Extra22
عنوان الفصل: موعد شوي مينغ الأعمى مع الأخت الصغرى بائعة الشاي (الجزء الثالث).
في اليوم الذي التقيا فيه لأول مرة عند بركة الصوت الرائع، وبسبب الارتباك الحاصل في المشهد، لم يستطع مي هانشوي تذكّر بعض التفاصيل بوضوح. ولكن باختصار، وبسبب تلعثمه وصعوبة نطقه وفشله في الدفاع عن نفسه، انتهى به الحال إلى أن رماه أحد الإخوة الكبار من قمة الحياة والموت في قاعة يانلو ليتأمل في أفعاله.
وأثناء الجلبة والتدافع، فقد مي هانشوي رداءه في البركة.
كان ثوبه خفيفًا، وشعره الطويل الأشقر الشاحب منسدلًا، وعيناه بلون اليشب تحدقان في المكان، بينما كان واقفًا في القاعة عاجزًا تحت لافتة كُتب عليها: 'تأمل في ولائك،يجب ألا يتغير في الحياة أو الموت'، والشعور بالظلم يملأ قلبه.
قال بصوت مبحوح: “دعوني أخرج…” كان الجميع يعاملون هذا الشاب المتهم بجفاء، ولم يتركه أحد. لكن بعد فترة، جاء أحد الإخوة الكبار من قمة الحياة والموت وأعطاه ملابس، قائلًا: “السيد الشاب أرسلها لك”، ثم أعطاه أيضًا كتابًا.
فتح مي هانشوي الملابس، فوجد أنها ثياب تلميذة. ثم نظر إلى الكتاب، فكان نسخة من 'فضائل النساء'.
في الواقع، كان مي هانشوي شخصًا متسامحًا جدًا، من النوع الذي يصعب إغضابه، لكن هذه المرة انعقد حلقه من الغيظ لدرجة أنه اختنق.
كان يعلم أن مدينة لين يي لها عاداتها الخاصة، وقصر كونلون له قوانينه، وسيتشوان لها تقاليدها. على سبيل المثال، كان يكره أكل لحم الخنزير، لكن قبل مغادرته، حذّرهم معلمهم أن العالم مليء بأناس مختلفين، ولكل واحد منهم تفضيلاته، وربما يكون ما يمقته أحدهم محبوبًا لدى آخر. لذلك، لطالما احترم مي هانشوي الآخرين — فمثلًا، لم يكن ليصرخ بـ 'مقزز!' أمام شخص من سهول الوسطى وهو يأكل قدم خنزير مشوية بسعادة.
كان سيشعر بالقرف داخليًا، لكنه كان يناوله الملح والفلفل بأدب. ثم يعود إلى المنزل ليغسل يديه مئة مرة.
لكن هذا 'السيد الشاب' لم يعرف كيف يحترم اختلافات الآخرين على الإطلاق؛ ليس فقط أنه لم يفهم معنى 'أن يأتيك صديق من بعيد، أليس ذلك بحد ذاته بهجة؟' ، بل أرسل له أيضًا ملابس نسائية وكتاب فضائل النساء ليهينه —
ألم يكن قد دخل حمامًا بالخطأ؟ ألم يكن من الممكن الحديث بالأمر؟ لماذا اختاروا استخدام الشدة والإذلال؟
لم يفهم مي هانشوي، الذي كان غريبًا يخطو أولى خطواته في العالم الخارجي، هذا الأمر، ولم يشأ أن يفكر فيه كثيرًا، فحشر غضبه في قلبه.
كان الليل قد حل، والبرد شديد، ولم يكن يرتدي سوى ثوب داخلي رقيق متّسخ بالوحل. ورغم الإذلال، فإن الرجل الحكيم لا يقاتل في معركة خاسرة، وفي النهاية ارتدى الثياب التي أرسلها السيد الشاب.
أما الكتاب، فقد ألقاه في النار دون تردد. وعندما أضاءت النار، فكّر مي هانشوي بمرارة: 'سيتذكّر هذا الإذلال جيدًا، وإذا سقط ذلك السيد الشاب في يده يومًا، فسيقتله بنفسه.'
لكن صباح اليوم التالي كان أكثر إحراجًا.
بحسب القواعد التي وضعها برج القمر المضيء للأخوين، كان من المفترض أن يظهر أحدهما وجهه في يوم، واليوم التالي يكون دور الآخر.
جاء مي هانشوي الكبير إلى قاعة يانلو ليبحث عن أخيه، وعندما حان وقت تبديل الأدوار، رآه مرتديًا ثوب تلميذة باللونين الأزرق والفضي من قمة الحياة والموت، شعره الأشقر مربوط بتراخٍ، جالسًا في زاوية مظلمة.
قال مي هانشوي الكبير متفاجئًا: “… ما الذي ترتديه؟”
فأجاب الصغير: “أخي، هذا ما ينبغي أن ترتديه اليوم.”
“…”
“هيا، لقد استمتعت به طوال الليل. رائحته طيبة فعلًا. فلنبدّل سريعًا.”
صرخ الأخ الأكبر غاضبًا: “مي هانشوي! في أي ورطة أوقعت نفسك هذه المرة وأنا لست موجودًا؟”
كان مي هانشوي يشعر أحيانًا بأن حياة أخيه حقًا مأساوية. ربما هو سوء حظ، لكن في كل مرة يقع في مشكلة، يكون من ينظف الفوضى دائمًا هو أخوه.
وهذا ما حدث هذه المرة أيضًا.
كان من حقه أن يغضب بسبب اضطراره لارتداء ملابس نسائية والبقاء في قاعة يانلو طوال الليل، لكن الأمر ازداد سوءًا حين علم أن أخاه اليوم سيُجبر على الخروج إلى المكتبة وتنظيف الكتب، حسب تعليمات حراس القاعة.
عندما اضطر مي هانشوي لارتداء ذلك الثوب الأزرق الفضي، شعر وكأنه سيجن.
حينها، أقسم الأخ الأصغر مجددًا بـ 'إذا سقط ذلك السيد الشاب في يدي، سأقتله بنفسي'.
أما الأخ الأكبر، فبعد أن سمع القصة كاملة، قرّر حذف 'إذا سقط ذلك السيد الشاب في يدي'
قال مي هانشوي الكبير ببرود: “انتظر هنا. بعد أن أنتهي من تنظيف الكتب، سأقتله.”
ثم توجه إلى المكتبة بساقيه القصيرتين.
في تلك الفترة، كان هناك عدد من الإخوة المتغطرسين من قصر كونلون قد جاءوا مع برج القمر المضيء لزيارة قمة الحياة والموت. وبما أن زعيم الطائفة كان يُظهر ميلًا واضحًا لمي هانشوي، فقد كانت نظرتهم إليه سلبية.
كان أحدهم مستاءً بشكل أكبر من الآخرين فبمجرد ما سمع أن مي-شيدي قد عوقب من قبل قمة الحياة والموت، هرع إلى المكتبة بدافع الفضول الخبيث. (شيدي تعني تلميذ أصغر سنًا)
وعندما رأى مي-شيدي مرتديًا ثياب تلميذة، واقفًا على سلم خشبي صغير ينظف الكتب بوجه كأنما طُبع بأشد طبقات الصقيع، انفجر ضاحكًا على الفور. ثم نادى أصدقاءه الأوغاد لينضموا إليه لإهانته.
“أليس هذا مي-شيدي… آه لا، بل مي-شي مي! تبدو جميلة جدًا، هاهاهاها!” (شيمي تلميذة أصغر سنا)
“كيف أغضبت أهل قمة قمة الحياة والموت حتى جعلوك تتعرض لهذا الذل؟”
“أخبر شي-غا من هو هذا الشخص، بوهاها، شيغه سيهديه باقة زهور!” (شي-غا تلميذ اكبر سن بس مو مره رسميه)
كان مي هانشوي بطبعه باردًا، لا يميل إلى الثرثرة. وما إن استفزّه أولئك المتغطرسون، حتى حاول الرد فورًا. لكنه كان لا يزال صغيرًا، ولم يتقن سوى عدد محدود من التقنيات. وبينما كان واحدًا في مواجهة مجموعة، تمكن أولئك الأشقياء من تثبيته على الأرض.
لم يكونوا يعلمون أن مي هانشوي هو في الواقع أحد توأمين، فراحوا يصيحون: "ما خطبك؟ كيف تكون لطيفًا ومهذبًا يومًا، ثم تبدأ بالصراخ وتهدد بالقتل في اليوم التالي؟ هل تحتاج إلى شيشيونغ ليصلح دماغك؟" (شيشيونغ بنفس معنى شي-غا بس رسميه اكثر)
جرّدوه من ثيابه. هو من قصر كونلون، فلماذا يرتدي ملابس "قمة الحياة والموت؟"
وأثناء العراك، سُمع فجأة صوت نصل يخترق الأرض، سيف طويل معقوف يلمع كالثلج غُرس بعمق في أرضية المكتبة الخشبية.
"ما الذي تظنون أنفسكم فاعلين؟"
فزع أولئك الأوغاد من قصر كونلون، وتفرقوا على الفور، ثم التفتوا.
"شو… شوي مينغ؟"
عند سماع هذا الاسم، نفض مي هانشوي شعره الأشقر الفوضوي عن عينيه الباهتتين، ورفع نظره.
فرأى فتى في طور البلوغ يقف عند مدخل المكتبة، عاقدًا ذراعيه، ملامحه أنيقة، وهيبته واضحة. كان يرتدي درعًا أزرق وفضي يميز تلاميذ قمة الحياة والموت، وشعره مربوط في ذيل حصان، وعلى إصبعه واقي سوداء، يطرق بها ذراعيه المعقودتين بضيق.
قال: "تتنمرون على تلاميذ قمة الحياة والموت؟ هل أخذتم إذن والدي؟ هل استأذنتم شيزون؟ هل سألتموني أنا؟"
ضحك تلاميذ قصر كونلون ضحكة مصطنعة: آه… هذا "مجرد درس صغير نلقنه لشيدي المتمرد…"
تضايق وقال: "تسمون هذا درسًا؟ أليس من الأدق أن نقول: 'حفنة من الشبان الأقوياء ينقضون على شخص ضعيف واحد'؟"
"نعم… معك حق…"
صرخ غاضبًا: "لماذا ما زلتم هنا؟ انصرفوا!"
كانت المجموعة كلها من الجبناء، أما هو، فهو ابن زعيم الطائفة. فكيف يجرؤون على استفزازه؟ انحنوا سريعًا، وتفرقوا كالعصافير الهاربة.
تقدم بخطى ثقيلة، وأحدث حذاؤه المدرع صريرًا على الأرض الخشبية. ثم رفع يده وأمسك بسيفه لونغتشنغ، أراد أن يسحبه بطريقة أنيقة، لكنه لم يتحرك حين جذبه بيد واحدة.
سعل بخفة من الإحراج، ثم استخدم كلتا يديه بقوة، وتنفس من أعماقه، فتمكن أخيرًا من انتزاع السيف، الذي كان طوله يقارب طوله، من الأرض.
ترنح خطوتين إلى الخلف.
هو: …
مي هانشوي: …
سعل مرة أخرى، ثم التفت إلى مي هانشوي.
لم يتعرف على أنه المتلصص القذر من بركة الصوت الرائع البارحة، ومي هانشوي بدوره لم يتعرف عليه. تبادلا النظر للحظة. لاحظ أن شعره الأشقر فوضوي، وزاوية شفتيه ملوثة بالدم، وثيابه ممزقة بالكاد يمكن التعرف عليها، ولم يبق عليه سوى رداء رقيق من حرير خام صنع خصيصًا في قصر كونلون مما جعله يعبس.
قال: "دنيء."
ثم خلع رداءه الخارجي وألقاه على كتفي مي هانشوي. "ارتدِ هذا."
رفع مي هانشوي رأسه، ونظر بتأن إلى وجه هذا الفتى. لم يجد فيه أي شبه من شوي تشينغ يونغ. وجهه صغير، أنفه دقيق، وبياض وسواد عينيه اللوزيتين واضحان، ويحمل بريقًا طبيعيًا وفخرًا غريزيًا.
سأله بتردد: "أأنت… شوي مينغ؟"
أجاب بثقة: "أنا هو. ما رأيك في مهاراتي؟ أليست سمعتي مستحقة؟"
إذا، فهو فعلًا ابن منقذه.
أراد مي هانشوي أن يشكره، لكن الفتى ضحك وقال جملته التالية: "منذ أن خرج هذا السيد الشاب إلى العالم، لم يتمكن أحد من التغلب عليه!"
…
"أنت السيد الشاب؟"
شوي مينغ: "بديهي، أليس كذلك؟"
أليس 'السيد الشاب' اسم شخص؟
في تلك الليلة، بعد أن عاد مي هانشوي إلى غرفته، سأله مي هانشوي الكبير بدهشة: “كيف أصبح ابن منقذنا؟”
وبما أن الأخ الأكبر أكثر رزانة من شقيقه، فقد أخرج بصمت من أمتعتهما كتابًا بعنوان 'دليل الترجمة بين لهجة سوييه والماندرين'. جلس الشقيقان تحت ضوء المصباح وبدآ في القراءة معًا.
“شاوتشو…” أشار مي هانشوي بإصبعه يقرأ كلمة بكلمة: “تشير إلى السيّد الشاب. وقد تُستخدم للإشارة إلى الابن الذي يُعيّنه السيّد البالغ كوريث له.”
مي هانشوي: “…”
مي هانشوي الكبير: “…”
غرق الاثنان في صمت طويل. وبعد وقت، سأل مي هانشوي: “هل هذا يعني أننا لا يمكننا قتله؟”
فكر الأخ الأكبر قليلًا، ثم خفض بصره إلى الرداء الخارجي الذي كان يرتديه، وأسدل رموشه الذهبية الباهتة، وقال ببرود: “ما رأيك؟”
تنهد مي هانشوي، وعيناه الزرقاوان تلمعان كعيني قط غريب: “حسنًا حسنًا، فهمت.”
“…..”
“لكن يمكننا التنمّر عليه قليلًا، صحيح؟”
“لا.”
“أخي انظر، أنت رأيت كيف تنمّر علي البارحة.”
“لا.”
“وقد جعلك ترتدي ملابس تلميذة!”
صمت مي هانشوي الكبير لبرهة، ثم قال: "حسنًا، لكن لا تبالغ.”
وفيما بعد، خلال تلك الفترة، أصبح مي هانشوي يبحث عن شوي مينغ كثيرًا، وببطء، أصبح الطفلان رفيقي لعب.
لكن بالنسبة لمي هانشوي، كان شوي مينغ غبيًّا للغاية. يومًا يكون هو، ويومًا يكون شقيقه، ومع ذلك لم يشك شوي مينغ في الأمر قط، واعتبره مجرد تقلب في المزاج.
على العكس، ذلك الفتى المسمى شي مي، والمُلقب بـ'شيويه يا'، كان يبدو دائمًا وكأنه يشعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي، وكان ينظر إليه بتمعّن.
لم يكن مي هانشوي يحب الأشخاص الأذكياء والباردين مثل شي مي. كان يفضل أشخاصًا مثل شوي مينغ، الذين يمشون كسرطان البحر ويتصرفون ببساطة دون دهاء، أولئك الذين يكون من الممتع مصادقتهم ومضايقتهم قليلًا.
لكن المشكلة الوحيدة كانت—
“أنت ممنوع أن تنام معي اليوم!”
“آه؟” كان مي هانشوي يحمل وسادة من الخيزران، مرتديًا رداء نوم حريري، وشعره الأشقر الناعم منسدل، وعيناه متسعتان: “لماذا؟”
قال شوي مينغ بغضب: “لأنك ركلتني من السرير في منتصف الليل البارحة! هل نسيت؟”
مي هانشوي: “…”
ألم يقل شقيقه إنه لن يتنمّر على شوي مينغ؟ لماذا ركل أحدًا من السرير ليلًا؟
ابتسم مي هانشوي. رغم أنه لم يكبر بعد، ولم تكتمل ملامحه الآسرة التي سيشتهر بها لاحقًا، إلا أن في تلك الابتسامة قد لاح أثر السيد مي المستقبلي.
“لن أفعلها هذه الليلة. سأنام على الطرف، وإن لم تكن تثق بي، يمكنني أن ألتصق بك وأنت نائم.”
كانت نيّة مي هانشوي طيبة. كان يريد أن ينام مع شوي مينغ، فإذا سقط من السرير، يسقط هو أيضًا؛ فالإخوة الحقيقيون يتشاركون الضيق والفرح.
لكن المشكلة أن لغته لم تكن جيدة بعد. ففي حين أنه أراد أن يقول 'ألتصق بك'، ما سمعه شوي مينغ كان—
“إن لم تكن تثق بي، يمكنني أن ألعقك وأنت نائم.”
لـ…لعق؟!
صُعق شوي مينغ، وبعد أن تصوّر ذلك المشهد، لم يتمالك نفسه فرمى عليه وسادة النمر: “آآآآه! لماذا أنتم منحرفون يا أهل كونلون؟! اخرج من هنا!"
وبسبب هذه المعاناة المتكررة الناتجة عن سوء فهم كلماته، تعلّم مي هانشوي منذ سنٍّ صغيرة مدى روعة 'الحديث'. لذا، كلما سنحت له الفرصة، كان يحرص على الحديث مع الفتيات من سهول الوسطى. هؤلاء الفتيات كنّ أكثر صبرًا من الرجال، ومستعدات لتعليم اللغة، وإن كنّ في بعض الأحيان يبكين قائلات: “أنا لا أظن أنك تحبني فعلًا! أنت ترافقني فقط لتتعلّم الماندرين!”
لكن كل ذلك أصبح من الماضي.
وحين تذكّر تلك المواقف، ضحك مي هانشوي. غطّى فمه بيده ليكتم ضحكته، فسمع صرير الباب. التفت ليرى، وإذا بشوي مينغ يدخل والغروب خلفه، يبدو مفعمًا بالغرور، لكنه كان مرتبكًا بعض الشيء أيضًا.
“كح… أم، مرحبًا.”
من دون أي غضب، ابتسم مي هانشوي، أنزل ساقيه من على الرف، وجلس مستقيمًا، وقال مبتسمًا: “آه، زعيم الطائفة جاء لزيارتي.”
شوي مينغ سعل: “نعم.”
“هل لدى زعيم الطائفة ما يريد الحديث فيه معي؟”
“…آآآ…”
“نعم؟”
لم يتكلم شوي مينغ، بل تردّد، واكتفى بالنظر إليه، ومع مرور اللحظات، بدأ وجهه يحمرّ ببطء.
تجمّدت ابتسامة مي هانشوي، وبدأت تظهر عليه بعض علامات التردّد.
لقد قابل في حياته عددًا لا يُحصى من الناس، رجالًا ونساءً. وكان قد اعتاد على نظرات أولئك المزارعين الذين تتورد وجوههم بحمرة خفيفة عند رؤيته—وكان يدرك تمامًا ما تعنيه تلك النظرات.
لكنه لم يتوقّع أبدًا أن يُلقي شوي مينغ عليه مثل تلك النظرة وهو في هيئة 'الفتاة' المتنكّرة.
شوي مينغ الذي يعرفه لم يكن شخصًا كهذا.
كان شوي مينغ مغرورًا وصريحًا، مفعمًا بالشرف، خاليًا من الدهاء، لا يعرف كيف يتعامل مع الفتيات، وأحبّ الوقوف أمام المرآة والإعجاب بنفسه، إلى جانب التدريب على الفنون القتالية.
أن يحمرّ وجهه أمام مزراعة، هل تناول شيئًا خاطئًا؟
حتى وإن كانت تلك المزارعة هي شخصية اختلقها بنفسه، لم يستطع مي هانشوي إلا أن يشعر بالغرابة. ذكره ذلك بقطته الفارسية البيضاء الثلجية التي ربّاها في منذ أن كانت صغيرة. كان يعتقد دائمًا أنها غبية وظريفة، فآمن أنها ستبقى كذلك إلى الأبد.
حتى جاء يومٌ رآها فيه تتزاوج مع قط بري. لا، لم يكن واحدًا فقط، بل اثنان مكدسان فوقها، وثالث يتفرّج من الجانب على ذلك 'الإنجاز العظيم'.
شعر مي هانشوي بالذهول، لم يستوعب ما يراه. ماذا حدث؟ أين ذهبت تلك القطة الصغيرة البريئة واللطيفة التي ربّاها؟
وفي مواجهة شوي مينغ ذو الخدين المتوردين، شعر أن حالته النفسية الآن تشبه تمامًا تلك التي شعر بها حين رأى ما فعلته قطته.
ومع ازدياد ارتباك شوي مينغ، وعضّه لشفتيه مرارًا ثم إطلاق سراحهما وكأنه يريد الحديث ويتراجع، بدأ مي هانشوي يفكر بكيفية رفضه بلين إن قام شوي مينغ حقًا بالاعتراف لشوهو
هل يخبره أن 'شوهو' في الحقيقة تحب الفتيات؟ أم يقول له أن 'شوهو' مصابة بمرض عضال وقد تموت فجأة خلال الأشهر القليلة القادمة؟
تلك كانت العبارات التي كان يستخدمها حين يريد الانفصال عن فتاة. قالها مرات عديدة حتى أصبح بمقدوره إسقاطها من فمه كما تمطر السماء زهورًا سماوية. لكن هذه المرة، لسبب ما، شعر بدوار خفيف.
وأثناء ارتباكه بين هذه الأفكار المتشابكة، سمع زعيم الطائفة شوي يقول، وقد احمرّ وجهه: “كح… حسنًا…"
“…”
“أقصد، بما أنك كنت في قمة الحياة والموت منذ فترة، فهناك أمر أردت سؤالك عنه.”
"زعيم الطائفة، تفضل.” كان وجه مي هانشوي هادئًا ورقيقًا، لكن عقله كان يعجّ بالضجيج.
ما الذي عليّ فعله؟ كيف أجيبه؟ هل أنا أحب الفتيات؟ أم أنني مريض؟ هل أختار المرض؟ أم الميول؟
بدأ شوي مينغ يتكلم بتوتر: “أ، أنا فقط كنت أريد أن أسأل…”
“نعم؟”
“آحم.” عضّ شوي مينغ على شفته، وضرب الأرض بقدمه، ثم استجمع كل ما بقي من عزيمته، وتخلّى عن كبريائه، قبض على يديه وصرخ بجملة واحدة: “أخبريني من فضلكِ كيف استطعتِ أن تربّتِ على بطن كعكعة الملفوف دون أن يخدشك؟" (اسم القطة كعكعة الملفوف)
تعليقات: (0) إضافة تعليق