Ch34
في الأيام القليلة الماضية ،
شعرت مينغ تشين بأن مورونغ يان أصبحت أضعف وأنحل
بين ذراعيها
لذا، حرصت على تكديس جميع الأطباق أمامها،
و تحثّها بصبر على تناول المزيد من الطعام
كانت المرأة أمامها تمضغ طعامها ببطء وحذر،
وكأنها تخشى أن تختنق
أسرعت مينغ تشين لغلي الماء الساخن،
دون أن تنتبه للمعاناة والحنان اللذين انعكسا في عيني مورونغ يان
بعدما سكبت لها الماء ، أسندت مينغ تشين مرفقيها على الطاولة ،
تراقبها بابتسامة مبهجة ،
وكأن مجرد تناول مورونغ يان لبضع لقيمات إضافية كفيل بتحسين مزاجها بشكل كبير
: “ ألن تأكلي آ-تشين؟” سألت مورونغ يان عندما لاحظت أن
التي أمامها تكتفي بالمراقبة،
و لم يكن على الطاولة سوى مجموعة واحدة من أدوات الطعام
لوّحت مينغ تشين بيدها : “ لقد أكلت مسبقًا ،
أنتِ تناولي المزيد .”
بالنسبة لحارس ظلّ، كان الشعور بالجوع أثناء أداء المهام أمر معتاد
إضافة إلى ذلك،
كانت قد تناولت بالفعل بعض الطعام المجفف بينما مورونغ يان نائمة ،
حتى أن حبّة البطاطا الحلوة التي أفرطت في طهيها بالخطأ
انتهى بها المطاف في معدتها
تناولت مورونغ يان بصمت نصف الطعام الموجود على
الطاولة، ثم وضعت عيدان الطعام جانبًا
عندما لاحظت مينغ تشين ذلك،
أمالت رأسها وسألت بفضول : “ ألن تأكلي المزيد ؟
خذي لقمة أخرى .”
لكن مورونغ يان أجابتها كما لو كانت متيقنة تمامًا من أن
التي أمامها لم تشبع : “ ولكن إذا لم تأكلي أنتِ، فلن يكون
لديّ شهية أيضًا .”
التقطت بيضة من الوعاء وقرّبتها إلى شفتي مينغ تشين،
تحاول إقناعها بلطف : “ كلي، اعتبريه مرافقة لي ”
تقدّمت مينغ تشين قليلًا ،
لتلامس شفتيها أصابع مورونغ يان الباردة ،
ثم أكلت البيضة
انتفخ خدّها قليلاً من اللقمة،
مما جعل الجانب الأيسر المصاب من وجهها يبدو أكثر بروزًا
ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتي مورونغ يان ،
أنزلت رأسها لالتقاط بعض الخضار ،
لكن سرعان ما سمعت صوت قطرات تسقط على الطاولة
رفعت نظرها بسرعة ،
ورأت الدم الأحمر القاني يتدفق بلا توقف من أنف مينغ
تشين، ممتزجًا بتخثرات داكنة، و تنزف بغزارة
لم تدرك مينغ تشين الأمر في البداية،
ظنّت أنه مجرد حكة في الأنف،
لكنها عندما رأت بقع الدم على الطاولة ،
سارعت بتغطية أنفها وتراجعت باتجاه النافذة ،
تحاول تجنّب تلويث الطعام أمام مورونغ يان
تجمّد وجه مورونغ يان في لحظة،
شاحب كبياض الثلج،
بينما ارتجفت شفتاها وهي تمد يدها نحوها
كانت كفّا مينغ تشين مغطاة بالدم الدافئ،
خافت أن تصدم مورونغ يان بمظهرها الملطخ،
فحاولت طمأنتها بأنها ستخرج إلى البئر لتنظيف نفسها،
لكن قبل أن تتمكن من النطق،
انزلق تجلط دموي عبر أنفها إلى حلقها،
مما جعلها تسعل بعنف
“كح… كح…”
مع كل سعلة،
كان الدم الطازج يتدفق أكثر،
حتى بات من الصعب عليها التحدّث
“ آ-تشين! آ-تشين !”
نهضت مورونغ يان في ذعر،
متعثرة في خطواتها وهي تسرع نحوها
أثناء ذلك، اصطدمت بالكوب الخزفي،
فسقط الماء الساخن على الأرض،
يتساقط من طرف الطاولة
لكنها تجاهلت الفوضى،
ونبرة صوتها المرتجفة وواضح الفزع فيه
الذي لم يظهر عليها من قبل : “ آ-تشين… ماذا يحدث لكِ؟!”
بينما استمر سعالها،
سارعت مينغ تشين إلى فكّ ردائها الأسود،
مستخدمة إياه لتغطية أنفها وفمها في محاولة لوقف النزيف
أما قميصها الأبيض الخفيف أسفل الرداء،
فقد بدأ يبتلّ تمامًا بلون الدم الداكن
نظرت مينغ تشين إلى مورونغ يان التي أمامها،
عاجزة عن الكلام،
و تلوّح بيديها بقلق ، تومئ لها بألا تقترب ،
خشية أن يلطّخ دمها يديها أو يلوث ثيابها
لكن مورونغ يان لم تأبه لذلك مطلقًا،
و قلبها يغلي بقلق وألم وهي تمد يدها لتلامس وجه مينغ
تشين، محاولة إيقاف النزيف
صوتها مختنق بالمشاعر،
يوشك على الانكسار : “… آ-تشين، ماذا حدث لكِ؟
هل يؤلمك؟”
أما مينغ تشين، التي لم تفهم سبب هذا النزيف المفاجئ،
فقد هزّت رأسها برفق،
تشير إليها ألا تقلق،
ثم لوّحت باتجاه النافذة،
موضحة أنها تنوي الخروج
وبدون أن تنتظر ردّ مورونغ يان،
دفعت النافذة بمرفقها وقفزت للخارج،
مختفية في الليل المكسو بالثلوج المتساقطة
امتدت بقع الدم الحمراء على الطاولة الخشبية حتى خارج الغرفة،
ممتزجة بالماء المسكوب على الأرض،
لم تخفف الرائحة المعدنية الحادة بل زادت المشهد إثارة للرهبة
حدّقت مورونغ يان إلى الدم الذي غطى يديها،
وارتجفت أصابعها بشدة،
بينما فرغ عقلها تمامًا من التفكير،
ولم يبقَى أمامها سوى اللون الأحمر النابض أمام عينيها،
يهزّ كيانها بقوة
{ آ-تشين… ماذا حدث لآ-تشين ؟
آ-تشين تنزف ؟
نزفت الكثير من الدم …
الكثير جدًا… هل يمكن أن يكون قاتلًا ؟ }
تمامًا مثلما نزفت والدتها سابقاً
استندت على الجدار وكأن قواها قد استُنزفت،
وانزلقت تدريجيًا إلى الأرض
لم تهتم ليديها الملطختين بالدماء،
بل ضمّت أصابعها بإحكام إلى شفتيها،
تمنع نفسها من إصدار أي صوت،
وكأنها تحاول قمع الفكرة المرعبة التي خطرت في ذهنها
{ لا
لا، لا، لا!
آ-تشين لن تموت
كيف يمكن لآ-تشين أن تموت !
إن حدث ذلك ، فسيكون ظلمًا فادحًا من السماء }
عانقت نفسها بشدة،
وكأنها تحاول منع انهيارها،
تكرّر داخلها مرارًا وتكرارًا…
آ-تشين لا يمكن أن تتركني
مستحيل
مستحيل }
—————————————
في القاعة الكبرى للقصر الملكي ،
جلس ولي العهد مورونغ شياو على العرش الذهبي،
بعيدًا كل البعد عن مظهره المتأنق المعتاد،
وقد فُتحت ثنيات ثوبه بعشوائية،
بينما تناثرت أواني من اليشم حوله بإهمال
ركع عشرات المسؤولين بملابسهم الرسمية على الأرض ،
مطأطئين رؤوسهم أمام الرجل الغارق في رائحة الخمر ،
الذي اعتلى كرسي الحكم ببرود سلطوي
نظر مورونغ شياو بازدراء إلى الجمع الخاضع أمامه ،
وهو يتلاعب بكأس ياقوتي مملوء بخمر صافي بين أصابعه :
“ أتعني أنها لم تُعثر عليها بعد ؟”
الرجل ذو الرداء الأحمر، الذي خُصّ بالكلام،
انحنى حتى لامست جبهته الأرض بقوة،
يتردد صدى ارتطامه في القاعة الواسعة،
فيما ارتجف صوته باضطراب شديد : “ هذا التابع أرسل
جميع رجاله لتعقّب ومطاردة الأميرة تشونغ ون—
ساروا بسرعة نحو الشمال ،
حتى بلغوا أعالي القناة الكبرى ،
وهناك… استغلّت فرصة للاستيلاء على قارب ،
ولكن…”
: “ ولكن ماذا ؟” رفع مورونغ شياو حاجبًا،
وعيناه الباردتان انخفضت ببطء،
ليصبح صوته مغمور ببرودة قاتمة
ابتلع الرجل ذو الرداء الأحمر لعابه بتوتر ،
وصوته يرتجف خوفًا بينما يضغط رأسه بقوة على الأرض :
“ لكن ما وُجد على القارب لم يكن الأميرة ؛
بدا أنه مجرد خادم متنكّر لمحاولة تشتيت أنظارنا
وحواسنا .
لقد قتل رجالي المُنتحل ،
وهم يواصلون البحث حاليًا عن الموقع الحقيقي للأميرة .”
كان الرجل ذو الرداء الأحمر يترقب بغضب توبيخ قاسي ،
لكن الصمت المخيف الذي واجهه جعله يرفع عينيه بحذر ،
و ما رآه جعله يزداد ذعرًا — مورونغ شياو كان يقترب ببطء ،
ممسكًا بكأس النبيذ،
و وجهه خالي تمامًا من أي تعبير
كان الرجل المعروف بإدمانه للخمر يبدو اليوم شاحبًا أكثر من المعتاد ،
على عكس احمرار وجنتيه المعتاد ،
و حين اقترب من الرجل المنبطح على الأرض،
مال مورونغ شياو قليلًا وأمال كأس النبيذ
و تدفق الخمر الدافئ على قمة رأس الرجل ذو الرداء الأحمر،
وانساب أسفل عنقه ،
متغلغل في ياقة ثوبه ،
بينما امتزجت بعرق جبينه ،
متجمعة في قطرات صغيرة سقطت واحدة تلو الأخرى ،
ملطخة السجادة الحمراء الفاخرة تحته
انحنى مورونغ شياو قليلًا،
كأفعى تستعد للانقضاض،
وتحدث ببطء: “ أقدم لك شرابًا …”
ثم سأل بنبرة هادئة تقطر سمًا : “ هل مذاقه جيد؟”
لم يستطع الرجل ذو الرداء الأحمر فهم مزاج سيده المتقلب.
ارتجف وردّ بتملق : “ إنه… إنه لذيذ .”
: “ حقاً ؟” ارتسمت على شفتي مورونغ شياو ابتسامة باردة،
ثم أمسك بقوة بياقة ثوب الرجل ذو الرداء الأحمر
قبل أن يدرك الأخير ما يحدث ،
أدخل مورونغ شياو أصابعه في فمه ،
ثم دفع كأس اليشم داخل حلقه بعنف
ضحك بصوت مجنون وعيناه تضيقان بخبث :
“ إذًا سأمنحك المزيد من الشراب .”
ضغط مورونغ شياو الرجل على الأرض،
مستخدمًا كل قوته لإغلاق أنفه وفمه
و دخل الكأس متوغلاً في حلقه ،
قاطعاً عنه الهواء
بدأ الرجل يختنق،
يلهث بلا جدوى،
بينما قبضت يداه على عنقه بقوة،
وبدأ زبد أبيض يتجمع عند زاويتي شفتيه
بدا الاشمئزاز على وجه مورونغ شياو وهو يلتقط منديلاً
ويمسح يديه بعناية
وقف ببطء،
وعيناه تراقبان الرجل المتلوّي على الأرض
وكأنه ينظر إلى جرذ يحتضر في مجرى ملوث
في القاعة الكبرى ،
لم يُسمع سوى أنين الرجل المتألم،
ولم يجرؤ أحد على النطق بكلمة،
خوفًا من أن يصبح التالي
وبعد لحظات،
خيّم الصمت مرة أخرى،
صمت ثقيل لدرجة أن سقوط إبرة على الأرض قد يُسمع بوضوح
أزاح مورونغ شياو نظره بغير مبالاة ،
ثم سار بخطوات بطيئة نحو الحشد،
قائلاً ببرود: “ لا تستطيعون حتى العثور على بعض الجرذان
المختبئة في العاصمة ،
ولا يمكنكم العثور على جي جي خارج المدينة …
ما فائدتي بكم ؟”
ثم فجأة ، وبلا سابق إنذار،
ركل أقرب رجل إليه في رأسه بقوة،
صارخًا بغضب : “ ما فائدة فرقة العاجزين هذه ؟!”
الشخص الذي تلقى الركلة سقط أرضًا،
قبض على أسنانه بقوة،
لكنه لم يجرؤ على إصدار أي صوت
“ تشااااانغ هي !”
عند سماع نداء ولي العهد الغاضب،
اندفع رجل ذو ندبة على وجهه باب القاعة ودخل على الفور
من موقعه عند المدخل،
ثم ركع على إحدى ركبتيه،
قائلاً بلهجة ثابتة : “ أنا هنا "
نظر إليه مورونغ شياو بعينين محمرتين من الغضب،
ثم قال بحدة : “ لا حاجة للاستعداد في المعسكر .
غادر العاصمة فورًا وأعد لي جي جي .”
ثم دوّى صوته الهائج في القاعة : “ بأي ثمن أحضروا لي جي جي ! …”
صوته محمل بجنون واضح
“ وإذا تجرأ أحد على الوقوف في طريقك —اقتلهم !! "
ملاحظة المؤلفة :
تعاني الأميرة من اضطراب ما بعد الصدمة
لأنها شاهدت والدتها تموت ذات مرة وتعرضت لصدمة بسبب إصاباتها .
أي أنها قد تصاب بنوبة هلع تحت محفزات معينة —
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق