Ch28 BFIHTE
استيقظ لين تشي وهو ما يزال مترنّح الذهن — يتذكّر
بوضوح أنه غفا داخل العربة المتنقّلة ، لكن حين فتح عينيه
الآن ، بدا المكان كأنه فندق خمس نجوم
عقله لا يزال ضبابيًا بعض الشيء
ظلّ ممدّدًا على السرير ، يحدّق طويلًا في ستارة السرير
المطرّزة ، ثم نادى بصوت مبحوح :
“ لي تينغيان؟”
ناداه عدّة مرات ، لكن لم يُجبه أحد
: “ مممم ؟” استغرب لين تشي الأمر
{ إن نُقلت إلى فندق ، فلا بدّ أن لي تينغيان هو من أخذني ،
وبطبيعته ، لن يتركني وحدي هكذا }
بقي مستلقيًا قليلًا ، يراقب نقوش الستارة ، وكلما طال النظر ،
ازداد شعوره بأن هناك شيئًا غير صحيح
الغرفة فاخرة — بلا شك ، لكنها باردة قليلًا ، وتخلو من آثار السكن
لا تشبه غرفة فندق بقدر ما تشبه غرفة نوم خاصة
رفع جسده ببطء ، ومدّ يده يلمس غطاء السرير الناعم،
ثم أبعد البطانية التي تغطّيه
وتحت الإضاءة الخافتة ، لمح في إحدى الزوايا وردة مطرّزة
يتوسّطها حرف [ L ]
رفع لين تشي حاجبه
{ أيمكن أن يكون…؟ }
نزل من السرير ، وانتعل سليبر قطني ناعم ، واتجه نحو
النافذة ، وسحب الستارة جانبًا
في الخارج —— الليل قد حلّ بالفعل
و أمام غرفته مباشرة حديقة واسعة ، لا شك أنها جزء من فيلّا
أضواء الحديقة مضاءة ، و تختبئ بين الأشجار والأزهار ،
وتلقي ضوءًا أصفر دافئًا على الممرات المرصوفة بالحصى الأبيض
ومن الطابق الثاني لم تكن هناك مبانٍ شاهقة قريبة
و في المسافة ، أمكنه تمييز صفوف أخرى من الفلل ،
أما أضواء الأبراج العالية فلم تظهر إلا في الأفق البعيد
“ اللعنة…” تمتم لين تشي
{ هذا المكان لا يشبه فندقًا إطلاقًا }
تذكّر على نحوٍ غامض أن منزل لي تينغيان يقع في حيّ ماوهوا ووترفَرونت،
ذلك الحي الشهير الذي يجمع نصف أثرياء المدينة C،
المعروف بهدوئه وسط الصخب، وغياب المباني المرتفعة
حفاظًا على الخصوصية
وبهذا التفكير ، جرّ قدميه نحو الباب ، فتحه بحذر ، وأخرج رأسه متلصصًا
لكن قبل أن يتمكّن من استيعاب وجهة الممر الطويل في الخارج ،
انطلق فجأة صوت نسائي لطيف إلى جواره :
“ السيد لين لقد استيقظت "
: “ هاااه !” فزع لين تشي من الصوت المفاجئ، فتراجع
خطوة وارتطم خصره بالباب ، حتى تجمعت الدموع في عينيه
المرأة — ترتدي بدلة عمل سوداء ، ارتبكت بدورها،
فأسرعت نحوه قائلة:
“ السيد لين هل أُصبتَ في مكان ما؟
سأستدعي الطبيب فورًا…”
: “ لا، لا، لا داعي لذلك !!! " رفع لين تشي يده بسرعة ، مانعًا
إياها من إثارة كل هذا القلق
{ طبيب؟
لقد خرجت للتو من المستشفى ، ولا أريد العودة إليه مرة أخرى }
شهق من شدّة الألم ، وفرك خصره ، ثم نظر إلى المرأة الشابة أمامه
كانت ترفع شعرها في ذيل حصان عالٍ ، بلا مساحيق تجميل ،
وترتدي بدلة سوداء أنيقة ، وتنظر إليه بجدّية واحترام
لمح بطاقة الاسم على صدرها : يان لي —-
كان لديه تخمين واضح عن المكان ، لكنه مع ذلك سأل:
“ هل يمكنكِ إخباري أين نحن ؟”
بدت يان لي مستغربة قليلًا من سؤاله ، لكنها أجابت بأدب:
“ هذا هو المسكن رقم 1 في ماوهوا ووترفَرونت
منزل السيد لي تينغيان "
وهو لا يزال يفرك خصره المتألّم { كما توقّعت ...
ذلك الوغد لي تينغيان أخذني إلى منزله من دون أن يقول
كلمة واحدة .… أيّ تجاهل هذا للحقوق الشخصية ؟ }
رغم أنه شتمه في داخله ، إلا أنه يعلم أن هناك سببًا لذلك
فبعد علاقة امتدّت نصف عام ، كان بينهما قدر من الثقة
و يعرف أن لي تينغيان لن يؤذيه أو يورّطه في شيء سيئ
تمتم قليلًا في نفسه ، ثم هدأ سريعًا
عندما ذكرت يان لي بلطف أنها أعدّت له وجبة خفيفة
لوقت متأخر من الليل، لمس بطنه الفارغ ولم يرفض
و سُرعان ما أُحضرت الوجبة ،
وُضعت في غرفة المعيشة المجاورة للغرفة التي كان فيها لين تشي
أخذ ملعقة من العصيدة ، وسأل :
“ أين لي تينغيان؟ إلى أين ذهب ؟”
أجابت يان لي:
“ لدى السيد لي بعض الأعمال في الشركة ، فخرج قليلًا .
لكنه أوصى بإبلاغه فور استيقاظك ، وسيعود قريبًا .”
طريقة تعاملها مع لين تشي ، ولا سيما كل ما يتعلّق بلي تينغيان، جعلته يشعر بعدم ارتياح خفيف
لكن بما أنها من طاقم المنزل، لم يقل شيئ
بعد أن أنهى وعاء العصيدة وبعض الأطباق الجانبية ، فقد شهيته
كان لا يزال متعبًا — لمس جبهته ، التي بقيت دافئة
وبما أنه بلا طاقة ، لم يفكّر في التجوّل داخل هذا المنزل
الشاسع ، فاكتفى بالجلوس على الأريكة ومعه كتاب
اختار كتاب من رفوف الغرفة ، وللمصادفة كان قريبًا من
مجال عمله : مقدّمة عن تصميم الأزياء والأقمشة
وعندما عاد لي تينغيان، رأى هذا المشهد
كان لين تشي يلفّ جسده برداء أبيض ناعم ،
وشعره الذي طال قليلًا مثبتًا على أحد الجانبين بمشبك
ملوّن مرصّع بحجر كريم
على حجره كتاب سميك ، وفوقه بطانية كروشيه ملوّنة ،
أُلقيت عليه بإهمال ، و ألوانها الزاهية تناسبه على نحوٍ لافت
لكن البطانية لم تغطّيه جيدًا
وحين قلب الصفحة ، انزلقت البطانية وسقطت ، كاشفة
عن معصمه الفاتح ، ثم هوت إلى الأرض
: “ ايييه ؟” لاحظ لين تشي البطانية ، وعيناه لا تزالان على
الكتاب ، فانحنى ليلتقط البطانية لكن يدًا نحيلة سبقته،
التقطتها ووضعَتها جانبًا
عندها فقط أدرك أن أحدهم حجب عنه الضوء
رفع رأسه ، والتقت عيناه بعيني لي تينغيان
قد خلع معطفه ، ولم يبقَ إلا على كنزة سوداء برقبة عالية
و تحت الإضاءة الخلفية ، بدا وجهه شاحبًا قليلًا ، وملامحه
باردة ، وتعابيره تكاد تكون لا مبالية
تجمّد لين تشي لوهلة
لكنّه سرعان ما أدرك أن ذلك مجرّد وهم،
إذ انحنت شفتا لي تينغيان بابتسامة خفيفة، ولانت ملامحه
الحادّة على الفور
جلس لي تينغيان إلى جوار لين تشي ،
و قال بهدوء :
“ اتصل بي كبير الخدم وقال إنك استيقظت ،،
ظننت أنك ستنام فترة أطول ، فذهبت إلى الشركة قليلًا ...”
رفع يده ولمس خدّ لين تشي
كان جلده مائلًا للرطوبة ، وباردة بعض الشيء
: “ هل ما زالت الحمى موجودة؟
سأطلب من الطبيبة أن تأتي لتفحصك مجدداً .”
كانت حركاته طبيعية إلى درجة أن لين تشي لم يجد وقتًا
للاعتراض ،،، وبينما ينهض ، لي تينغيان قد التقط هاتف
الخط الأرضي القريب وأجرى اتصال
بعد قليل، دخلت امرأة متوسطة العمر ، في الأربعينيات أو
الخمسينيات ، ترتدي كمامة
فحصته بلطف ودقة
: “ الحرارة ليست مرتفعة ، 37.8 فقط، لكن لا يجوز الاستهانة بها ... قد تعاود الارتفاع غدًا ...”
ثم التفتت إلى لي تينغيان وقالت بتأنٍّ :
“ يجب الاعتناء به جيدًا في الأيام القادمة . راحة كافية ،
والالتزام بمواعيد الدواء .”
جلس لين تشي جانبًا بصمت { لماذا تشرح له كل هذا ؟
هو ليس وصيًّا عليّ }
ثم خطر بباله أن الطبيبة ربما تعمل لدى عائلة لي تينغيان،
ومن الطبيعي أن ترفع تقريرها إلى صاحب المنزل
بعد مغادرة الطبيبة ، همّ لي تينغيان بالجلوس مجددًا ،
لكن لين تشي رفع يده بسرعة وغطّى فمه، مبتعدًا عنه
قال بجدية : “ ابتعد عني ،، ألا تعرف أن هذا الفيروس معدٍ؟
انظر ، حتى الطبيبة ترتدي كمامة ،
لما لا ترتدي واحدة أنت ؟”
ضحك لي تينغيان
لم يكن أمامه خيار ، فانتقل إلى طرف الأريكة ، مبتعدًا عنه مسافة واضحة
ثم سأل :
“ هكذا أفضل ؟”
تردّد لين تشي لحظة ، ثم أنزل يده على مضض
سحب وسادة وضمّها إلى صدره كدرع
عندها فقط تذكّر أن يسأله
“ لماذا أحضرتني إلى منزلك ؟” رفع رأسه ونظر إلى تينغيان
لا يزال غير مستوعب :
“ أنت تعرف أين أسكن ، حتى لو كنت نائم ، كان يمكنك
إيقاظي وإيصالي إلى منزلي .”
نظر إليه لي تينغيان بعجز خفيف :
“ لا يوجد أحد في منزلك يعتني بك حين تمرض ،،،
لو تركتك وحدك هناك ، فلن يختلف الأمر كثيرًا عن تركك في تشانغيو "
أكمل بهدوء منطقي :
“ هنا ، حتى إن خرجت ، يوجد طاقم طبي وخدم ،
و إن احتجتَ شيئ ، يمكنك أن تطلبه فورًا ،
أليس هذا أفضل ؟”
تجمّد لين تشي
نظر إلى الأدوية التي تركتها الطبيبة
ألوان مختلفة ، وبعض الأسماء بالإنجليزية التي لا يفهمها
لكنها في النهاية خافضات حرارة لا أكثر
{ ليس وكأني لم أمرض من قبل }
حين كان صغيرًا ، ارتفعت حرارته ذات مرة إلى ما يقارب الأربعين،
وكاد يفقد وعيه،
ومع ذلك تحمّل وحده وتجاوز الأمر
{ لماذا يتصرّف لي تينغيان وكأن الأمر عظيم ؟ }
ابتسم لين تشي بسخرية خفيفة
قال :
“ إنها مجرد حمى ، ليست كسرًا في ذراع أو ساق
أستطيع الاعتناء بنفسي "
عبس لي تينغيان بحاجبيه —-
لم تعجبه طريقة حديثه عن كسر الأطراف
وقبل أن يرد ، تابع لين تشي:
“ منزلك فخم فعلًا ، ومن السهل أن يضيع المرء فيه ،
سأبقى اليوم، لكنني سأعود إلى منزلي غدًا .”
ازداد عبوس لي تينغيان : “ أمنزلي غير مناسب ؟”
نظر إليه بجدّ
و في عينيه الداكنة انعكس ضوء المصباح القريب ، دافئًا وهادئًا ،
نظرة مركّزة ، ولطيفة في آنٍ واحد :
“ الغرف هنا كثيرة ،، أعرف أنك قادر على الاعتناء بنفسك ،
لكن من الواضح أن هذا المكان أنسب لتعافيك
و توجد رعاية على مدار الساعة
لا أفهم لماذا تصرّ على العودة ….”
توقّف قليلًا ، وكأنه تذكّر شيئ
مرّ ظلّ خفيف على وجهه ،، و سأل بصوت خافت :
“ أم أنك… لا تحب البقاء معي ؟”
: “ أنا…” عجز لين تشي عن الرد
{ هذا لم يكن السبب قطعًا
أنا ولي تينغيان قضينا ليالي كثيرة معًا
وأحيانًا أقمنا في الفنادق …
القول إنني لا أحتمل العيش معه سيكون خداعًا للنفس
لكن المشكلة ليست هنا }
نظر إلى اللوحة خلف لي تينغيان
إلى السرير الفاخر ذي الأعمدة الأربعة
وإلى السقف المنحوت بعناية
ومن دون وعي، شد شفتيه
{ المبيت أحيانًا شيء ،
أما المجيء إلى بيت شخصٍ آخر للتعافي فشيء مختلف تمامًا }
سعل لين تشي ، وتفادى الموضوع قائلًا :
“ ليس الأمر كذلك ،،
فقط أشعر أنني أسبب لك إزعاجًا
تبدو مشغولًا جدًا…”
قاطعه لي تينغيان بهدوء :
“ لا إزعاج في الأمر ... لدي عشرات العاملين في المنزل .
العناية بك ليست مشكلة .”
تفاجأ لين تشي
{ بالفعل ، قصر بهذا الحجم يحتاج إلى عدد كبير من
الموظفين للعناية اليومية
و وجودي في غرفة واحدة لا يُذكر }
عبث بخده ، وشعر أنه لا يملك سببًا حقيقيًا للرفض
لكنه سأل رغم ذلك :
“ وماذا عن عائلتك ؟
لو جاءوا ورأوا شخصًا غريبًا، سيكون الأمر محرجًا، أليس كذلك ؟”
ضحك لي تينغيان : “ لن يأتوا "
: “ لماذا ؟” نظر إليه لين تشي باستغراب
لا يعرف الكثير عن عائلة لي تينغيان
لكن من الطبيعي أن يزور الوالدان بيتًا كهذا من وقت لآخر
لي تينغيان بهدوء : “ علاقتي بعائلتي بعيدة ،
لا نتدخل في شؤون بعضنا .
وإن قرروا المجيء ، سيخبرونني مسبقًا —- لكن هذا نادر ،
ربما مرة في السنة ،،
لذا لا أحد هنا سواي ،،، لا داعي للقلق .”
وأثناء حديثه ، انخفض بصره قليلًا ،
ورمت رموشه ظلًا خفيفًا ، كأجنحة فراشات
: “ فهمت…” لم يتوقع لين تشي أن تكون علاقة لي تينغيان
بعائلته بهذا الجفاء
لم يجد كلمات يرفض بها
و سرعان ما عاد لي تينغيان إلى طبيعته ،
ابتسم وهو ينظر إليه وقال:
“ ما دام لا توجد مشكلة ، ابقَى هنا. وسلِّني "
عجز لين تشي عن الرد
لم يستطع حتى أن يلتقي بعينيه
لمس أنفه، وتمتم:
“ حسنًا… سأبقى حتى أتعافى ، ثم أعود إلى منزلي "
يتبع
زاوية الكاتبة ✒️ :
آههخ تشي تشي —- بعض الأماكن يسهل دخولها ولكن يصعب مغادرتها ~
تعليقات: (0) إضافة تعليق