لقد أطلق نداء استغاثة (Mayday - ماي داي )
قائلاً إن كلا المحركين تعطلا ،
وأنهم يستعدون لهبوط مائي ،
وبعدها أبلغ أن أحد المحركين استعاد دفع جزئي ،
و حذر من أن سرعة الطائرة ستكون عالية جدًا عند الهبوط،
وطلب أطول مدرج متاح —-
مراقبة الأبروتش امرأة و لم تفقد هدوءها لحظة ، و تحدثت
بنفس النبرة الثابتة ، وكأنها تتعامل مع تقرير هبوط
اعتيادي ، وليس مع طائرة على وشك السقوط ،
و التردد بأكمله أصبح صامت —— كل شخص ، سواءً في
المطار أو يستمع من بعيد ، كان مركزًا على تلك الطائرة
الواحدة—على تشن جيايو الذي يحاول أن يهبط بطائرة
ركاب ضخمة بمحرك شبه ميت قد يجعله يتجاوز المدرج
في أي لحظة
شعر فانغ هاو بارتجاف في صدره
خلال المحادثة ، من المراقبة الجوية في المجال العلوي (وحدة الارض Area Control)
إلى الاقتراب ( الأبروتش)
إلى برج المراقبة ( البرج Tower) في مطار هونغ كونغ الدولي ،
لم يتحدث أي شخص بأكثر من عشر عبارات قياسية معتادة
في اتصالات الطيران
لكن فانغ هاو بما أنه عمل في هذا المجال ، كان قادرًا على
الإحساس بالتوتر والخوف المختبئين خلف تلك الأصوات الهادئة ،
ولأول مرة ربما كمستمع خارجي ، أدرك مدى حساسية
وخطورة هذا العمل
فكّر — لو كان هو في قمرة القيادة في تلك اللحظة ،
لكان صوت المراقب أشبه بحبل نجاة في برنامج مسابقات :
مكالمة “ اتصل بصديق ” قبل أن ينطفئ كل شيء ،
إلا أن هذا لم يكن برنامج ، و الخسارة هنا تعني الموت —-
لقد تعلّم ذلك في مقاعد الدراسة ، وذكّر نفسه به خلال التدريب ،
لكنها المرة الأولى التي يدرك فيها الأمر بعمق ، بصفته مجرد شاهد من بعيد
{ إنهم مهمّون . ما نقوم به له قيمة .
أنا نفسي مهم }
وحين صدر التقرير التمهيدي للتحقيق ، أعاد فانغ هاو
تشغيل التسجيل الكامل للاتصال بين رحلة 416 ومراقبة
الحركة الجوية في هونغ كونغ مرة بعد مرة
و في المساء ظلّ يتجول في أرجاء الشقة لفترة طويلة ،
ثم توقّف فجأة ، التقط نفسًا عميقًا ، واتصل بلو يان :
“ يان جي ( الأخت ) … فكرت في الأمر…
هيا نذهب إلى داشينغ معًا "
بدا أنّ لو يان ابتسمت على الطرف الآخر من الخط:
“ لا تناديني ( جي )، يجعلني أبدو عجوزة ،
نادني باسمي فقط ، سنرى بعضنا كثيرًا من الآن فصاعدًا ! ”
ابتسم فانغ هاو وجارى المزاح قائلًا:
“ شكرًا لك، يان-إير-جي ”
..
و بعد نصف ساعة تقريبًا ، عاد لو جياوي إلى المنزل ،
حيّى فانغ هاو وكأن شيئًا لم يحدث ، و لم يأتِ على ذكر
الشجار الصباحي مطلقًا ، فقط التقط هاتفه وطلب طعامًا جاهزًا
وفي النهاية فانغ هاو هو من بادر بالحديث :
“ هل يمكن أن نتكلم أكثر عمّا حدث هذا الصباح ؟”
نظر إليه لو جياوي للحظة ، ثم ابتسم — ابتسامة لطيفة ، لكنها مراوغة :
“ كان يومي مرهقًا في العمل ، لنتحدث عنه لاحقًا حسنًا ؟
أعلم أنك لم تكن تقصد الشجار ،
فقط… ليست لدي طاقة الآن .”
وبإغلاق الحديث على هذا النحو ، لم يجد فانغ هاو سوى أن يتنازل
ساد الصمت بينهما مجددًا …. وبعد لحظة ، قطعه فانغ هاو قائلًا :
“ لقد وافقت على النقل إلى داشينغ ،،
على الأرجح سأنتقل إلى مكان أقرب للمطار ،
أنا… سأظل آتي إلى المدينة في عطلة نهاية الأسبوع ”
تجمّد لو جياوي للحظة ، مجرد ثانية ، لكن فانغ هاو كاد
يرى عقله وكأنه يقلب ملفات ، يبحث عن سابقة يمكن
مقارنتها ، كمحامٍ يستعد قبل المحاكمة ——-
وأخيرًا تذكّر
لكنه لم يقل سوى :
“ بدون زيادة راتب ، وما زلت تقبل بالنقل ؟”
لم يذكر بكلمة مسألة انتقال فانغ هاو من المنزل ——
—
في وقت لاحق من الليل ، بينما فانغ هاو ينظف أسنانه في
الحمّام ، سأله فجأة :
“ هيه… ما الذي يعجبك بي بالضبط ؟”
فوجئ لو جياوي بالسؤال وأجابه بتردّد :
“ حسنًا… ربما لأنني أشعر بالراحة معك ، أظن ذلك .”
تنهد فانغ هاو — تمضمض ، وأطفأ الإنارة .
—
29 أكتوبر 2019 – هونغ كونغ ، تسيم شا تسوي
فانغ هاو أنهى للتو أول سباق ألترا ماراثون لمسافة 100
كيلومتر ،،،،
بعد أن عبر خط النهاية ، بدأ هو وتشن جيايو يتمشيان ببطء
تحت رذاذ المطر الخفيف
ومن مزايا كونك في مدينة أجنبية ، أن لك حرية أن تكون
صريح —فقد ظلّ تشن جيايو ممسكًا بيده طوال الطريق ،
وفي سيارة الأجرة ، انحنى حتى يدلك فخذي فانغ هاو المرهقة
هذه المرة كان تشن جيايو هو من ملأ له حوض الاستحمام،
وجفّف شعره بعده ، وانتظر بصبر حتى أنهى فانغ هاو بعض
تمارين التمدد السريعة ثم انهار فوق السرير ،
أخرج جهاز التدليك وبدأ يخفف بعناية من تيبّس عضلاته
في منتصف التدليك ، فانغ هاو قد غفا بالفعل
لقد كان يركض بلا توقف لعشر ساعات وخمسين دقيقة ،
جسده وصل إلى أقصى طاقته واستُنزف تمامًا ،
النوم وحده قادر على إعادة شحنه ،
وعندما فتح عينيه مجددًا ، كان الوقت قد اقترب من منتصف الليل ،
رآه تشن جيايو يتحرك قليلًا ، فسأله بهدوء :
“ ما زلت متعبًا ؟ تظن أنك قادر على المشي ؟ إذا أردت ،
نخرج نتعشّى قليلًا… ربما نشاهد منظر الليل ؟”
نظر فانغ هاو إلى الأسفل ولاحظ الميدالية الخاصة بخط
النهاية ما تزال معلّقة في عنقه ،
بعد استحمامهما ، بدا أنه ارتداها ثانية ليلتقط صورة
ويرسلها إلى فان رولان وفانغ شنغجي، ثم نسي خلعها
حاول أن ينهض ويحرك أطرافه قليلًا
“ نعم ، استطيع المشي ،، هيا بنا .”
ولاحظ تشن جيايو نظراته ، فطمأنه بابتسامة :
“ إن لم ترد خلعها ، اتركها كما هي ”
ابتسم فانغ هاو ، وأبقى الميدالية في مكانها ،
ثم مدّ يده ليمسك بيد تشن جيايو وترك نفسه يُقاد إلى الخارج ،
الفندق في تسيم شا تسوي وبعد عشاء سريع غني
بالكربوهيدرات لتعويض الطاقة ، قاد تشن جيايو إلى الجنوب أكثر :
“ هيا نشاهد ميناء فيكتوريا ليلًا .” قالها بنبرة دافئة
شعر فانغ هاو وكأنهما يعودان بالزمن إلى الوراء ،
يصيران أصغر مع كل خطوة ، إلى وقت أكثر براءة ،
رجل في الثلاثين—يكاد يبلغ الحادية والثلاثين—يرتدي
ميدالية كطفل لا يريد التخلي عنها، ممسكًا بقوة بيد شخص يحبّه
إن كان قد تعلّم شيئًا واحدًا خلال الأشهر الماضية ، فهو :
إذا أردت شيئًا فاسعَ له —- إذا أحببت أحد ، فتمسك به ولا تتركه —-
وقفا عند الواجهة البحرية في تسيم شا تسوي، يتأملان أفق
هونغ كونغ الممتد عبر الميناء ،
ناطحات سحاب شاهقة تخترق السماء الليلية ،
إنارات الأبراج تتلألأ فوق مياه ميناء فيكتوريا ،
تتدفق بهدوء وجلال عبر الليل ،
فانغ هاو : “ لابد أنك جئت هونغ كونغ كثيرًا أليس كذلك ؟”
: “ نعم . عندما كنت أطير على خطوط جنوب شرق آسيا ،
كانت لدي توقفات كثيرة هنا .
لكن ربما لأني كنت آتي كثيرًا ، ثماني مرات من أصل عشر
لم أخرج حتى من الفندق ” أجابه تشن جيايو بابتسامة وهو ينظر إلى الأسفل :
“ كنت أظن أني رأيت كل ما يستحق الرؤية ،،
ثم أدركت—لم يكن المنظر هو الناقص ،،،
كنت إما وحدي ، أو مع الشخص الخطأ ”
ضغط فانغ هاو على يده بقوة أكبر ، وخرّك يده الأخرى تحت
معطف تشن ليستقر على خصره ،
لم يكن الأمر مجرّد إمساك يدين — لقد كان أشبه بعناق صغير
رد ضاحكًا بخفة : “ أنا الشخص الصحيح ،
والآن أصبحت لي…”، ثم اقترب من أذنه :
“ فلا تفكّر حتى بالهرب ”
انفجر تشن جيايو ضاحكًا ، و تسلل بيده تحت ياقة فانغ هاو :
: “ تعرف… عندما اخترت سباق هونغ كونغ آيلاند ألترا
كسباقك الثاني لمسافة 100 كيلومتر—شعرت وكأنه قدر ،،
ولهذا السبب أصريت على تبديل رحلاتي وأعدت ترتيب جدولي لأرافقك .
كنتُ أظنّ… أنّ كلّ الحظ الجيّد الذي قد أحصل عليه في
حياتي ، قد استهلكتُه كلّه في هونغ كونغ قبل ثلاث سنوات .
ثم التقيتُ بك ”
تراجع تشن جيايو قليلًا ، و عيناه منحنيتان في ابتسامة وهو
ينظر في عيني فانغ هاو :
“ الآن فات الأوان ،، لم أعد أستطيع الهرب .”
حتى عند منتصف الليل ، لم تكن شوارع هونغ كونغ خالية ؛
عابرون متأخرون ما زالوا يمشون هنا وهناك ،
لكن في عيني تشن جيايو انعكست إنارات الميناء و تتراقص
مثل نجوم منعكسة في حبرٍ أسود
شعر فانغ هاو بدافع لا يُقاوم ، فشدّ تشن جيايو أقرب إليه ،
شد ياقة معطفه وقبّله دون أن يهتم بأيّ أحدٍ حولهما ،
قبلة عميقة لكنها ناعمة لطيفة ، شفتَي فانغ هاو تذوب
برفق في شفتَي تشن جيايو
وحين انتهت القبْلة ، تكلّم فانغ هاو:
“ لديّ أنا أيضًا قصة أودّ أن أشاركك بها ….
قبل ثلاث سنوات ، سألتني الأخت يان إن كنتُ أريد الانتقال معها إلى داشينغ ،
وقتها كنت ما أزال أعيش مع لو جياوي، لكن علاقتنا… لم تكن على ما يرام ،
طرحت عليّ الأمر أول مرة في نهاية أكتوبر 2015 ،
لم أعطها جواب إلا في نوفمبر ،
ثم وقعت حادثة رحلتك 416 — أخبرتك سابقاً —لقد
استمعتُ إلى تسجيلات المراقبة الجوية تلك مرات عديدة.
هزّتني من الداخل ،، عندها قررتُ الذهاب إلى داشينغ ،
بعد ذلك صرتُ أقرب إلى الأخت يان ، ثم بدأتَ أنت
بالقدوم إلى داشينغ في رحلاتك ، والتقينا — أولًا بالصدفة ،
ثم أكثر عبرها ،
حين انتقلتُ من شقة لو جياوي وجد الوقت والمساحة
ليخون ، وعندها فقط رأيتُه على حقيقته ،
لذا … بعض الأشياء حقًا تشعر وكأنها قدر .”
بعض الأشياء مقدّر لها أن تحدث —
وبعض الأشخاص مقدّر لهم أن يلتقوا —-
حدّق فيه تشن جيايو و عيناه متسعتان من الصدمة
و يكاد يتمتم مع نفسه ( يعني صوته مره خافت ) :
“ إذًا هذا ما قصدته الأخت يان يومها عندما قالت إننا مقدّر لنا أن نلتقي…”
أومأ فانغ هاو :
“ لم أذكر هذا من قبل لأني كنتُ أظنه مجرد مصادفة ،
رحلة 416 مشهورة في الطيران المدني ، وبالطبع أوليتُها
اهتمامًا ، لكن في ذلك الوقت لم أكن أركّز عليك أنت ”
ثم انتبه كيف بدا كلامه ورأى ابتسامة جانبية ترتسم على
وجه تشن جيايو —- ضحك وأعطاه ضربة خفيفة على صدره :
“ لا تغتر جيايو حسناً ؟ ما أثّر فيّ حقًا كان طريقة تلك
المراقبة الجوية في الأبروتش وتعاملها مع الموقف ،
لكن ما أحاول قوله هو — هونغ كونغ مكان محظوظ
بالنسبة لي أنا أيضًا ،
وأنت… انتهى بك الأمر إلى تغيير حياتي حتى قبل أن نلتقي ”
عانق تشن جيايو فانغ هاو مجددًا ، وقال بصوت مبحوح:
“ ومع ذلك… لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير أننا
التقينا متأخرًا جدًا ،
كان يمكن أن نلتقي أبكر من هذا ،
لم يكن ينبغي لك أن تمر بكل ما مررتَ به "
ربّت فانغ هاو على ظهره وقال بثقة هادئة :
“ لم يَفُت الأوان بعد ...
فالمسافة من الصفر إلى اللانهاية هي نفسها من الواحد إلى
اللانهاية—كلتاهما بلا نهاية ...
إذا أحببتك لعُمُرٍ كامل ، فهذا يعني إلى الأبد ،
سواءً في هونغ كونغ أو بكين ، في السماء أو على الأرض ،
في الأوقات الجيدة أو السيئة ، سأكون معك .”
أمسك تشن جيايو وجهه بيديه وضغط جبينه على جبينه ،
طال صمته حتى وجد صوته أخيرًا :
“ وأنا أحبك أيضًا ”
كان عادةً بارعًا في الكلام المعسول والعبارات الرومانسية ،
لكن أمام اعتراف فانغ هاو الجارف ، وجد نفسه عاجزًا ،
انعقد لسانه تحت وابل المحبة هذا ، وتبعثرت أفكاره ،
كل ما استطاع أن يقوله سلسلة من الجُمل المبعثرة :
“ اليوم… غدًا… مئة كيلومتر… بقية حياتنا ... سأظل أحبك دائمًا ”
————————
11 ديسمبر 2015 – بكين ، غوماو
الليل عميق ، لكن النوم لم يأتِ
تقلب فانغ هاو في فراشه مضطربًا بعد شجارهما السابق ،
ثم نهض أخيرًا ، وتجول في صالة المعيشة ،
بلا هدف حقيقي ، شغّل التلفاز وخفّض الصوت إلى أدنى درجة
لقد سمع مقتطفات عن طاقم رحلة إير تشاينا 416
اسم الكابتن “ تشن جيايو” في ذلك الحين ،
لم يكن فانغ هاو يعرف الكثير من الطيارين شخصيًا ،
والاسم لم يوقظ أي ذكرى
لكن فجأة ، ظهر على إحدى القنوات لقاء تلفزيوني —
وما إن وقعت عيناه على الوجه على الشاشة ، حتى غمره
شعور غريب بالألفة
مراسلة من هونغ كونغ تجري مقابلة معه بلهجة صينية
ركيكة ، ويبدو أنها تسأله عن اسمه
“…تشن جيايو ،،، جيا كما في المكافأة ، ويو كما في العطاء .”
على الشاشة ، الطيار ذو الأربعة شرائط على كتفه يخفض
رأسه قليلًا ويتحدث في الميكروفون ، صوته عميق وواضح ،
وعندها فقط ، تذكّر فانغ هاو فجأة ——
{ لقد درسنا في الجامعة نفسها ...
تشن جيايو أكبر مني بثلاث سنوات ... } تذكّره بشكلٍ
غامض : طويل القامة، بشعرٍ أطول قليلًا من المعتاد ،
و يراه أحيانًا في المضمار أو الممرات ، لكنه بدا آنذاك بعيدًا عنه تمامًا
لا يزال أمام فانغ هاو ستة أشهر قبل أن يبدأ عمله الجديد
في غرفة أبروتش داشينغ ،
وثمانية أشهر قبل أن يُقلِع تشن جيايو للمرة الأولى من
المدرج الجديد 01 في مطار داشينغ ،
وسنتان وتسعة أشهر قبل أن يلتقيا من جديد ،
وثلاث سنوات تمامًا حتى يجتمعا أخيرًا ،
—
في أماكن لا تُرى ، خلف ستار الزمن ، كل الأشياء تتخذ
أماكنها بهدوء ،
تروس القدر تدور بالفعل — تنغلق في مواضعها ،
قطعةً بعد أخرى — لتقود نحو نهايةٍ كُتِبت منذ زمن بعيد ...
—الـ🛫❄️ــنـهـايـــــة—
✒️ زاوية الكاتبة :
شكرًا لكم جميعًا لكونكم معي حتى النهاية .
هذه هي أول قصة أصلية أكملها في حياتي ، وقد تمكنت
بطريقة ما من كتابة 300 ألف كلمة خلال ثلاثة أشهر فقط .
سأشارك المراجع في النهاية .
المراجع
حوادث طيران حقيقية استُشهد بها :
بُنيت سيناريوهات الحوادث وهياكل التحقيق في القصة
بشكل كبير على برنامج Mayday: Air Disaster الوثائقي،
والتقارير التفصيلية على ويكيبيديا .
إلى جانب الحوادث الشهيرة المذكورة في الرواية — رحلة
الخطوط الجوية الفرنسية 4590، رحلة خطوط اليابان
الجوية 123، كارثة تينيريفي، وحادث التصادم الجوي
فوق أوبرلينغن — فقد استندت أيضًا إلى حوادث أخرى، منها :
رحلة كاثي باسيفيك 780: حادثة الهبوط الاضطراري في
هونغ كونغ في بداية القصة استندت إلى هذا الحادث
( هذا حادث جيايو بس الفرق نوع الطياره )
رحلة الشحن الوطنية 102: تحطمت في قاعدة باغرام
الجوية في أفغانستان بسبب تحرك الحمولة بعد ثوانٍ فقط من الإقلاع . ( حادث طائرة الشحن كارغو )
رحلة TWA 841: أدّى تمديد الجنيحات على ارتفاع
الطيران إلى فشل في نشر الشرائح وانقلاب عنيف للطائرة ،
لكن الطاقم تمكن من استعادة السيطرة في اللحظة الأخيرة بشكل معجزة .
( رحلة جيايو الأخيرة مع الحيوان دوان )
قد تم ذكر شعار طيران اير تشاينا الفينيق وهذي صورة للشعار :
مااقدرت اقاوم وشفت فديو حفل الي انقبلوا في كلية
الطيران قبل شهرين بالصين :
تعليقات: (0) إضافة تعليق