القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch3 الإمبراطور الأسير

 Ch3 الإمبراطور الأسير


لكنني لم أكن أعرف ذلك حينها …


قدت الذئب الصغير إلى الينبوع الحار في غرفة نومي ،،

المنطقة حول الينبوع دافئة كفصل الربيع ، 

يتصاعد منها البخار بخفة ،





يعطس بلا توقف ، وقد أصيب بالبرد بوضوح


فتحتُ ذراعيّ ، وناديت الخصيان لينزعوا عني ثيابي، 

ثم دخلتُ الحوض أولًا، غارقًا في الماء الدافئ


أمّا الذئب الصغير فوقف عند حافة الحوض ، 

يعقد يديه في قلق وهو ينظر إليّ بحيرة


اتكأتُ بكسل على جدار الحوض


شياو لينغ : “ لِمَ لا تنزل؟ 

ما الذي يثبتك في مكانك ؟ 

أتريد أن يشتدّ عليك البرد ؟”


تصلّب جسد شياو دو

نزع ثيابه الملتصقة به ،

كان لا يزال نحيل ، لكنه بدأ يأخذ هيئة الفتى اليافع ،

وعلى صدره البرونزي تظهر شامة واضحة بشكل رأس ذئب، 

يمكن تمييز ملامح العينين والمخالب فيها


كان فيها شيء من الغرابة ، شيء مظلم لا يمكن وصفه


قبائل البراري يعبدون ' الذئب السماوي ' كإله ، 

أمّا نحن فنعتبره نذير شؤم


لكن بما أنّ هدفي كان تقوية رابطة القرابة بيني وبين ابن أخي، 

كتمتُ رغبتي في رمي هذا الهجين المشؤوم خارجًا ، 

وأشرت له أن يقترب ،


غرفتُ قليلًا من الماء بمغرفة من اليشم ، 

وصببته ببطء على رأسه


شياو لينغ : “ أخبرني ما اسمك ؟”


تلألأت في عينيه الخضراء الحادة لمعة خافتة ،،

أجاب بنبرة متحفظة : “ شياو دو "


{ شياو دو… وحيد تمامًا —- ذئب منفرد — }


تذكرت الطريقة التي ينبذه بها الأمراء الآخرون ، 

وقلت في نفسي إن الاسم يليق به تمامًا ،


شياو لينغ : “جيّد. جيّد جدًا ... ‘دو’ يعني المتفرّد الذي لا 

مثيل له في الدنيا ، 

من يقف وحده ، متفوّقًا على الناس كلهم ،

شياو دو — الاسم يرسم المصير ، 

أنت مقدّر لك أن تكون الأبرز بين أبناء الإمبراطور ”


حدّق شياو دو بي بعينين واسعة ، مذهول ، 

كأنّه أول مرة يسمع أن لاسمه معنى كهذا ،

وبعد لحظة طويلة ، 

قال من بين أسنانه : “ والدي الإمبراطور… 

لم يخبرني بهذا أبداً .”


ابتسم شياو لينغ  : “ إذن من هذا اليوم فصاعدًا ، عليك أن 

تتذكّر ما قلته لك 

في المستقبل ، لا تُهدر هذا الاسم العظيم .”


أومأ شياو دو — وقد تبدد بعض الاكتئاب عن وجهه ،


في النهاية هو مجرد طفل ، بسيط القلب ، 

يسهل استمالته بكلمات قليلة ،

سخرتُ منه داخلياً —- مددت يدي لأعبث بشعره


رفعتُ مغرفة اليشم ، وبدأت أصبّ الماء فوق رأسه بينما 

أفكّ تشابك خصلاته


كنت ذا مكانة عالية ، ولم أفعل مثل هذا الشيء لأحد قط


وشياو دو — بطبيعة الحال ، لم يُخدم بهذه الطريقة في حياته ، 

فضلًا عن أن يفعلها له عمه الإمبراطوري ،

لذا بقي ثابتًا كالخشب ، احمرّ وجهه ورقبته من فرط 

الارتباك والامتنان


: “ عـ… عمي الإمبراطوري… 

لماذا أنت طيّب معي هكذا ؟”


مرّرتُ أصابعي بلطف فوق فروة رأسه ، 

ولطّفتُ صوتي عمدًا :

“ ربما بيننا شيئًا من القرب ، 

وإلّا … كيف وجدت كنزي الشخصي الذي فقدته في ذلك اليوم ؟ 

وأيضاً أنت ابن أخي ، فما العيب في أن أدلّلك قليلًا ؟”


صمتَ شياو دو ولم يردّ ، 

لكنني كنت واثقًا أن هذا الجرو الذئب الصغير ، المُهمَل منذ 

ولادته ، قد امتلأ قلبه امتنانًا لعمه الإمبراطوري


عيناه محمرّتين قليلًا ، 

لكنه يحدّق بثبات في إحدى يديّ


عندها أدركتُ أنه كان ينظر إلى آثار الأصابع التي تركها شياو لان عليّ ، 

والتي كان يظهر عليها أيضًا أثر خافت لخاتم الإبهام ،

سحبتُ يدي ، لكنه لم يتردد وسأل بصراحة طفولية :


“ رأيتُ والدي الإمبراطور يأتي إلى مقرّك اليوم من الجهة 

الأخرى من البحيرة… هل… هل ضايقك والدي الإمبراطور ؟”


“ بالطبع لا "


وجدتُ سؤاله المباشر مضحكًا ،،

ولم أرغب أن أزرع العداوة بينهما مبكرًا ، 

فنهضتُ بينما ألبسني أحد الخصيان رداءً دافئًا ، 

وغادرتُ الحوض ، 

تمدّدتُ على الأريكة ،، لم أعلم أن شياو دو قد بقي في 

الحوض ، منغمسًا في الماء لساعات حتى أغمي عليه ، 

لحسن الحظ عثر عليه الخصيان في الوقت المناسب 

وسحبوه من الماء


وبعد أن أفاق ، أصبح شياو دو ككلب صيد وجد صاحبه أخيرًا


بدأ يجول في ساحات أفنية التأمل رافضًا المغادرة


سمحتُ له بالبقاء الليلة ،


————


اليوم التالي 


ظهر الخصي العجوز—الذي كان يهمل واجباته أصلًا—يبحث 

عنه وأخذه معه


كان شياو لان منشغلًا بشؤون الامبراطورية ومسألة اختيار 

الإمبراطورة ، لا يجد وقتًا لأبنائه


أما الأمراء الآخرون فكانوا ينبذون شياو دو

فلم يبقَى أمام هذا الذئب الصغير المنعزل أحد سواي، 


أنا عمه الإمبراطوري ، 

ومنذ ذلك اليوم ، بدأ شياو دو يزورني كثيرًا ، 

وازدادت زياراته تدريجيًا 


وحين انقضى الشتاء ، كان ما بيننا— عمّ وابن أخ —قد 

أصبح رابطة حقيقية


ورغم مرضي وضعف جسدي ، كنت لا أزال قادرًا على 

تعليمه القراءة والكتابة ، 

و فنون الموسيقى والشطرنج والخط والرسم ، 

الفلك والجغرافيا ، 

وكذلك استراتيجيات الحرب والسياسة ، 


أحيانًا كنت أستخدم الرسومات لأعلّمه ركوب الخيل والرماية


باختصار ، لقّنته كل ما يحتاج إليه ليحفظ مكانته في هذا 

القصر الإمبراطوري الهائل


لكن لم أتوقع —— أن شياو دو كان شديد الذكاء ، 

صاحب موهبة فطرية نادرة


كان يتعلّم كل شيء بسرعة —- ، حتى إنه تجاوز قدراتي حين 

كنتُ في عمره ، 

بدا وكأنه يحقّق النبوءة التي قلتها من باب المزاح في ذلك 

اليوم ، ولم يتوقف يومًا عن إدهاشي



وعندما حلّ الربيع في العام التالي… 

بلغ شياو دو الرابعة عشرة من عمره ———


الفتيان في مثل هذا العمر يطولون بسرعة مذهلة ، 

ولا سيما أنه يحمل دماء البرابرة ، 


وبعد صيف كامل من رحلات الصيد الملكية ، عاد وقد 

تجاوز طولي ، 

رغم أنه ما يزال نحيلاً ، إلا أن أكتافه قد اتسعت كثيرًا


رجال البرابرة يبلغون قرابة ثمانية أقدام طولًا ، 

عراض الأكتاف ، طوال السيقان


تساءلت هل سيكبر شياو دو ليصل إلى هذا الطول ، 

وهل ستزداد فيه طباع البرابرة يومًا بعد يوم ، 

فيغدو شرسًا جامحًا يصعب عليّ السيطرة عليه ؟


وبينما يسكنني هذا القلق ، 

وضعت خارطة الولايات التسعة على الطاولة ، 

وعلّمتُ شياو دو كيف يميز أراضي مملكة ميان


هيئة الولايات التسعة أشبه بـ ' الآلهه شيهي ' وهي تتكئ على الشمس


تقع مملكة ميان في المكان الذي يكون فيه هالة الشمس ، 

ولذلك سُمّيت ' ميان ' — 





جنوبها بحر واسع ، 

شرقها مملكة لين الجليدية ، 

غربها عدد من دويلات السهول الصغيرة ، 

أمّا الشمال فيمتدّ صحراء عظيمة تنتشر فيها أربع 

مستوطنات رئيسة للبرابرة : تشي ، مي ، وانغ، ليانغ ، 

مرة يتحدون ومرة يتنازعون ، 

وكانوا قبيلة ' تشي ' — الذين يعبدون إله الذئب ، 

الأقوى بينهم ، وقد أقاموا لنفسهم دولة ، 

وهي الأقرب إلى حدود ميان ، 

مما أدّى عبر السنين إلى احتكاكات لا تهدأ بيننا وبينهم


وبينما أنا أحكي ، مدّ شياو دو إصبعه نحو المكان الذي أشرتُ إليه ، وسأل بفضول 


شياو دو : “ يا عمي الإمبراطوري لِمَ أشعر بأن اسم قبيلة 

تشي مألوف ؟ 

كأنني سمعتُ عنه منذ زمن بعيد ”


ارتجف قلبي


{ هل يمكن أن تكون دماء البرابرة في جسده من قبيلة تشي تحديداً ؟ }


وبالطبع لم أستطع التصريح بهذا ، 

فاكتفيتُ بإجابة غامضة مراوغة ،


انطفأ نور عيني شياو دو قليلًا ، 

لكنه لم يسأل أكثر ، بل واصل الإصغاء بتركيز شديد



وحين انتهيت من شرح كامل الخريطة ، كان شياو دو قد 

حفظ معالمها حتى أنه استطاع رسم مسودّة لها من ذاكرته ، 

رغم أن رسمه كان رديئًا إلى حد يثير الضحك


لم يمتلك أي موهبة في الرسم ؛ فلم يستطع حتى رسم خط 

مستقيم ، وكان الأمر ميؤوسًا منه حتى حين أمسكتُ بيده لأرشده


وبحلول الوقت الذي انتهى فيه من رسم الخريطة ، 

لم يكن شياو دو مرهقًا ، بينما كنت أنا أتصبّب عرقًا


وسقطت قطرة من العرق على الورق ، فلطّخت الحبر


كان هذا الذئب الصغير مُرهَفًا على غير عادته ؛ 

و ساعدني على الجلوس ، ومسح حبات العرق عن جبيني


: “ يا عمي الإمبراطوري لقد تعرّقت كثيرًا

هل تعود إلى غرفتك لترتاح ؟”


أومأتُ بضعف ، لكن عيني وقعت على المنديل الذي كان 

يحمله في يده


بدا مألوفًا جدًّا ، فتملكني شيء من الدهشة


شياو لينغ : “ ذلك المنديل…”


أسرع شياو دو بإخفائه في كمّه ، يخفض رأسه كالسارق ، 

تخفي رموشه الكثيفة عينيه الخضراء العميقة الشبيهة بعيني الذئب


: “ هو المنديل الذي أهديتَه لي

قلتَ إنه يقوّي الجسد… لذا … أحمله دائمًا .”


{ لقد صدّق الذئب الصغير ذلك حقًا }


ضيّقتُ عينيّ بمكر وربّتّ على شعره الفوضوي الذي لا 

يستقيم مهما حاولت ترتيبه ( شعر شاو دو مموج ‘ كيرلي’ )


خلال الأشهر الماضية صار هذا التصرف عادة عندي ، 

وشياو دو لم يكن يمانع أبدًا ،


مهما عبثتُ برأسه أو شددتُ خديّه أو أمرته ، 

كان يتصرف كجرو مطيع


ولكنني سأعرف لاحقًا أن شياو دو وُلد بطبع متمرّد ، 

يخفي طبيعته الذئبية بإتقان — إتقان جعلني ، أنا الذي 

شهدتُ نشأته حتى صار رجلاً ، أعجز عن إدراكها في الوقت المناسب


: “ اذهب الآن ،، لا تنتظر حتى يحلّ الظلام ويشتدّ عليك الجوع ”



لم أطلب منه البقاء لتناول العشاء ؛ 

كنتُ متعجّلًا في إعادته إلى مسكنه ،

فقد كنت بحاجة إلى استدعاء حرس الظل الذين يختبئون 

بين الممثلين والمؤدين ، لعقد اجتماع الليلة


فغدًا هو اليوم الكبير لتنصيب الإمبراطورة ، 

وسيكون شياو لان منشغلاً ، ويمكنني استغلال هذه الفرصة للقيام بأمر ما


لكن ما إن وقفتُ حتى اجتاحني دوار مفاجئ ، 

فلم أستطع الوقوف بثبات


لا بدّ أنني استنزفتُ نفسي بعد تركيزي طوال فترة بعد الظهيرة


فتمايل جسدي ، فالتقطتني ذراعان نحيلتان ، 

ثم رفعني شياو دو بسهولة إلى حضنه كما لو أنه يحمل عروس 


عندها فقط أدركت مدى قوّته المفاجئة


شعرتُ وكأن لا وزن لي بين ذراعيه ، 

وقد حملني دون أدنى جهد — وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة


شعرت ببعض الإحراج ، 

ولم أتمالك نفسي من تفحّص الذئب الصغير من الجانب


رأيتُ ملامحه الجانبية ، وخطّ فكّه وقد بدأ يظهر حادًّا مصقولًا ، 

تنبعث منه هالة بطولية لافتة


لم يعد ذاك الصبي الصغير الذي كان قبل عامين


{ عامان فقط… وقد نما بهذه السرعة }


تنهدتُ في قلبي


{ لا أزال شاب ، لكنني أشعر بأنني أتقدّم في العمر بسرعة ... 


كل ما أرجوه هو سحب هذا السيف الحادّ قبل أن أصبح عجوز }


خرج شياو دو من القاعة وهو يحملني


وما إن عبرنا الفناء الأمامي حتى تصلّب فجأة


أدرتُ رأسي ، فرأيتُ شخص يقف خلف نافذة مفتوحة في الفناء


الرجل يرتدي رداء الإمبراطور الأخضر ، وبدا وجهه كئيبًا —

صامت كالشبح ؛ لم يُعلن أحد عن قدومه أصلًا ،


تماسكت ، واستندت بخفة على شياو دو

ثم ابتسمتُ ببرود غير مبالٍ 


شياو لينغ : “ غدًا مراسم تنصيب الإمبراطورة 

فكيف وجد جلالتك وقتًا لزيارتي ؟ 

لم تُرسل حتى من يُعلِن قدومك ، لأستعد لاستقبالك ”


لم يجب شياو لان ، بل ظلّ يحدّق بشياو دو ببرود —-


: “ دو إير ! ما الذي تفعله هنا مع عمّك الإمبراطوري في هذا الوقت ؟”


يتبع


في إمبراطورية ميان يعبدون الشمس واسم الإله شيهي وتقريباً نفس

هذا المفهوم :




  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • عادي
  • متطور
  • ترتيب حسب الاحدث
    عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي