Ch45
عندما استيقظت مورونغ يان بصدمة،
أول ما رأته هو شقيقها الأكبر، مورونغ كان بشعره الأشعث
وعينَيه المحمرّتَين، ممسكًا بيدها بقوة
نطقت بصعوبة، حلقها جاف ومتشقق : “ كان-إير…”
: “ يوي إير ! لقد استيقظتِ ؟ أين الطبيب؟ الطبيب!”
ما إن رأى الرجل شقيقته تستعيد وعيها حتى هرع ينادي أحدهم لفحصها
حين أنهى مورونغ كان تدريبه وعاد إلى القصر،
رأى شقيقته مورونغ يان واقفةً وحدها وسط البركة
الممزوجة بالجليد المتكسر،
و جسدها يرتجف وقد فقدت توازنها
أسرع برفع جسدها شبه الغائب عن الوعي من المياه،
ولو لم يشعر بنبضها الضعيف بالكاد،
لكان قد ظنها جثة متجمدة
بعدما سلّم شقيقته إلى الخدم والطبيب على وجه السرعة ،
سارع مورونغ كان إلى استجواب الخدم حول ما حدث،
وحين فهم القصة، اشتعل غضبه،
فاندفع مباشرةً إلى القاعة الرئيسية
وهناك، ما إن رفع عينيه،
حتى رأى والده وأخاه غير الشقيق يواسيان مورونغ فو الذي
كان يصرخ ويلقي نوبة غضب
لم يكن هناك أحد انتبه إلى مورونغ يان،
التي كادت تموت وحدها عند البركة
لا أحد
كان غضبه لا يُحتمل، وخلافًا لطبعه الهادئ،
وبلا اكتراث لمحاولات الآخرين منعه،
تقدم مورونغ كان وضرب مورونغ فو عشرين ضربة قاسية
على فخذيه بلوح خشبي
ثم، بعد أن طرد الجميع من القاعة،
جلس أخيرًا للحديث مع الأمير يو على انفراد
لم يعد بإمكانه كتمان استيائه تجاه ما يحدث لشقيقته ،
فانطلق بكلمات لم يكن ليجرؤ على قولها من قبل
تحدث عن تحيز والده ، ومعاناة والدته ،
ونفاق أخيه غير الشقيق ، وغرور فو إير ،
وكذلك عن صمت يوي إير وصبرها على جميع هذه
الإهانات على مر السنين — كل ذلك كشفه دون تحفظ
لم يكن متأكد من مدى تأثير كلماته على والده،
لكنه على الأقل أراد أن يُسمع صوته
أو على الأقل ، أن يُعترف بالتضحيات التي قدمتها شقيقته
من أجل هذه العائلة
بعد انتهاء الطبيب والخادمات من عملهم،
جلس مورونغ كان بجوار السرير،
يراقب شقيقته التي تستند بضعف وتشرب المرق الدافئ،
و عيناها فارغتان تمامًا،
مما أشعره بحزن مرير يعتصر قلبه
أخرج من كمّه ربطة الشعر النظيفة التي غسلها بنفسه ،
ومدّها نحو شقيقته بلطف قائلاً : “ يوي-إير إني أعيدها إليكِ .”
في اليومين اللذين كانت فيهما فاقدةً للوعي،
كان قد أمر بتصريف جميع البرك في القصر،
واستنفر أكثر من مئة شخص للبحث في قاع الطين
وأخيرًا، في بركة أسماك بأحد الأفنية الجانبية،
وجدوا الشيء الثمين الذي كانت تبحث عنه شقيقته
اتسعت عينا مورونغ يان وهي تحدق في الشيء الذي يحمله شقيقها،
وتلاشت تعابيرها اللامبالية المعتادة بالكامل
أطراف أصابعها ترتجف وهي تأخذ ربطة الشعر،
و تضغطها بلطف على خدها،
وعيناها تزدادان حرارة،
غير قادرة على النطق للحظات
عند رؤية رد فعل شقيقته ،
قال مورونغ كان بهدوء : “ هل هذا من حارسة الظل التي أعادتكِ ؟
يوي-إير… أنتِ تقدّرينه كثيرًا أليس كذلك؟”
أغمضت مورونغ يان عينيها بإحكام ،
وقبضت على الشريط الأسود بقوة ،
و بصوت مبحوح : “… أنا أُقدّر كل ما يتعلق بها .”
أومأ مورونغ كان بصمت عند سماع ذلك
كان قد استنتج بالفعل، من الكلمات القليلة التي أفلتت من
شقيقته عن هروبها،
أن مصير حارسة الظل لم يكن على الأرجح جيدًا،
لكن رؤية مورونغ يان، التي كانت دائمًا هادئة وغير مكترثة،
تُظهر مثل هذا الحزن الصادق ، جعله يختار التزام الصمت
بعد أن تأكد بعناية من أن النمر الصغير الذي كان يطعمه
قد استقر على السرير ،
قدم بعض التعليمات اللطيفة ، ثم غادر
———————————————
في أوائل الربيع ،
بدأت البراعم الخضراء تشق طريقها عبر التربة
أعلن أمير الشمال ، الأمير يو حاملاً مرسوم الإمبراطور الراحل ، إلى العالم
خيانة ولي العهد الكبرى وتآمره للتمرد واغتصاب العرش
بعد ذلك ، قاد ابنه ، الجنرال الذي لم يُهزم قط، مورونغ كان للسير جنوبًا،
عازمًا على اجتثاث أتباع ولي العهد الخائن واحد تلو الآخر ،
وصولًا إلى العاصمة ،
لدعم اعتلاء الأمير الحادي عشر العرش ——-
وبحيازته أمر القيادة العسكري ،
تعهدت الجيوش في الولايات المختلفة خارج العاصمة
بالولاء بسرعة ،
منتظرةً فقط إشارة التجمع ، لتتحول إلى قوة طاغية
ومع ذلك ، لم يكن لأيٍّ من هذا علاقة بمورونغ يان
الشيء الوحيد الذي كانت تهتم به حقًا هو ما إذا كانت
ستتمكن من رؤية الشخص الذي تاقت إليه ليلًا ونهارًا،
عندما تمر بالغابة التي كانت تظهر في كوابيسها دائمًا
لم تعد ذراعاها الواهنتان قادرتين على حمل شبل النمر،
الذي بلغ عمره ثلاثة أو أربعة أشهر،
بعد أن تغذى في قصر الأمير على حليب الماعز واللحم المفروم
ومع ذلك، ظل الشبل، المتعلق بالفتاة ، مستلقي بجانبها،
و يدفع رأسه الكبير على يدها بلطف ،
متوسلًا لمساتها الحنونة
عندما خيّم الجيش في الولاية المحلية ،
دخل مورونغ كان إلى الخيمة الفاخرة التي تستريح فيها
مورونغ يان، مصطحبًا معه ثلاثة رجال مقيدين
مورونغ كان : “ هؤلاء اللصوص اعترفوا أثناء التحقيق بأنهم كانوا ضمن
المهمة التي كُلّف بها تشانغ هي للقبض عليكِ ….”
ثم بعد لحظة من التردد ،
مدّ نحوها حزمة صغيرة مغلفة بورق :
“ قبل إرسالهم إلى السجن ، فكرت أنكِ قد ترغبين في التحدث إليهم .”
لسبب غير مفهوم، شعرت مورونغ يان بقلق غامض،
لكنها رغم ذلك أخذت الحزمة من يد شقيقها
الغريب أن الورقة المغلفة بدت دافئة بعض الشيء عند لمسها
أمسكت بها للحظة،
ثم رفعت عينيها ببطء نحو الرجال الثلاثة الجاثين على
الأرض،
و أيديهم مقيدة خلف ظهورهم،
وسألت بصوت مبحوح : “… إذن، هل تعرفون…
مكان حارسة الظل التي كانت معي في ذلك اليوم ؟”
حمل صوتها تردد لم يكن بإمكان الآخرين ملاحظته،
وكأنها كانت تقاوم معرفة الإجابة
تردد أحد الرجال الملتحين ثم تكلم : “ إن كنتِ تقصدين المرأة ذات الرداء الأسود…
أخشى… أنها قد تكون قُتلت على يد القائد تشانغ …”
قاطعت مورونغ يان الرجل : “ مستحيل!”
و امتلأ صوتها بالذعر وكاد يختل اتزانه :
“ أنت تكذب !
آ-تشين لا يمكن أن تكون قد ماتت !”
قفز شبل النمر الصغير عن الأريكة عندما رأى رد فعل
مورونغ يان العنيف،
معتقدًا أن الرجال الثلاثة أمامها قد ضايقوا الفتاة التي تُحبها سيدته ،
و زئر بصوت يجمع بين اللطافة والوحشية ،
كاشفًا عن أنيابه البيضاء الحادة
تلعثم الرجل الملتحي محاولًا التوضيح : “ أنا لا أكذب،
تلك المرأة حقًا…”
لكن صوته خفت عندما لاحظ اضطراب المرأة أمامه
وقف مورونغ كان متجهم إلى الجانب، وطالب بصرامة :
“ ما الذي حدث بالضبط في ذلك اليوم ؟
انطقوا بالحقيقة كاملة ! "
: " الحارسة السرية التي رافقت الأميرة كانت قوية للغاية ...”
و تراجع الرجل الملتحي بخوف ،
تحدث رجل أصلع راكع بجانبه ليكمل عنه :
“ في ذلك اليوم، وقفت وحدها، مسلحة بسيف فقط،
وأوقفتنا تمامًا .
و في ذلك الوقت ، كنا نقدّر …” نظر إلى الرجل المجدول
الشعر وكأنه يطلب تأكيد
تابع الرجل الذي شعره في جديلة : “ بمن فيهم القائد
تشانغ ، كان يوجد واحد وخمسين شخص ”
تتبع الرجل الأصلع متذكرًا ما حدث :
“ نعم ، واحد وخمسين شخص .
تلك المرأة رسمت خط على الأرض ولم تسمح لأي شخص بتجاوزه .
حتى عندما أطلق العشرات منا السهام عليها في آنٍ واحد ،
استطاعت أن تجد الأمان وسط وابل السهام .
أي شخص تجرأ على عبور ذلك الخط كان يُقطع رأسه فورًا
من فوق جواده .
وبعد سقوط أكثر من عشرة قتلى ،
لم يجرؤ أحد على المحاولة مجددًا .”
: “ بعد ذلك ، أمر القائد تشانغ هي بأن أتولى تأخير تلك
المرأة بينما تابع الآخرون ملاحقتها عبر طريق آخر …”
تردد الرجل الأصلع للحظة ، أخذ نفس عميق ، ثم تابع :
“ تلك المرأة كانت تتصدى لهجمات القائد تشانغ هي ،
وفي الوقت نفسه تمكنت من إصابة جميع خيول الآخرين
بسيفها .
ثم… جُنّت ...”
ارتجف جسده
بدت الحيرة على وجه مورونغ كان : “ جُنّت ؟
ماذا تعني بقولك ‘ جُنّت’ ؟ ! ”
: “ لقد جُنّت… جُنّت تمامًا ...
كنت أقف في المقدمة في ذلك الوقت ،
ورأيت كل شيء بوضوح ….”
حدق الرجل الملتحي بعينين متسعتين وهو يسترجع
المشهد ،
ثم قال بصوت مرتجف : “ في ذلك الوقت ،
كانت قد نزفت حتى كادت تفقد كل دمائها ،
و كتفها مسموم ، لكنها بدت غير مبالية تمامًا بحقيقة أنها
على وشك الموت…
لكن بعد أن قال لها القائد تشانغ هي بضع كلمات ،
جُنّت كوحش هائج وبدأت تهاجمه بجنون ،
غير آبهة بحياتها .”
كانت عيناها محمرتين ومغطاتين بالدم،
ونظرتها المتوحشة القاسية تومض بوحشية بعد حديثها مع
القائد تشانغ
انبعث من جسدها بأكمله هالة خانقة من العطش للدماء،
وكأنها شيطان راكشاسا يسير في الجحيم
على الرغم من أن يدها اليمنى مشبعة بالدم و بالكاد قادرة
على الإمساك بالسيف،
وجسدها تعرض لعشرات الطعنات،
إلا أنها واصلت القتال بجنون بجسدها المحطم،
وكأنها لا تشعر بشيء،
عازمة على إسقاط القائد تشانغ معها
“ خاض الاثنان قتال شرسًا في الغابة ،
لمع السيفان وتعالا ظلالها ،
ولم يتمكن أيّ منا من الاقتراب على الإطلاق…”
تمتم الرجل الملتحي،
مشيرًا برأسه نحو الحزمة الورقية في يد مورونغ كان ،
وتابع :
“ لاحقاً ، عاد القائد تشانغ وحده من الغابة بعد أن قتلها .
حتى أنه قطع إحدى أذنيها ،
أما الجسد المتبقي … فقد أُلقي في البحيرة .”
عند سماع هذه الكلمات ،
شعرت مورونغ يان وكأنها على وشك الاختناق
و بيدين مرتجفتين،
فتحت الحزمة الورقية التي تقبض عليها بشدة
في داخلها ، استقر قرط عقيق ملطخ بالدماء
نفس قرط العقيق الذي يتدلى من أذنها ….
هوى قلبها
لم تعد قادرة على التنفس
تمتم الرجل الأصلع باحترام ،
رغم أنها ذات يوم عدوته :
“ أن تتمكن من شلّ ذراع القائد تشانغ وهي مغطاة بالإصابات والسم ،
فهي حقًا جديرة بالإعجاب .”
تذكر الرجل مجدول الشعر شيئ وقال: “قبل أن يختفيا،
سمعت تلك المرأة تصرخ بشيء ما.”
ثم رفع رأسه بحيرة وأضاف : “ اقتل… احمِ… يان ؟ يان يان؟”
عند سماع هذه الكلمات ،
وقفت مورونغ يان فجأة،
لكنها سرعان ما تهاوت على الأرض،
جاثية على نفسها،
تحتضن جسدها المرتجف بشدة،
وأسنانها ترتجف ببعضها،
وكأنها على وشك الإغماء في أي لحظة
“يوي إير ! يوي إير !”
عندما رأى مورونغ كان شقيقته تتصرف بشكل غير طبيعي،
اقترب منها بقلق،
محاولًا دعمها وهو يأمر مرؤوسيه بأخذ الرجال الثلاثة
الراكعين إلى خارج الخيمة
“ آ-تشين… ماتت !؟
كيف تموت؟
كيف يمكن أن تموت…
بسببي…”
تشبثت مورونغ يان بقوة بياقة شقيقها، يغمرها الألم ،
وجسدها يرتجف بلا سيطرة،
تلهث بأنفاس غير منتظمة : “ آ-تشين لا يمكن أن تموت…
لن أسمح بذلك ،
لن أسمح بذلك !”
انهارت الفتاة بلا حول في أحضان شقيقها،
عيناها محمرتين،
ومع ذلك لم تسقط أي دمعة،
فقط ظل وجهها فارغ وهي تهمس بصوت خافت :
“ لا أسمح…
لا أسمح بذلك…”
لم يتوقع مورونغ كان أن شقيقته ستنهار بهذا الشكل بسبب
وفاة حارسة ظل
وجهها يائس إلى درجة بدا وكأنها قد تلحق بتلك الشخص
في اللحظة التالية
شعر بألم يمزق قلبه،
نادمًا على قراره بالسماح لها بمقابلة الرجال الثلاثة
حاول تهدئتها بيأس ، قائلاً :
“ إنه مجرد قرط، يوي إير ... مجرد قرط.”
رأى وميض خافت من الإدراك في عيني مورونغ يان،
فتابع مورونغ كان قائلاً، “ حراس الظل الإمبراطوريون لا
يموتون بهذه السهولة .
مجرد قرط لا يمكنه إثبات أي شيء، أليس كذلك؟
يوي إير ؟”
بدت الأصوات المحيطة وكأنها تلاشت
لم تعد الفتاة تسمع شيئ ،
فقط تراقب شفتي شقيقها تتحركان ، غارقة في كلماته
{ …. صحيح
في الحياة ، يجب أن ترى الشخص ..
وفي الموت ، يجب أن ترى الجثة …..
إنه مجرد قرط ، لا أكثر ….
مجرد قرط …..
لا يمكنه إثبات أي شيء، صحيح ؟
آ-تشين… }
في اللحظة التالية ، انهارت مورونغ يان كدمية انقطع خيطها، فاقدةً وعيها
لم يبقَى في الخيمة سوى مورونغ كان ،
ممسكًا بشقيقته المغمى عليها ،
يضغط بجنون على المنطقة تحت أنفها ،
ويصرخ طلبًا للطبيب من الخارج ….
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق