القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch5 الإمبراطور الأسير

 Ch5 الإمبراطور الأسير




ربما كانت الصفعة التي وجهتُها إليه في تلك الليلة قاسية 

أكثر مما ينبغي ،

فبعدها ، لم يزور شياو دو قاعة التأمل العميق أبداً ، 

مما أثار في نفسي شيئ من الندم … فالذئب لم يُدرَّب بعد 

ليُصبح كلبًا، 

وأنا ضربته بقوة جعلته لا يعترف بسيده بعد الآن ،

{ مضيعة للجهد حقًا }


ولحسن حظي انشغل شياو لان كثيرًا بعد مراسم التتويج


فبعد أن صار له إمبراطورة ، كان عليه أن يُسمّي وليًّا للعهد


شياو لان قد تجاوز الثلاثين ، و لديه أربعة أبناء ،

وبحسب الأعراف ، يجب أن يُسمّى الابن الأكبر المولود من 

الزوجة الرسمية وليًّا للعهد ،

لكن ابنه الأكبر، شياو يـو — وُلد من جارية أهداها إليه أبي؛ 

وكان صبي مشاغب ، سيّئ الطبع والمزاج ، متعجرف


أما الابنان الثاني والثالث ، شياو جينغ وشياو مو

فكانا توأمًا وُلدا من الأميرة التي تزوّجها رسميًا حين كان ملكًا تابعًا


أحدهما غيور شرس ، والآخر هادئ منطوي ، يتبع أخاه في كل شيء


أمّا الرابع ، شياو يوان ، فكانت فتاة


وآخرهم جميعًا هو ذاك الذئب الصغير ذو الدماء المختلطة 

نصفه همجي : شياو دو 


لم يكن أيٌّ منهم سهل التعامل


وفوق هذا كلّه ، لم يمضِي وقت طويل على جلوس 

الإمبراطورة في مكانها، ولم تحبل بعد ، 

فكانت بطبيعة الحال ترفض الإسراع في تسمية وليّ للعهد


لكن شياو لان لم يكن ليُقدِم على تسمية ابنٍ من أم أجنبية 

وليًا لعهد مملكة ميان ، مُمهِّدًا بذلك لكارثة مستقبلية


وهكذا صار الأمر صداعًا لا ينتهي


ضجّ الوزراء بالحديث والجدل ، 

ولم يعد شياو لان يجد وقتًا للاهتمام بي


استغليتُ هذه الفترة ، وأمرتُ حرّاسي السريّين بالتسلل 

مجددًا إلى الدوائر الستّة في القصر ، 

لإعادة زرع رجالي هناك ، استعدادًا لعودتي القادمة ، 


كان شياو لان يراقب مسؤولي الدولة بدقة ، 

لذا فضّلت ألا ألفت انتباهه ،

وبدل ذلك ، أرسلت رسالة سرية إلى خالي ، باي يان تشي، 

ماركيز الشمال الغربي ، البعيد آلاف الأميال


عائلة باي قوية وذات نفوذ ، متمركزة في مقاطعة ' جي ' 

يحرسون الحدود الشمالية بثلاثين ألف جندي من النخبة


ومنذ أُجبرتُ على التنازل عن العرش ، و وُضعتُ قيد الإقامة 

الجبرية في القصر ، 

فلم أستطع إبلاغ باي يان تشي بحقيقة وضعي


لذا لم يُقدم على أي تصرّف متهوّر ، 

واتخذ ذريعة اضطرابات البرابرة على الحدود ليقول إنه لا 

يستطيع مغادرة موقعه


حتى أنه لم يحضر حفل تنصيب شياو لان


لقد كانت يد شياو لان قصيرة هناك ، لا تصل إليه ، 

ولم يجرؤ على المساس بهذا المخضرم الذي خدم ثلاثة أباطرة


باي يان تشي مقرب جدًا من والدتي ، وقد قاتلنا معًا كتفًا 

إلى كتف في ساحات القتال


علاقتنا لم تكن علاقة سيّد بوزيره فقط ، بل علاقة حياة وموت


وكنت واثقًا أنه لن يقف متفرجًا وأنا أسقط إلى هذا الحدّ


وبالفعل ، بعد ثلاثة أشهر وصلت رسالة منه —


كان يُرسل أخاه الأصغر ، الأستاذ الأكبر باي تشن ، إلى 

عاصمة الإمبراطورية ' ميانجينغ ' لتقديم الجزية


لكنّ الطريق كان طويل ، ولن يصل قريبًا

وستمر عدة أشهر أخرى قبل وصوله


لم ينتابني القلق و صبرتُ بهدوء ، 

وأنا أنسج خيوطي داخل القصر


ومضت الأيام سريعًا ، ولم أشعر إلا وقد بدأ عام جديد


وما زالت قضية اختيار وليّ للعهد معلّقة بلا حل


وفي القصر أقيم احتفال ضخم لرماية الخيل ، 

أولًا لتقديم القرابين للرامي الإلهي ' هوو يي ' واحتفالًا بالعام الجديد ، 

وثانيًا ليُظهر الأمراء مهاراتهم وفروسيتهم —

كما سُمِح لأبناء العوائل النبيلة بالمشاركة أو الحضور


حتى أنا ، الإمبراطور المتنحّي ، تلقيت دعوة غير مسبوقة


في الحقيقة لم تكن لدي رغبة بالذهاب ،

الطقس بارد حدَّ القسوة ، وبنيتي الضعيفة لا تحتمل تلك 

الرياح القارسة


عندما توقّفت المحفة بعد اهتزاز خفيف ، 

كنت لا أزال أمسك على مُدفأة اليد ، 

ملفوفًا برداء من ثعلب أبيض ، 

ومستلقيًا فوق الوسائد الناعمة بلا أدنى رغبة في الحركة ،


ولم أرفع جفنيّ إلا حين سمعت صفير بعيد لسهم إشارة يشقُّ السماء ، 

فحرّك في داخلي ذكريات حملاتي العسكرية الماضية ،


عندها فقط فتحتُ ستارة المحفة ونظرت إلى الخارج



المحفة :

يشيلونها أربعة حمّالين كذا :




منصّات المشاهدة في ميدان الصيد عند البوابة الشمالية تعجّ بالناس ، 

أكثر ازدحامًا مما كانت عليه حين شاركتُ في هذا الاحتفال 

قبل سنوات ،


وعلى أعلى منصة ، رأيت شياو لان ، وإلى جانبه الإمبراطورة ومحظياته ، 

قد جلسوا في أماكنهم


المظلاتُ الحمراء ذات الأهداب الذهبية تؤذي بصري ، 

فخفضت رأسي ، وأخبرت الخصي بأن يساعدني على الصعود


صاح أحد خدّام القصر بصوتٍ حاد يخترق الأذن:

“ لقد وصل جلالتُه الإمبراطور المتنحّي—”


لم ينهض شياو لان من مقعده ، بينما قامت نساؤه وانحنين بخفة


كنّ بلا شك لا يُعِرن إمبراطورًا مخلوعًا مثلي أي احترام ،

ولم أكترث ،

اكتفيتُ بإيماءة خفيفة وجلستُ على المنصة المجهزة لي، 

رافعًا كُمّي إلى فمي وأنا أسعل قليلًا


التفت شياو لان إليّ ، وجال بصره على جسدي ، 

كأنه يريد أن يمزّق الطبقات الثقيلة التي أرتديها


أبعدتُ نظري ببرود ، وحدّقتُ نحو الساحة في الأسفل


فجأة وصلني صوته مع هبّة رياح 


شياو لان : “ يا لجلالتِك … إن فراء الثعلب هذا ذو لونٍ نادر حقًا ،،

إنه يُبرز بهاءك ، فيجعل بشرتك بيضاء كالثلج ، 

كأنك منحوت من الجليد واليشم .”


كلماته كانت كالإبر تُغرس في ظهري


تمنّيت لو أستطيع أن أنزع هذا الرداء وأحرقه في الحال


أحدهم رد :

“ إن كان يعجب جلالة الامبراطور ، سآمر بصنع واحد لك غدًا "


فأجاب شياو لان:

“ جيّد ، ليُصنع على نفس هيئة ما يرتديه الإمبراطور المتنحّي .”


رفعتُ كوب الشاي ،، شربت رشفة وبصقته فوراً بداخل الكوب ، 

وضربتُ الكوب أرضًا متعمّدًا إظهار الجنون

: “ هذا الشاي مقزّز ! 

أبعدوه عني !”


كنت أعلم أن شياو لان يُراقبني ، فابتسمت ابتسامة ساخرة


وبينما الخصيّ يبدّل الكأس ، بدأت الطاولة تهتزّ


رفعت رأسي ، فرأيت تسعة نسور تحلّق في السماء ، 

يحمل كلّ منها كرة مطرّزة بالذهب


دوّى صوت الطبول كالرعد ، 

وانفتحت البوابات الرئيسية ، 

واندفع عدد كبير من الفرسان وهم يتسابقون لإسقاطها بالسهام


انطلق وابل من الأسهم كأنها تخترق السحاب والشمس


أسرني المشهد ….


تذكّرتُ أول مرة شاركتُ فيها بهذا الاحتفال ، 

وشعرتُ بغصّة ،


في ذلك الوقت ، لم نكن أنا وإخوتي قد تلطّخت أيدينا بالدم بعد

و كنا مجرد صبية طائشين متحمسين ، 

لا نعلم أننا بعد سنوات قليلة سنقف وجهاً لوجه في ساحات القتال ….


وباستثناء شياو لان، أصبح كلّ إخوتي عتبات لوصولي إلى العرش، 

عظام مدفونة تحت هذه الأرض الإمبراطورية


{ حتى لو كان جسدي قادرًا على الركوب والرماية الآن…

فلم يعد لي إخوة أتنافس معهم …


من سيكون التالي الذي يُدفن هنا ؟


شياو لان… أم أنا ؟ }


وبينما أفكّر ، مرّ بصري على الضباط العسكريين وهم 

يستعرضون مهاراتهم الفروسية


رأيتُ رجلًا يحمل الراية الكبرى المرسوم عليها هوو يي وهو 

يرمي الشمس ، يندفع وحده على ظهر حصانه


تبعه عدد من الفتية ، ربطوا شعرهم ، ووضعوا العصابات 

التي لا يحقّ إلا للأمراء ارتداؤها


أعينهم مغطاة ، ويرتدون ملابس ركوب بألوان مختلفة ، 

تتلألأ على دروعهم انعكاس الشمس


الفارس الذي يرتدي الدرع الفضيّ الأبيض في المقدّمة — سمعت خادمة بجانبي تهمس :


“ إنه ولي العهد الأول !”


راقبته وهو يقفز من على السرج بقدَم واحدة ، 

ويستند بجانبه الآخر على حصانه ، 

و بحركة خفيفة ورشيقة لا تُقاوَم — أخرج القوس من ظهره، 

ووضع السهم، وأطلق


كانت سهامه البيضاء تنطلق كالبرق نحو النسور التي تحمل 

كرات ' الغراب الذهبي '


لكن فجأة ، انطلق سهم أسود من الجانب ، 

و شقّ صفَّ السهام البيضاء ، وأصاب رأس أحد النسور


سقط النسر من السماء


تردّد صياح حاد


رأيتُ راية ميان ترفرف بقوة في الرياح 


وانطلق فارس يرتدي سواد كامل من خلف الراية 


أخرج قدمًا واحدة من الركاب ، وجثا على السرج ، 

ثم دار بجسده دورة حادة ، شد القوس إلى أقصاه


وبلمحة واحدة —

أطلق أكثر من عشرة سهام سوداء ، 

اخترقت الغيوم والشمس ، وأسقطت النسور التسعة جميعًا ——


كانت حركته كاملة ، بلا انقطاع ، جريئ ، طليق ، 

كأنها ضربة فرشاة من خطّاط عبقري





وحين سقطت الغرابـات الذهبية إلى الأرض ، 

خفّض قوسه وكبح حصانه ، 

تاركًا سائر الأمراء خلفه بمسافة كبيرة


طاف حول الساحة دورة واحدة ، 

ثم توقّف في مركز الميدان


وبيدٍ واحدة رفع راية ميان ، ثم تحت أنظار الآلاف ، استدار 

ينظر إلى منصة المشاهدة


هيئته المتعالية فوق ظهر الحصان أشبه بإلهٍ غاضب من آلهة القتل ، 

تنبعث منه رهبة تفوق سنوات عمره بكثير


— إنه شياو دو —- الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة بعد —


كان صامتًا طوال الوقت ، لكن صرخته في لحظة النصر 

كانت مذهلة ، سلبت وليّ العهد الأول بريقه بالكامل —-


كبحت دهشتي ، وشعرت بقشعريرة تسري في ظهري


كان انتزاعه النصر بتلك الطريقة الحاسمة اليوم خطوة 

محفوفة بالمخاطر وخارجة عن المألوف


لو كنتُ مكانه ، ما كنتُ لأجذب هذا القدر من الأنظار ولا 

لأجني هذه الغيرة


لكنني متأكد بأن شياو لان والوزراء لن يستطيعوا بعد اليوم 

تجاهل هذا الابن الخامس 


ولذلك ، وجب الاعتراف…


أنه كان أمرًا جيداً


{ الوقت قد حان لترميم العلاقة بيني وبين هذا الذئب الصغير ، 

لئلا يحمل ضغينة بسبب تلك الصفعة }


أنزلت رأسي وشربت الشاي ، أخطط ما سأفعله لاحقًا


{ كلمات لطيفة ومداعبة بسيطة لن تكون كافية


الشباب في هذا العمر يملكون كبرياء قوي


أحتاج إلى هدية لائقة … }


فكّرت قليلًا ، 

ثم أخرجت القلادة اليشمية الملطخة بالدم التي أحملها دائمًا


حين كنتُ إمبراطور ، كنتُ أحمل الكثير من الكنوز


أما الآن ، فلم يبقَى معي شيء جدير بالتقديم غير هذا


القلادة اليشمية :




مع حلول الليل ، 

انتهى احتفال الفروسية والرماية وسط ضجة عظيمة ، 

وبدأت وليمة العائلة الإمبراطورية في حديقة فوهوا


لم تكن لدي أدنى رغبة في رؤية شياو لان ولا وزرائي السابقين 


كنت أنوي التظاهر بالمرض والتغيّب ، 

لكن رغبتي بلقاء بالذئب — شياو دو 

جعلني أصعد إلى المحفة المتجهة إلى حديقة فوهوا


الطريق من بوابة الشمال إلى فوهوا طويل ،

غلبني النعاس حتى كدت أنام قبل أن نصل ، 

وكنت آخر الواصلين ، إذ كان جميع أقارب العائلة 

الإمبراطورية قد جلسوا في أماكنهم


ساعدني الخصيان في النزول من المحفة وأدخلوني إلى 

قاعة الحديقة


جلس شياو لان فوق المنصّة العالية ، 

و يحيط به الإمبراطورة ومحظياته ، 

بينما جلس الأمراء وكبار الوزراء على الجانبين


وما إن جلست حتى وقعت عيناي على شياو دو بين الأمراء ، 

ولاحظت أنه خلال نصف عام فقط ، بدا عليه تغيّر آخر واضح


فعلى الرغم من جلوسه الرسمي على الأرض ، 

كان واضح أن قامته أصبحت أطول وأشدَّ استقامة


وزيّه الأسود المطرّز بنقوش الثعبان منحه هالة مهيبة ، 

حتى أنه بدا أكثر بروزًا من الأمير الأول — شياو يو 

المعروف بوسامته ورقّته


ازدادت ملامح دمه المختلط وضوحًا ، 

فصار وجهه يحمل خطوط رجل مكتمل ، 

مما جعله فائق الوسامة ، 


حاجباه بارزين ، وعظمتي عينيه غائرة ، 

وعيناه الطويلة الضيّقة ، بلونهما الأخضر ، 

مخبأة تحت ظلٍّ عميق ، يصعب قراءة ما يدور فيهما


حدّقتُ به طويلًا ، لكن الذئب أبقى عينيه للأسفل ، 

وشفتيه النحيلة مغلقة بإحكام ، وكأنه لا ينوي الاعتراف بوجودي أصلًا


{ تسسك …

هل ما زال غاضبًا ؟ طبعه عنيد حقًا 


كانت مجرد صفعة …

ألا يحقّ لي — بصفتي عمَّه الإمبراطوري أن أضربه ؟ }


ابتسمت بسخرية بينما تقدّم خصيّ ليصبّ الخمر


رفع الجميع كؤوسهم لتحية شياو لان ، يمدحون الأمراء على 

مظهرهم المهيب في الاحتفال ، 

ويُعلنون أن سلالة شياو ما زالت تزخر بورثة أكفّاء


أما أنا ، فكنتُ في قلبي أدعو على شياو لان بألّا يُرزق بوريث واحد


وبطبيعة الحال لم أتجرأ على شرب الخمر


فعلى الرغم من أنّه من غير المحتمل أن يُسمّمني شياو لان 

في وليمة عائلية ، فإنني جعلته يفقد ماء وجهه أمام ابنه 

قبل أشهر ، ولا يمكنني الوثوق بأنّ هذا ليس فخًّا


لذا اكتفيت بترطيب شفتيّ ، ثم سكبت محتوى الكأس في كُمّي، وطلبت من الخصيّ أن يملأه مجددًا


وبعد ثلاث جولات من الشراب وخمسة أطباق من الطعام، 

بدأ الوزراء بالحديث


لم يتحدثوا عن السياسة مباشرةً ، لكنهم داروا حولها بطرق ملتوية ، 

متجهين شيئًا فشيئًا نحو قضية تعيين وليّ العهد


ولم تكن الإمبراطورة والمحظيات أقل دهاء ، 

فكلٌّ منهنّ بدأت تبتكر طريقة لمدح ابنها


الوليمة بحر مضطرب من التيارات الخفية ،  

يضمر فيه الجميع نياتهم الخاصة


أمّا شياو دو فكان مختلفًا حقًا ، 

كأنه منفصل عن كل هذا الصخب


فمع أنه متبنى من قِبل والدة الأمير الأول ، السيدة لي ، 

إلا أنّ الأم المتبنّية ليست أمًّا حقيقية

فلماذا تهتم بغريب نصفه من البرابرة وهي لا ترى الدنيا إلا 

من خلال ابنها ؟


وحين رأيت تعابير شياو يو المتعجرفة المتكبرة ، التي تُشبه 

أمَّه تمامًا، تسلّل شيء من الشفقة إلى قلبي تجاه شياو دو


وبصرف النظر عن وقاحته معي آخر مرة ، 

فإن هذا الذئب كان في الحقيقة… لطيفًا على نحوٍ ما


لكن مسألة وليّ العهد ليست من شأن إمبراطور مخلوع أن 

يتدخل فيها خلال الولائم


وقد سبق ووضعت خطة في ذهني


لقد عقدت العزم على اتخاذ الخطوة الأولى نحو مساعدة 

شياو دو سرًّا على الصعود


{ شياو دو…


لا أعلم إن كانت معرفتي بك نعمة أم نقمة عليك ..

لكنّك ستعرف قريبًا }


ولعلّه شعر بنظراتي ، فالتفت نحوي


التقت أعيننا لحظة قصيرة وقاطعة ، ثم أبعد نظره ، 

ورفع كوب الخمر ، ثم رفع رأسه وشربه دفعة واحدة


وكأن العطش داهمه فجأة ، شرب عدة كؤوس متتالية


وظهر احمرار خفيف عند أذنيه ، ثم سعل مرتين في قبضة



شياو لينغ بسخرية { لا يتحمّل الخمر ، ومع ذلك يشرب بهذا التهوّر ؟


ألم يرث أي قدرة في هذا الجانب من دمه الوحشي ؟ }


شياو لان:

“ لِمَا لا يتناول الإمبراطور المتنحّي شيئًا من الطعام ؟ 

أليست الأطباق التي أعددناها له خصيصًا على هواه؟”


أسندتُ خدي على يدي واتكأت على الطاولة بلا مبالاة ، 

وقلت بفتور :

“ ليس الأمر كذلك ، لكنني مرهق جدًّا وأعاني من صداع

لا أشعر بالجوع إطلاقًا ، 

فهل يأذن لي جلالتك بالخروج للراحة مبكرًا ؟”


نظر إليّ بضعة وزراء ممّن خدموني قديمًا ثم انقلبوا إلى 

جانب شياو لان، بملامح يختلط فيها الأسف على مصيري، 

وكأنّهم يرثون الإمبراطور الشاب المندفع الذي كنتُه ذات يوم


ضحكت في سرّي باستهزاء

{ يومًا ما —- حين أستعيد العرش ، أول ما أفعله هو قطع 

رؤوس هؤلاء الوزراء … 

لا… ليس الرؤوس فقط


بل ينبغي تقطيع أجسادهم ألف قطعة }


راقب شياو لان المشهد بفضول بالغ ، ثم صفق بيديه


دخل صفّ من وصيفات القصر ، اثنتان منهن تحملان 

ملابس أوبرا حمراء فاخرة مطرَّزة بنقش اللهب الذي يرمز 

إلى الإله شيهي 


نفس الزيّ الذي ارتديته من قبل


شعرت بنذير شؤم يهبط على صدري



وكما توقعت ، قدّمته الوصيفات إليّ



ابتسم شياو لان


: “ سمعت أنّ الإمبراطور المتنحّي يحب الغناء ليلًا ، 

ويؤدي دور الإله شيهي للتضرّع من أجل طقسٍ جيد لمملكتنا ميان

والكل في القصر يقول إن أداءك بديع

… هل يتكرم الإمبراطور المتنحّي بأداء مقطع لنا و لوزرائنا الأعزّاء ؟”


اسودّ وجهي ، وحدقتُ به ببرود


وضع شياو لان كأسه جانبًا

: “ أيعقل أن يحتاج الإمبراطور المتنحّي لأن يبدّل ثيابه بنفسه والخدم موجودين ؟”


وما إن أنهى جملته حتى هجموا عليّ عدة وصيفات


جرّدوني بوقاحة من معطف الثعلب ، ثم الرداء الخارجي ، 

وحتى الطبقة الوسطى من أرديتي ، 


لم يبقَى عليّ سوى القليل ، شبه عارٍ أمام الجميع



و أجبَروني على ارتداء رداء الأوبرا


لم يكن في جسدي قوة ، فلم أستطع مقاومة بضع نساء


قاومت حتى غَرِقت عرقًا وشارفتُ على الإغماء 


وبعد أن ألبسْنني الرداء ، لطّخن وجهي بالمساحيق ، 

ووضعن حُلِيّ النساء وأقراطهن، 

ثم دفعوني إلى وسط قاعة الحفل


انهرتُ على الأرض وبدأت أسعل بلا توقف


و للحظة —- عمّ الصمت القاعة


لم يتوقع أحد أن يرتّب شياو لان مثل هذا المشهد ….


تصفيق… تصفيق… تصفيق


أول من صفق هو الأمير الأول — شياو يو 



شياو يو  : “ لطالما سمعتُ عن جمال عمّي الإمبراطور 

المتنحّي الذي لا يُقارن ،، 

لم أتوقع أن تبدو فاتنًا هكذا بزيّ الممثلين ،

حقًا… رؤية العين أصدق من السمع .”


رفعتُ عينيّ—المحمَرّتَين—ونظرت إليه بحدة


ارتجف شياو يو من نظرتي وتلاشت ابتسامه


ومن دون قصد تحركت عيناي نحو شياو دو


كان لا ينظر إليّ و قبضته تشد الكأس بقوة حتى ابيضّت 

مفاصله ، ووجهه وأذناه محمرّتان


أغمضتُ عينيّ ، وأسندتُ نفسي لأقف


شددت على أسناني، ثم تصنعت ابتسامة

لوّحتُ بكمّي وبدأت أغني :

“ أتوسل للآلهة شيهي ألّا تعجِّل خُطاها ، 

ولتتأمّل جبل يانزي قبل أن تمضي…”


الإمبراطور المتنحّي مكانته لا تعلو على الإمبراطور الحالي


أجبرني شياو لان على الغناء… فكان عليّ أن أغني


{ شياو لان… أقسم ، هذا العار الذي أبتلعه اليوم… 

سأردّه عليك مئة ضعف }


عندما انتهيت ، على القاعة عاصفة من التصفيق، 

لكنها في أذني بدت كطبول جنازة


كان نفسي متقطع ، فسعلتُ دماً


عندها فقط أذن لي شياو لان بالمغادرة


ساعدتني الوصيفات على ركوب المحفّة ، وقبل أن أرحل ، 

أجبروني على شرب جرة كاملة من الخمر


خمر دم الأيل—شراب مقوّي شديد الإشعال للجسد

( مثير للشهوة ) 


وما إن تمددت في المحفّة منهوكًا حتى شعرت أن جسدي 

كله يشتعل، ودمي يغلي


بدأتُ أرتجف من الرأس إلى القدمين


منذ عزلي عن الحكم وأنا أعيش في عزلة، 

وامتنع بطبيعة الحال عن كل شهوة


فلمّا داهمني الشراب القوي، لم أحتمل


و مددتُ يدي إلى بنطالي ، وبدأت أعبث بنفسي ببطء


لكن الخمر كان أقوى مني، ومرضي أضعفني


لم يكن لدي حتى القوة الكافية لأطلق العنان لنفسي


ظللت أداعب نفسي طويلًا بيد مرتجفة ضعيفة ، 

ولكن بدلاً من أن أشعر بالراحة — زاد النار اشتعالًا


عضضتُ كمّي، والخزي والغضب يعصفان بي


أردت أن أمسك بخادمة القصر لأفرغ رغباتي 


مددتُ يدي ورفعت ستار المحفّة ، 

لأرى كم تبقى حتى أصل إلى قاعة التأمل 

لكن ما رأيته كان ممر قصر مظلم … 


{ هذا .. هذا ليس طريق العودة إطلاقًا }


شعرت بصدمة من الذعر —- صرخت على الحمّالين :

“ لقد أخطأتم الطريق! إلى أين تذهبون ؟!”


: “ إجابةً لسؤال للإمبراطور المتنحّي… 

نحن متجهون إلى قصر جلالة الإمبراطور.”


: “ كيف تجرؤون… أعيدوني !”


تشبثت بالستار ، اهتز جسدي وسقطت من المحفّة على 

البلاط الحجري


الضربة تسببت بدواري وتشوّشت رؤيتي


فجأة سمعت قرع حوافر حصار يقترب بسرعة


بالكاد رفعتُ عيني … 

فرأيت فارس مندفعًا نحوي كالعاصفة


أوقف حصانه بمهارة وهبط


وقع حذائه الجلدي على الحجر كان قاسيًا واضحًا


اقترب، ومد يده، ورفعني إلى حضنه


الحمّالين : “ يا… يا صاحب السمو الخامس !”


شياو دو : “ أود أن أرى من يجرؤ منكم على أخذه ! ”


ما إن سمعت هذا الصوت المراهق ، الثقيل ، المتكسّر ، 

حتى ارتخت كل خلايا جسدي… وغُشي عليّ ..


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • عادي
  • متطور
  • ترتيب حسب الاحدث
    عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق
  1. يا ليل من الامبراطور ذاك المم*حون مافي فايدة يعني صدق

    ردحذف

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي