Ch100 ffb
اشترى يو شولانغ منزله القديم الذي كان يملكه ،
و السعر هذه المرة أقل قليلًا مما باعه به سابقًا ،
المنزل من الداخل ظل كما كان ، فالأثاث كله في مكانه ،
حتى أدقّ التفاصيل لم تتغير ،
قيل إن المالك الجديد اشتراه فقط للحصول على مؤهل
المنطقة التعليمية ، ولم يسكن فيه أبداً ،
والآن وقد هاجر هو وعائلته إلى الخارج ، أراد بيعه بسرعة ،
حين أدخل يو شولانغ المفتاح القديم في القفل القديم
وفتحه ، غمره شعور غريب ؛
فكل ما وقعت عليه عيناه أغرقته في ذكريات الماضي ….
المظلة المستندة على الجدار ،
شبشب الثنائي في خزانة الأحذية ،
نصف علبة السجائر منسية على الطاولة ،
ووسادة على شكل مخلب قطة على الأريكة التي كان فان
شياو يحبها على الأريكة ،
شعر يو شولانغ وكأنه مسافر عاد بعد غياب طويل إلى منزله ،
أو موظف أنهى عملًا مرهقًا امتد لساعات ، وكل ما يتمناه
الآن هو حمام ساخن يغسل عنه التعب ،
قضى يومين في تنظيف المنزل وترتيبه ،
حتى حلّ رأس السنة ،
أخذ يو شولانغ تيانتيان لزيارة قبر والدته وو يوبينغ
ثم ذهب بعدها لزيارة قبر والدته ،
كان الطريق الجبلي نظيف من الثلوج ، والسماء صافية
زرقاء ، والهواء يحمل صفاء الشتاء الشمالي
وحين وصل إلى القبر ، توقفت خطواته قليلًا — فقد بدا أن
أحدهم جاء قبله ونظّف المكان ،
ووضع أمام شاهد القبر باقة من الزهور ،
وضع يو شولانغ باقته إلى جوارها ، أزهاره الوردية الفاتحة
تلامس هذه الحمراء النارية ،
ثم قال بهدوء أمام صورة المرأة على شاهد القبر:
“ أمي جئت أراك ،
انظري، من أحضرته معي — تيانتيان ، ابن أخي الصغير…”
الرياح الجبلية باردة ، وتيانتيان لا يزال صغير ،
فلم يطِل البقاء ، وقبل أن يغادر الجبل ، التفت يو شولانغ
مرة أخيرة نحو تلك الزهور الحمراء ، التي بدت وكأنها
أضاءت وجه المرأة في الصورة بطبقة من وهجٍ دافئ ،
——————
في ليلة رأس السنة ،
أعدّ يو شولانغ الزلابية وشاهد سهرة رأس السنة مع تيانتيان،
الذي ظلّ متحمسًا طوال اليوم، حتى غلبه النعاس أخيرًا
: “ نام؟” سأل يو شولانغ وهو واقف في الشرفة يدخن ، حين
سمع وقع خطوات خلفه
أجاب لو بو وون : “ ما إن وضعته في السرير حتى نام
لقد أنهكه اللعب .” وهو يقترب ليقف بجانبه ، حتى تلامس كتفهما بخفة
رفع يو شولانغ علبة السجائر نحوه وقال:
“ هل تريد واحدة ؟”
ابتسم لو بو وون وهزّ رأسه مشيرًا إلى حنجرته :
“ أصبت بالتهاب بسيط "
رمى يو شولانغ علبة السجائر جانبًا بإهمال ،
وارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة :
“ متضايق ؟”
وضع لو بو وون يده على كتفه ، وضغطه قليلًا ،
ثم قال مبتسمًا بعجز :
“ صحيح "
فجأة دوّى في السماء صوت انفجار مدوٍّ ،
وتفتّحت زهرة ضخمة من النار الملوّنة ، زاهية ومبهرة
لم تكد خيوطها المضيئة تتلاشى حتى تبعها صوت آخر
يخترق الهواء ، وانفجرت ثانيةً باقة من الألعاب النارية في السماء
تتابعت الانفجارات بعدها بلا انقطاع ،
ازدادت كثافة وبهاءً ،
تتلوّن بالأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر ،
تتغير في كل لحظة ،
حتى بدا وكأن هذه الزاوية من السماء قد صارت ملكًا لها وحدها
نفث يو شولانغ دخانًا خفيف ، وبدا صوته هادئًا وسط
الضباب الأبيض الذي لفّهما :
“ جميلة "
اليد الموضوعة على كتفه تشتد شيئًا فشيئًا ، ثم سمع
صوت لو بو وون المبحوح يهمس :
“ فلنقبل بعضنا ، اعتبرها هدية السنة الجديدة "
التفت يو شولانغ نحوه ، وبدأ يتأمل للحظة انعكاس الألعاب
النارية في عينيه ،
ثم أطفأ سيجارته وقال بصوت منخفض :
“ ممم "
وفي اللحظة التي بلغت فيها الألعاب النارية ذروتها،
أضاء وهجها نافذة الطابق الرابع، كاشفًا عن شخصين
متعانقين في دفء الصمت
——
في آخر يوم من العطلة ، تلقّى يو شولانغ طلب مكالمة فديو
من أستاذه هوانغ تشيمين
ظنّ في البداية أنها اجتماع جماعي عبر الإنترنت ،
لكنه اكتشف أن الشاشة لا تُظهر سوى وجهه هو ،
قال شولانغ بنبرة بطيئة وهو يعتدل في جلسته :
“ العمل في الإجازة يعني ضعف الأجر "
فأجابه هوانغ تشيمين وهو يحتضن قطّه ويُبعد بنظره قليلًا :
“ سأمنحك ثلاث أضعافه ، فقط لا تصرخ في وجهي بعد أن
تسمع ما سأقوله "
رفع يو شولانغ حاجبه بابتسامة ساخرة :
“ أنا دائم الاحترام لأساتذتي… لكن في حدود معينة "
تنفّس هوانغ بعمق ، كمن يتجه إلى قدره قائلاً :
“ بعد العيد ، سأتنحى عن رئاسة مجلس إدارة شركة
تشانغلينغ للأدوية ،
وستتولى أنت المنصب من بعدي .”
رفع يو شولانغ فنجان الشاي وشرب منه ببطء ،
متمتمًا بنبرة هادئة :
“ الأستاذ في أيام العيد عليه أن يشرب الشاي لا الخمر…
هل زوجتك في المنزل ؟”
قال هوانغ تشيمين بجدية :
“ أنا لا أمزح ، هذا قرار نهائي "
تلاشت ابتسامة يو شولانغ تدريجيًا
تنهد هوانغ :
“ أنت تعرف حالتي الصحية ، تتدهور يومًا بعد يوم .
السمنة المزمنة ترافقني منذ سنوات ، والآن بدأت تؤثر على
أعضائي الداخلية كلها .
صرت لا أقدر إلا على حضور الاجتماعات من المنزل ،
وهذا يعطل سير العمل ويقلل الكفاءة كثيرًا .”
أجاب يو شولانغ وقد تلاشت كل ملامح الكسل من وجهه :
“ سأراقب الأمور نيابةً عنك ،
القرارات الكبيرة تبقى بيدك
أما التفاصيل الصغيرة فدعها لي "
هزّ هوانغ تشيمين رأسه ، فارتجّت الطبقات المترهلة على
وجهه ، وقال بصوت متهدّج :
“ لقد كافحت طيلة حياتي ، ناضلتُ عمرًا كاملًا ، ومع ذلك
ظللت أعيش في دوامة من الانشغال دون أن أحقق إنجازًا
حقيقيًا . قبل يومين مرضت زوجتي ...”
رأى التوتر في وجه شولانغ فسارع لطمأنته :
“ الفحوص أثبتت أن الورم حميد ، لكن تلك الفترة كانت صعبة…
عندها أدركت شيئ ،،،
لقد باتت أيامنا أنا وزوجتي محدودة ،
ونحن الاثنان نعاني من أمراض كثيرة ، فما الذي تبقّى لنتمسك به؟
أمضيتُ عمري أستهلك صحتي ووقتي من أجل شركة
تشانغلينغ ولم أُعطِي زوجتي وقتًا تستحقه ،
لذا قررنا أن نستمتع بما بقي من حياتنا .”
ثم رفع القطة العجوز بين يديه لتظهر أمام الكاميرا ، وقال مبتسمًا :
“ أنا بدأتُ برنامج منظم لتخفيف الوزن ، أما زوجتي
فمشغولة بالغناء والرقص والخط والرسم ،
وعندما أنجح في خسارة وزني ، سنخرج معًا للسفر ،
سنستمتع بجمال البلاد ، و نرى الجبال والأنهار التي طالما
مررنا بها دون أن نتأملها ….”
لوّح بيده أمام الشاشة بابتسامة حزينة :
“ في كل تلك السنوات ، كنت أتنقل بين المدن لحضور
المؤتمرات والمشاريع ، ولم أستطع يومًا أن أنظر إلى
المناظر من حولي حقًا…
مؤسف ، أليس كذلك ؟”
تابع بصوتٍ فيه قرار حاسم:
“ لذا قررتُ أن أتنحى هذا العام عن منصب رئيس مجلس
إدارة شركة تشانغلينغ وأُسلّم إليك قيادة مستقبلها ،
سأبقى مساهم هادئ فقط ، أعيش على الأرباح دون أن
أُتعب نفسي أكثر "
تأمل يو شولانغ قليلًا ، ثم قال بهدوء مدروس:
“ طالما أن الأستاذ قد اتخذ قرار التقاعد ، فأنا أدعمك ،
لكنّ توليَّ هذا المنصب لا يليق بي
فليست لديّ المؤهلات الكافية ، وأنا ما زلتُ طالب دراسات عليا ،
يمكنك اختيار شخص أكفأ "
خفض هوانغ تشيمين يده فوق القطة ليُبقي رأسها بعيدًا عن الكاميرا ،
حتى لم يظهر في الشاشة سوى عينيه وهو يقول:
“ ربما لا تملك الخبرة ، لكنك تملك القدرة ،
ولديك مشاعر حقيقية تجاه تشانغلينغ ،
رئيس الشركة لا يجب أن يكون الأبرع في المجال التقني ،
المهم أن يكون صاحب رؤية واضحة ،
يعرف كيف ينسّق الجهود ويجمع الكفاءات ويقود السفينة
في الاتجاه الصحيح .”
ثم حرك القطة قليلًا حتى غطّت نصف وجهه وقال بابتسامة :
“ وأيضاً أمر آخر… أنت الآن ثاني أكبر مساهم في الشركة
إن لم تجلس أنت في هذا المقعد ، فمن يجلس ؟”
مدّ يو شولانغ يده نحو الشاشة كأنه يُبعد القطة عن وجه
الرجل ، لكنه أنزلها ببطء وقال بنبرة غامضة :
“ أستاذ لا أفهم ما الذي تقصده تحديدًا "
تنهد هوانغ تشيمين وقال بعد تردد :
“ هل تذكر الرهان الذي عقدته مع فان شياو؟
أن تُحسّن عملية إنتاج مشروب زهر العسلة خلال ثلاثة
أشهر ، وإلا سيرفع دعوى ضدي وضد تشانغلينغ ؟”
: “ أذكره "
: “ ذلك الرهان… كنا نخدعك أنا وفان شياو "
: “ خدعة ؟”
: “ فان شياو شعر أن حالتك حينها لم تكن طبيعية
فأراد أن يدفعك لاستعادة إرادتك في هذه الحياة ،
أما أنا…” مرّر يده على شعره الخفيف بتنهيدة ثقيلة :
“ لم أكن بريئًا تمامًا ،،
صحيح أني كنت قلقًا عليك ، لكنني في الوقت نفسه أردتُ
أن أستغل الفرصة لأقنعه بزيادة الاستثمار "
كان يراقب وجه يو شولانغ المتصلب المتجهّم بحذر ،
و تابع بصوتٍ أوطأ :
“ لكنني لم أتوقع أنه سيضخّ ذلك القدر الكبير من المال ،
والأسوأ أنه حوّل كل أسهمه إلى اسمك ….
لذا … أصبحتَ الآن ثاني أكبر مساهم في الشركة ،
وكل أرباحك محفوظة في الحساب الرسمي ، يمكنك سحبها
متى شئت "
صمت لحظة ، ثم أضاف بخجلٍ ظاهر:
“ لم نخبرك من قبل لأن فان شياو طلب ذلك ،
قال لي: بعد ثلاث سنوات أخبره ، حينها ربما ستكون قد نسيته…
و قادرًا على قبول هذه التعويض "
ظل يو شولانغ صامتًا طويلًا
تحرّكت القطة أخيرًا ، ضجرة ، وقفزت بعيدًا عن الرجل ،
فظهرت وجوههما على الشاشة دون أي حاجز بينهما ،
عندها فقط قال يو شولانغ بصوت منخفض عميق :
“ أستاذ
لو كنتَ مكاني ، أستجد في مثل هذا التعويض معنى ؟”
ثم رفع نظره بثبات وقال بمرارة هادئة :
“ بالنسبة إليك ، ربما نعم ، لأنك دائمًا تضع الربح فوق المشاعر "
مدّ إصبعه بخفة على الهاتف ، وأنهى الاتصال ….
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق