القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch54 ffb

Ch54 ffb




قال فان شياو بنبرة هادئة لا استعجال فيها ، 

ولا أثر فيها للارتباك ، كلماته خرجت محكمة ، 

كأنّه تردّد طويلًا قبل أن ينطق بها :

“ ليست لي خطيبة "


تمضمض يو شولانغ مجددًا ، ثم أغلق زجاجة الماء وسأله 

بصوت مبحوح منخفض ، 

يحمل بقايا أنفاس متقطعة بعد عاصفة عنيفة :

“ هل تريدني أن أبتعد ؟”


أجابه فان شياو وهو يمسك بيده :

“ لا داعي ، سنخرج معًا "


قال يو شولانغ وهو يوقفه :

“ انتظر "

ثم أخرج من جيبه ساعة يد، ووضعها على معصم فان شياو:

“ هدية عيد ميلاد ، ليست ثمينة ، فلا تزدريها "

رفع رأسه ونظر إليه بعينين صافية :

“ أتمنى أن تكون أوقاتك كلها مليئة بالسعادة "


الإنارة في الغرفة خافتة ، والظلال تتماوج على الجدران


انتقل بصر فان شياو ببطء من الساعة التي في معصمه إلى 

وجه شولانغ ، وعندما التقت نظراتهما ، 

شعر كأنّ كل ما في عينيه من سعادة في هذه اللحظة متجسّد فيه وحده


حرّك معصمه قليلًا وقال بابتسامة خفيفة :

“ أعجبتني جدًا ، سأرتديها دائمًا "


ضحك يو شولانغ برفق:

“ ليس بالضرورة دائمًا ، 

فَـ ساعاتك الفاخرة قد تشعر بالغيرة "


عاد الطَّرْق على الباب ، فأنزل يو شولانغ عينيه وهمس بهدوء :

“ هيا ، خذني لألتقي بخطيبتك "


عندما همّ بالتحرّك —- سحبه فان شياو فجأة إلى صدره ، 

وفي ارتجاج الباب من شدّة الاصطدام ، 

قال فان بصوتٍ جادٍ عميق :

“ ليست لي خطيبة ، مهما قالوا ، لا تصدّقهم "


ابتسم يو شولانغ بهدوء ، وقبّل قبلة خفيفة على زاوية شفتيه :

“ حسنًا "



وحين عادا إلى القاعة ، 

كان الراقصون على المسرح — رجالاً ونساءً ومن يصعب 

تحديد جنسهم — قد هدؤوا قليلاً ، فصارت حركاتهم أقلّ 

جرأة وتعابيرهم أكثر تحفظًا


أما الزبائن ، من أصدقاء ومعارف — مقرّبين أو بعيدين — 

فقد تفرّقوا في أركان الحانة ، يحتسون الخمر ويلعبون على 

الطاولات ، لكنّ أنظارهم كانت ، بوعي أو دون وعي ، 

تتسلّل نحو طاولة الضيوف الرئيسية —-


يجلس على الأريكة بعض الوجوه غير المألوفة —-

أول من وقعت عليه عين يو شولانغ كانت فتاة بشعر أسود 

وفستان أبيض ، هادئة الملامح ، 

فاتحة البشرة بعض الشيء ، فيها رقّة ومرض خفيف ، 

' تعطي انطباعاً بأنها فتاة من الجيران ' ،


( تعبير صيني لا يقصدون الجارة حرفيًا ، 

بل القصد إلى نوع معيّن من الجمال والشخصية ، 

فتاة بسيطة ، نقية ، ودودة ، هادئة المظهر ، 

طبيعية وغير متصنّعة ، تعطي إحساسًا بالراحة والقرب ، 

كأنك تعرفها منذ زمن —-)


قال شي ليهوا بصوتٍ فيه حماس مصطنع وارتباك ظاهر ، 

فخفف نبرة صوته عمدًا :

“ يا الأخ الأكبر ، لابد أن شياو أكل شيئًا فاسد … 

و أصابه الإسهال "


شولانغ {  الأخ الأكبر ؟ } حينها وجّه نظره نحو الرجل 

الجالس في المقعد الرئيسي —— 

بدا في السادسة والثلاثين أو السابعة والثلاثين من عمره ، 

ملامحه متزنة صارمة ، 

يكسو وجهه سُمرة خفيفة ، 

وفي تجاويف عينيه وحول شفتيه خطوط عميقة تدلّ على 

طباع جادّة وميل إلى التزمّت والانضباط


لم يتكلم الرجل ، لكن أحد الجالسين إلى جواره نهض من مقعده ، 

وتقدّم بخطوات واثقة نحو فان شياو ، ثم ألقى ذراعه على 

كتفه بمودة متصنعة وقال بلهجة تايلندية حارة لا يفهمها يو شولانغ:

“ يا الأخ الثالث غبت عن البيت سبعة أو ثمانية أشهر ولم تزرنا ! 

بما أنك لا تأتي ، اضطررنا نحن للسفر إليك لنحتفل بعيد ميلادك !”


لم يفهم يو شولانغ المعنى ، لكنّه رأى فان شياو يبتسم 

ابتسامة خفيفة ، 

يرتدي قناعه الاجتماعي المعتاد ، ورد باحترام بلغة الماندرين :

“ الأخ الأكبر ، الأخ الثاني ، لو أخبرتماني مسبقًا ، لكنتُ 

ذهبتُ بنفسي إلى المطار لاستقبالكما ”


ولما سمعه يستخدم الصينية ، ربّت الرجل الملقّب بـ ' الأخ 

الثاني ' على كتفه ضاحكًا ، 

وبدّل لغته إلى الماندرين أيضًا قائلاً :

“ أردنا أن نفاجئك ، لذا اتصلنا بالعم شو ليساعدنا في التنسيق "


تدخّل العجوز الوحيد الجالس على الطاولة ، وجهه مفعم 

باللطف والودّ ، وقال بابتسامة عريضة :

“ أنتم الإخوة قد كبرتم ، وما زلتم تمزحون بهذه الطريقة ، 

رؤية هذه المودّة بينكم تسعدني حقًّا ، 

بل وتُسعد الرئيس العجوز في قبره ”


كان يو شولانغ يعرف هذا العجوز ، فهو نائب الرئيس في 

شركة فان شياو ، 

والرجل الذي ينافسه بشراسة على النفوذ داخلها ،


أزاح العجوز جسده قليلًا ليُظهر الفتاة الجالسة إلى جواره ، 

وقال مبتسمًا :

“ شياو شياو ، اليوم عيد ميلادك ، وتينغ تينغ — رغم أنها 

خرجت من المستشفى لتوّها — أصرت على أن تأتي 

لتحتفل معك ، 

لقد اختارت هديتك بعناية كبيرة ”



توجّهت الأنظار جميعها نحو الفتاة ، حتى يو شولانغ نظر إليها


الفتاة احمرّت خجلاً ، وجهها الشاحب اكتسب لون وردي وقالت بصوت خافت متردد :

“ الأخ شياو ، هذه هديتي لك في عيد ميلادك "


العلبة المزخرفة في يديها تتلألأ تحت الضوء ، 

لكن فان شياو لم يلقِي عليها نظرةً واحدة ، 

واكتفى بقول بارد مختصر :

“ أرهقتِ نفسكِ "


وبمجرد أن رفع فان عينيه قليلاً ، تقدّم مساعده الأصلع — 

الذي ظلّ صامتًا حتى الآن — بخطوات سريعة وأخذ الهدية 

من يدي الفتاة باحترام محسوب


تجمّدت الابتسامة على وجه العجوز شو —-

وظهر الارتباك على ملامح الفتاة ، 

فقال محاولًا استعادة الجوّ اللطيف :

“ شياو شياو ألن تفتح هدية تينغ تينغ لترى ما اختارته لك؟ 

لقد بذلت جهدًا كبيرًا في اختيارها "


جلس فان شياو إلى الطاولة وهو يسحب يو شولانغ ليجلس بجواره ، 

ولعب قليلًا بالساعة التي في معصمه ثم رفع وجهه 

بابتسامة مهذبة واعتذار شكلي :

“ الهدايا كثيرة يا عم شو 

سأراها واحدةً تلو الأخرى لاحقًا ”


كانت ابتسامته لطيفة ، لكنها حملت في طياتها برودًا لاذعًا ، 

وكلماته — رغم نغمتها الهادئة — لم تخلُو من قسوة واضحة


أراد شي ليهوا أن يتدخل ليُلطّف الجوّ ، لكنّ نظرةً صارمة 

من أحد الجالسين كانت كفيلةً بإخراسه على الفور


الرجل الجالس في المقعد الرئيسي رفع كأسه ، 

وعيناه لا تحملان أدنى دفء ، 

وصوته يقطر سخرية وهو يقول:

“ في الواقع جئنا بأمر من والدي لنتفقد استثماراتك ، 

ونرى إن كنت قد خسرت كل شيء لدرجة أنك لا تستطيع 

حتى شراء تذكرة طائرة "


لم ينظر إلى فان شياو حتى ، مُظهراً ازدراءً تاماً ، 

وأدى تعليقه الوحيد إلى تبريد الأجواء في القاعة ——


نظر شولانغ إلى فان بطرف عينه ، فرأى وجهه ساكنًا لا أثر 

عليه للانفعال ، فخفض بصره وأخرج سيجارة ، 

يداعبها بين أصابعه دون أن يشعلها


ضحك الأخ الثاني في العائلة محاولًا كسر التوتر ، وقال مازحًا :

“ لا تصدّق أخاك الأكبر ، الأب فقط أرادنا أن نأتي ونرى كيف حالك ،

إن واجهتَ مشاكل في استثماراتك ، سنساعدك بما نقدر ، 

طبعًا أنا لا أفقه في المال ، لكن لو احتجتني لأساعدك في 

مغازلة فتاة ، فهذا يمكنني فعله !”


وبينما فان شياو يصبّ الشراب ليو شولانغ ، لمعت في 

عيون الأخ الثاني نظرة فضول دقيقة ، 

فمال نحوه وسأل:

“ وهذا من يكون ؟”


ارتجف قلب شي ليهوا —— خشية أن يفضح يو شولانغ ما لا 

ينبغي ذكره ، 

ففتح فمه سريعًا ليصرف الحديث ، لكن فان شياو سبقه ، 

وقطع الطريق بكلمة هادئة


قال بنبرة باردة متزنة ، وهو يرفع رأسه قليلًا :

“ لم أقدّم لك بعد يا المدير يو ، هذا أخي الأكبر ، فان بو 

وهذا أخي الثاني ، فان يو 

أما هذا فالسيد شو ، نائب الرئيس العام الذي تعرفه ، 

والفتاة إلى جواره هي ابنته ، شو تينغ "



ثم التفت نحو يو شولانغ ، وهذه المرة بدا صوته أكثر احترامًا ووضوحًا :

“ وهذا يو شولانغ مدير مكتب شركة بوهـاي للأدوية ،

نحن نعمل سويًّا على تطوير دواء جديد سيُطرح في الأسواق قريبًا .”


ردّ الأخ الثاني بابتسامة مجاملة باهتة لـ شولانغ ، 

أما الأخ الأكبر فلم يلقِي حتى نظرة في اتجاه يو شولانغ ،

و قاطع الحديث بلا تردّد ، وقال بحدة واضحة :

“ فان شياو ابنة السيد شو هي خطيبتك ، وأنت تعاملها 

بهذه البرودة ؟ 

أهذا جزاء مشاعر والدنا القديمة ومودة السيد شو التي 

امتدت لسنين ؟!”


أول من صُدم هو شي ليهوا — الذي بدأ يحرّك قدميه قلقًا ، 

يخشى أن يتدخل يو شولانغ من الغيرة 

أو يبوح بما بينه وبين فان شياو


فكل من على هذه الطاولة — ذئاب تبتسم بأسنان بيضاء — 

إن وجدوا نقطة ضعف في فان شياو ، لن يتركوا منه سوى العظام


لكن الرجل الذي كان من المفترض أن يكون مصدومًا أو 

غاضبًا لم يهتم ، 

بل رفع كأسه بهدوء وشرب رشفة صغيرة ، ثابت اليد ، 

لم يضطرب فيها حتى سطح الشراب ،———-


أدار فان شياو نظره عن يو شولانغ وألقى نظرة جانبية نحو 

شقيقه ، ثم ابتسم بخفة باردة وقال:

“ أخي الأكبر لا أفهم ما تعنيه ، 

منذ متى أصبحت تينغ تينغ خطيبتي؟ 

إنها فتاة طاهرة بريئة ، وإن سمعَتك تقول هذا الكلام 

فستبكي حتمًا "


كانت شو تينغ بالفعل على وشك البكاء ، أصابعها تعبث 

بتوتر في طرف فستانها الأبيض ، بينما اسودّ وجه العجوز 

الجالس بجانبها ،

تنحنح بخفوت ، في إشارة واضحة للجميع 


أصدر فان يو (الأخ الثاني) صوتًا ساخرًا وهو يقول مذكِّرًا:

“ ألا تتذكر يا الأخ الثالث ؟ قبل عودتك من الخارج ، قال 

الأب إنه ما إن تتعافى تينغ تينغ حتى يُعلَن خِطبتكما "


نظر الأخ الأكبر بنظرة حادة كالسيف ، 

وقال ببرودٍ لا يقل قسوة :

“ ألستَ أنت من وافق على هذا الزواج أصلًا كي يُسمح لك 

بالعودة إلى البلاد ؟”


توتر الجو فجأة ، 


وكأن شرارة واحدة كفيلة بإشعال النار في المكان


ابتلع شي ليهوا ريقه بصوت مسموع ، ثم قال بسرعة 

محاولًا إنقاذ الموقف :

“ أوه مدير يو ما رأيك نذهب هناك لنلعب بعض الورق ؟”


كان من الطبيعي أن ينسحب الغريب حين يبدأون العائلة 

بنقاش شؤونهم الخاصة ، 

لكن فان شياو لم يتحرك ، بل ظلّ جالسًا ، حاجزًا الطريق ،

وهكذا بقي يو شولانغ في زاويته ، لا مفرّ له من الجلوس في 

مواجهة العاصفة


قلب عود ثقاب بين أصابعه ببرودٍ متناهٍ ، 

ثم قال بابتسامة هادئة لا تخلو من التهكم ، 

يردّ على استفزاز فان بو وأخيه الثاني :

“ كل ما أذكره هو أن والدي قال ذات مرة ، إن استطعتُ 

التفاهم مع الآنسة شو تينغ ، يمكننا التفكير في خطوبة مستقبلية ، 

كانت مجرد دردشة وقت الشاي ، لا أكثر ولا أقل ، 

حتى إني نسيتها ، 

لكن يبدو أن أخويَّ العزيزين يتذكرانها بدقة مدهشة ”


ضحك الأخ الثاني بمرح ساخر ، 

وهو يضع ساقًا على أخرى :

“ أما أنا فكل ما يتعلّق بالحب والغرام أحفظه جيدًا ، 

على عكس أخي الأكبر الذي لا يذكر إلا العمل والواجب "


أما الأخ الأكبر —- وقد ذُكر اسمه ، فاشتدّ وجهه صرامة ، 

ونطق كل كلمة وكأنها تضرب الحديد :

“ فان شياو أنت تعلم جيدًا ما الذي قصده الأب ،

هل تظاهرُك بالجهل سيسمح لك بالتأخير  ؟  

إلى متى ستظل تتهرّب ؟”


فان شياو ارتسمت على شفتيه ابتسامة باردة ، 

وردّ بصوت واهن السخرية :

“ ومن قال إني أريد التهرّب ؟ 

إذا كنت لا ترغب في التأخير ، فخذ زمام الأمور بنفسك أخي الأكبر 

ألم تتقدم زوجتك بطلب الطلاق بالفعل ؟ 

لا يوجد أي عائق الآن "


كلانغ ——


صريرٌ حادّ تبعه صوت تحطّم 


ارتطم كأس النبيذ بالبار الرخامي ——


فتناثرت قطرات الشراب الحارق في الهواء ، 

تعبق برائحة الكحول اللاذعة


الجميع يعلم أن نقطة ضعف الأخ الأكبر الذي لا يُمسّ هو زوجته الهاربة ، 

ولم يكن أحد يتوقّع أن فان شياو ، المعروف بحذره ودهائه ، 

سيجرؤ على لمس هذا الوتر تحديدًا ——


وبينما شي ليهوا والأخ الثاني يحاولان تهدئة الموقف ، 

كانت شو تينغ قد غادرت وهي تبكي بحرقة ، 

والعجوز شو غادر خلفها غاضبًا ، يرمي كلماته الأخيرة بحدّة جارحة :

“ ابنتي شو تينغ ليست دمية بيد عائلة فان يعبثون بها كما يشاؤون !”


….



الأخ الثاني ' فان يو ' : “ ذلك العجوز شو تشونغ واضح تمامًا 

أنه يريد أن يتخذ من ابنته المريضة وسيلة لتمهيد 

طريقه ….” تحدث وهو يتكئ على الأريكة بلهجة مستهزئة: 

“ أخي الثالث ، شو تشونغ بارع في إثارة المشاكل مع أبي

ولا تستبعد أن يختلق لك تهمة من العدم ،

ما رأيك أن تخطب شو تينغ مؤقتًا لتهدئة الأب ؟ 

أما بالنسبة للمستقبل ، فيمكنك دائمًا توجيه الأمور كما 

تريد ، خذ وقتك في اتخاذ القرار ”


بعد أن انتهى من نصيحته لفان شياو ، التفت إلى الأخ الأكبر 

محاولًا التهدئة :

“ أخي الأكبر ، الأخ الثالث ما زال صغير ، لعل لسانه سبق نيّته ، 

لم يقصد أن يستفزك بذكر أمر طلاق زوجتك ،

اليوم عيد ميلاده ، فلنعفُو عنه هذه المرة ، 

ما رأيك أن نشرب معه بضع كؤوس ؟”


ازدادت نظرات الأخ الأكبر حِدّةً وقتامة ، 

ظل صامتًا لحظة ثم أجاب ببرود:

“ حسنًا "

أضاف وهو يلتقط كأسه: “بما أننا سنشرب مع الأخ الثالث ، 

فلنستبدل الكؤوس الصغيرة بأخرى كبيرة "





جلس فان شياو ويو شولانغ متكئين على جانب السيارة ، 

والهواء من حولهما مشبع برائحة الخمر الثقيلة


مدّ يو شولانغ يده إلى عنقه ، فكّ زِرًا من قميصه وأغمض عينيه قائلًا :

“ أخوك الأكبر يستطيع أن يشرب بحر لا ساحل له ! 

أهو تناسخ لبرميل خمر ؟”


ضحك فان شياو وهو يُميل رأسه على مقعد السيارة ، 

فبدت ابتسامته متكاسلة ساخرة :

“ يبدو أن المدير يو قد سكر فعلًا ، صار يُلقي النكات السخيفة "


مال برأسه على كتف يو شولانغ — تنفّس قربه نَفَسًا مثقلًا 

برائحة الخمر ، وقال بنبرة ماكرة :

“ مدير يو ما هي علاقتنا بالضبط؟ 

لتجازف بحياتك وتشرب عني ؟”


كانت هذه الجملة نفس الجملة التي قالها الأخ الأكبر ، 

لكنها خرجت منه حينها بصوت فظٍّ جاف :

“ ومن تكون أنت ؟ بأي حق تشرب نيابةً عن فان شياو ؟”


 فان شياو معروف بقدرة عالية على الشرب ، 

نادر رآه يو شولانغ مخمور ، وإن شرب ، فغالبًا ليتظاهر

بالسكر ، ذريعة لإطالة المتعة في الجنس معه ،


لكن هذه المرّة كانت مختلفة


بعد أن شرب زجاجتين من الخمر القوي ، قلّ كلام فان شياو 

حتى أوشك أن يصمت ، 

وبهت لونه شيئًا فشيئًا ، 

أدرك يو شولانغ أن فان يبذل جهدًا وصراع قوي ليبدو متماسك ، 

وأن كل كلمة تخرج من فمه تمرّ بثلاث دوائر من الصبر حتى 

يضبط نبرته ،


و حين امتلأ الكأس مجددًا بالخمر البني ، 

مدّ يو شولانغ يده أولًا ، أمسك بالكأس وابتسم قائلًا :

“ دعني أشرب هذه عن السيد فان "


و توجهّت النظرات نحوه مثبتة عليه ، 

فان شياو والأخ الأكبر عبَسا في الوقت نفسه ——


“ من تكون أنت ؟ وبأيّ حق تشرب بدلًا عن فان شياو ؟”


كان كلام الأخ الأكبر أسرع من لسان أخيه المخمور


ورغم النظرات المتعالية والاستخفاف الصريح ، ظل يو 

شولانغ جالسًا بثباتٍ وهدوء ، 

مبتسمًا بتلك الابتسامة الرصينة التي لا تزيد ولا تنقص :

“ السيد فان لديه غدًا اجتماع مهم معنا ، 

ومن غير الملائم أن يُفرط في الشرب الليلة ،

ومن أجل أن يبدأ مشروعنا بأقصى سرعة ويحقق أفضل 

النتائج ، سأشرب عنه بقية الكؤوس ، 

ولْيكن هذا أيضًا بمثابة ترحيب بعودة السيدين إلى الوطن ”


كانت كلماته محكمةً بلا ثغرة ، حتى أن الأخ الثاني ، 

المعروف بلسانه السريع وقدرته على الجدال ، 

لم يجد ما يردّ به  ،


أما الأخ الأكبر —- ، الذي بدأ الخمر يدور في رأسه ، 

حزنه الداخلي يتأجج ، و الآن يرغب فقط في إغراق مشاكله 

في الشراب ،

ولم يعد يهتمّ لمن تُسكب الكؤوس ،


لكن فان شياو لم يرضَى بالأمر ، 

ومدّ يده ليستردّ الكأس ، لكنه شعر بحرارة تلتصق بفخذه 

من الجانب ، 

ثم لمح نظرة خفيفة من يو شولانغ ــ نظرة لا تحتمل رفض


تردّد لحظة ، ثم سحب يده بصمت


تابع يو شولانغ الشرب مع الأخ الأكبر حتى أنهى معه 

زجاجتين كاملتين من الخمر القوي أيضاً 



وأخيرًا ، سقط هذا الرجل الذي لا يُسكَر بسهولة في دوامة الخدر ، 

فاضطر مساعده ومعه الأخ الثاني ، الذي ظلّ يراقب 

المشهد مبتسمًا ، إلى مساندته ومغادرة المكان 


وحين اختفت ظلالهم عن الأنظار ، ارتخى ظهر فان شياو ويو 

شولانغ في مقعديهما كمن فقد آخر ذرة من القوة


و الآن في المواقف السفلية ، 

ينتظران السائق البديل منهكين تمامًا ومترنحين —-


قال يو شولانغ والسيجارة بين أصابعه ، بصوت مبحوح وهادئ :

“ أخوك الأكبر يكرهك ، لكن كراهية أخيك الثاني أعمق وأخبث "


ضحك فان شياو قليلًا ، ثم نهض من على كتفه ، 

مدّ عنقه وقبّله قبلة ثقيلة عند عنقه وهو يقول بنبرة ساخرة :

“ اكتشفت هذا بنفسك ؟ المدير يو بارع كعادته "


عاد يسند رأسه إلى عنق يو شولانغ مستسلمًا ، 

وقال بصوت متعب خافت :

“ أخي الأكبر يكرهني علنًا ، أما فان يو فيكرهني في كل زاويةٍ 

مظلمة لا يصلها الضوء "

ثم رفع يده نحو الهواء ، قبضها ببطء كما لو أنه يختبر شيئ 

خفي ، وتابع :

“ تمامًا كـ يد خفيّة في الظلام … 

لا أدري متى ستخرج لتسحبني إلى الهاوية ،،،


أنا في الحقيقة أحسد أخي الأكبر فهو من ذلك النوع من 

الناس ، أصحاب الطباع الصريحة ، 

يُظهرون الحب والكره بصراحة ، والعواطف كلها توضح 

على وجوههم ، ليسوا مثلنا .”


: “ مثلنا ؟” توقّفت يد يو شولانغ التي تهمّ بإشعال السيجارة


“ نعم ….” ابتسامة فان شياو كانت حزينة : “ أنا وأخي 

الثاني من النوع نفسه ، 

نخفي ما في قلوبنا عميقًا ، كلّ شيء عندنا مزيّف "


: “ ومعي أيضًا ؟ مزيّف ؟”


تصاعد الدخان اللاذع ببطء ، 

يحوط كلمات يو شولانغ كشبكة غائمة ،


اعتدل فان شياو في جلسته ، ونظر إليه


نظرة يو شولانغ كانت هادئة وبعيدة ، 

تخفيه طبقة من الضباب ، 

لكنها غامضة وعميقة كبحيرة لا يُرى قاعها ،


وفي سُكْرِ الخمر الذي ملأ جسده ، شعر فان شياو أنه يمكنه 

أن ينطق أخيرًا بكلمات المخمورين ،، 

فمال نحو يو شولانغ ليقبّله :

“ معك… كل شيء حقيقي ،،

حبي لك أصدق من أن يُقال "


لكن شفتيه لم تلمساه —- شولانغ تفاداه بخفة ودفعه قليلًا 

قائلاً بصوت خافت جداً متوتر :

“ يوجد أحد "


لم يكد ينهي كلمته حتى انفتح باب الطوارئ القريب بعنفٍ شديد ، 

وارتطم بالجدار مُصدِرًا دوّيًا هائلًا ، 

تلاه صراخ فاحش يشقّ سكون الموقف ، 

أقرب إلى صياح خنزير يُذبح 


“ تشاااااانغ تشششششي ! 

اللعنة على أمك ! 

أنزل جدك حالًا ! 

لو لمست مؤخرتي مجدداً  سأقتل عائلتك بأكملهم !”


صوت صفعة حاد دوى في أرجاء المكان الفارغ ، 


تلاه صيحات مشتعلة 


: “ اللعنة عليك يا تشانغ تشي ، يا شاذّ يا منحطّ ! 

إن لم أخصِيك الليلة فلن أكون شو باوتيان !”


: “ شو باوتيان؟” تبادل يو شولانغ وفان شياو النظرات ، 

ثم ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتي فان شياو ،


اقتربت الأصوات أكثر فأكثر ، 

حتى صاروا قريبين منهم


وبينما هما جالسين على الأرض بجانب السيارة ، 

شاهدا شو باوتيان مرفوع على كتف رجل طويل قويّ البنية ، 

يتخبّط ويصرخ وهو يُحمَل مثل جرذ مذعور ،


قال شو باوتيان بصوتٍ باكٍ متوسّل : “ سأناديك أبي… 

أو حتى جدي ، ألا يكفي هذا ؟!

تشانغ تشي أرجوك أطلق سراحي ، 

أعطني فرصة للتعويض ! 

الحكومة نفسها لا تقتل الناس من أول مرة ، 

تعلّم من الحكومة يا أخي !”


: “ الحكومة لا تنفع مع أمثالك ، سأكون أنا معلمك ~ 

أنصحك أن توفّر صوتك ، و كلمة أبي احتفظ بها لوقت السرير "


هذا أول ما نطق به الرجل القوي الذي ظلّ صامتًا طوال 

الوقت ، صوته الهادئ أقسى من أي تهديد


: “ فان شياو !”


كان شو باوتيان مقلوب الرأس على كتف الرجل ، 

يهتزّ يميناً ويساراً ، وفجأة لمح بين السيارات رجلين في 

الظلّ ، فصاح بأعلى صوته :

“ يو… يو ماذا ؟ يو المدير !

أنقذاني !!”


صرخ وهو يتلوّى كالسمكة المعلقة ، وكأنه رأى المنقذين 

الذين طال انتظارهم


: “ المدير فاااااان ! 

المدير يووووو ! 

أنقذوووووني ! 

هذا المجنون يريد أن يسرق كليتي !!!!”


الرجل الذي كان يحمله توقّف ، ومال برأسه قليلًا ينظر إلى 

الاثنين الجالسين على السيارة 

نظراته لم تحمل عدوانًا ، بل هادئة وصافية على نحوٍ غريب



بصوتٍ خافت لا يسمعه سواهما ، همس يو شولانغ :

“ هل نُنقذه ؟”


تراخى فان شياو في جلسته ، واتكأ بكسل على السيارة :

“ أنا سكران ~ "


ابتسم يو شولانغ بخفة ، وقال بنفس النبرة الهادئة :

“ يا للمصادفة ، وأنا أيضًا سكران ~ "


: “ فان شياو ! أنا جئت لأحتفل بعيد ميلادك ! 

يجب أن تنقذني !” 


كان شو باوتيان يصيح بهستيريا ، 

صوته يخترق سكون المواقف ،


“ المدير يوووو ! المرة الماضية أنقذت تلك الفتاة ، فلماذا 

لا تنقذني الآن ؟!  

فان شياو… أيها الرجل المسمّى يو… النجدة !”


ثم تتابعت الأصوات — خطوات ثقيلة ، وصراخ حادّ يشبه 

نحيب الخنازير — وأُغلقت الأبواب بعنفٍ مدوٍّ ——-

وبعدها ، خيّم الصمت التامّ على المواقف ….


يتبع



ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه 

ودّي اعلّق ع اشياء كثير 😂😭 


فصل طويل بس ممتع 😗❤️‍🔥❤️‍🔥❤️‍🔥

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي