Ch51
لاحظ لين روفي أن فو شوي كان على وشك الانهيارًفقرر تركه وشأنه نهض ثم وجد أمامه كرسيًا خشبيًا ليجلس عليه وباحثًا عن وضعية مريحة
قبل أن يقول: “تحدث.”
تحدث فو شوي الملقى على الأرض وبصوت منخفضًا بعض الشيء: “فو يو ، فو يو هو أخي الأكبر…”
قال لين روفي: “ارفع صوتك.”
ارتسمت على وجه فو شوي ملامح المرارة لكنه لم يجرؤ على معارضة لين روفي فهز رأسه
ورفع صوته: “فو يو هو أخي الأكبر ، واسمي… هو فو شوي.”
فو يو الأخ الأكبر لفو شوي كان يتمتع بطبيعة وشخصية أفضل من أخيه بالإضافة إلى موهبة تفوقه نشآ في قرية فو التي تميزت بأراضيها المالحة والقاحلة وللتغلب على قسوة الحياة التحقا بمعلم فنون قتالية في مدرسة محلية لتعلم فن السيف البدائي
ذلك المعلم رغم ممارسته لفنون السيف على مدى خمسين عامًا الا انه لم يتجاوز المستوى الثالث في زراعته
في عالم الجيانغهو بالكاد كان يساوي سمكة صغيرة عالقة بين أسنان مفترس، لكنه في قرية فو ، لذا يعد ذلك كافيًا.
فو يو كان موهوبًا بالفطرة في ممارسة السيف وبينما هو وفو شوي يتدربان على نفس الأسلوب الا انه احرز تقدماً سريعًا حتى أنه تجاوز معلمه بفترة وجيزة ومع عدم قدرة المعلم على تقديم المزيد من المعرفة لفو يو بدأ الأخير يفكر في التجوال حول العالم.
قال فو يو وهو يشحذ سيفه: “لقد عانينا الفقر في قرية فو لأجيال لا بد من إيجاد طريقة للخلاص.”
رد فو شوي دون اكتراث: “وأي طريقة يمكن أن تكون؟ الأراضي هنا كلها مالحة ما إن نزرع البذور حتى لا تتمكن من الإنبات…”
لكن فو يو أصر قائلًا: “سيكون هناك دائمًا طريق.”
اعتبر فو شوي كلام أخيه مجرد أوهام إن كان هناك حل لكانوا وجدوه منذ زمن ولما بقيت قرية فو غارقة في الفقر لأكثر من مئة عام حاولوا الانتقال لكن لم تكن هناك قرى أو أراضٍ مناسبة لاستقبالهم وهكذا استمروا في التعايش مع أوضاعهم جيلاً بعد جيل.
غادر فو يو المنزل عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره وفي السنوات الأولى حافظ على تواصله مع عائلته لكنه انقطع لاحقًا
الجيانغهو غدار وظن الجميع أن فو يو قد لقي حتفه لكن فجأة عاد إلى القرية وقد وصل إلى المستوى السادس في زراعته.
عندما ذكر فو شوي ذلك رفع يده ومسح عينيه شبه المحتقنتين بالدموع
قائلًا: “لا أفهم كيف يمكن لشخص مثل أخي أن يحظى بحظ جيد ويواجه مثل هذه الفرص العظيمة؟!”
سأله لين روفي: “هل تغار منه؟”
رد فو شوي بغيظ: “ومن لا يغار؟! لو كنت مكاني ورأيت أخاك الذي نشأت معه يصبح بهذه القوة بينما أنت عاجز ألن تشعر بالغيرة؟!”
أخذ لين روفي كلماته بعين الاعتبار ووجد أن حالته كانت مشابهة لحالة فو شوي ومع ذلك طوال عشرين عامًا لم يشعر أبدًا بالغيرة تجاه إخوته أو أخته عدم قدرته على رفع السيف لم تكن مشكلة كبيرة بالنسبة له ورغم وجود بعض الحسرة إلا أنه لم يكن كافيًا ليُثير مشاعر الحقد في قلبه ربما هذا هو الفرق بين الناس لم يستطع فهم فو شوي وفو شوي لم يستطع فهمه.
وبما أنه لم يكن هناك فائدة من محاولة تفسير ذلك قرر لين روفي أن يتجاهل الإجابة تمامًا ارتسمت على وجهه ملامح الملل ولوح بيده مشيرًا إلى فو شوي لمواصلة حديثه.
أخذ فو شوي نفسًا عميقًا وشد على أسنانه قبل أن يكمل
: “بعدما عاد ظننت أنه سيأخذنا بعيدًا عن قرية فو ، لكن من كان يظن أنه سيرفض ذلك…”
كان مزارع السيف ذو المستوى السادس كافيًا لجعل عائلته تعيش حياة رغيدة في أي مكان آخر وكل ما عليهم فعله هو مغادرة هذه الأرض الميتة التي لا تنبت فيها الأعشاب…
لكن فو يو رفض عرض فو شوي لم يكن يرغب في مغادرة هذا المكان.
قال فو يو بهدوء وهو يواجه انتقادات أخيه “شياو شوي لا أريد الرحيل ، أهل قرية فو يعانون كثيرًا كنت دائمًا أفكر في طرق لتغيير هذا المكان والآن أخيرًا وجدت طريقة.”
“وما هي؟” سأل فو شوي.
قال فو يو بابتسامة هادئة وهو يربت برفق على رأس أخيه تمامًا كما اعتاد أن يفعل عندما كانا صغيرين
“لقد تعلمت الكثير من التشكيلات مع ذلك المعلم الكبير إحدى تلك التشكيلات تُسمى تشكيل تجميع الروح باستخدام هذا التشكيل يمكن جعل المحاصيل تنمو في الأراضي المالحة.”
ثم تابع بابتسامة: “ألا تتطلع إلى ذلك؟”
تجمد فو شوي للحظة ثم تساءل بتردد: “حقًا؟”
أومأ فو يو بثقة: “بالطبع.”
حين سمع فو شوي ذلك ارتسمت على وجهه علامات الفرح فمن الذي لا يتمنى أن يرى موطنه يتحول إلى مكان غني؟ لقد نشأ هو وفو يو في هذه القرية الفقيرة كانت عائلتهما تعاني الفقر القاسي
والدهم كان يضطر للسفر للعمل بينما كانت والدتهم تأخذ الطفلين لتستجدي الطعام على الطرقات ذاقا مرارة الحياة بما يكفي.
وعندما كبرا قليلاً تمكن الشقيقان من العمل في مدرسة الفنون القتالية فتحسن حال العائلة قليلاً ولكن حتى مع ذلك كانوا يعانون من الجوع يومًا ويشبعون بالكاد في اليوم التالي لم يتذوق فو شوي طعم الحلوى حتى بلغ العاشرة من عمره.
كانت تلك أول مرة يذوق فيها حلوى الشعير
فو يو هو من اشتراها له لم تكن سوى قطعة صغيرة بحجم الإبهام ولم يأكل فو يو منها بل قسمها بعناية إلى نصفين أعطى نصفًا لفو شوي واحتفظ بالنصف الآخر لأخيه الصغير.
إلى يومنا هذا لا يزال فو شوي يتذكر الطعم الحلو لتلك الحلوى.
كان فو يو دائمًا صادقًا في وعوده وبعد فترةجاء غريب إلى منزلهم وبدأ يساعد فو يو في إعداد التشكيل.
شعر فو شوي بالسعادة أيضًا حتى جاء يوم فجأة أخبره فيه فو يو أنه قد يضطر للذهاب لبعض الوقت.
قال فو شوي بدهشة وهو يحدق في توأمه: “تذهب؟ إلى أين؟ ألم تقل إنك ستكمل إعداد التشكيل لزراعة المحاصيل؟ هل انتهيت منه؟ هل يمكن زراعة المحاصيل الآن؟”
أومأ فو يو: “اقتربنا جدًا لم يتبقَ سوى وضع عين التشكيل.”
سأله فو شوي بقلق: “عين التشكيل؟”
ابتسم فو يو: “نعم عين التشكيل.”
لو كان شخصًا آخر لربما انطلت عليه خدعة فو يو لكن فو شوي لم يكن شخصًا آخر بل كان توأم فو يو وأقرب الناس إليه مما جعله يفهم أخاه أكثر من أي أحد آخر
رد فو شوي بصوت متوتر: “أنت تكذب علي أليس كذلك؟ أخي إلى أين تنوي الذهاب؟”
عقد فو يو حاجبيه قليلًا.
سأل فو شوي بصوت مريب: “هل هناك خطب في ذلك التشكيل؟”
لم يجب فو يو مباشرة بل رد بسؤال آخر: “ألا تريد أن ترى حقول عائلتنا تثمر بالمحاصيل؟”
كيف لفو شوي ألا يريد ذلك؟ وجود المحاصيل يعني أن عائلتهم لن تعاني الجوع مجددًا هذه الأرض ملكهم، يمكنهم زراعة الكثير من الطعام والعيش عليها لأجيال لن يضطروا بعد الآن للتسول أو التوسل للآخرين من أجل البقاء كان هذا حلم فو شوي وفو يو منذ الطفولة ولكن الآن عندما أقسم فو يو أن هذا الحلم على وشك أن يصبح حقيقة شعر فو شوي أن الأمر مجرد وهم غير حقيقي.
قال فو شوي: “لكن يا أخي أنت الآن مزارع سيوف من المستوى السادس يمكنك أن تغادر هذا المكان بسهولة… لا داعي لأن تهتم بهم…”
لم يتحدث فو يو بل ربت على رأس فو شوي برفق مجددًا بنفس الحركة اللطيفة ولكن الحازمة وقال: “شياو شوي أنت لا تفهم.”
نظر فو شوي إلى أخيه بحيرة لم يكن يفهم بالفعل لم يكن يفهم لماذا اتخذ فو يو هذا القرار في عينيهربدا فو يو عنيدًا كالأحمق ولكن كيف يمكن لأحمق أن يتعلم تقنية سيف بهذه القوة؟
لم يقدم فو يو أي تفسير إضافي
ما حدث بعد ذلك تطور بشكل منطقي تم وضع التشكيل بنجاح ولكن فو يو اضطر إلى الرحيل بمفرده وقبل مغادرته وجد فو شوي وسلمه سيفه طالبًا منه أن يحتفظ به لبعض الوقت.
سأل فو شوي: “لماذا تسلمني شيئًا مهمًا كهذا؟ هل لن تعود؟”
أجاب فو يو: “سأعود عندما تكون المحاصيل وفيرة في العام القادم ، سأعود.”
حدّق فو شوي في أخيه مشككاً : “حقًا؟”
ابتسم فو يو ابتسامة هادئة ووضع يديه على رأس شقيقه مرة أخرى بنبرة مطمئنة كأنه لا يزال نفس الأخ الأكبر الذي كان يواسيه عندما كان يبكي جوعًا في طفولته: “شياو شوي ، انتظر عودتي حسنًا؟”
رد فو شوي بصوت مفعم بالمشاعر: “أخي سأنتظرك عليك أن تتذكر… أن تعود.”
أمسك بالسيف بإحكام وبينما كان يتأمل تساءل في داخله كيف يمكن لمزارع سيوف يوشك على السفر بعيدًا ، ألا يحمل سيفه معه… هل سيعود حقًا؟
غادر فو يو بطريقة حاسمة وقبل مغادرته أوصى عائلة فو بشراء المزيد من البذور وزراعتها في الربيع القادم حتى يتمكنوا من جني محاصيل وفيرة.
لو انتهت القصة عند هذا الحد لكانت حكاية مؤثرة ولكن للأسف ، مع تطور الأحداث بدأت تختلط بمشاعر أخرى.
الشخص الذي ساعد فو يو في وضع التشكيل ذهب إلى شيوخ عائلة فو وبعد بعض النقاشات الخاصة معهم أعار عائلة فو مبلغًا كبيرًا من المال فجأة.
سأل فو شوي والده بعدم فهم: “من أين حصلت على كل هذا المال؟ وماذا تنوي أن تفعل به؟”
أجاب الوالد: “الرجل طلب منا شراء كل الأراضي المحيطة هنا.”
قال فو شوي بدهشة: “شراء؟”
أومأ الوالد: “أجل ألم يقل فو يو إنه يريد وضع تشكيل يجعل الأرض تنتج المحاصيل؟ وبعد ذلك ألا تكون الأرض أكثر قيمة؟”
ثم تابع بتردد: “ألا تعتقد أن هذا ما كان يعنيه؟”
نظر فو شوي إلى الحماس على وجه والده وشعر للحظة أنه عاجز عن الإجابة لم يكن بنفس نُبل فو يو
أهم شيء يشغل تفكيره هو كيفية إطعام نفسه.
قال الوالد: “الرجل أيضًا أقرضنا هذا المبلغ الكبير من المال يجب أن يكون كافيًا لشراء الأراضي المحيطة…”
سمع فو شوي في صوت والده بعض التردد لكنه وافق قائلًا: “إذن اشترها.”
اشتروا كل الأراضي المحيطة على أي حال كان فو يو هو من وضع التشكيل لذا فإن عائلتهم تستحق ذلك هكذا أقنع فو شوي نفسه.
كان الفلاحون الآخرون متفاجئين من أن عائلة فو أنفقت كل هذا المال لشراء تلك الأراضي الأرض المالحة كانت بلا قيمة ولا أحد يريدها والآن بعد أن أراد أحدهم شراءها بدا الأمر وكأنه فرصة جيدة.
في ذلك الشتاء أصبحت صكوك الملكية تدريجيًا في أيدي عائلة فو.
قال فو شوي بعد ذلك: “عندما حل الربيع أنا من ذهب لزرع البذور بنفسي.”
تغير تعبيره أثناء حديثه مع لين روفي وكأنه غارق في ذكريات لا مفر منها
“لم أكن قد عملت في الزراعة من قبل فلم أكن أعرف حتى إن كنت قد زرعتها بشكل صحيح لكن يبدو أن هذا لم يكن مهمًا لأن الأرض بدأت بعد بضعة أيام تنبت براعم خضراء…”
تابع فو شوي وصوته يحمل نبرة باردة: “كان المنظر جميلًا للغاية لم أرَ في حياتي شيئًا بهذا الجمال خلال بضعة أيام فقط غطى الزرع الأخضر الأرض بأكملها عندما تهب الرياح تتمايل حقول القمح وتلك الذرة الطويلة التي تفوق طول الإنسان… إن قضيت يومًا كاملًا تحت أشعة الشمس في تلك الحقول، لن تشعر بالملل.”
لكن فجأة تغيرت نبرته وقال بسخرية باردة: “لكن مع كل هذا الجمال ، من السهل أن تشعر بالملل.”
سأل لين روفي: “هل مللت منه؟”
رد فو شوي بازدراء: “بالطبع مللت منه ، أليس من الطبيعي أن أمل؟!”
ثم أشار إلى الباب حيث يقف الخدم والمحظيات يرتجفون خوفًا وقال بجنون : “انظر إليهم ، كلهم من عائلة فو كلهم خدمي إن أردتهم أن يعيشوا عاشوا وإن أردتهم أن يموتوا ماتوا فورًا!”
ارتفعت حدة صوته وانفعالاته “وهذه القرية ، وهذا القصر أليس جميلًا؟! تلك الحقول لا شيء مقارنة بهذا!”
نظر إليه لين روفي ببرود وقال بهدوء: “لم أعترض على كلامك أصلًا ، فلماذا كل هذا الانفعال؟”
كان فو شوي يلهث محاولًا استعادة أنفاسه.
سأل لين روفي: “أم أنك تشعر أن هناك خطبًا ما أيضًا؟”
أمال فو شوي رأسه بعيدًا ، متجنبًا النظر إلى عيني لين روفي.
قال لين روفي: “تابع حديثك من هو مو مو؟ وما علاقته بك؟”
أجاب فو شوي: “مو مو هو الطفل الذي جلبه ذلك الرجل وقال إنه ابن أخي الأكبر.”
أضاف باستياء: “لكنه يبدو غبيًا للغاية ، مجرد النظر إليه يثير الملل… بالإضافة إلى ذلك…”
قاطعه لين روفي: “بالإضافة إلى ماذا؟”
زفر فو شوي بغضب: “بالإضافة إلى أن أخي الكبير كاذب أيضًا قال إنه سيعود في الخريف أو الشتاء ولكنه لم يعد! أعلم أنه لن يُعجب بما فعلته عائلة فو ولكنه في النهاية فرد من العائلة—لماذا يحتقرنا؟ لماذا لا يريد العودة؟!”
أسند لين روفي ذقنه بيده ، ينظر إلى فو شوي كأنه وحش وقال: “أنت غريب حقًا.”
كان فو شوي يلهث وعيناه متوهجتان بالدموع.
سأل لين روفي: “هل تريد منه أن يعود أم لا؟ هل تحبه أم تكرهه؟ هل تستمتع بكل ما جلبه لك أم أنك تحمل له كراهية وحتى خوفًا؟”
لم يستطع فو شوي الإجابة.
البشر معقدون بطبيعتهم ولا يمكن حصرهم في مفاهيم الخير والشر البسيطة أما فو يورفقد كان مختلفًا كان شخصًا نقيًا وهذا النقاء وحده هو ما يجعل منه مبارزًا لا مثيل له ولكن مثل هؤلاء الناس نادرون جدًا وحتى في جيانغهو لا يوجد منهم سوى القليل.
تعليقات: (0) إضافة تعليق