Extra33
عنوان الفصل: صراع على المودة (الجزء الثاني).
تسلّل مو ران بهدوء من السرير وفتح الباب بإزاحة خفيفة، فرأى باب الفناء الخشبي مفتوحًا قليلًا، يتأرجح بلطف، وذيل أبيض سمين طريّ مقلوب لأعلى، ينبعث منه ضوء أزرق صغير، يمرّ بسرعة.
ظنّ للحظة أنه واهم. فبعد أن عاش في جبل نانبينغ كل هذه المدة، لم يرَ شيئًا كهذا من قبل.
“وحش؟”
أراد أن يلاحقه، لكن قبل أن يخطو خارجًا، لاحظ ورقة لوتس خضراء ناعمة أمام عتبة الفراش، وفي وسط ورقة اللوتس صندوق خشبي بحجم راحة اليد.
“ما هذا…”
التقط ورقة اللوتس بحيرة، وبطريقة ما، كانت تفوح منها رائحة خفيفة من عطر الزهور. كُتبت عليها بعض الكلمات بخط دائري طفولي سميك:
'هدية لعيد ميلاد تاشيان جون.
هيّا، يمكنني مساعدتك.
المرسل: روح كعكة الأرز التي تَعلّق عليها أمل قريتها.'
فتح مو ران عينيه على وسعهما وكاد يسقط أرضًا:
“ماذا؟! هل يوجد وحش في هذا العالم يُدعى كعكة الأرز؟؟؟”
ألم يكن هذا هو ما اخترعه منذ سنوات لخداع شوي مينغ؟! أهو موجود حقًّا؟!
لم يستطع منع نفسه من لمس شفتيه. هل نسي الكائن الشاذ أن يخبره أن لديهم موهبة مخفيّة في جنسهم الجمالي الخاص، مثل 'الشفاه السحرية' أو ما شابه؟ وإلا، كيف يمكن أن يوجد حقًّا هذا الوحش الصغير الأبيض السمين ذو الذيل الأزرق المتوهّج؟
وقف مو ران في مكانه لفترة، رغم أن كعكة الأرز ركضت بسرعة كبيرة، ولم يرَ مو ران جسدها كاملًا، لكنه كان يملك حدسًا قويًّا بأن شكلها كان تمامًا كما اختلقه من قبل: مستديرة، برأس شمعيّ، وعلى رأسها ورقة لوتس كبيرة…
بعد فترة طويلة، عاد إلى الغرفة بالصندوق في يده.
كانت الغرفة هادئة، لا يزال تشو وانينغ وغوتو نائمين، ولم يزعجهما الزائر غير المتوقع تلك الليلة. اقترب مو ران من تشو وانينغ، الذي كان ملتفًّا تحت اللحاف نائمًا، وغطّاه بلطف، ثم ذهب إلى بيت الكلب، ربّت عليه مرتين براحة، ثم جلس إلى الطاولة وبدأ يتفحّص الصندوق الخشبي الصغير بعناية.
لم يكن هناك أي أثر على نية للقتل أو شر.
كانت الروح ثقيلة إلى حدّ ما، لكنها تحمل نوعًا من الألفة والودّ.
حاول فتح الصندوق، لكن للأسف لم يجد أي ثقب للمفتاح أو فتحات، ولم يترك له كائن كعكة الأرز أي تلميحات تدلّه على ما يجب فعله.
قطب مو ران حاجبيه وتساءل: “ما الغرض من هذا الصندوق بالضبط؟ هل هو مجرد زينة؟”
المشكلة أنه كان باليًا ولا يبدو جميلاً.
وكأنّه يستجيب لتساؤلاته، ظهرت بعد لحظة من التفكير سطران من الكتابة بخطّ ختم ذهبي على سطح الصندوق الصغير، تلمع:
“سيدي، أنا سلاح سحري من عالم الشياطين. أنا صندوق الأفكار.”
فزع مو ران وكاد يسقط عن الكرسي.
“يا إلهي! كيف له أن يقرأ الأفكار؟!”
“لست شبحًا، أنا شيء جيّد.” ظهرت كلمات جديدة على سطح الصندوق، وخطّ اليد الذهبي غطّى الكلمات القديمة تدريجيًّا. “بالإضافة إلى ذلك، لا أستطيع سوى قراءة أفكار السيّد. لا يمكنني الاطّلاع على أي شخص آخر.”
مرعب، مرعب جدًّا.
تنفّس مو ران بعمق عدّة مرات، بالكاد استعاد توازنه. نظر إلى تشو وانينغ، الذي كان ينام ووجهه مغطّى باللحاف، وإلى غوتو الذي كان نائمًا تحت مخالبه. وبعد تفكير طويل، خفّض صوته وسأل بحذر: “إذًا، أنا… أنا سيّدك؟”
“نعم، سيدي، لقد تمّ إهدائي لك.”
تريّث مو ران قليلًا، لكنه ظلّ مشوّشًا بعض الشيء: “ألم تكن هديّة من الوحش الصغير لمعلّمي؟”
“ذلك لكي تقوم أنت بصياغتها.” استمرّ الصندوق الخشبي في مسح الكلمات القديمة وظهور الجديدة منها، “لقد شعرنا برغبتك القوية في مفاجأة إله الخشب السماوي في عيد ميلاده، لكننا رأينا أيضًا أنك غير قادر على إظهار كامل قدراتك بسبب الكثير من القيود. ولكن لا داعي للقلق بعد الآن. طالما أنا هنا، يمكنك تحقيق أحلامك وإنجاز كل ما تريده.”
تأمّل مو ران في مغزى كلامه، وببطء أدرك المعنى.
نعم… لقد كان إخلاصه هو ما أثّر في أرواح الجبل. جاؤوا لمساعدته في تحضير هديته؟!
“صحيح، هذا هو الأمر تمامًا.” لم يتأخر الصندوق الصغير في عرض سطرين من الكلمات المتوهّجة: “اطمئن، سيدي، بوجودي، سيكون عيد ميلاده هذا العام أفضل بالتأكيد من العام الماضي. هيّا!”
تذكّر مو ران السلال التسع من الذهب العام الماضي، ولم يعرف هل يضحك أم يبكي.
“يبدو واعدًا، لكن لا تقارنه بالعام الماضي.”
وبعد أن تلاشت شكوكه، بدأ مو ران باستخدام 'صندوق الأفكار'. وفقًا لتعليمات الصندوق، ومنعًا لتفعيله عن طريق الخطأ من قِبل تشو وانينغ أو أيّ شخص آخر قبل عيد ميلاده، كان على مو ران أن يحدّد كلمة سرّ له. لن يتفاعل الصندوق إلا عندما تُلفَظ الكلمة السريّة، وإلا فسيبدو كصندوق عادي لا يجذب الانتباه.
“لنجعل كلمة السر 'شيزون'.”
“لا، هذا بسيط للغاية وقد يُفتَح عن طريق الخطأ.”
توقّف الصندوق الخشبي الصغير. “أقترح أن تضع خمس كلمات إلى عشر كلمات هنا.”
“إذًا…” فكّر مو ران قليلًا ثم قال:
“إهداء الذهب سيكون حماقة.”
“حسنًا.” قال الصندوق الخشبي الصغير: “‘إهداء الذهب سيكون حماقة’ هي كلمة السرّ لفتح الصندوق. هل يرغب السيد مو في استخدامه الآن؟”
بطبيعة الحال، لم يستطع مو ران الانتظار، فأومأ موافقًا.
وفي اللحظة التي قبل فيها، لمع أمامه ضوء أبيض ساطع، مما اضطرّه إلى إغلاق عينيه فورًا. وعندما فتحهما مجددًا، وجد نفسه في عالم جديد شاسع.
كان هذا المكان أشبه بعالم خيالي من عوالم الخالدين.
في الجبال، كانت المياه تتدفّق والينابيع ساكنة. وكان في فسحة كبيرة تتراكم فيها الأخشاب. وكان هناك أيضًا سُحب، ودخان ورديّ فاتح، وزهور الكرابابل المزهرة تبدو ضبابيّة وخفيفة، وبتلاتها الحمراء تتساقط لتلاحق الماء الجاري، هادئة وجميلة.
جلس روح كعكة الأرز المستديرة على وتد خشبي، يلوّح بذيله الذي تتقافز عليه كرة نارية زرقاء، وكان يلهو بكفّه اليسرى الطرية اللاصقة، يحاول لصقها بكفّه اليمنى. لعب بحماس مفرط، فالتصقت مخالبه ببعضها دون قصد، ولم يستطع أن يفصلها، فذُعر، وبدأ يسحب كفّيه السمينتين بعكس الاتجاه، لكن دون جدوى.
اقترب مو ران وألقى تعويذة للفصل. ومع صرخة عالية، انفصلت كفّتا روح كعكة الأرز مجددًا.
تدحرج حتى استلقى على بطنه الطري، وأطلق تنهيدة ارتياح ثقيلة، ثم رفع زوجًا من العيون بحجم حبة المونغ بين من تحت ورقة اللوتس: “آه… لقد تم إنقاذي! شكرًا، شكرًا!”
“على الرحب والسعة. هل هذا مكان داخل الصندوق؟ أنت المسؤول عن الصندوق…؟" أراد أن يسأله إن كان وحشًا، لكنه وجد ذلك غير مؤدب، فضحك وقال: “أنت زعيمه؟”
“لست زعيما.” كان صوت روح كعكة الأرز ناعمًا وسلسًا، لكنه كان متناقضًا تمامًا مع نبرة الكلمات المتعجرفة التي قالها: “أنا، الرابع، مالك الأرض، وأنت هذا… سا، ساجوا!” (ساجو تعني احمق او غبي)
ارتبك مو ران. “كيف تسبّ الناس؟”
“أنا، الرابع، الأروع في قريتنا، الأكثـ… الأكثر غليانًا بين كعكات الأرز! إذا أردت أن أسب، فسأسب. تعايش مع الأمر!”
“…”
كعكة أرز حقيقية، لا تجيد فقط السباب، بل تُتقنه.
هذه الروح ليست كالروح اللطيفة والخجولة التي أعطته الصندوق من قبل. يبدو أنّه فعلًا متنمّر كعكات القرية. لا عجب أنه خُتم في صندوق من قِبل القرويين، ولم تختلط به بقيّة الكعكات.
رفع متنمّر الكعكات رأسه وخصره بعناد، وحدّق بمو ران، كما لو كان مستعدًا لتلقّي الهجوم المضاد.
كان يُفترض أن تكون إيماءة تخويف، لكن مو ران نظر إلى ذراعيه الصغيرتين وساقيه الطريّتين والبيضاوين، فتوقّف لبرهة، ولم يستطع إلا أن ينفجر ضاحكًا.
“هاهاهاهاها!” مدّ مو ران يده ولمس رأسه الصغير. “أنت لطيف للغاية!”
عدّل كعكة الأرز ورقة اللوتس على رأسه التي أزاحها مو ران عن مكانها، وازداد غضبًا: “لا تضحك! كن جادًّا! ستدفع ثمن هذا!!”
“ماذا قلت؟ عذرًا، هاها—”
“توقّف… توقّف عن الضحك! أحذّرك! مصيرك الآن في يدي!”
مو ران: “…”
لم يكن يعلم أن مصيره في يد روح كعكة أرز. اضطر إلى بذل كل ما لديه من ضبط للنفس كي لا يضحك مجددًا.
“حسنًا، حسنًا… كح… بففف.”
“لا تضحك!”
بعد مفاوضات صعبة، توصّل متنمّر الكعكات ومو ران أخيرًا إلى اتفاق.
يجب على مو ران ألّا يسخر منه مجددًا، لكن في المقابل، كان على المتنمّر أن يشرح له الوضع الحالي.
خلال حديثهم، شدّد على أن في قرية كعكات الأرز أرواحًا كثيرة وكل منها يملك شخصية مختلفة، لكن سبب ختمه لم يكن عدوانيته— “أنا، الرابع من قريتنا، أفضل كعكة أرز تنطق لغة البشر المندرينية، لدي نطق واضح، وتمييز دقيق. لذا، أنا الرسول الذي تم اختياره للتواصل مع البشر، ولو بشكل تقريبي!”
“أنت الرسول؟”
“نعم! فهمت تمامًا! أنا الرسول!”
حدّق مو ران فيه وهو يرفع رأسه بفخر، وصدره مرفوع بفخر لا متناهٍ. رفع ذقنه، ولم يستطع أن يمنع نفسه من الضحك مجددًا.
“آه! لماذا تضحك مجددًا؟! لا تضحك عليّ! لقد درست فن الكلام لمئة عام أو أكثر! لا تضحك! إن ضحكت مجددًا فسأرميك بعيدًا!”
ولئلّا يقتله متنمّر الكعكات، استخدم مو ران نفس الإرادة التي استخدمها لمقاومة تيانون، وكبح ضحكته بالقوة مجددًا.
“حسنًا، لن أضحك. أيها الرسول، هل تخبرني كيف أستخدم صندوق الأفكار هذا؟”
زمّ المتنمّر شفتيه، وضمّ مخالبه على صدره، وحدّق بعينيه الصغيرتين نحو مو ران برهة. وبعد أن تأكد أنه كفّ عن الضحك، قال: “بسيط وكلاميّ، لأن المساحة داخل الصندوق الأربعة تختلف عن الخارج، ألا تريد بناء منزل أكبر لإله الخشب السماوي، وحتى بعض الأزهار والنباتات الجميلة؟”
أومأ مو ران برأسه وقال: “بلى، لكن شيزون اعتبر ذلك مبالغًا فيه ومزعجًا، لذا لم يرضَ أن أفعل.”
“لا بأس. في هذا الصندوق، لن تأخذ من المساحة الخارجية شيئًا، ولن تزعج معلمك…”
قاطع مو ران كلامه فورًا وقال بجديّة: “لا بأس إن قلت أشياء أخرى بطريقة غير دقيقة، لكن يجب أن تنطق كلمة ‘صخب’ بالشكل الصحيح.”
دارت عينا المتنمّر الصغير محاولًا النطق:
“صَخْـ—”
“صخب.”
“صَخْـ…”
“لفّ لسانك وقل ‘صخب’.”
ازدادت ملامح وجه المتنمّر المتعَب شحوبًا، رفع رأسه، محاولًا نطق الكلمة بصوت ملتوي: “عشـ—”
“لا بأس، دعنا نتابع.”
المتنمّر: “إلى أين وصلت؟”
“كنت تقول إنني لن آخذ من المساحة في هذا الصندوق، ولن أُحدث صخبًا لمعلمي. لكن إن أردت أن أُعدّ وليمة عيد ميلاد بهدوء لمعلمي، وأجدد منزلي وحديقتي، فأنا بحاجة إلى بذور ثمينة، أزهار، مكونات، وأدوات.”
ابتسم بمرارة وقال: “إن اكتشف شيزون، فستكون مضيعة بلا شك.”
“لا تقلق.” قال المتنمّر، “الأشياء هنا تختلف عن تلك التي في الخارج. يمكنك بناء منزل، حفر بركة، زرع أزهار، وتجهيز مواد الطعام… لا تحتاج إلى مال لشرائها، كل ما عليك هو المقايضة معي!”
اتسعت عينا مو ران بدهشة: “مقايضة؟”
“نعم.” أشار المتنمّر إلى بطنه. لاحظ مو ران وجود جيب طبيعي على بطنه الأبيض. فقط لأن لونه كان مطابقًا للبطن، لم يكن واضحًا.
“بيوتكم ونباتاتكم ليست جيدة ولا جميلة! إله الخشب السماوي منسجم مع عناصر عائلتنا! أحضر أشياء من الخارج وامنحها لي، مثل القماش، الأزهار، تماثيل الطين… وسأبدّلها لك.”
“لكن كيف لي أن أعرف ماذا أبادل؟”
“حسنًا، هذا يعتمد على حظك. لكنني كريم وطيّب، ولن أسيء معاملتك غالبًا. وإن لم تصدقني، يمكنك أن تموت.”
فلنجرّب فقط.
لكن حين دخل مو ران إلى الصندوق، لم يكن مستعدًا، وكان يرتدي ملابسه الداخلية فقط. حين فكّر بالأمر، خطر له أن يخلعها ويقدّمها. “هذا كل ما أملكه الآن. ماذا ستعطيني مقابلها؟”
ألقى المتنمّر نظرة على ثياب مو ران، ثم أخذها بمخالبه الصغيرة: “أربع قطع من الملابس مع أربع قصص، لقد عايشت الكثير.”
بعد ذلك، راح يتفحّص ذهابًا وإيابًا الجزء العلوي المحترق. لا حاجة للقول، فبنية مو ران كانت مميّزة بطبيعتها—ظهر مستقيم، خصر رفيع، أطراف نحيلة، وصدر صلب، وإن كان يحمل ندبة قديمة لا تزول، إلا أن خطوط عضلاته كانت مشدودة بقوة برّية، ومع كل شهيق، بدا وكأن جسده يكتم طاقة بركانية على وشك الانفجار.
قال متنمّر الكعك: “لديك خشبٌ جيّد.”
ثم رفع ملابسه الداخلية ونظر إليها: “أعتقد أنه من الممكن مقايضتها بملابس مصنوعة من خشب سيّد الطائفة مو… الجودة ممتازة…”
تمتم بصوت خافت، ثم حشر الملابس في جيبه الأبيض، وأخذ يخرجها ويُدخلها مرارًا.
“آه! نعم! أربعة!”
وقف مو ران ليرى، فشاهد مخالبه الطرية الصغيرة ممدودة في وهج من جسيمات ذهبية لامعة.
“ما هذا؟”
“زهور هشو من عشيرة الوحوش. أعتقد أنه يمكنك مقايضة ملابسك بهذه البذور من جنين زهور الشياطين. خذها، أو مت.”
“…”
رغم أن المتنمر لا يكفّ عن مطالبته بالموت، فإن مو ران لم يكن ينوي السخرية منه. كان فضوليًا للغاية. أخذ البذور وذهب نحو الفسحة أمامه، ولحقه متنمّر الكعكات وهو يصفر.
“كيف أزرعها؟”
“ارمِها على الأرض بأي طريقة!”
فعل مو ران كما طُلب منه. كانت زهور الشياطين في أراضي الشياطين فعلًا غير عادية. فبمجرد أن نثر البذور، دون حتى أن يرمش، ظهرت من الفسحة حديقة ضخمة من الذهب الفاتح والفضّة اللامعة. كانت تلك الزهور ذهبية مثل زهرة الفاوانيا، وفضية مثل أزهار الليلك، يانعة ومزدهرة، تنساب بأناقة في موجات متلألئة، تحت ضوء النجوم ونقاط البريق.
والأدهى من ذلك، أنه في قلب كل زهرة فاوانيا تجلس جنية زهرية تحمل بيبا ذهبية، وبين أسدية كل زهرة ليلك يوجد صبي صغير يعزف على ناي فضّي. كانت هذه الشياطين الصغيرة، التي لا يتجاوز حجمها غطاء الظفر، تحمل أجنحة شفافة متلألئة. كانت تحرّك أجنحتها الخفيفة فيما بينها، فتغمر حقل الأزهار بألحان عذبة ولمعان حُالم.
“زَيٌّ واحد يمكن مقايضته بهذا كلّه؟” اندهش مو ران.
“أربعة، أجل، كلّي ثرثرة، لكنني كريم.” دفع متنمّر الكعكات بورقة اللوتس على رأسه بفخر. “أنا أجمل وألطف طفل في قرية كعكات الأرز!”
شعر مو ران وكأن شعاعًا من الأمل يشقّ طريقه إلى قلبه، وقال بحماسة: “انتظر فقط! سأكون هنا كثيرًا هذه الأيام. سأخرج لأفكّر بما يمكنني مقايضتك به.”
ولم يستطع الانتظار حتى يعود.
لكن عندها أدرك أنه لا يعرف أين هو المخرج.
قلب متنمّر الكعكات عينيه وأشار إلى المسار الذي جاء منه:
“اركض من هناك، اركض قليلًا، لا تتوقّف، ستصبح أكثر كثافة، لكن أربعة—”
لم يدعه مو ران يُكمل.
كان سعيدًا للغاية، يتوق لمعرفة ما يمكنه أن يجلبه ويستبدله مع متنمّر الكعكات. وكلما ازداد استعجال المتنمّر، ازداد تلعثمه: “لكن أربعة”، ظل يكرّرها نصف نهار، ولم يستطع أن يُخرج الكلمة التالية. وبعد جهد طويل، حاول أن يُخرج النصف الثاني من الجملة:
“لكن أربعة! ليست كل المقايضات ذات جدوى كهذه… أنت، أحضِر شيئًا أفضل في المرة القادمة! قريتنا تحبّ الأشياء التي يستخدمها تشو وانينغ! لقد أعطيتك أربع استعمالات وخسرت! في المرة القادمة، لن يكون هناك صفقة رابحة كهذه، ولن أنثر البذور عبثًا!”
لهث واصفرّ من التعب، ثم رفع رأسه.
لكن مو ران قد اختفى.
“…”
وقف متنمّر الكعكات في وسط حقل الزهور، وبقي واقفًا طويلًا، يحكّ رأسه، “يا له من أسلوب للركض! في المرة القادمة سيجلب— يجلب سين! سا، سا!”
عندما فتح مو ران عينيه، وجد نفسه قد ارتدّ إلى الطاولة.
لكنه لم يجلس بهدوء، بل سقط على الأرض من شدّة الانفعال.
“آه—!”
أيقظ الصوت الكلب النائم قرب الموقد على الفور. فهبّ واقفًا وبدأ بالنباح بصوتٍ عالٍ.
“شش! لا تُوقعني في المتاعب، غوتو!” تسلّق مو ران بسرعة ليُمسك بالكلب وربّت على رأسه. “لا تُصدر ضجيجًا، صوت آخر وسيستيقظ وانينغ.”
ولكن الكلب نبح أكثر…
“…”
كان مو ران يحاول أن يُسكت الكلب برأسه عندما سمع صوتًا لطيفًا خلفه، تبعته نبرة متعبة ومتضايقة قليلاً، انبعثت بتكاسل في الليل الهادئ.
كان تشو وانينغ مستلقيًا بين الوسائد، عينيه مغمضتين، يقطّب جبينه، وصوته يحمل بحّة خفيفة من أثر الاستيقاظ: "ما الذي تعبث به بدلًا من النوم في منتصف الليل؟”
أسرع مو ران بالردّ: “وانينغ…”
كان تشو وانينغ مستلقيًا على بطنه، ينظر إليه من خلال خصلاته الفوضوية، دون أن يقول شيئًا، وكأنه استفاق تمامًا.
لكن في أثناء ذلك، سقط ضوء ساطع فجأة في عينيه الضبابيتين. تفاجئ تشو وانينغ واتّسعت عيناه. “لماذا لا ترتدي ملابس؟”
تعليقات: (0) إضافة تعليق