Ch52 الإمبراطور الأسير
بعد تسعة سنوات ، جلستُ مجددًا على عربتي المزينة بالعاج الأبيض فوق الفيل الأبيض ،
أخرج بصفتي إمبراطورًا إلى ساحة الحرب
كان موسم أزهار الألف يوم قد عاد
و المدينة كلّها متوهّجة بأزهار الأمارانث الحمراء النديّة ،
لكن هذا العام تحمل في لونها شيئًا من القسوة والحداد
فُتِحَت أبواب المدينة ببطء ——
انسكبت أشعة الشمس الأولى — دافئة ، انعكست فوق
درعي القرمزي ، فأضاءته كأنني شهاب أحمر يشقّ الهواء
نظرت من فوق إلى الآلاف من التابعين المنحنيين أمامي ،
فامتلأ قلبي مجددًا بتلك العظمة التي لا يدركها سوى الملوك
حتى وإن كانت قدماي لا تقويان على الوقوف ،
إلا أنّ عزمي على قهر الأعداء راسخ قوي
رفعتُ قوسي، وسدّدت سهمًا نحو الشمس العالية فوق بوابة المدينة
وفي اللحظة نفسها ، علت هتافات الناس :
— يعيش الإمبراطور ، عاش عاش عاش
هديرٌ كالبحر ، غطّى السماء والأرض
للحظة ، شعرتُ بالذهول —- رأيتُ شخصاً يرتدي درعاً
أسود راكعاً أمام الأبواب ، ثم اختفى في لحظة
خلف البوابات إمبراطوريتي الشاسعة ،
أرضي الممتدة بلا حدود ،
أمّا هو… فلم يعد في هذا العالم ….
اشتدّت رياح الخريف ، فلوّحت بالسوط ، وأمرتُ بالمسير خارج البوابات
⸻
كانت المعلومات الاستخباراتية العسكرية عاجلة ،
وتدفقت تقارير الهزائم —-
لمنع الملك ووجو من عبور النهر والتسلل إلى مركز البلاد ،
سافرنا بشكل سريع ، ووصلنا إلى ضفة النهر في أقل من عشرة أيام ،
قبل أن يصل هجوم ووجو إلينا ، دخلتُ أولًا المعسكر
المحصن على ضفة النهر ، وأمرتُ الجيش بنصب الخيام ونشر القوات
السدّ — الذي يرتفع عشرات الأمتار ، آخر جدار يحمي مركز
وطننا —- أهم حاجز دفاعي لبلادنا ——
عليّ الدفاع عنه بكل قوتي ، و عليّ أيضًا قلب الموازين
والتغيير من الدفاع إلى الهجوم —- نهر الغروب سريع
الجريان ومضطرب ، ويصعب عبوره بالقوة
نشرتُ موقع للسهام على ضفة النهر ،
ثم أرسلتُ جزءًا من القوات لعبور النهر سرّاً ،
ليكونون قوة التفاف تُطبق على جيش التشِيّ من الخلف ،
ويدفعونهم نحو الماء ،
الملك ووجو قادم كالإعصار —-
ومصير البلاد يتوقف على هذه الليلة ——
⸻
لم أنم …
الخيمة باردة ، والرياح تضرب بلا رحمة
عاد ألم ركبتيّ ، ألم حاد كالسكين ، حتى المدفأة الصغيرة
تحت البطانية لم تُجدِي نفعًا
ومع اقتراب ساعة المعركة ، استدعيت باي لي و لي شيو لمناقشة الوضع
لم نكاد نتبادل سوى كلمات معدودة ، حتى شقّ صوت
البوق أرجاء الليل ——
“ جيش الشياطين وصل !”
رفع باي لي ستار الخيمة ، ونظرتُ عبر الظلام
ألسنة نار تتراقص بين الجبال ، تمدّ جذورها كأنها وحش يستيقظ
أمرتُ بارتداء الدروع ، ثم ساعدوني للصعود إلى أعلى الحصن
تزايدت النيران ، وانتشرت ، ثم ظهر السواد— جيش كامل ،
كثيف كأسراب الجراد
توقّفوا على بعد مئة متر من الضفة ، مشكلّين تشكيل دفاعي
لم يتعجلوا الهجوم —-
وفي وسط ذلك الجيش ، تقف عربة حرب عملاقة ،
تدور فوقها شفرات كالمنجل —-
وفوقها جلس رجل ضخم ، كجبل من الحديد
عرفته دون أن يُعرّف —-
بالتأكيد ذلك… هو الملك ووجو —-
شياو لينغ بحدة :
“ هاتوا منظار عين الصقر…
أريد أن أرى ما الذي يخطّط له هذا ووجو "
ناولوني المنظار
نظرتُ عبر الأنبوب
رأيته ——
ووجو يرتدي معطف كثيف من فراء الذئب ،
جسده قويّ كجبل ، وعلى وجهه قناع ذهبي ،
نصف شيطان ونصف وحش ،
متكئ بكسل على مقعد العربة ، يربّت بيده على رأس ذئب
ثلجي ضخم تحت قدميه ويطعمه ، في هيئة كسولة
مرتاح ، متعجرف … وكأن جيوشي الخمسين ألف أمامه
مجرد زينة على الضفة
شديت شفتيّ في ضيق
{ بربريّ وقح… ويجرؤ على الاستفزاز ؟ }
أشرت بيدي ، فأُسند العرش المتحرّك حتى أكون في مكان
أعلى ، أطلّ عليه من فوق
رفع رأسه أيضاً —
القناع الذهبي يلمع تحت وهج النيران … كأنه يبتسم
ابتسامة مليئة بالسخرية والازدراء
ازددتُ غيظًا
أمسكت راية الإمبراطور بجانبي ، ولوّحتُ بها بشدّة
هدرَت الأصوات —- الأرض اهتزّت تحت أقدام الجنود
عندها … وقف ووجو ببطء —-
الذئب الثلجي انتفض ، ورفع رأسه ، ثم أطلق عواء طويل شقّ السماء
وفي لحظة ، على عواء الذئاب في كل جانب ، مخيف
كصوت الموت نفسه
وضع ووجو قدمه على مقدّمة العربة
ثم انطلقت فجأة من مقدّمتها منجنيقة ضخمة تحمل
ثلاث سهام هائلة ، كلّ سهم منها بسمك ساق رجل
و انطلقت نحو الحصن بسرعة الصاعقة ——-
ارتجف قلبي
{ عليّ أن أبادر بالهجوم …. } صرختُ على الفور :
“ ارموا السهام !”
انطلقت سهامنا كالمطر ، تسوّد السماء
وفي المقابل ، رفع الشياطين دروعهم ، يشكّلون جدارًا معدنيًا ليصدّوا السهام
ثم جاء صوت كالرياح يشقّ الفراغ ——
الثلاثة السهام العملاقة اصطدمت بأعلى الحصن ——
و خلفها … ثلاث سلاسل ضخمة تدلّت في الهواء ،
تشكّل جسرًا حديديًا بين الضفتين ——
رفعتُ عيني —ثم رأيته يقفز
ووجو أمسك سيفًا طويلًا من ذهبي وأسود
قفز فوق ظهر الذئب الثلجي ، واخترق وابل السهام كالبرق ،
متجهًا نحونا —-
و خلفه فرسانه ، ركضوا إلى السلاسل —
بعضهم طرحوا أنفسهم على السلاسل بدروعهم ، يكوّنون جسورًا بشرية
ثم قفز الذئب… حاملًا ووجو —- كأنه صاعقة تشقّ الغيوم
وفي رمشة عين… أصبح على سطح السد —-
لم يخطر لأحد أنه سيقتحم وحده ——-
فوجئ الجميع ——
وفي لحظة ، كان على بُعد خطوات مني ——
خطفني باي لي من على الكرسي ، وهرب بي مبتعدًا
صرخت وأنا أتعلّق بعنقه :
“ ارموا السهام !”
انهالت السهام على ووجو ——-
لمع سيفه ، وتحطمت السهام ——-
يلوّح بسيفه فوق رأسه كما لو كان مظلّة ، يتقدّم بخطوات
ثابتة ، بلا تردد… كأنه يمشي في حديقة
{ هذا الرجل… لا يريد النصر …
يريد رأسي …
يعرف أن القبض على الحاكم يعني سقوط الجيش كله —- }
خلفه ، جيش التشي والممالك التسعة يكملون عبورهم عبر السلاسل
سقط بعضهم تحت سهامنا ، فيصعد غيرهم
كالسيل… لا يتوقف —-
والخطّ الدفاعي… يوشك أن يتحطّم
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق