Ch1 BFIHTE
اليوم ، تم سحب لين تشي من قِبل صديق له ليغطي نوبة عمل —-
كان الصديق قد تعرّف عليه في مواقع تصوير ، واتصل به
متوسلًا طلب مساعدة طارئة لتغطية نوبة مدتها ساعتان في حانة
: “ ماذا تفعل الآن؟”
كان لين تشي ما يزال ممددًا على السرير حين تلقى المكالمة
لقد أنهى جلسة تصوير بالأمس ، أمضى فيها نصف اليوم
تحت الرياح فوق مبنى مهجور ، ولحسن حظه ، وبفضل
لياقته الجيدة ، لم يُصب بالزكام
لم يكن ينوي الخروج اليوم
كل ما أراده هو البقاء في المنزل والنوم
: “ حبيبتي ستسافر اليوم في رحلة عمل ، ولا بد أن أودعها .
لن أتأخر ،
تحتاج فقط أن تغطي عني أكثر من ساعة بقليل .”
هكذا قال تان شوو
{ يا إلهي
دفعة كاملة من طعام الكلاب }
لم يستطع لين تشي إلا أن يدحرج عينيه
تكوّر أكثر داخل الغطاء ،
غير راغب في الخروج على الإطلاق ،
وحاول المماطلة قليلًا
: “ ألم تجد أي شخص آخر؟”
: “ لا. الصديقان الموسيقيان الآخران مشغولان ، وصاحبة
الحانة تملك معايير عالية للمظهر ، لا توظف إلا الوسيمين .
بل رأت في المقابلة أنني لست وسيمًا بما يكفي حتى .”
وعند هذه النقطة ، كأن تان شوو نبش ذكريات حزينة ،
ولمس وجهه بشيء من الشك
كتم لين تشي ضحكة
{ حسنًا إذن
تغطية نوبة عمل ليست بالأمر الكبير }
عبث شعره الأشعث ، ونهض من السرير على مضض
: “ تذكر أن تعزمني على وجبة ليلية "
ضحك الطرف الآخر ووافق بحماس ، ولم ينسَى أن يمدحه
: “ كنت أعلم أن أخانا لين هو الأكثر اعتمادًا عليه "
: “ انقلع " تثاءب لين تشي ، ووقف حافي القدمين على الأرض
الستائر مسدلة ، لذا لم تكن الغرفة مضيئة كثيرًا ، لكن
الأثاث كان واضح :
ورق جدران بسيط ، مقعد منخفض مائل إلى جانب ،
وبضع قطع ملابس معلّقة بإهمال على أريكة وحيدة
انحنى وأخرج قميصًا نظيفًا من الخزانة
كان عمله الأساسي عارض أزياء ، لذا امتلك جسدًا متناسقًا على نحو لافت
طوله 184 سم، وعضلاته ليست مبالغ فيها كعضلات
أصحاب الصالات الرياضية ، بل رفيعة وناعمة بخطوط جميلة
خصره نحيل بشكل خاص ، وبالقرب من خط الخصر غمّازتان خفيفتان
زرّ بعض أزرار القميص على صدره بلا مبالاة ، أنعش نفسه
قليلًا ، ثم مرر يده في شعره أمام المرآة
في أذنه اليسرى يتدلّى قرط ذهبي ، نهايته مدببة ، تتوسطه
قطعة من حجر السبج الأسود ،
مما جعل بشرته تبدو صافية وفاتحة على نحو لافت
{ أنا وسيم جدًا ~ }
أطلق لين تشي صفيرًا نحو المرآة ، التقط مفاتيح دراجته النارية ، وخرج
وسيلة تنقله كانت دراجة نارية صغيرة مستعملة ، رافقته في السراء والضراء
بدت قديمة بعض الشيء ، لكنها دائمًا قادرة على شق الزحام
وأثناء انتظاره عند إشارة المرور الحمراء ، تفقد العنوان الذي
أرسله له تان شوو مرة أخرى
شارع وانهوا ، رقم 182
فكر لين تشي قليلًا ، وتذكر أنه بار صغير قرب البحر ، مكان
كان قد زاره أحيانًا من قبل
بعد أكثر من ساعة ، وصل في الموعد إلى الحانة الصغيرة
التي تستعد للافتتاح
لم يكن هناك الكثير من الزبائن بعد
النوافذ مفتوحة ، ومن الداخل يمكن رؤية غروب الشمس على الشاطئ
المشهد كان هادئًا على نحو مثالي
…
في هذه الأثناء ،
تلقى لي تينغيان مكالمة من شو مو — بينما كان جالسًا في سيارته
الغروب قد حلّ في الخارج ، والضوء البرتقالي المائل إلى
الأحمر ينسكب على سطح البحر المتلألئ ،
كأن طلاءً قد سُكب ، فذاب في المحيط ورسم لوحة مهيبة واسعة
كان يسمع شو مو يتحدث عن زفاف الغد وحفلة تلك
الليلة ، وابتسامة خفيفة ترتسم على وجهه دون وعي
شو مو : “ حقًا لا يمكنك المجيء الليلة ؟”
فكّ لي تينغيان زرّ ياقة قميصه ، شعر بأن الجو داخل
السيارة خانق وثقيل ، وربما كان ذلك بسبب النوافذ المغلقة
: “ آسف ، أنا مشغول جدًا اليوم . عليّ أن أغادر المدينة
الليلة ولن أتمكن من العودة .
لا يسعني سوى تهنئتك بزفافك غدًا .”
حاول لي تينغيان أن يحافظ على نبرة صوته طبيعية، بل
وأضاف شيئًا من الضحك :
“ سأعوّضك بأفخم هدية زفاف "
: “ ومن قال إنني أريدها ؟” ضحك شو مو بخفة ، لكنه كان
يعرف مدى انشغال لي تينغيان، فلم يُلحّ عليه
كان شو مو دائمًا طيب المزاج
: “ إذًا احرص على أن تكون في الموعد غدًا ،
وإن كان معك مرافق ، فاحضره ،
لا أمانع أن يسرق الآخرون الأضواء في زفافي ، كلما زاد الثنائيات كان أفضل ،
وإن لم تجد أحدًا فعلًا ، فلا مانع لديّ أن أرتّب لك تعارفًا في المكان .”
هذه المرة ، لم يستطع لي تينغيان حتى أن يرسم ابتسامة ،
ومرّ أثر من الإرهاق على جبينه
ظل صوته هادئًا :
“ شكرًا على حسن نيتك ، لكنني سأعتذر ،
أنت تعلم أنني لست من محبي الحياة العائلية مثلك .”
تنهد شو مو :
“ أنت فعلًا صعب المراس . من بين جميع أصدقائنا
لم يبقَى أعزبًا سواك وسوى يونزي .”
لكنه ابتسم ، ولم يقل المزيد ، اكتفى ببعض الأحاديث
الخفيفة ثم أنهى المكالمة
بصفته العريس الذي سيتزوج غدًا ، كانت لديه أمور كثيرة يتولى ترتيبها ،
الليلة حفلة وداع العزوبية ، ومعظم أصدقائه سيحضرون ،
وعلى الجانب الآخر من الفندق ، كانت العروس تفتح
زجاجات الشمبانيا مع وصيفاتها
كان يومًا جميلًا
وكان ينبغي أن يكون كذلك لكل من سيحضر الحفلة
باستثناء لي تينغيان —-
فمشاهدة الشخص الذي تحبه وهو يتزوج ، أمر مؤلم لأي إنسان
لكنّه الآن ، جالس في المقعد الخلفي لسيارة على الطريق
الساحلي الواسع، ينظر إلى الغروب خارج النافذة، وملامحه
خالية من أي تعبير
ساد الصمت داخل السيارة
السائق ، الذي رافق لي تينغيان سنوات طويلة ، كان يعرف
أنه حين يصمت سيده ، فهذا يعني أنه لا يرغب في الإزعاج
لذا ركّز على القيادة ، متجنبًا النظر في المرآة الخلفية
غالبًا هذا النوع من الهدوء يمنح لي تينغيان شعورًا نادرًا بالاسترخاء
لكن اليوم ، أنزل نافذة السيارة ببطء ، فهبّت نسيم البحر المالح قليلًا على وجهه ،
وكل دفعة منها كانت حادة كالسيف
: “ توقف هناك في الأمام "
تجمّد السائق للحظة ، ونظر إلى الجانب
كانوا قرب الشاطئ ، ويوجد طريق صغير يؤدي إلى درج حجري
فسارع إلى التوقف
بقي لي تينغيان في السيارة نصف دقيقة أخرى ،
ثم فتح الباب وشق طريقه إلى الخارج
الطريق المحاذي للبحر شبه خالٍ الآن ، لكن الشاطئ لا يزال
يعج بالشبان والشابات الذين يتنزهون ، وأطفال يركضون هنا وهناك
: “ أوقف السيارة في الموقف . لن أعود الليلة .
سأخبرك غدًا "
أومأ السائق موافقًا
نزل لي تينغيان الدرج الحجري
بدلته السوداء غير منسجمة مع أجواء الشاطئ المسترخية،
لكنه لم ينوي النزول إلى الرمال أصلًا ،
سار قليلًا ، فوقع نظره على حانة صغيرة
لم تكن الحانة لافتة للنظر ، سوى بموقعها القريب من البحر
اللافتة فوق الباب ، بحروفها المكتوبة يدويًا بشكل مائل ،
ومع بضع مصابيح تومض وتخفت ، لم تكن مضيئة حتى عند الغسق
لكن بالنسبة إلى لي تينغيان، كانت مناسبة تمامًا
حانة بعيدة عن حياته المعتادة ، مليئة بالغرباء ، بجوار
البحر ، تحت سماء الليل ،
بإضاءة خافتة لا تُرى فيها الوجوه بوضوح
مكان كهذا كان مثالي لحالته القاحلة في هذه اللحظة
…
عندما دخل لي تينغيان، كان لين تشي في استراحة قصيرة
لقد انتهى لتوه من كوكتيل قدمته له صاحبة الحانة ، بطعم
خفيف من الخوخ ، وكان جالسًا قرفصاء عند حافة المسرح،
يبتسم وهو يجيب عن بعض الأسئلة
وحين رفع رأسه ، رأى لي تينغيان
رجل طويل يرتدي الأسود ، بنسب جسدية مثالية ، كتفان عريضان ، وساقان طويلة
معصماه الظاهران عند أطراف الأكمام يوحيان بقوة كامنة تحت الملابس
لم يكن لدى لين تشي تفضيل خاص لجمال الرجال ؛
أن يكون الشخص حسن المظهر كان كافيًا ،
وهو الذي اعتاد مواقع التصوير وعروض الأزياء ، كان يفترض
أن يكون محصنًا ضد الوسامة
لكن في اللحظة التي وقعت فيها عيناه على لي تينغيان،
خفق قلبه فجأة
لم يكن هناك سبب معقد
وسامة لي تينغيان كانت طاغية فحسب
حتى في الحانة ذات الإضاءة الخافتة ، ومع ضباب رقيق يملأ
المكان ، بدا وكأن كل الضوء قد تجمّع حول لي تينغيان في تلك اللحظة
كان واضحًا أن هناك من يرغب في التقرّب منه ،
لكنه بدا متحفظًا وباردًا إلى حد يصدّ أي محاولة ،
توجّه مباشرة إلى طاولة البار وطلب مشروب
وعندما خفّض نظره ، تمكن لين تشي من رؤية وجهه
بوضوح—وسيم، نبيل، ملامحه كأنها منحوتة بيد نحات
أما عيناه فكانت الأخطر ، برموش كثيفة كظلال الأشجار حول بحيرة ، باردة… لكنها جذابة
رأى لين تشي نظرة لي تينغيان تمر على المسرح لثانية واحدة
حتى وهو يعلم أن هذا الرجل لا ينظر إليه ، ظل قلبه يخفق بعنف
: “ هذا غير عادل حقًا " تمتم لين تشي ، وكأن الضربة أصابت قلبه مباشرة
أنهى فترة الاستراحة وبدأ في غناء الأغنية التالية ، لكن نظره
لم يستطع الابتعاد عن لي تينغيان
حتى صوته اختل قليلًا ، فخرجت الأغنية الرومانسية التي
يغنيها أكثر خشونة مما ينبغي
ظلت عيناه معلقتين بطاولة البار ، يتمنى لو يستطيع القفز
من على المسرح الآن وبدء حديث معه
لكن للأسف ، كان لا يزال أمامه أكثر من نصف ساعة من العمل ، ولا يمكنه المغادرة مبكرًا
لم يكن أمام لين تشي سوى الغناء مع التأوه في داخله ،
يحدق بين الحين والآخر نحو البار ،
ينظر مرة ، ثم مرة أخرى ، خوفًا من أن يختفي الرجل الذي
يوافق ذوقه تمامًا في غمضة عين
…
وبعد أكثر من نصف ساعة من الصبر ، أخيرًا وصل تان شوو
ليتولى مكانه
كان تان شوو وفيًا بوعده ، إذ هرع مباشرة بعد أن ودّع حبيبته
: “ شكرًا يا رجل " ربت تان شوو على كتف لين تشي :
“ سأعزمك على العشاء الليلي بعد أن أنتهي ،
انتظر هنا قليلًا ،
إن أردت أي مشروب ، سجله على حسابي
لدينا خصم للموظفين .”
لكن لين تشي كان شارد الذهن، يكتفي بالإيماء
لوّح لتان شوو قائلًا: “ تمام، اذهب . أنا بخير وحدي .”
توقف قليلًا، ثم أضاف على نحو غامض:
“ قد أغادر قبل العشاء ، فلنؤجل ذلك .”
تردد تان شوو :
“ لماذا ؟ ألم نتفق ؟”
وقبل أن ينهي تان شوو حديثه ، دفعه لين تشي نحو
المسرح ، ممسكًا بكتفه
وما إن ابتعد تان شوو ، حتى بدا وكأن الضجيج المتواصل
من حوله خفت فجأة
مدّ لين تشي عضلاته قليلًا ، ولا يزال بصره معلقًا بتلك
الهيئة القريبة من طاولة البار
حين كان على المسرح قبل قليل ، كان قد جذب انتباه كثير من الزبائن
وما إن نزل، حتى بادره أحدهم بدعوته إلى طاولته
في العادة ، حتى لو لم يوافق ، كان يرد بابتسامة ماكرة ،
بعينين لامعتين ، كفيلتين بجعل الطرف الآخر يخجل ويتلعثم
لكن اليوم، لم يكن لديه مزاج لذلك
توجه لين تشي إلى طاولة البار ، سحب الكرسي المجاور للي تينغيان، وتحدث بصوت خافت ،
لكنه واضح بما يكفي ليُسمع :
“ مرحبًا ، هل يمكنني الجلوس هنا ؟”
أمام لي تينغيان — رأى عدة كؤوس مصطفة بالفعل —
لقد أمضى أكثر من ساعة في هذه الحانة ، يشرب وحده بصمت
شاشة هاتفه مضاءة ، تعرض صورة جماعية كبيرة
مجموعة من الشبان والشابات، متقاربين في العمر،
يجلسون متفرقين على عدة أرائك سوداء تحت إضاءة داخلية ساطعة
على الطاولة زجاجات ، وصوانٍ عليها بقايا طعام
ورغم أن كثيرًا من الزجاجات كانت فارغة ، لم يكن أحد ثملًا بشدة ،
بل كانوا يتحدثون ويضحكون ، أجواء بعيدة تمامًا عن المجون
كان شو مو قد أرسلها إليه للتو ، على الأرجح ليشاركه فرحته
أخذ لي تينغيان نفسًا من سيجارته ، ومع تصاعد الدخان
الخفيف ، بات وجه شو مو المبتسم في الصورة ضبابيًا
وفي هذه اللحظة ، سمع فجأة صوتًا إلى جواره ، يسأله إن
كان يمكن الجلوس
ظن لي تينغيان أن شخصًا آخر جاء ليحاول التقرب منه ،
فلم يستطع إلا أن يعبس بحاجبيه
لكن حين رفع رأسه ورأى وجه من أمامه بوضوح ، أصابه
ذهول خفيف
كان لين تشي واقفًا تحت الضوء ، يبتسم ، ومنحني قليلًا
في الدوائر الاجتماعية ، كان لا يُقهر ، متفتح بلا منازع ، وأول
سلاح لديه… مظهره
بصفته عارض أزياء ، وُهب بطبيعة الحال كتفين عريضين وخصرًا نحيلًا
لم يكن وجهه أقل جاذبية من نجوم الترفيه ، بأنف مرتفع ،
وشفاه نحيلة ، ومحاجر عينين غائرة قليلًا ، وملامح حادة الزوايا
أما عيناه فكانتا آسرتين ، وابتسامته حين تظهر ، تنبض
بحيوية خاصة ، تشع لطفًا طبيعيًا
المصورون الذين عمل معهم يصفونه بكلمة واحدة أكثر من غيرها :
مثير —
إثارة لا تُضاهى
رغبة وغطرسة تنبعان من العظام ذاتها ، قوي ، لا يمكن مقاومته
ارتخت ملامح لي تينغيان
فكر أن شخصًا بهذا القدر من الوسامة ، على الأرجح لا ينوي
مضايقته ، ولا داعي لأن يكون شديد التحسس
لي تينغيان : “ تفضل "
قالها بهدوء —— فالمقاعد في الحانة غير رسمية ، وطلب
الإذن أصلًا كان تصرفًا مهذبًا
جلس لين تشي فورًا ، لكنه لم يفتح حديثًا مع لي تينغيان
مباشرةً ، بل طلب مارتيني
وعندما شرب نصف الكأس ، سأل لي تينغيان:
“ هل أنت سائح جئت للتسلية ؟”
نظر لي تينغيان إليه نظرة عابرة ، لم يجب ، واكتفى بهزّ
رأسه نفيًا بخفة
لم يُحبط لين تشي ،، و هزّ كتفيه:
“ مجرد فضول ، أغلب من يأتون إلى هذه الحانة من الرواد الدائمين ،
أنا نفسي جئت إلى هنا مرات كثيرة ، لكنها المرة الأولى التي أراك فيها ...”
توقف قليلًا ، وأخذ رشفة من مشروبه
السائل البارد بلّل شفتيه ، وانساب في حلقه حتى استقر في
معدته، فتنهد براحة
ثم سأل :
“ تشرب وحدك هنا منذ مدة ،،،
هل انفصلت عن حبيبك ؟”
عندها فقط نظر لي تينغيان إليه مباشرةً
: “ ولماذا تظن ذلك ؟”
كان تعبيره ثابتًا، لا يمكن معرفة إن كانت الكلمات قد مسته أم لا
ابتسم لين تشي بلا مبالاة :
“ الذين يأتون ليشربوا وحدهم هنا ، إما أن الحياة أساءت إليهم ، أو أن قلوبهم مكسورة ….”
حرك نظراته من أعلى إلى أسفل :
“ لكنّك لا تبدو من النوع الأول ،،،
لو كانت هناك ضربة قاسية في حياتك ، لكنت منشغلًا بحلّها ،
وليس بالجلوس في حانة صغيرة كهذه . إذًا لا بد أنه أن قلبك محطم ...”
ابتسم :
“ أليس كذلك ؟”
وبعد سنوات من الغوص في عالم الموضة ، كان لين تشي
قادرًا على الحكم من النظرة الأولى
لي تينغيان على الأرجح ثري —-
بدلته خالية من الشعارات ، لكن قماشها وقصّتها فاخرتان ، وساعته من نوع ريتشارد ميل
شخص كهذا لا يفترض أن يظهر عادة في حانة صغيرة كهذه
صمت لي تينغيان لحظة ، ثم ضحك بخفة :
“ صحيح "
في الحقيقة كان يشرب وحده منذ وقت طويل بسبب انفصال
في البداية ، كان الكحول يخدّر الألم ، لكن مع الوقت ، بدا
وكأنه يتراكم في صدره ، يضغط على قلبه ، يجعل التنفس
صعبًا ، ويحتاج إلى مخرج يبدد به مشاعره المنهارة مؤقتًا
ولذلك ، وعلى غير عادته ، ردّ على لين تشي
رفع نظره إليه ، فرآه وقد أخرج سيجارة من حيث لا يدري ،
ممسكة بين شفتيه دون أن يشعلها ، والفضول ظاهر بوضوح في عينيه
لكن نظرة لين تشي كانت صريحة ، وتحافظ على مسافة
مريحة ، لا تحمل أي تطفل
رفع لين تشي حاجبه ، وأسند ذقنه إلى يده ، وسأل بفضول صريح :
“ رغم أنني خمنت بشكل صحيح ، ما زلت محتارًا
من يملك الجرأة ليتخلى عنك ؟
بهذا الشكل ، ومع ذلك تُرفض ؟”
نظر لي تينغيان إليه
مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن شخص صغير السن ، أو عن
شخص لم يعرف الرفض يومًا
وربما لأن مظهر لين تشي كان كافيًا ليجعله لا يُقهر في عالم العلاقات
لكن الوسامة ليست بطاقة عبور مطلقة
ومع ذلك ، أجابه :
“ لا شيء غريب في الأمر ،،
الشخص الذي أحبه لا يحب الرجال أصلًا ، وهو سيتزوج غدًا
لا علاقة للأمر بشكلي .”
لقد أدرك أن لين تشي ' من هذا النوع '
ومكان كهذا ، حانة بعيدة لا يعرفه فيها أحد ، جعله لا يرى
داعيًا لإخفاء ميوله
تجمّد لين تشي للحظة ، ثم شعر أن الأمر منطقي
{ فمن يستطيع رفض رجل كهذا…
إلا إن كان مستقيمًا كالفولاذ؟
أنا على الأقل ، لا أستطيع }
: “ حسنًا، أفهم ذلك ،،
الوقوع في حب مستقيمين خطأ شائع ...”
قالها وهو يستعيد كلمات لي تينغيان السابقة ، ثم سخر بازدراء :
“ لكن لا تظن أن المستقيمين لا يلتفتون إلى الوجوه الوسيمة
كثير ممن يُسمّون أنفسهم مستقيمين يحبون تحدي
أنفسهم بقليل من الإثارة ، ويختارون دائمًا الأجمل .”
كانت نبرته مشبعة بالاستخفاف والسخرية
تأمل لي تينغيان ملامحه ، وتوقفت نظراته عند عنق لين
تشي الأبيض النحيل ، وعند شفتيه الناعمة ، ثم سأل بنبرة خفيفة:
“ هل سبق أن لاحقك مثل هؤلاء ‘المستقيمين’؟”
عبس لين تشي بحاجبيه ، وتردد لحظة قبل أن يجيب :
“ ليس ملاحقة بالضبط ، لكنني تعرضت لمضايقات من
رجال لديهم حبيبات ، أكثر من مرة
أنا متأكد أنهم ليسوا مثليين فعلًا ، فقط يبحثون عن متعة رخيصة ”
مجرد التفكير في الأمر كان كفيلًا بإثارة اشمئزازه
رغم أنه منفتح ويعيش بخفة ، إلا أنه لا يرغب أبدًا في
التورط بعلاقات الآخرين ، ومعاييره عالية
منذ أن أدرك ميوله ، كان عدد من لفتوا انتباهه يُعدّ على
أصابع اليد الواحدة
ومع ذلك ، لم يمنع ذلك بعض الذباب من التحليق حوله
شعر بالغثيان
فأخرج ولاعة من جيبه وأشعل سيجارة
كليك
انبثقت شرارة برتقالية في الهواء ، انعكست في عينيه الداكنة
وكأنه تذكر أمرًا ما، نظر إلى لي تينغيان بشيء من الشك :
“ الشخص الذي تحبه… ليس واحدًا من هؤلاء الأوغاد ،
أليس كذلك ؟”
كان السؤال جريئًا بعض الشيء ، لكنه مباشر
فكر لي تينغيان
في هذه الحانة الصاخبة ، وفي هذه الليلة التي لم تمنحه أي راحة ،
كان وجود شخص كهذا إلى جانبه أفضل من لا شيء
هزّ رأسه :
“ الشخص الذي أحبه إنسان جيد ،،
زميل دراستي في الثانوية ،
كان دائمًا سهل المعشر منذ أيام المدرسة ،،
كسرتُ ذات مرة رقعة الشطرنج التي يحبها ، ولم يغضب حتى
وفي العلاقات ، هو مخلص .
ظل يلاحق خطيبته الحالية ثلاث سنوات قبل أن يقررا الزواج
من حوله يقولون إنه بلا عيوب ، فقط… بطيء قليلًا .”
رأى لين تشي أنه يبدو شخصًا صالحًا ، لكنه في الوقت نفسه ممل للغاية
لم يقل ذلك بصوت عالٍ
نفض رماد سيجارته ، وتذكر أن لي تينغيان ذكر أن زفاف
ذلك الشخص سيكون غدًا
سأله بصوت خافت :
“ هل ستذهب إلى زفافه غدًا ؟”
توقفت يد لي تينغيان للحظة ، ثم أومأ برفق
“ نعم ...”
بهدوء :
“ هو صديق لي منذ سنوات طويلة . كيف لي ألا أحضر ؟”
فهم لين تشي : “ لا عجب إذًا ،، تشرب بهذا القدر.”
مشاهدة من تحب وهو يبادل الخواتم مع شخص آخر… عذاب حقيقي
حتى شخص مستهتر مثل لين تشي لم يستطع إلا أن يشعر بشيء من التعاطف
لقد أتى في الأصل ليتقرب من لي تينغيان ، وفي ذهنه نزوة عابرة ، لكن في هذه اللحظة ، كبح نواياه
فهو يكره التورط مع أشخاص لا يزال قلبهم معلقًا بغيرهم
كان الألم معديًا ، ومن الواضح أنهما لم يكونا قريبين بما
يكفي ليقدّم أحدهما مواساة حقيقية
ألقى لين تشي نظرة على الكأس الفارغ أمام لي تينغيان،
فرفع يده وأشار إلى الساقي طالبًا مشروبين آخرين ،
وحين وصلا ، دفع أحدهما نحو لي تينغيان
: “ هذه على حسابي ...”
ثم عرّفه بالمشروب :
“ هذا المشروب المميز في هذه الحانة ، اسمه «اذهب إلى الجحيم »
يُقال إن ساقيًا ابتكره وهو يمر بانكسار عاطفي ،
قال يومها أنه يتمنى أن يترك كل بائس يشربه ماضيه خلفه
ويبدأ من جديد .”
ابتسم للي تينغيان
كانت ملامحه حية وجذابة ، وعلى الرغم من الضجيج خلفه ، جلس هنا وكأنه مشهد يمنح الطمأنينة
تابع لين تشي :
“ أتمنى لك بداية جديدة أنت أيضًا "
ثم لامس كأسه بكأسه بخفة
رنّ صوت صافٍ
دينغ
رفع لي تينغيان الكأس إلى شفتيه وأخذ رشفة
بلّل السائل المعطر برائحة الورد شفتيه ، فلعق زاوية فمه
بلا وعي، ولسانه المرن كالأفعى بدا جذابًا على نحو غير مبرر
ضحك بخفة من اسم المشروب
كان الشراب متقنًا ، بلونه الأحمر الذي تطفو فوقه بتلات الورد ، مناسب فعلًا لتوديع الماضي
أمسك بالكأس بهدوء ، وأخذ رشفة أخرى
أصلاً لم يرغب سوى مكان يغرق فيه حزنه ، يفقد السيطرة لهذه الليلة فقط
وبحلول ظهر الغد ، عليه أن يعيد ترتيب نفسه ،
و أن يتقن قناعه من جديد
لكن الآن ، غريب يدعوه إلى الشرب ، ويتمنى له بداية
جديدة… وكان ذلك أفضل بكثير مما توقع
نظر إلى لين تشي ، وقد بدت نظرته ألطف مما كانت عليه حين دخل الحانة ، وهمس :
“ شكرًا على كلماتك الطيبة "
نظر لين تشي إلى لي تينغيان، وقد بدا عليه شيء من الذهول
سواء قالها أم لا، كان لي تينغيان بالفعل على ذوقه
في الأصل كان على وشك المغادرة
وبما أنه تخلّى عن فكرة مغازلته، كان ينبغي أن يرحل بلا تردد
لكنّ لين تشي ألقى نظرة على ساعته
لم تكن سوى التاسعة مساءً ، ولا يزال الوقت بعيدًا عن
موعد نومه ، فغيّر رأيه
وهو يعبث بالولاعة في يده ، نظر إلى لي تينغيان وقال:
“ تصادف أنني بلا رفقة الليلة ، ولقاؤك يمكن اعتباره نوعًا من القدر ،
صحيح أنني لا أستطيع تغيير نتيجة انفصالك ، لكن إن كنت
بحاجة إلى شخص تتحدث معه، فأنا متفرغ
ما رأيك أن نتحدث قليلًا ؟”
رفع لي تينغيان حاجبه ، واستدار لينظر إليه
التقت أعينهما
كان لين تشي يملك وجهًا لم تمسّه الانتكاسات ، شاب ،
وسيم ، متحرر، مثير ، وفي الوقت نفسه يوحي بخطر غير
متوقع… صانع متاعب بالفطرة
في الظروف العادية ، لي تينغيان سيرفض مثل هذه الدعوة بلا تردد
لكن ربما بسبب الإفراط في الشرب ، أو بسبب عبء عاطفي
مكبوت لا يُقال ، يضغط على قلبه ، كئيبًا ورطبًا ،
شعر بأنه بحاجة إلى متنفس
وفي النهاية ، قال للين تشي:
“ حسنًا "
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق