Ch11 الإمبراطور الأسير
ترنّحتُ خطوتين قبل أن أتمكّن من تثبيت قدميّ ،
أسرع الخصيّ الشاب خلفي ليمسك بذرعي —
: “ جلالتك !”
عند سماعي هذا اللقب الذي لم أسمعه منذ زمن طويل ،
تجمّدتُ في مكاني
( قال جلالتك الخاصة بالإمبراطور الحالي وليس المتنحي )
التفتُّ نحوه ، وفي ضوء القمر المتقطع رأيت وجهاً يشبه
ليانغ شنغ إلى حدّ صدمني
حدّقت فيه بدهشة للحظة ، ثم أدركت الحقيقة
هذا الخصي الشاب هو ليانغ ران — شقيق ليانغ شنغ الأصغر
كان يخدمني سابقًا مع أخيه ، ثم أخذته السيدة شو —
وبعد انقلاب القصر اختفى أثره ،
ظننت أنه احترق مع ليانغ شنغ في الحديقة المحرّمة
لكن يبدو أنه كان حيًّا طوال هذا الوقت ، مختبئًا في قصر تشونشو
ولأنني كنت أحب ليانغ شنغ ، فقد أحسنت معاملة ليانغ ران أيضًا ،
وأكثرت من مكافآته ،
بل سمحت له بمقاسمة الطعام مع إحدى خادمات القصر
لذا لا بدّ أنه ما زال يذكر حسن معاملتي له ،
سألته بصوت منخفض بعدما هدأت أنفاسي :
“ هل أرسلك ماركيز الشمال الغربي — باي يان تشي ؟”
نظر ليانغ ران حوله بحذر ، ثم أومأ
ليانغ ران : “ لقد سلّمني الماركيز شيئ لأوصله لجلالتك "
أخرج رسالة من كمّه وهو يتابع :
“ الكتابة لا تظهر إلا إذا قرّبتها من النار ،
و بعد أن تقرأها جلالتك … يجب أن تتلفها فورًا .”
أومأت ، وخبّأت الرسالة داخل ردائي
ليانغ ران بقلق :
“ قبل قليل… رأيت من هاجم جلالتك . هل أصابك سوء؟”
هززت رأسي بالنفي — باستثناء مكان يؤلمني في مؤخرة
عنقي، لم أُصب بأذى يُذكر،
لكن قلبي ما زال يخفق بعنف
{ إن كان شياو لان قد وصل إلى هذه الدرجة من التهوّر…
فوضعي يزداد خطورة … }
أسندني ليانغ ران ونحن نسير نحو قصر تشونشو
ليانغ ران : “ جلالتك من الأفضل أن تعود إلى المأدبة ،
المكان هنا غير آمن .”
أخرجت منديل حرير ومسحت به الشقّ الصغير في شفتي
: “ حسنًا ، يمكنك الانصراف الآن
وحين تسنح لك الفرصة ، تعال إلى حديقة فناء التأمل الهادئ أكثر
أخوك خدمَني لسنوات طويلة… لن أعاملك بشكل سيئ "
: “ مفهوم جلالتك ، لن أنسى فضلك عليّ أبداً .”
قالها ليانغ ران بخوف ظاهر ، ثم تراجع وانسحب
ولمّا عدتُ إلى قصر تشونشو،
رأيت شياو لان جالس على العرش يتحدث ويضحك مع وو دون وهما يرفعان الكؤوس
لم يبدُو عليه أنه خرج من القاعة قبل قليل
تسلّل الشك إلى قلبي
وبعد تفكير قصير ، أدركت أنّ شياو لان لن يترك مبعوث
دولة أخرى ليخرج ويرتكب فعلًا كهذا ضدي
{ إن لم يكن هو… فمن عساه يكون ؟ }
جلستُ في مقعدي ، ومسحت بنظري القاعة
لم يكن أحد غائب
لكن عدد من الوزراء يجلس إلى جوارهم نساء بربريات جميلات ،
يَسْكُبن الخمر و يلاطفنهم
مشهد فوضويّ لم أتوقعه
ولا شكّ أنّ شياو لان هو من سمح بهذا
لم أكن أتوقع أن يكون حاكمًا مستقيمًا ؛
فبعد عقودٍ من كبت طبعه ،
ها هو يُطلق نفسه على هواها بعد اعتلائه العرش
وبينما أفكر ، تحركت عيناي بلا قصد نحو شياو دو
فالتقت نظراتي فجأة بنظرات ذاك الذئب الصغير
كان مخمورًا ، و شد عينيه ببطء
في هذه اللحظة ، ناولته وو تشو — الجالسة إلى جواره ،
كأس من الخمر
فمدّ يده، وجذبها إلى حضنه أمام أنظار الجميع
أمسك بيدها النحيلة ، وانحنى ليشرب من الكأس،
في هيئة جريئة فاضحة
بدا كمن صار رجلاً مكتملًا في لحظة واحدة ، فبدأ الوزراء
والأمراء يتهامسون مندهشين
ابتسمتُ بسخرية { هذا الذئب الصغير يتعلّم بسرعة
ويبدو أنه لم يغضب مني }
لكن ما إن خطرت لي هذه الفكرة، حتى تذكّرت رائحة الخمر
القوية التي فاحت من نَفَس مُهاجمي
لم أتمالك نفسي ونظرت إليه مجدداً … ثم شعرت بسخف الفكرة
{ لا يمكن… لا يمكن أن يكون الذئب الصغير ...
أنا عمه الإمبراطوري ، ولا يمكن أن يجرؤ على أمر كهذا إلا لو فقد عقله
لا بأس…
الأغلب أنه كان وزيرًا ثملاً تائهًا وظنّني إحدى جواري القصر }
سخرتُ من نفسي { ما أضعف هذا الجسد الذي آل إليه أمري }
عندها نهض وو دون واقفًا
وبعد أن شرب نخبًا مع شياو لان، التفت نحوي ورفع كأسًا ،
ثم ضحك بصوت مرتفع :
“ لا زلت أذكر معركة ممر ناب الذئب قبل سنين ،
حين أصابني الإمبراطور المتنحّي — شياو لينغ بسهمٍ واحد
كاد يقتلني ،
لا أنسى تلك اللحظة قط ،
لقد هُزِمتُ أمام قوتك وبأسك !
والآن وقد صارت علاقتانا وديّة ، أودّ أن أشرب نخبًا مع
الإمبراطور المتنحّي… فهل نُسقِط أحقاد الماضي بالخمر ؟”
رفعتُ الكأس بابتسامة باردة ،
شياو لينغ : “ جيّد… نخب جميل لدفن الأحقاد ”
ارتشفتُ قطرة صغيرة ، وسكبتُ ما تبقى على الأرض …
{ نخب لأرواح جنودي الذين سقطوا تحت سيفه }
وفهم وو دون المعنى تمامًا ، فقد خاض الحروب طويلاً
فتغيّر وجهه قليلًا ، لكنه ابتسم مُكرهًا وشرب الكأس دفعة واحدة
لو كنتُ لا أزال الإمبراطور ، لربما أرضتني كلماته قليلًا
أمّا الآن… فلم تكن إلا سخرية مبطّنة
تدخل شياو لان سريعًا ، وقد رأى امتعاضي :
“ الإمبراطور المتنحّي ضعيف البدن ، فلا ينبغي له الإكثار من الشراب .”
لكن ذكريات تلك الليلة ،
حين أرغمني على شرب خمر ممزوج بدم الغزال ، اندفعت
إلى ذهني فجأة ، وأثارت في نفسي رغبة في تحطيم الكأس
بعدها قدّم وو دون نخبًا للأمراء واحد تلو الآخر
ولإظهار مواهب ورثة العرش أمام دولة تشي أمر شياو لان
الأمراء بالأداء
كنت أعلم أن هذا الأداء ، رغم مظهره الاحتفالي ، مرتبط
باختيار وليّ العهد
تبادلتُ نظرة مع فاي يان ، ثم التفتُّ إلى شياو دو
فوجدته ما يزال يحتضن وو تشو — غارق في فسقه ،
غير واعٍ بما يجري حوله ،
شعرت بقلق خافت يتسلل إلى صدري
قدّم الأمير الأول — شياو يو رقصة ' طبول كاسرة التشكيلات '
قرع طبول الحرب بإيقاعٍ صاعق هادر يشقّ السمع
ارتفعت هتافات الوزراء ، وانهالوا عليه بالمديح ،
ولم ينقصهم سوى أن يصرّحوا بأن لديه هيئة الملوك
توليّ الابن الأكبر الشرعي ولايةَ العهد عادة متوارثة منذ القدم ،
ورغم أن شياو يو هو ابن السيدة لي التي كانت في الأصل
محظيّة ، فإنه بلا شك كان المرشح الأقوى
لكنني كنتُ أخشى… كلما علت آماله ، كانت السقطة أشد إيلامًا
الأمير الأول صاحب طبعٍ قتالي
أمّا الأمير الثاني — شياو جينغ ، فله هيئةُ العلماء
قدّم معزوفة ' التطلّع إلى آلهة القمر ' فنال أيضاً الثناء والمدح ،
لكن ليس بالحماس نفسه الذي حظي بها شياو يو
في تلك اللحظة فقط انتبهتُ إلى هذا الابن من أبناء شياو لان
لم يكن لامعًا بوضوحٍ كالأمير الأول، ودائمًا غارق في
الموسيقى والرقص
وُلد بعيون زهور الخوخ — ويميل بطبعه إلى الغنج والدلال
لكن… ومع وجود شياو لان أمامي مثالًا حيًّا ،
فإن من يُظهر هذا القدر من الرقة… يزيد شكي بدل أن يطمئنني
الأمير الثالث — شياو مو كان أقلّهم بروزًا
قليل الكلام بطبيعته ، ولذلك رسم لوحة أهداها لشياو لان
كانت اللوحة سلسة جميلة ، متقنة أكثر بكثير من مهارات
شياو دو الفنية ، فزاد ذلك من رضا شياو لان عنه
ثم جاء دور الأمير الخامس — شياو دو
أخذ سيف أحد الحرس ، تظاهر بالسكر ،
أدّى رقصة السيف في القاعة
لكنّه لم يُظهر ذلك البريق الحادّ الذي بان عليه في حفل الرماية السابق
تلك الطاقة المتفجرّة — مثل عجل حديث الولادة لا يخشى
النمر — كانت هذه المرة —- طاقته مكبوحة بوضوح
حركة يده ، دوران جسده…
كان في أدائه شيءٌ من ' الثقل الهادئ لسيفٍ بلا حدّ '
لم أتبيّن هل كان ذلك مقصود … أم أنه كان مخمورًا وذهنه شارد حقاً
لكن في كل الأحوال، هذا أفضل
فشياو لان لم ينوي أبداً أن يجعله وليًا للعهد ؛
ومعرفة متى تُظهر مخالبك ، ومتى تُخفيها…
هو الطريق لصقلها
بعد انتهاء الرقصة ، انحنى شياو دو على ركبة واحدة أمام
شياو لان لتحية الملكية
وبينما خفَض رأسه ، انزلقت عصابة جبهته وسقطت على الأرض
نظرتُ إلى عصابة الغزال تلك ، المزدانة بلؤلؤة لامعة في الليل
وفي تلك اللحظة… تذكّرتُ شريط الجلد الذي استخدمه ذلك الشخص ليعصب عينيّ
{ يبدو مثل هذا القماش الناعم …. }
ارتعشت جفوني بلا إرادة
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق