Ch104 ffb
كانت تيان شياوتيان تمسك فنجان القهوة بيديها وتنقر
بلسانها مرتين وهي تنظر عبر الزجاج قائلة :
“ تسك تسسك هل تذكّر عندما جاء السيد فان إلى مركز الأبحاث ؟
يا لهيبته وقتها ! كان لا يقل عن كلب دوبرمان — أنيق
ومتألق ،،
أما الآن ، فانظر إليه… يا له من مشهد حزين ،
كأنه كلب ضالّ متشرّد وتم تبنّيه "
ثم دفعت الرجل الجالس إلى جوارها بكتفها قائلة :
“ مرّت ثلاثة أيام أليس كذلك يا يو غا ؟
حبيبك هذا ظل يراقبك ثلاثة أيام كاملة !
حسبتُها بنفسي !!
يخرج من غرفة قاعة الزوّار للتحقق منك كل ساعة تقريبًا ،
كأنه يخاف أن تضيع أو تهرب ! ”
ابتسم يو شولانغ ابتسامة خفيفة وصوته يحمل رنّة دافئة :
“ حقًّا ؟ إذًا أنتِ لا تركزين في عملك ؟”
أحسّت تيان شياوتيان بأنها تلقّت ضربة مزدوجة :
“ يعني فوق أني أُجبرت على تناول ' طعام كلاب '
أُنتقد من رئيسي أيضًا ؟”
( مشهد حب علني واضح وصريح يسبب الغيرة للعزّاب )
ضحك يو شولانغ بخفوت ، وازدادت ابتسامته اتساعًا :
“ لا تتفلسفي بتشبيهاتك الغريبة "
شهقت تيان شياوتيان بامتعاض مصطنع :
“ أهذا دفاع مباشر عنه ؟ يا يو غا كنت أراك مِثال الرجولة
عندي ، لا تقل إنك تحولت إلى عاشق أعمى !”
خارج نافذة المعمل ،
ضوء الشمس شق طريقه من بين الغيوم الكثيفة ،
وانعكس على شولانغ ، فجعله يبدو أكثر هدوءًا وهيبة
عندها ضيّقت تيان شياوتيان عينيها قليلًا واقتربت من يو
شولانغ تتأمله بدقّة :
“ يو غا بشرتك في الأيام الأخيرة صارت ناعمة ونضرة على
غير العادة !” ثم رفعت نظرها قليلًا لتحدّق في الهالات تحت عينيه ،
وقالت بشكّ مازح : “ نضارة في البشرة مع هالات سوداء…
أيمكن أن يكون السبب ليالي السهر … المليئة بالحماس ؟”
نادراً يعجز يو شولانغ عن الردّ في أي حوار ، لكن هذه المرة
صمت فجأة ،
ولم ينبس بكلمة لثلاث أو خمس ثواني ثم نقر بلسانه وقال بهدوء :
“ تسك ، وقت الغداء "
ثم استدار عابرًا الممر نحو قاعة الاجتماعات
باب القاعة مفتوح قليلًا ،
فطرق يو شولانغ عليه مرتين وهو يدفعه ،
“ هيا ، نذهب لنأكل "
قالها وهو ينظر إلى فان شياو
وكما قالت تيان شياوتيان ، كان فان شياو قد بقي في مركز
البحث لثلاثة أيام ،
بدا غريباً قليلاً ؛ قلّ كلامه ، ونظراته صارت حادّة تلتصق
بالآخرين ، وبالأخص عندما ينظر إلى يو شولانغ — كانت
عيناه كـ كرمة عنب متشابكة ، تمتدّ وتتلوى لتلفّه بإحكام
ففي كل صباح كان يقود الشاحنة ليوصل تيانتيان إلى المدرسة ،
ثم يو شولانغ إلى العمل ، وبعد الوداع لا يرحل ،
بل يبقى في شاحنته يحدّق نحو معمل يو شولانغ ساعات طويلة ،
وبعد أن اكتشفه يو —- حاول فان شياو الاختباء في
مكان أبعد ، لكن يو شولانغ خاف أن يصاب بالبرد في
السيارة ، فاضطر إلى إدخاله إلى المركز البحثي ، ليبقى
تحت ناظريه مباشرةً
نهض فان شياو من على الأريكة ، نظر إلى يو شولانغ للحظة ،
ثم قال بصوت خافت :
“ هل يمكن أن أؤخرك دقيقتين فقط ؟”
الوقت الآن وقت الظهيرة ، وبدأ الموظفون يبدلون ملابسهم
واحد تلو الآخر استعدادًا للذهاب إلى كافتيريا المبنى ،
لذا مرّوا بجانب يو شولانغ و يحيّونه بحرارة ،
رد يو شولانغ ببضع ابتسامات ، مشيرًا أنه لا يزال لديه أمور
يجب أن ينجزها ،
ثم تابع سيره بخطوات متزنة نحو قاعة الاجتماعات ،
وملامحه مطمئنة تمامًا ، كما لو أنه يؤدي عملاً روتينيًا لا أكثر
أعاد إغلاق الباب خلفه ، ثم أدار المقابض ليغلق الستائر
المعدنية بإحكام
في هذا المكان المغلق المستقل ، تلاشت ابتسامة شولانغ
وحل محلها تعبير عن الاستسلام لا يراه سوى فان شياو ،
أشار : " تفضل ، دعنا نؤكد هذا ،
ولكن كما قلت ، لديك دقيقتان فقط "
اقترب فان شياو بخطوات بطيئة ، لكن ما إن لامست أطراف
أصابعه يد شولانغ ، حتى تبدلت حركته إلى عاصفة مفاجئة ،
فعانقه بشدّة من خصره القوي ، وقبّله بعنف لم يستطع كبحه
تشابكت الشفاه والألسن ، أصبح فان شياو كالمبتدئ الذي لا
يعرف أي ضبط للنفس ،
يضغط بشوق مفرط ، فشعر يو شولانغ بالألم والوخز ،
لكن لم يُبعده ، بل تركه يتصرّف بعفويته الجامحة
توالت القبلات —— بين قبلات عميقة ولطيفة حتى انقطعت الأنفاس ،
حينها فقط تراجع فان شياو قليلًا ، وأسند جبهته على جبهة
شولانغ وهو يلهث مضطربًا :
“ أهذا حقيقي ؟ لستُ في حلم ؟ هل عدتَ إليّ فعلًا ؟”
مدّ يو شولانغ يده يربّت على وجهه برفق ، وقال بجدية وحنان :
“ حقيقي ، لا تخف بعد الآن يا فان شياو "
عانقه فان شياو بقوة أكبر ، وكأنه يخشى أن يتبخّر بين ذراعيه :
“ كنت خائفًا جدًا أن يكون هذا مجرد حلم آخر من أحلامي ،
وأن أستيقظ لأجد كل شيء فارغ مرة أخرى "
: " إذن لنجعل هذا الحلم يدوم إلى الأبد "
اشتدّ العناق أكثر ،
فمال يو شولانغ برأسه ليقبّله عند صدغِه وقال مازحًا :
“ فان شياو لا تبكِي بعد الآن ،
صحيح أني أحب رؤيتك تبكي ، لكن فقط على السرير "
دفن فان شياو وجهه في عنقه الدافئ ، وهمس بصوت خافت :
“ يو شولانغ أنت من بدأ بإغوائي أولًا ،
حتى لو كان هذا كلّه حلمًا ، فلن أدعك تفلت مني ،
لا في الحلم ولا بعد الاستيقاظ .”
تشابكت أصابعهما معًا ، فأجابه يو شولانغ بابتسامة خفيفة :
“ أعلم ذلك "
———————
أخيرًا شغّل فان شياو هاتفه — في الأيام الماضية كان يعيش
بين القلق والتوتر — يحرس شولانغ — أبقى هاتفه مغلقًا ،
ومنع أي اتصال خارجي ، وأوقف كل أعماله ،
وبعد إلحاح طويل من يو شولانغ وافق على إعادة تشغيله ،
ما إن أضاءت الشاشة حتى انهالت عليه الرسائل كالسيل ،
تتدفق واحدة تلو الأخرى بلا توقف
تصفح فان شياو رسائله دون اهتمام ، يمرّ بإصبعه على
الشاشة حتى توقّف عند واحدة منها فقط ،
أنزل عينيه يفكر للحظة ، ثم كتب جملة قصيرة : [ ابدأوا الإغلاق ]
أرسلها بلمسة خفيفة من إصبعه
—————-
انقضى العيد ، وبدأ الطقس يميل قليلًا إلى الدفء ،
لكن فان شياو ما زال يرتدي ملابس ثقيلة ،
خلع سترة الدراجات النارية السميكة السابقة ،
وارتدى اليوم معطف الكشمير السميك الفاخر الداكن
يتناسب تمامًا مع الطلاء الفضي لسيارته المايباخ
شمس الشتاء نادرة في سطوعها ،
لكنها اليوم اخترقت الهواء البارد بخيوطها الحادة —-
و حين اقتاد رجال الشرطة باي بنغيو من الكازينو ، صادف أن
شعر بسطوع هذه الشمس ،
و أغمض عينيه من شدّة الضوء ،
وذراعاه مكبلتان خلف ظهره حتى فقد الإحساس بهما ،
أما ساقاه فكانتا تجرّانه جَرًّا
تجمّع الناس حول المكان ، وبدأت الهمهمات :
" لماذا تم القبض عليه ؟"
" سمعت أنه بسبب تجارة المخدرات ."
" اللعين يجب أن يُعدم رمياً بالرصاص "
تجولت عيناه بخوف وارتباك ، ثم ثبتت فجأة — هناك ، عند طرف الطريق ، فان شياو واقف مستند على سيارته الفاخرة ،
في البداية حدّق باي بنغيو بصدمة ؛
لأن صورة فان شياو في ذهنه كانت منذ زمن قد انهارت — لم يعد ذلك رجل الأعمال المرموق ، بل مجرد رجل محطم لا قيمة له
لكن رؤيته الآن جعلته يستوعب فجأة —-
وفي لحظة ، تحولت صدمته إلى غضب هائج
وصرخ بصوتٍ مبحوح :
“ أنت ! أنت من فعل هذا بي ! أنت تنتقم مني !”
وبدأ يتلوّى في قبضة الشرطة كالمجنون ،
وجهه ملتوي بعنف ، والحقد والكره يتفجر من ملامحه
أما فان شياو —- فكان واقفًا بهدوء ، ملامحه كسوله كمن
يشاهد مشهد لا يعنيه ،
رفع كتفيه قليلًا ولا مبالاة ، ثم رفع يده ببطء ورسم على
عنقه إشارة القتل
ازداد هيجان باي بنغيو ، وصار يصرخ ككلب مسعور ،
بينما اكتفى فان شياو بابتسامة خفيفة ،
وطرق بأصابعه زجاج نافذة السيارة خلفه ،
انخفضت النافذة ببطء ، كاشفةً عن وجه عاديّ الملامح ،
يشبه باي بنغيو بنسبة سبعين بالمئة ،
تجمّد بنغيو مكانه —— شحب وجهه تدريجيًا ——
ثم احمرّت عيناه حتى امتلأ وجهه بالحقد والجنون ——
لكن كل صراخه وجنونه لم تقابله سوى نظرات الاحتقار من
داخل السيارة ——
أما فان شياو —- فقد بدا وكأنّ كل هذا ممل وفقد متعته
فيه ؛ حتى مشهد سقوط خصمه صار مملًا ،
أدار وجهه جانبًا ، ونظر بهدوء إلى محلّ الزهور القريب
سحب رجال الشرطة باي بنغيو إلى السيارة ،
وآخر ما ظهر من وجهه كان ملامحه المشدودة بالغضب والكراهية
وبينما سيارة الشرطة تبتعد ، مدّ الرجل الجالس في المايباخ
يده من النافذة وقال بابتسامة :
“ السيد فان كان من دواعي سروري التعامل معك …. "
ألقى فان شياو نظرة سريعة على يده ، ولم يصافحه ،
بل قال بفتور :
“ مبروك للوريث الرابع على صعوده "
ضحك الرجل داخل السيارة بخفة :
“ آمل أن يحافظ السيد فان على العلاقة الطيبة بيننا
مستقبلًا …” ( دعم )
فأجابه فان شياو ببرود :
“ دعنا نؤجل الحديث عن المستقبل "
ثم ربت على هيكل السيارة وقال :
“ انطلق ، عندي ما يشغلني "
…
فتح باب محلّ الزهور ،
ودخل وهو يقول بصوت رجولي عميق منخفض يسأل :
“ هل لديكم ورد البريّة ؟”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق