Ch24 الإمبراطور الأسير
عبس شياو لينغ { كيف تورّط هذا الفتى في مثل هذا السحر ؟ }
لوّح شياو دو بيده ، فاطاع وو شا للأمر فورًا وتراجع ،
ثم اختفى في الظلام كأن الأرض ابتلعته
شياو لينغ بصوت خافت :
“ ما علاقتك ب وو شا والملك وو شي ؟
متى بدأت بالتعامل معهم ؟
أكان ذلك يوم أرسل مملكة تشي مبعوثيها… أم قبل ذلك؟”
كنتُ أخشى أن يصبح شياو دو تهديدًا كبيرًا لمملكة ميان في المستقبل ،
وكنت بحاجة إلى خطة مُحكمة أتخلص بها منه في أقرب فرصة ،
شياو دو بهدوء:
“ يا عمّي الإمبراطوري لقد سمّاني والدي وليًا للعهد لكنه
يؤخر مراسم التنصيب ، وأنت أدرى الناس بالسبب ….”
توقف لحظة، ثم تابع:
“ طالما أنه لا يراني إلا درع ، ولا عائلة لي تسندني ، فمن
الطبيعي أن أبحث عن دعم آخر ،،
حدسُ عمي صحيح… في آخر زيارة لمبعوثي مملكة تشي ،
جعلتُ شخص يمرّر رسالة إلى ملك وو شي .”
فكرتُ بالأمر ، فشعرت بصدمة تتسلل إلى صدري
{ لو لم يلحظ باي لي وجود وو شا ،،،
ولو لم أصادفهما الليلة ، لما علمت أبدًا بأن شياو دو
يُخفي علاقة سرية مع قبائل تشي }
لكنني تماسكتُ ، وسخرت بضحكة باردة
: “ أتعلم أن هذا خيانة عظمى ؟ وللأمير أشد جرمًا ؟
لم أتخيل… أنك أنت تحديدًا ستفعلها .”
شياو دو بصوت منخفض:
“ يا عمّي ، لطالما كنتُ نصف دم…
وكل ما أفعله هو محاولة للبقاء .”
في الظلام ، لم أستطع رؤية ملامحه ،
لكنني سمعت ضحكة تحمل قسوة دموية جعلت قلبي ينقبض
{ كلما اقتربتُ من هذا الفتى ، اكتشفتُ كم هو عميق ومظلم
وما دام قد نسج خيوطه مع قبائل تشي ، فلا بد أنه يخطط
لشيء… وليس حديثًا }
شياو لينغ :
“ إذن… ما خطتك ؟”
قال شيئًا خافتًا لم أسمعه جيدًا ، فاقتربت منه
لامس طرف أذني شفتيه ، فارتجف فجأة وكأنه لم يتوقع ذلك
كنتُ على وشك نفاذ صبري ، لكنني سمعت بوضوح صوت ابتلاعه
: “ يا عمّي… هل يمكن… أن أقبّلك ؟”
تجمدتُ لحظة
ظننت أنني أخطأت السمع
: “ قبلة واحدة… وسأخبر عمي بكل شيء "
لم أصدق ما سمعته ، فاستشاط غضبي
التفتُّ وحدّقتُ في وجهه المختبئ في الظلال
ضيّق شياو دو عينيه ، عيناه الخضراء تلمعان :
“ قبلة واحدة فقط "
{ يا للجرأة !
كيف يجرؤ هذا الذئب الصغير على توجيه مثل هذا الطلب لي؟ }
قلتُ ببرود نافذ الصبر :
“ ستتحدث أم لا ؟”
لكن قبل أن تنتهي كلماتي ، وضع شياو دو يده على فمي فجأة
: “ عمّي… أحدهم قادم ”
اقتربت عدة خطوات من جهة الخيام
كانوا الحرس ، جاؤوا ليتحققوا من الضجيج
عانقني شياو دو وقفز بي إلى أعلى شجرة
ومن هذا الارتفاع ، رأيت خيمة الملك وو شي تهتز بعنف،
والظلال في الداخل متشابكة كأن قتالًا يندلع هناك
و هربت امرأتان من الخيمة بشعر مبعثر وملابس فوضوية ،
وبعدهما ترنّح الملك وو شي خارجًا
كان رداؤه مفتوح ، وصدره وبطنه مليئَين بآثار حمراء صغيرة
تنزف بالفعل—مظهر مفزع
قفز قلبي
تذكرتُ علبة الـ وينو التي أعطاني إياها أخي السابع
{ أيمكن أنه سمّم الملك وو شي من أجل أختنا الخامسة ؟
غباء… متهور ! }
تعالت الصرخات
وسارع الحرس لرفع الملك وو شي وإعادته إلى خيمته
فلما رأى محاربو تشي جنودنا يلمسون ملكهم ، اندفعوا
غضبًا ومنعوهم بقوة
وفي الفوضى ، لم يُعرف من بدأ الضربة الأولى ، لكن
الاشتباك انفجر بين الجانبين ، وكاد يتحول إلى مذبحة حقيقية
خرج شياو لان مذعورًا ، وأمر حرسه الخاص بحمايته
حاول تهدئة الطرفين ، لكن البرابرة كانوا ثائرين ،
لم يهتموا بكلام إمبراطور دولة أخرى
رأوا ملكهم ينهار أمامهم ، فاستلّوا سيوفهم وتقدموا نحوه بوحشية
و كان قائدهم وو دون —-
تقدّم كالبرق ، مملوءًا بهياج لا يمكن وقفه
صوت سوطه شقّ الهواء كأفعى ضخمة ، وفي ضربتين أو
ثلاث هزم اثنين من نخبة حرس شياو لان
شياو لان لم يواجه من قبل جنرال بربري بهذه الشراسة ،
فشحُب وجهه ، وتراجع عدة خطوات ،
ثم هرب مذعورًا إلى داخل خيمته ،
أمسكني شياو دو وأنزلني من الشجرة :
“ يا عمّي لا تخرج "
ثم اندفع كصقر فرد جناحيه ، وهبط أمام وو دون
أمسك السوط بمهارة ، جذبه بقوة ، ثم خطف ساقي وو دون
وأسقطه أرضًا ، وجثا فوق صدره مثبتًا إياه
وصاح بنبرة حادة تهز الهواء :
“ من يجرؤ على إحداث الفوضى في عاصمة إمبراطوريتي ميان… سأقتله !”
ضيّق شياو لينغ عينيه { ما اللعبة التي يلعبها هذا الفتى ؟ }
وفجأة ، وفي اللحظة الحرجة ، شقّ صوت امرأة الصخب
: “ وو دون! ما الذي تفعله ؟ قف الآن !”
تجمّد جميع محاربي تشي في أماكنهم
رفعت شخصية رشيقة طرف الستار وخرجت من الخيمة—
إنها القديسة ووجيا
اتجهت بخطى سريعة نحو الملك وو شي ، وفقط عندها
تراجع محاربو تشي إلى الخلف
أمر شياو لان على الفور بجلب الأطباء لفحص الملك وو شي
لكن ووجيا هزّت رأسها
جثت أمام الملك الملقى بلا حراك ، وأخرجت حبّة حمراء
كالدم من طيّات ردائها ، وسحقتها بين أصابعها ، ثم ناولته إياها
مرّ وقت بدا طويلًا ، حتى تقيأ الملك وو شي دم أسود
وبدأ يستعيد وعيه شيئًا فشيئًا ،
تتحرك شفتاه كأنه يريد الكلام
انحنت ووجيا، وأصغت إلى كلماته
وحين انتهى، رفعت رأسها، ونظرت إلى شياو لان وتحدثت
لكن أول ما خرج من فمها… صدم الجميع :
" الطعام والشراب في وليمة المساء كانا مسمومين "
—-
في هذه الليلة ، أُلقي بكل خادم وخادمة كانوا في ميدان
الصيد داخل وزارة العدل للتحقيق والتعذيب
ومع طلوع الفجر… لم يُعثر على شيء
لم يرغب الملك وو شي البقاء لحظة أخرى ،
وفي اليوم التالي غادر عائدًا إلى مملكة تشي
أما شياو لان — فقد انتكس مرضه القديم من شدة الصدمة
بعد ثلاثة أيام… مات الملك وو شي في الطريق —
فثار جيشه المرافق ، وبدأوا بإحداث الفوضى في جيتشو
قام خالي الماركيز باي يان تشي بتجهيز القوات لمقاومتهم ،
مما أدى إلى تنبيه حامية حدود تشي ،
فتجمّد الوضع في مواجهة طويلة — من يبدأ قبل من —-
وقالوا جواسيس باي يان تشي إن مملكة تشي في حالة خلاف حول
اختيار ملك جديد وما إذا كان يجب الدخول في حرب أم لا
انقسم البلاط إلى فئتين :
الأغلبية : من الوزراء وكبار النبلاء ، موالون لـ ملِكة تشي ،
ويرغبون في الحفاظ على السلام مع مملكة ميان .
الفئة الأخرى : من المحاربين ذوي الأصل المتواضع ،
يريدون تنصيب الجنرال المتمرد وو دون ملكًا ، عازمين الحرب .
ورغم قوة الملِكة ، فإن وو دون طامع للعرش ،
ويملك عشرين ألف محارب شيّي ، قوة لا يُستهان بها
لم تهدأ فوضى غرب الحدود إلا قليلًا … وإذا بدخان الحرب يصعد من الشمال
لو اندلعت الحرب في المنطقتين معًا، سيصبح الشمال الغربي بأكمله في خطر
ولتهدئة بلاط تشي ، أعلن شياو لان فور تعافيه أنه سيتخذ
الأميرة ووجيا إمبراطورة له ——
أقيمت المراسم في يوم الاعتدال الخريفي ——
وفي اليوم نفسه ، سيُعلن شياو دو وليًا للعهد رسميًا ، وسيتزوج الأميرة ووتشو ، خطيبته المعينة مسبقًا —-
سيكون يومًا للاحتفال العام ،
والطقوس فيه فخمة لم يشهد البلاط مثلها من قبل
و مع دويّ المدافع الاحتفالية ، طويت رسالة أخي السابع السرّية ، وأحرقتها فوق لهب شمع
فجأة طارت فراشة إلى اللهب المتصاعد ، وتحولت إلى رماد مع الورقة
أظهرت تحقيقات وزارة العدل بشأن تسميم الملك وو شي النتيجة أخيرًا
ورغم أن أخي السابع لم يُتهم ، إلا أن شياو لان لن يفوّت
فرصة استغلال الأمر
: “ يا صاحب الجلالة الأكبر حان وقت الانطلاق "
عند سماعي نداء شوندي الخافت ، نهضت بكسل ،
وارتديت معطف دافئ من فرو المنك ،
ثم خرجت إلى محفة الذهاب
رياح الخريف كئيبة ، يحمل نسيمًا قاتلًا
لكن الأسوار العالية للقصر الإمبراطوري كانت تحجب هذا الصقيع
لم يمضِي وقت طويل حتى وصلنا إلى قاعة النجوم التسعة حيث تُقام المراسم
كلما اقتربت ، كان صوت المدافع يصم الآذان ، ويجعل
قلبي يخفق بشدة
انتزعتُ قليلًا من فراء معطفي ، لففته كرة صغيرة ،
وسددت به أذنيّ ، ثم رفعت ستار المحفة
كان المشهد أمام القاعة مهيبًا
امتد بساط أحمر من الساحة حتى درجات اليشم
وقف حرس الإمبراطور ، بثيابهم القرمزية ودروعهم
المذهّبة ، مصطفّين في صفوف مستقيمة
جثا المدنيون والعسكريون تحت درجات اليشم ، بوجوه صارمة
ووقف الأمراء والنبلاء على المنصة القرمزية باحترام
من أسفل إلى أعلى… كان التراتب واضح كصفحات كتاب
ألقيت نظرة بعيدة نحو العرش الإمبراطوري ، ثم سرتُ إلى
المنصة القرمزية ووقفت بين الأمراء والنبلاء
دوّت الأجراس والطبول معًا
وتحت ظلال المظلات والرايات الاحتفالية ، صعد شياو لان
ببطء درجات اليشم ، وبجواره القديسة ووجيا
لم تظهر على وجهه أي لمحة من سعادة الزواج ؛ كان باردًا ،
كئيب ، كأنه يتقدم نحو قبر
فلا إمبراطور يُسَرّ بزواج سياسي كهذا
أما لو كنتُ مكانه … لما تركتُ مملكة ميان تصل إلى هذا الحال البائس
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق