Ch101 ffb
تحجّج هوانغ تشيمين بالمرض ورفض مغادرة المنزل ،
حتى أنه استخدم قطته كدرع وحجة إضافية ليتملّص من
مسؤولياته ،
ثم أرسل زوجته العجوز لتتحدث نيابةً عنه بإلحاحٍ ودهاء لا
يخلو من مكر خفيف لتُقنع شولانغ ~
أشفق يو شولانغ على زوجة أستاذه التي بدت متعبة ،
كما أن المشروع كان في مرحلة حرجة ،
فلم يشأ أن يتهرّب من العمل ، لكنه أيضًا لم يوافق على
طلب هوانغ تشيمين ، فبقي منصب رئيس مجلس إدارة
شركة تشانغلينغ للأدوية شاغرًا ، دون أن يتولاه أحد
في اليوم الخامس عشر من الشهر الأول — يوم مهرجان
الفوانيس — يو شولانغ الوحيد الذي حضر إلى المختبر
أجرى سلسلة من التجارب ، وبقي منشغلًا حتى الساعة
الثالثة بعد الظهر ، ثم غيّر ملابسه وخرج من قاعدة الأبحاث
لقد وعد تيانتيان أن يخرج معه ليلًا لمشاهدة فوانيس المهرجان ،
وقد اتصل الصغير به عبر ساعته الذكية ليذكّره ويحثّه على الإسراع ،
ازدادت أجواء الاحتفال حيوية في الشوارع ؛ الألوان الحمراء
غمرت الأبنية والمتاجر ،
وحتى في أطراف المدينة كانت الزينة تملأ البصر وتدفئ القلب ،
وقف يو شولانغ عند موقف الحافلات ، مستندًا على عمود
الإرشاد ، شارد الذهن ، غارق في أفكاره المبعثرة
فجأة ،
تسلّل إلى أذنه صوت شابّ حادّ ، قريب جدًا كأنه جاء من خلف أنفاسه :
“ هل كانت الألعاب النارية جميلة ؟”
رفع يو شولانغ نظره ، فرأى فتى وسيمًا يستند على الجهة
الأخرى من العمود نفسه
الجوّ بارد إلى حدّ التجمد ، ومع ذلك لم يرتدِي الفتى سوى
سترة رياضية ،
وبنطال جينز ممزق يُظهر كاحله الأبيض بينه وبين حذائه
الرياضي الفاخر من طراز AJ المحدود الإصدار
يحمل حقيبة على ظهره ، وسكيت بيده ، يمضغ علكة بلا
مبالاة ، ويرمقه بنظرة جانبية فيها شيء من الجرأة ،
ثم يعيد السؤال بابتسامة غامضة :
“ أقول لك .. هل كانت الألعاب النارية تلك الليلة جميلة ؟”
لم يكن بين كتفيهما سوى عمود معدني واحد ،
و أنفاسهما الدافئة تمتزج في الهواء البارد بينهما ،
أجاب يو شولانغ بلا مبالاة ، بصوت خافت وهو يبعد ببصره
نحو الطريق الممتد أمامه :
“ جميلة "
متضايق من التأخير :
{ ما بال هذه الحافلة لا تأتي بعد ؟ }
هذا التعبير اللامبالي على وجه يو شولانغ قد أغضب الفتى ،
فاشتدّ صوته حدّة وبرودة :
“ أنت لا تستحق "
شولانغ : “ الألعاب النارية أم الشخص ؟”
: “ كلاهما لا تستحقه "
لم يرغب يو شولانغ في مجادلة طفل ، فصادف أن وصلت
حافلة إلى الموقف ، فصعد إليها مع تدفق الناس ،
ولم يترك سوى جملة قصيرة :
“ حين تبلغ سنّ الرشد ، تعال وتحدث عن من يستحق ومن لا يستحق .”
( ما اتوقع إنه تشييانغ .. لو تشن ؟ جوّه البناطيل الممزقه ~ )
…….
حلّ الليل ،
وامتدت الأضواء على امتداد الطرق ، تلمع كحبات اللؤلؤ ،
تشعّ الألوان على مدى البصر ،
وكأن المدينة تحوّلت إلى شارع من نور معلّق في السماء ،
مهرجان الفوانيس السنوي تزامن هذا العام مع يوم ذكرى
تأسيس المدينة ،
لذا بدا الاحتفال أكثر فخامةً من ذي قبل ،
في الساحة المركزية عُلِّقت عشرات الآلاف من الفوانيس
الكبيرة والصغيرة ، بينما امتدّ بجوار شارع المشاة معرض
للفوانيس الجليدية ،
جذب الزوّار وجعلهم يتوقفون مأخوذين بجمال المشهد ،
الساحة المركزية :
الفوانيس الجليدية :
كان يو شولانغ يحمل تيانتيان بين ذراعيه يشقّان طريقهما
بصعوبة وسط الحشود
لقد اشترى له فانوس باندا ، لكن ازدحام الناس جعله
يتشوّه ويتسطّح
ولمّا رأى أن صفوف الناس أمامه لا تنتهي ، قرّر الابتعاد عن
الضوضاء ، فدخل زقاق ضيق نسبيًّا وأكثر هدوءًا
ولم يتوقّع أن يجد هناك عربة صغيرة تبيع الـ ' هونتون ' الساخن
وإلى جوارها حرفيّ يصنع الفوانيس
ولمّا رأى الحرفي فانوس الباندا المشوّه في يد الصغير ،
أخذه بلطف وأعاد إصلاحه ببضع حركات ، فعاد كما كان ،
لطيفًا مضحك الملامح
جلس تيانتيان القرفصاء يأكل الـ هونتون بسعادة أمام بائع
الفوانيس ، مما أراح يو شولانغ لهذا الهدوء المؤقت ،
قرر عندها ألا يعود إلى الزحام ، ووقف عند بداية الزقاق يُدخّن ،
يراقب تدفق الناس نحو ساحة المهرجان
نظر يو شولانغ إلى الحشد المتزايد الكثافة والاتساع فعبس بحاجبيه
الحشد يتحركون كالحبل الطويل ، وفجأة بدا كأنّ عُقدة
شُدّت في مقدمتها
و توقف من في الأمام عن السير ، بينما استمر القادمون من
الخلف بالدفع والتقدم ——-
بدأ البعض يفقد توازنه —— ،
وسقطت أجسادهم في الزحام —— ،
ثم بدأت أمواج البشر المتدافعة تدهسهم بلا وعي ،
وتعالت الصرخات من كل جانب —— ،
“ لا تدفعوا ! أحدهم سقط !”
“ طفلي ! طفلي اختفى !”
“ اللعنة ! هناك خطر! تراجعوا ، بسرعة تراجعوا !”
حاول بعضهم الهرب ، بينما اندفع آخرون إلى الداخل غير
مدركين ما يجري
وفي لحظة —— ،
تحطّم دفء الاحتفال ، وتحولت ليلة المهرجان المزدانة
بالأنوار إلى مشهدٍ من الفوضى والذعر —— ،
تصاعدت فيه صرخات الألم كأنه شقّ قلب المدينة —— ،
في هذه اللحظة ، يو شولانغ يقف عند أحد مداخل الساحة
المركزية ، في النقطة التي تتصل فيها ساحة المهرجان
بشارع المشاة ، وهو المكان الأكثر ازدحامًا بالناس
المحلات على جانبي الشارع تعجّ بالأغاني المبهجة
والضحكات الصاخبة ، فغطّى الصخب على صرخات
الاستغاثة القادمة من الأمام ،
حتى بدت وكأنها تختفي في جوٍّ من غفلة جماعية —— ،
إلا أن قلب يو شولانغ كان قد انقبض بشعور غامض ،
فارتفع حذره إلى أقصاه ——-
وقف على مكان مرتفع قليلًا ، لم يسمع الأصوات بوضوح ،
لكن رأى بوضوح أن حركة الحشود في المقدمة قد
اضطربت على نحوٍ غير طبيعي —— ،
شدّ جسده فجأة ، وألقى بنظره حوله ، فوقع بصره على
سلّم خشبيّ منصوب بجانب أحد المتاجر في الزاوية
و من دون تردّد ، نصبه جيدًا ، وتسلقه بخفة واندفاع ،
ثم اعتلى سطح المتجر وأطلّ بعينيه على المشهد البعيد
وما إن رأى ما أمامه حتى خفق قلبه بعنف — على بعد مئتي
متر تقريبًا كانت الفوضى قد اشتعلت تمامًا —— ،
( الفديوهات مأخوذة من حوادث اليابان وكوريا لدعم الوصف فقط )
كانت الأذرع ممدودةً ومتشابكة في الهواء ،
كأنهم أشباح يتسلقون من جحيم مفتوح ،
والمشهد كلّه بدا كمشهد من نهاية العالم —— ،
نزل يو شولانغ من السلم بسرعة ، واحتضن تيانتيان بين ذراعيه ،
واندفع إلى داخل أحد المتاجر القريبة ، قائلاً على عجل:
“ يوجد حادث في الأمام !
يجب أن أذهب للمساعدة ، من فضلك اعتنِي بالطفل !”
خرج ثانيةً ، وصرخ نحو بائع الفوانيس وبائع الـ هونتون
المسنَّين في الزقاق :
“ حدث تدافع في الأمام ! أسرعا إلى الداخل ، اختبئا !”
ثم انطلق من الزقاق إلى الشارع الرئيسي ،
فرأى موجات جديدة من الزوار لا يزالون يتدفّقون نحو موقع
المهرجان
ومرّ بجانبه بضعة شبّان من مظهرهم طلاب جامعات ، كانوا
يضحكون بحماس غافلين عما يجري
مدّ يو شولانغ ذراعه ، وأوقفهم دفعة واحدة
قال بسرعة لكن بثبات تام:
“ وقع حادث تدافع في الأمام ، أحتاج إلى مساعدتكم
الآن …”
وفي لحظات —— استدار الشبّان يتبعون تعليمات شولانغ
بدقة
يقودون أفواج الناس نحو الأزقة الجانبية لتفريق الحشود ——
قال أحدهم لرفيقه :
“ لقد قال لا تصرخون كي لا تثيرون الذعر ويجب ألا نسمح
للناس بالرجوع من نفس الطريق ، فذلك قد يسبب تدافعًا جديد "
وردّ الآخر بإيماءة حازمة :
“ و قال إنه يجب إحضار المزيد من الأشخاص للمساعدة ،
واختيار الأقوياء ، ومن يبدو سهل التواصل معه .”
سأل ثالث :
“ هل ذهب وانغ تشينغليانغ لإبلاغ عناصر الأمن عند مدخل الشارع ؟”
“ نعم ، ما إن أنهى ذلك الرجل حديثه حتى انطلق يجري من
الطريق الفرعي ليمنعهم من إدخال المزيد من الزوار "
وحين التفتوا مجددًا ، لم يعد الرجل الذي وجّههم موجود في مكانه
يو شولانغ قد توغّل أكثر نحو الداخل ،
ضد التيار البشري الجارف ،
وكاد يسقط مرارًا من شدّة التدافع
وعندما وصل أخيرًا إلى المنطقة المنكوبة ،
جال ببصره للحظة ، فشحب وجهه — كانت الكارثة أشدّ مما ظنّ
ففي بضع درجات لا تتجاوز ثلاث أمتار عرضًا ومترين طولًا ،
تكدّست الأجساد فوق بعضها طبقة فوق أخرى ،
حتى لم يُعرف كم من الناس طُمر تحت الأقدام …….
تساقط الناس أسفل الدرج أيضًا ،
وتوسعت منطقة التدافع مع كل ثانية ،
الحشود المذعورين يتدافعون عشوائيًّا ،
كأن كل جسد يُدفع بآخر دون وعيٍ ولا إرادة ،
الصرخات والنحيب والعويل ملأ المكان — الساحة التي
خُلقت لتُشرق بالفرح صارت في لحظة جحيم على الأرض
بعض عناصر الأمن في الموقع كانوا يحاولون جاهدين تفريق
الحشود في الأطراف ،
لكن قواهم المحدودة لم تُثمر كثيرًا
ومن غير تردّد ، اقتحم يو شولانغ صفوف الناس ،
وانضم إليهم في عملهم ، غير مبالٍ بخطر أن يُدهس في أي لحظة
وفجأة —
بوووم
دوّى صوت انفجار مروّع على مقربة منه —-
استدار يو شولانغ بسرعة ، فرأى منصة خشبية يبلغ ارتفاعها
ثلاثة أمتار — ينهار كليًّا —————
المنصة تقريباً زي كذا :
تصاعدت الصرخات في السماء — هذه المنصة قد
ازدحمت بمئات الأشخاص الذين تسلّقوها في محاولة
للنجاة من التدافع ،
وها هو ينهار بهم دفعة واحدة ،
يسقط على الحشود الذين يصرخون تحته
في هذه اللحظة ، خيّم السكون على عالم يو شولانغ
الوجوه المذعورة ، النظرات المليئة بالرعب والندم ،
كلّها تجمّدت أمام عينيه كما لو أنها صورة جامدة …..
لقد رأى أخيرًا ما وصفه فان شياو يومًا بـ” مشهد يوم
القيامة ” — هذا الرعب الذي يولد من فوضى البشر وعجزهم
لكنّ صرخات الألم التي أعقبت الانهيار أيقظته من ذهوله
أسرع نحو رجل ضخم الجثة كان يدفع الناس بعنف في
سبيل النجاة ، وأمسك بكتفه بقوة :
“ اهدأ! اتبع الإرشادات وغادر بهدوء ، لن يصيبك مكروه !”
كان الوضع عند موقع التدافع الرئيسي قد بدأ يُحتوى نسبيًّا،
إذ وصلوا فرق الإسعاف التي كانت على أهبة الاستعداد خارج الساحة ،
وبدأوا بتقديم الإسعافات الأولية للمصابين واحدًا تلو الآخر
أما يو شولانغ —- فقد انحنى داخل أنقاض المنصة
المنهارة ، ممسكًا بيد امرأة عالقة تحت الركام :
“ هل تستطيعين تحريك ساقيك ؟ عندكِ قوة ؟
سأزحف إلى الداخل قليلًا ، تمسّكي بعنقي وسنخرج معًا "
المنصة الخشبية الممزوجة بقضبان الحديد ،
قد تحطّمت إلى أشلاء متناثرة ،
وخلّفت بينها وبين الأرض فجوات ضيقة بالكاد تتسع لجسد واحد ،
وكل قطعة خشب مائلة كانت مهددة بالسقوط من جديد في أي لحظة
زحف يو شولانغ داخل الحطام ، منكمشًا قدر ما يستطيع ،
حتى أحاطت المرأة بذراعيها على عنقه ،
و جرّها معه ببطء شديد نحو الخارج
وحين سلّمها لأحد أفراد الإنقاذ ، وضع يده على خصره
واستقام واقفًا وسط المشهد المروّع
ما رآه لم يكن سوى أنقاض ودماء ووجوه مصدومة —
جحيم أرضيّ بكل معنى الكلمة
بعض الساقطين من المنصة ما زالوا يتحركون ويتألمون ،
وآخرون يئنّون وهم يمسكون بأماكن إصابتهم ،
بينما آخرون بقوا بلا حراك ، وكأنهم استسلموا للهذيان في صقيع الأرض
لكن هؤلاء ليسوا كل الضحايا — فالكثيرين ما زالوا عالقين
تحت الأنقاض الثقيلة
في هذه اللحظة عدد كبير من رجال الأمن والمتطوعين قد
انضمّوا إلى جهود الإنقاذ ، يعملون على تخليص السياح
العالقين في كل مكان يمكن الوصول إليه
فجأة ،
أمسكت يد مسنة بذراع يو شولانغ
امرأة مسنة ذات شعر رمادي راكعة عند قدميه ،
والدموع تنهمر على وجهها وهي تضم يديها : " أرجوك أنقذ
حفيدي!
أنقذ حفيدي! أتوسل إليك !"
لم يُسعف يو شولانغ الوقت ليمدّ يد العون إليها،
فاكتفى بقوله الهادئ: “ لا تقلقي ”، ثم انحنى ليتفحّص
الجهة التي أشارت إليها
وفي لحظة انحنائه ورفع رأسه ، التقط بصره من بعيد هيئة
ظهر عريض قويٍّ بدا مألوفًا على نحو غريب ، فتجمّد
للحظة ، لكن ازدحام الأجساد المضطربة سرعان ما طمس
تلك اللمحة العابرة
ظنّ يو شولانغ أنّه توهّم ، فأبعد هذه الفكرة سريعًا ،
وأدار مصباحه اليدوي نحو الفتحة المتشقّقة أمامه ،
وحين اخترقت أشعة الكشّاف الصفراء المكان المظلم ،
أرتعب يو شولانغ ——-
{ كيف يمكن أن يوجد هذا العدد الكبير من الأشخاص
محبوسين في هذه المساحة التي لا تتجاوز بضعة أمتار ؟ }
ازدادت صرخات الألم وطلبات النجدة يأسًا عند رؤية ضوء الكشّاف
و وسط ذلك الضجيج الموجع ، التقط يو شولانغ صوتًا
يعرفه ، فسلّط الضوء باتجاهه ، واتّسعت عيناه دهشة :
“ نائب الرئيس شو ؟”
رفع شو باوتيان رأسه مذهولًا ، ثم انفجر بالصراخ كما لو رأى منقذًا :
“ يو شولانغ ! مدير يو! أنقذني ! اللعنة ، سأسحق هنا !”
رفع يو شولانغ يده مشيرًا إليه أن يهدأ ، وبدأ بسرعة بتحليل
الوضع داخل المساحة الضيّقة ثم قرر :
“ مكانك لا يمكن تحريكه الآن ، إن تحرّك شيء فسينهار
السقف بالكامل "
صاح شو باوتيان بمرارة :
“ هل ما زلت تحمل ضغينة تجاهي ؟
لم تنقذني في المرة الماضية ، وها أنت الآن تفعلها ثانيةً !
ألسنا قد تصالحنا ؟
حتى أنني غيرت اسمك في قروب ويتشات من ' أحمق ' إلى
' صديق ' "
تمتم متحسّرًا وهو يمسح أنفه بكمّه : “ لم أتوقع أنني كنت
أضع ثقتي في غير محلها !”
تجاهله يو شولانغ تمامًا ، ثم حدد الجريح الذي يمكن
إنقاذه أولًا ،
وبعد أن تبيّن له أن قدم أحدهم عالقة تحت لوح خشبي ، نهض يبحث عن حجر مناسب ،
وجد صخرة بعرض كفّين ، ثم زحف بحذر إلى داخل تلك
الفتحة الضيّقة ليبدأ عملية الإنقاذ
وضع يو شولانغ حجرًا تحت الخشب المكسور ليرفعه قليلًا ،
ثم وجّه المصاب برفق ليسحب قدمه ببطء ،
وبعدها أخرجه من بين الأنقاض بالطريقة نفسها التي أنقذ
بها المرأة من قبل
صرخت العجوز وهي تزحف على الأرض الباردة وتشير إلى الداخل:
“ هذا ليس حفيدي ! حفيدي في الداخل !”
أدار يو شولانغ المصباح نحو الاتجاه الذي أشارت إليه ،
فرأى بضعة خيوط قماش فقط
شعر بانقباض في صدره — الطفل مدفون بعمق ، مما يعني
أن إنقاذه الأن ….. أمر شبه مستحيل
ثم أنقذ جريحًا آخر نصف جسده مغطى بالدماء ،
وقد انغرز لوح خشبي مكسور في كتفه ،
فكانت الدماء تتدفق بغزارة ، حتى صبغت سترة يو شولانغ
الرمادية بلون أحمر قاتم
تلطخ وجهه بالدم أيضًا ، وكان الإحساس لزجًا مزعجًا ،
فمسحه بكتفه ، ثم انحنى من جديد ليستمر في إنقاذ الناس
وفجأة ،
اخترق الهواء البارد صوت صراخ عميق :
“ شولاااااانغ !”
وفي لحظة ،
وجد يو شولانغ نفسه يُسحب إلى حضن مألوف ——-
ارتجف صوت فان شياو من شدّة الخوف :
“ ماذا حدث لك ؟ أين إصابتك ؟!”
عيناه ممتلئتان بالدموع ، حاول أن يعانقه بشدة ، ثم تراجع
خوفاً أن يؤذيه ، وهو يقول بخوف مضطرب :
“ سآخذك إلى المستشفى ! لا تخف ، لا تخف حبيبي
سأوصلك الآن ، لن يصيبك مكروه !”
ذلك الظلّ الذي رآه يو شولانغ من بعيد كان حقًا له
لا يدري لماذا ، لكن قلق فان شياو عليه جعل الحرارة تصعد
إلى عينيه ، وتشابكت مشاعره داخله — غضب ، حنان ،
ارتباك — لا يستطيع أن يميز
هذا الحضن مألوف جدًا ، مألوف لدرجة أنه ما إن استند
إليه حتى خارت قواه تمامًا ….
وكأن فان شياو كان على وشك أن يحمله بين ذراعيه ،
لكن يو شولانغ أمسك بيده الباردة وقال بصوت خافت :
“ أنا بخير "
لكن فان شياو كان غارقًا في حالة من الذعر ،
غير قادر على سماع أي شيء من حوله ،
والدموع تتساقط من عينيه ، مصرًّا على أخذه إلى المستشفى
أمسك يو شولانغ وجهه بكلتا يديه ،
ومسح دموعه بإبهامه ،
واقتربت أنفاسهما حتى امتزجت ، ثم قال بوضوح وهدوء :
“ فان شياو أنا بخير
لم أُصب ، والدم على جسدي ليس لي
أنا مثلك ، أُساعد الناس .”
كرر كلماته مرتين حتى بدأ فان شياو يهدأ شيئًا فشيئًا ،
وسأله بصوت مرتجف :
“ أنت لم تُصب ؟ لن تموت ؟”
مسح يو شولانغ دمعة أخرى من وجهه ، وقال بجدية :
“ لم أُصب ، ولن أموت "
وهذه المرة ، كان الدور على فان شياو لينهار من التعب ،
ارتخت ساقاه ، وتمتم بصوت خافت :
“ كدت أموت خوفًا عليك…”
وفجأة ، شعر الاثنان بوخز حاد في كاحليهما، فنظرا إلى
الأسفل ، فإذا بعصا خشبية صغيرة تمتد من بين الأنقاض
وتضربهما مرارًا
جاء صوت مألوف من تحت الركام وهو يصرخ بسخرية :
“ ما رأيكما تؤجلان لحظة الحب هذه إلى وقت آخر ؟!
أنقذاني أولًا بحق الجحيم !
أنا على وشك أن أصبح تمثال بوذا خشبي !”
تساءل فان شياو ببرود وهو يحدق في الركام :
“ من هذا ؟”
: “ شو باوتيان " رد يو شولانغ بهدوء وهو يبتعد عن حضن
فان شياو : “ لنُكمل إنقاذ الناس "
اقترب من الأنقاض ومدّ يده نحو شو باوتيان :
“ هل يمكنك الحركة ؟ أين أصبت ؟”
لكن صوت شو باوتيان هذه المرة كان منخفض وجاد على غير عادته :
“ لم أُصب بشيء ، أستطيع التحرك "
: “ ناولني يدك "
امتدت يد ضخمة وباردة إلى كفه ، وقال باوتيان بصوت متهكم :
“ أخرجْه أولًا "
عندها أدرك يو شولانغ أن وراء شو باوتيان شخص آخر
رفع المصباح ، فرأى أن شو باوتيان قد مال بجسده إلى
الجانب ، هذا الشخص كان مستلقيًا فوقه تقريبًا ، ( تشانغ تشي )
يحتضن شخص آخر تحته ليحميه بجسده ،
بسبب زوايا الخشب المبعثرة من قبل ،
لم يتمكن يو شولانغ من رؤية هذا المشهد
صرخ شو باوتيان متألّمًا :
“ أخرجه بسرعة بحق السماء !
إنه يسحقني ، سحقني أولاً ثم سحقني مجدداً
إنه أثقل من جذع شجرة !! ”
لكن فان شياو الذي قد تسلل نصف جسده إلى الداخل ردّ بصرامة :
“ لا يمكن ، هو خلفك ، إن حرّكتك قبل أن يُحرَّك هو سينهار
الركام كله فوقكما !”
زمّ شو باوتيان فمه وقال بنبرة حادة:
“ اللعنة من الذي له الكلمة هنا ؟ أنت أم المدير يو ؟!
اسمع كلامه هو!”
ثم نظر برجاء نحو شولانغ — لكن الأخير أجابه بصوت ثابت وهادئ :
“ سنُخرجك أولًا ، ثم نُنقذه "
خرج شو باوتيان من الأنقاض ، الوحيد الذي لم يصب
بإصابات رغم كل الفوضى ،
نفض الغبار عن معطفه الفرو المتّسخ ،
ثم التفت إلى الرجل المغمى عليه داخل الركام وقال ببرود ساخر :
“ وداعًا يا صديقي لو حالفك الحظ ووصلت إلى قصر ملك
الجحيم ، فأبلغه رجائي أنه في حياتك القادمة ، كن خنزيرًا
أو كلبًا أو أي شيء آخر ،
لكن إياك أن تكون مثليًّا لعيناً مجددًا ، يا لَك من مزعج !”
ثم التقط تلك العصا الصغيرة وجرّها معه وسط الحشود ،
حتى اختفى أثره بين الناس
لم يبقَى تحت الأنقاض سوى الرجل الذي كان وراء شو باوتيان والطفل الصغير المدفون في العمق
كانت جدّة الطفل ما تزال راكعة على الأرض ، يديها
مضمومتان وهي تبكي بحرقة وتصلّي الإله أن يحفظ حفيدها
قال يو شولانغ وهو يفتح سحّاب معطفه :
“ مركبات الإنقاذ كلها عالقة في الطريق ، حين دخلتُ قبل
قليل رأيتُ الطفل ينزف ، وإن انتظرنا الرافعة فلن نصل في
الوقت المناسب . سأدخل مجددًا لأرى الوضع "
قال فان شياو دون تردد وهو يخلع معطفه أيضًا :
“ سأدخل معك ،،
من في الأعلى تم إنقاذهم جميعًا ، والمساحة تحت الركام
ليست صغيرة ، لكن الطفل مدفون بعمق ، والمكان معقد
إن ذهبت وحدك فسيصعب إنقاذه ،
سندخل سويًا ، ونحاول إخراجه من أول محاولة "
أوقفه يو شولانغ وعيناه متردّدتان بين الخوف والقلق :
“ فان شياو "
ابتسم فان شياو :
“ اعتبر أنني أستعرض أمامك فحسب . في المرة السابقة ،
حين ‘استعرضت’، أنقذنا تيانتيان معًا أليس كذلك؟
هذه المرة أيضًا سننجح .”
قال ذلك ثم انحنى على الأرض ودخل ليزحف بين الأنقاض أولًا
صمت يو شولانغ لحظة ، ثم تبعه دون تردد
كان الوضع في الداخل أعقد مما تصوّرا
زحفا حتى وصلا إلى أضيق مكان يمكن بلوغه ،
لم يعد بالإمكان التقدّم ، ومع ذلك ظلّ بينهما وبين الطفل
مسافة ذراع فقط
أمام الصبي قطع خشب متشابكة من مختلف الأحجام ،
وجسده محصور بين الشقوق
الدم المتسرب من جسده بدا باهتًا تحت ضوء المصباح ،
حتى الاحمرار فقد لونه
قال يو شولانغ وهو يوجه ضوء المصباح نحو زاوية ضيقة :
“ انظر هناك ، إن تمكّنا من التقدم بنصف جسد إضافي
فقط ، يمكننا إزالة الخشب الصغير عند قدميه ، وفتح ممرّ إنقاذ "
ألقى فان شياو نظرة سريعة حوله ، ثم قال بصوت منخفض:
“ لنتقدم أكثر ، يجب أن نوسّع الممر الذي نزحف منه ،
لا يمكننا تحريك الخشب فوقنا ، الوحيد الذي يمكننا لمسه
هو الذي تحتنا "
اقترب بجسده من يو شولانغ أكثر ، مفسحًا المكان الذي
يستلقي فيه ، وبدأ بأداة صغيرة يحاول رفع الألواح
المكسورة من الأرض
من السهل تحريك الخشب الرفيع ، لكن حين وصل إلى
العوارض السميكة ، اضطر إلى كسرها أولًا ثم رفعها بحذر
كل حركة خفيفة كانت تهزّ الركام كله ——- ،
وكأن أي زلة صغيرة قد تجرّ انهيار فوقهم …..
كل دفعة من فان شياو كانت مقامرة على رحمة القدر ——
اقترب أكثر فأكثر ، حتى التصقت جسداهما تقريبًا ،
والحرارة الخافتة بينهما تتبادل عبر طبقة الملابس الخفيفة
هذا أقرب ما تلامسا فيه منذ انكشاف خداع فان شياو
رغم أنهما تقابلا من قبل في سرير واحد ، وتشاجرا وجهًا لوجه ،
وتقاسما المسافة ، إلا أن قربهما هذه المرة بدا أكثر
حميمية من كل ما سبق
راقب يو شولانغ قطرات العرق تتسلّل من صدغ فان شياو
وتنساب على وجهه ، فحرّك نظره بعيدًا ، كأنّه يقمع في
صدره ما لا ينبغي أن يشعر به
فجأة ،
تأوه فان شياو مكتوم :
“ مممم !”
سأله يو شولانغ بسرعة :
“ ما بك ؟”
: “ لا بأس ، انزلقت أداة الحديد من يدي بسبب العرق "
تردّد صوت الطرق مجددًا ، وتسرّب الدم بسرعة من كف
فان شياو ، التي شقّها شظى الخشب الحاد
بعد أن وسّع الممر ، اندفع فان شياو بجسده إلى الأمام
نصف مسافة أخرى ، ومدّ يده ليُزيل القطع الخشبية
الصغيرة عند قدمي الطفل ، وبالفعل ، كان المكان هناك كافيًا لانتشاله
لكن المشكلة كانت في الزاوية ، فالسحب العنيف سيؤدي
إلى تفاقم إصابات الصبي
زحف يو شولانغ بصعوبة أكبر إلى الأمام ، حتى تمزّقت
بشرته في صدره وظهره ، يتخللها ألم لاذع متتابع
مدّ يده وأمسك برأس الطفل ، ثم نظر نحو فان شياو
نظرة واحدة فقط كانت كافية ليفهم الأخير مقصده —
واحد يسحب والآخر يجرّ ، ليخففا قدر الإمكان من الأذى على الصغير
أومأ يو شولانغ برأسه بخفة ، وشدّ بيده في اللحظة نفسها
التي بذل فيها فان شياو قوّته ،
فخرج جزء من جسد الطفل من الممر
كرّرا الأمر عشرات المرات ، حتى أُخرج الطفل أخيرًا
التفّ فان شياو عليه بذراعيه ، وبدأ يتراجع ببطء شديد ،
حتى خرجا من تحت الأنقاض
: “ يتنفّس… إنه حيّ "
ما إن نطق فان شياو بهذه الكلمات ، حتى دوّى هتاف حارّ
من بين الحشود
جثت العجوز أشيب الشعر على ركبتيها ، والدموع تملأ عينيها ، متجهةً نحو فان شياو :
“ يباركك بوذا يا بني !”
ركض فان شياو وهو يحمل الطفل نحو سيارة الإسعاف ،
وبينما يجري التفت إلى يو شولانغ
كان الأخير قد خرج لتوّه من بين الركام ، أخرج سيجارة
ووضعها بين شفتيه ، ولوّح له مبتسمًا بخفة
صعد فان شياو إلى سيارة الإسعاف ، فأغلقت الممرضة
الباب بسرعة ، قاطعةً تلك النظرة التي تشابكت بينهما وسط
آلاف الوجوه ، نظرة امتزج فيها كل ما لم يُقال ….
انطلقت سيارة الإسعاف وصفارتها تشقّ الهواء ،
وفي تلك اللحظة ترنّح يو شولانغ قليلًا وفقد توازنه
لقد استُنفذت قواه تمامًا ،
ولم يعد قادرًا على مواصلة الإنقاذ ،
جلس في زاوية على الأرض منهكًا ، وفجأة لمح شو باوتيان
سأله يو شولانغ ببرود لا مبالٍ : “ ألم تغادر؟”
ردّ باوتيان بصوت مبحوح : “ذلك الشخص… كيف حاله؟”
: “ من؟ الذي كان خلفك ؟
الرجل الذي حماك بجسده ؟”
اتكأ يو شولانغ إلى الخلف ، وزفر دخان سيجارته قائلًا :
“ أنقذه الآخرون ، سمعت أنه لم يمت "
ساد الصمت للحظات طويلة على غير عادة الرجل الصاخب ، ثم صكّ أسنانه غيظًا وقال :
“ يحميني ؟! كان يريد أن يدهسني حتى وهو يحتضر !
اللعنة ، إذا نجا هذه المرة ، سأجعله يموت بيدي المرة القادمة !”
نهض وابتعد وهو يلعن بغضب :
“ لماذا لم يمت ذلك الرجل بعد ؟!
حتى إله الموت تأخر في أخذه معه !؟!”
يتبع

تعليقات: (0) إضافة تعليق