Ch105 ffb
الورود البرية ليست نادرة ، لكنها فاحت بعطرٍ قويّ وغريب
حين اختلطت برائحة الكاري الغنية في المطبخ ،
في انسجامٍ مدهش لا تفسير له ،
المنزل قديم ، والمطبخ ضيّق ، والرجل الواقف عند الموقد
بكمّين مطويّين ، و ساعداه المتينان يعكسان ظلًّا حادًّا على
الجدار ، وخطّ فكه القاسي ،
يو شولانغ مستندًا على زاوية الحائط ، يحدّق بالمشهد بعينين شاردة ،
كأنّه يشاهد مشهد قديم عاد من أعماق الذاكرة
بدا الوقت وكأنه تم تحريره بدقة من قبل أفضل المخرجين ،
ليجعل هذه اللحظة في الحاضر تتصل بسلاسة بذلك
المشهد القديم من الماضي ؛ بلا أكاذيب ولا أذى ولا إكراه
بلا فراق لعامين ولا ليالٍ بلا نوم لا حصر لها من الحنين ،
كان حبيبه الشاب الوسيم يعدّ له العشاء بعفوية فيها شيء من الجهل ،
ينتظره أن يقطع الشوارع المزدحمة ، ويتجاوز وجوه المارة
المجهولين ، ويتبع الضوء الدافئ عبر الظلام ، ويصعد
الدرج ، ويدفع الباب ، ويعانقه...
لكن …
طَقطَق —-
انطفأ الموقد فجأة ، والصوت المعدنيّ الذي تبعه أعاده إلى الواقع
في المطبخ الضيّق بدا فان شياو أكثر طولًا وجاذبية ،
بعد أن أغلق الغاز ،
أسند كفَّه على الطاولة ، ثم التفت ليلتقي بعيني يو شولانغ
قال بصوت منخفض يشوبه شيء من الذكرى :
“ رأيت هذا المشهد في حلمٍ من قبل… مطبخ ، صالة المعيشة ،
وبيننا ثلاثة أمتار ، وأنت تقف تنظر إليّ وأنا أطبخ "
: “ ثم؟” سأل يو شولانغ بابتسامة خفيفة ، وظهره ما زال على الحائط
أنزل فان شياو رأسه قليلًا ، وصوته خفت :
“ ثم… في معظم الأحيان قبل أن أتمكن من الوصول إليك ، كان الحلم ينتهي ...”
أكمل بشيءٍ من الحنين :
“ لكن مرة واحدة فقط ، استطعت أن أصل إليك…
وأن أُعانقك "
ترك المطبخ ومشى نحوه خطوة بخطوة ،
كأنّ كلّ متر تستنزف كل ذرة من شجاعته ،
قبضتاه مشدودة ، وشفته السفلية مشدودة ،
وكأنّ المسافة القصيرة بينهما هي المسافة بين خوف قديم
وحلم طال انتظاره
وعندما بقيت خطوات قليلة ، تقدّم يو شولانغ نحوه ،
ومدّ يده يلامس ساعده الدافئ ،
ثم سحبه إلى صدره برفق ،
ابتسم وقال بخفوت يبدّد القلق في عينيه :
“ وفي حلمك ذاك ، هل تناولنا العشاء سويًّا ؟”
أجاب فان شياو و شفتاه تلامسان وجنته :
“ لا ،
في كلّ حلم أستطيع أن ألمسك فيه… لا أضيّع وقتي في
الأكل و أستغل كل لحظة لأمارس الجنس معك "
ضحك يو شولانغ بخفّة محاولًا دفعه قليلًا :
“ فان شياو تمهّل ، لقد فعلناها كثيراً في اليومين الماضية ،
دعني أستريح قليلًا "
غاص صوت فان شياو في عنقه ، دافئًا ومبحوح :
“ همم ، غدًا نرتاح… غدًا "
رفع فان شياو يو شولانغ الذي لم يكن خفيف الوزن بقوة ،
فابتعدت قدماه عن الأرض ،
والتفت ساقاه حول خصره
شفتاه تلامس تماماً تفاحة آدم عند حلق الرجل ،
وبدأ فان شياو يغمره بالقبلات الساخنة الواحدة تلو الأخرى
وبينما هو يقبّل ، مشى بخطوات واسعة ، لكنه لم يتجه نحو
غرفة النوم ، بل دخل المطبخ
" يا فان شياو ، أنت..."
: " في أحلامي مارست الجنس معك هنا "
بصوته المبحوح الذي يبعث على الإثارة ، وضع فان شولانغ
على طاولة المطبخ
: " تيانتيان..."
: " لقد غطّ في نوم عميق "
انسابت رائحة حساء توم يوم الغني من القدر ،
ضغط فان شياو على يو شولانغ وهو يقبّله بشغف :
" لن أدعك تجوع ، سأكون سريعاً "
……
قميص شولانغ بدا الآن في حالة من الفوضى
ويكشف عن لمحات من جسده ،
انحنى إلى الخلف بأقصى ما يستطيع ،
ورسم ظهره وخصره قوساً جميلاً ،
خصلات شعره الناعمة تلامس أسفل رقبته ،
دفن فان شياو رأسه ، وشعر شولانغ بألم ناتج عن الشد ،
دفعه قليلاً ، وتعاون الرجل ، فغيّر جانبه وواصل
لم يتعب فان شياو من ابتكار وضعيات جديدة ،
وشعر شولانغ وكأنه قطعة من الفخار على سطح العمل وهو
يُدار في كل اتجاه
الوضعية الأمامية مقبولة ، لكن الوضعية الخلفية كان دائماً
يثير في شولانغ شعوراً بالخزي
طاولة المطبخ عالية ، والأشياء الموجودة عليها كثيرة ومعقدة
شعر يو شولانغ فجأة وكأنه هو أيضاً إناء ، ودوره الأكبر هو
إسعاد فان شياو
أحب فان شياو الطويل هذا الارتفاع كثيراً ،
وتحرك بسهولة أكبر وقوة أكبر ،
حركاته قوية وعميقة ،
شد شولانغ يده الممسكة بالرخام ،
مُذكّراً الرجل الذي فقد عقله منذ زمن طويل : " لقد
وعدتني أن الأمر سيكون سريعاً ، وأنك لن تتركني جائعاً "
أجاب فان شياو بـ "همم" مكتومة ، وفتح غطاء القدر
القريب منه ، وغرف ملعقة من الحساء كانت درجة حرارته
معتدلة ومناسبة للشرب
أخذ الحساء في فمه ، وأمسك بوجه شولانغ ليقبّله و مرّت رشفة
من حساء التوم يوم عبر قبلتهما وامتص بعناية
الحساء الذي سال على زاوية شفتيه
" هل هو لذيذ ؟"
امتدت أصابعه مجدداً للشدّ
وقبل أن يجيب شولانغ انحنى فان بالكامل : "حان دوري لأشرب "
...
لم يتناولا الطعام فعلياً حتى منتصف الليل ~
شعر فان شياو بالذنب ، فحمل الملعقة بهدوء وبدأ يُطعم
يو شولانغ لقمة بعد أخرى ،
قال بصوت منخفض :
“ الوقت تأخّر ، لا تأكل كثيرًا . غدًا سأعدّ لك طعامًا طازجًا "
استرخى يو شولانغ على كتفه ، يتناول ما يُقدَّم له بلطف ،
ثم بعد بعض اللقمات هزّ رأسه رفضًا ،
قال بنبرة خافتة ما زال يعلوها أثر الإرهاق :
“ يدك تحتاج إلى تبديل الضماد "
أمسك بيد فان شياو اليمنى ، وفكّ العقدة بحذر ،
ثم بدأ يفك الضماد القديم ببطء حتى وصل إلى الطبقة
الأخيرة ، فخفّت حركته أكثر ، وصوته أصبح شبه همس:
“ باي بنغيو اعتُقل… أكان ذلك من فعلك ؟”
لم يكن فان شياو ينوي إشراكه في تلك المسألة ،
لكنه بعد لحظة صمت أجاب بصدق :
“ نعم ، أنا من بدأها ، لكنّ أفراد عائلة باي شاركوا أيضًا .
كيف علمتَ بالأمر بهذه السرعة ؟”
يو شولانغ :
“ شو باوتيان أخبرني ، كان يعلم بخلافنا السابق ، وحين
سمع بخبر القبض عليه جاء ليبلغني بالخبر السعيد "
غمس يو شولانغ قطعة قطن في الدواء ، ورفع عينيه قليلًا إلى ملابسه :
“ لم أرك ترتدي هذا النوع من الملابس الفاخرة منذ زمن .
هل ظهرت أمامه ؟”
ابتسم فان شياو ابتسامة قصيرة ثم تمتم :
“ نعم ، أردته أن يندم على كل ما فعله… آهههخ !”
ارتجف صوته من الألم حين ضغط يو شولانغ على الجرح بشدة
يو شولانغ بوجه متصلّب :
“ لماذا كشفتَ نفسك ؟ باي بنغيو وإن لم يكن ذا شأن
إلا أن الإنسان حين يُحاصر قد يفعل أي شيء ،
إن خرج من السجن يومًا ، سيحاول الانتقام منك بجنون ! ”
ربّت فان شياو على كتفه مطمئنًا :
“ اهدأ ، لن يخرج ،
الكمية في آخر صفقة له كانت كبيرة جدًا "
انعقد حاجبا يو شولانغ بقلق :
“ لا يبدو لي أن باي بنغيو من النوع الجريء ….
فان شياو ماذا فعلت !!!؟”
كانت أصابعه ما تزال ممسكة بالقطن الملطّخ بالدواء الأحمر ،
وصوته امتزج فيه الخوف بالشك ، كأنه يخشى من الجواب
أكثر مما ينتظره ،
حين لاحظ فان شياو التغيّر الطفيف في ملامح شولانغ،
أسرع باحتضانه بقوة وقال مطمئنًا :
“ لم أفعل شيئ أقسم لك !
كنت أعلم أن باي بنغيو يبيع تلك الأشياء للمراهقين ،
فمرّرت الخبر فقط لأخيه الرابع الحقير المعروف بسوء سمعته ،
و الصفقة الأخيرة الكبيرة كانت من تدبير باي الرابع ،
لا أعلم كيف أقنع الطرف الآخر ، لم يخبرني ، وأنا لم أسأل "
سأل يو شولانغ بهدوء متوجس :
“ حقًا لم تتدخل بشيء غير ذلك ؟”
: “ حقًا " أجاب فان شياو وهو يُسند ذقنه على كتف شولانغ
وصوته مفعم بالصدق والإرهاق :
“ لقد بدأت حياتي لتوّها تُصبح جيدة ، كيف يمكن أن أُدمّر
كل شيء بسبب ذلك الوغد ؟”
تنهد يو شولانغ ، وكأن قلبه استعاد إيقاعه الطبيعي
أخذ القطن المبلل بالدواء من جديد ، وبدأ يُنهي تضميد
الجرح بعناية
ساد الصمت بينهما ، جوّ من دفء شفاف وهدوء تكسّره
أنفاس متقاربة ،
حتى بدت حركة الرياح على النافذة وكأنها موسيقى خافتة
تُغلف المشهد ،
في اللحظة التالية ، انكسر هذا الهدوء برنين هاتف مفاجئ
ترددت نغمات أغنية تايلاندية ناعمة وهادئة بينما أضاءت
شاشة هاتف فان شياو
بذراعه الملفوفة حول شولانغ و يده الأخرى الذي يعتني بها حبيبه بحنان ،
كان فان شياو مترددًا في التخلي عن هذه اللحظة من الانغماس ،
شعر أنه لم يعد هناك ما يخفيه عن شولانغ
فوضع الهاتف على الطاولة و ضغط مكبر الصوت وقال بكسلٍ واضح :
“ ألو "
جاءه صوت بالتايلاندية ، فقاطعه فان شياو بنفاذ صبر :
“ تحدث بالصينية "
جاءه صوت بلكنة صينية ركيكة ، وبنبرة متوترة — صوت مساعده الأصلع
: “ السيد فان شو تشونغ في طريقه الآن إلى المطار !”
لكنّ ' الإمبراطور ' لم يُبدو قلقًا ، في حين بدا ' الخصي ' في
الطرف الآخر مذعور
لدرجة أن فان مال نحو شولانغ وهمس بخفوت ساخر :
“ هل تتذكر شو تشونغ ؟”
أجاب يو شولانغ وهو يلف الضماد حول يده :
“ نائب رئيس شركة فين فنغ للاستثمار …
و هو من يدير الشركة الآن "
ابتسم فان شياو بخفة :
“ هذا لأنني لم أعد بعد ،،
أسهمي تفوق أسهمه ،،
و بمجرد عودتي ، سيضطر بطبيعة الحال إلى التنحي ..."
أضاف بصوت أكثر جدّية :
“ هل تعرف من الذي سيقابله بعد وصوله ؟
مساهم آخر في الشركة ،
إن اشترى حصّته ، فسيصبح نصيبه أكبر من نصيبي ،
وعندها حتى لو عدتُ ، لن أملك سلطة القرار "
سأله يو شولانغ:
“ وماذا ستفعل ؟”
رفع فان شياو كتفيه بلامبالاة :
“ لم أقرر بعد "
لكن الصوت في الهاتف عاد مستعجلًا :
“ السيد فان هل الشخص الذي معك الآن موثوق ؟”
بدا أن المساعد لم يتعرّف على صوت شولانغ بعد عامين من
الغياب ——
قال فان شياو بثقة وعيناه معلقتان بعيني حبيبه :
“ طبعًا "
تابع المساعد بسرعة :
“ شو تشونغ على وشك الوصول إلى المطار ، هل أعرقله ؟
أفتعل له حادث تصادم صغير مثلما فعلنا قبل ثلاث سنوات مع…”
قَطعَ فان شياو المكالمة بقوة ——-
في ذعره ، اشتدّت الضمادة بعنف حتى انحلّت —- فامتدّت
كحبل مشنقة جاهز للإعدام ——-
انفتح الجرح من جديد و انساب الدم القاني وقطر على
شاشة الهاتف المظلمة ، نقطة تلو الأخرى
يو شولانغ يُمسك بطرف الضماد الآخر ، شدّه ببطء حتى
لامست أصابعه الدم الدافئ ،
رفع نظره بثبات ، وصوته خرج خافتاً لكنه حادّ كالسيف :
“ إذًا الحادث الذي وقع قبل ثلاث سنوات…
حين اصطدمت بك من الخلف وبعدها أُصبتُ بذراعي …
كان من تدبيرك أنت ؟”
فان شياو: "……!!!!!"
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق