Ch47
رأت مورونغ يان الإمبراطور الجديد لأول مرة في مأدبة
القصر مع نهاية الربيع ———
بصفتها فرد من العائلة الملكية وابنة الأمير يو الشرعية ،
جلست بالقرب من الطاولة الرئيسية بجوار مورونغ كان
ومع تدفق الخمر في الأجواء و الحماس ،
غرق الرجال في القاعة الكبرى في نشوةٍ مترنحة ،
تحدّق أعينهم نحو الأطباق الفاخرة المصفوفة أمامهم
أما مورونغ يان، فظلّ تعبيرها بارد ، تحتسي الشاي بصمت
: “ يو إير اليوم عيد ميلادنا .
لمَ لا تبتسمين أكثر ؟” تحدث مورونغ كان و تفوح منه رائحة
الخمر ،
ووجهه متورد وهو يقترب من شقيقته ،
ليقترح بحماس :
“ ألا ترغبين في أن أجعل الجميع يحتفلون بكِ؟”
وقبل أن تتاح لها الفرصة للرد ،
وقف رافعًا كأسه وهتف بصوتٍ عالي
و اندفع العديد من زملائه الضباط العسكريين إلى الأمام ،
وجوههم مكسوة بالضحكات العريضة ،
يؤدون التحية بشكل غير متقن ،
ثم صرخوا بأصواتهم الخشنة :
“ الآنسة مورونغ، نتمنى لكِ عمرًا مديدًا !”
“ ما هذه ‘الآنسة’؟ أظهروا بعض الاحترام—إنها الأميرة مورونغ!
عيد ميلاد سعيد، ونتمنى لكِ السعادة والصحة !”
“ هيه هيه هيه! سرقت كلامي، ماذا بقي لي لأقوله…
أتمنى لها اتحاد متناغم لمئة عام !
الأميرة ، اتحاد متناغم لمئة عام !”
“ وي العجوز ! هل فقدت عقلك ؟
أختي الصغيرة لم تتزوج بعد ، اتحاد متناغم مع من؟!”
بينما تراقب هذا الجمع الصاخب أمامها،
وعلى الرغم من الفوضى التي أحدثوها،
لم تشعر مورونغ يان سوى بوحدة عميقة في قلبها
و دون وعي، سرحت أفكارها إلى احتفال عيد ميلادها العام الماضي
في تلك الغرفة الصغيرة التي لم يكن فيها سوى شخصين،
كان ضوء الشمعة الراقص،
المحاط بكفٍ دافئة ،
أكثر بريق وإشراق من هذه القاعة الكبرى المبهرة
أنزلت رأسها وارتشفت جرعة من الشاي،
محاولةً كبح المرارة التي اجتاحتها
—
في النصف الثاني من الليل ،
لم يتبقَى في مأدبة القصر سوى الرجال،
و معظمهم من الجنود ذوي الطباع الخشنة،
المعتادين على حياة المعسكرات العسكرية
بعد بضع جرار من النبيذ،
بدأ الكثيرون يترنحون ويتبادلون النكات غير اللائقة
لم تنزعج مورونغ يان من ضجيجهم،
لكنها شعرت بالضيق
وعندما وقف مورونغ كان مرة أخرى رافعًا كأسه ليبدأ جولة
التهنئة الثالثة،
انسحبت بهدوء من مقعدها
لقد مرّ ما يقارب العشر سنوات منذ آخر مرة دخلت فيها القصر
في ذلك الوقت،
عندما كانت ساقها اليمنى لا تزال سليمة،
كانت فتاةً شابة، غافلة عن أي قيود،
تتفاخر بجمالها السطحي،
وببراعتها الأدبية غير المميزة،
فتجذب الأنظار وتحصد إعجاب الجميع
كانت تفتخر بنفسها علنًا ،
تتنقل بحرية في أرجاء القصر الإمبراطوري الشاسع ، بلا قل
لكنها تخشى أنه لو أخبرها أحد حينها أن هذا الغرور سوف
يجلب عليها كارثة عظيمة ،
لما كانت تلك الفتاة العنيدة لتصدقه
ومع ذلك ، وبشكل مفاجئ ، لم تتغير أزهار وسواقي هذا
الفناء كثيرًا عن ذاكرتها
أما الناس… فقد تغيروا كثيرًا —-
اتكأت على عصاها وسارت ببطء على طول الممر المرصوف بالحصى ،
بينما الهواء الرطب يحمل معه رائحة العشب والأرض
المتفتحة تحت المطر
أخذت نفسًا عميقًا ، لتجد نفسها وجهًا لوجه مع هيئة صغيرة الحجم
: “ جلالتك .” شبكت مورونغ يان يديها لأداء التحية وهمّت
بالركوع،
لكنها أُوقفت على الفور من قبل الإمبراطور الشاب
رفع مورونغ وان يديه على عجل : “ لا! أرجوكِ ، لا تركعي
لي!”
مما جعل لآلئ تاجه تصطدم ببعضها محدثةً
صوت خافت ، “ آه… قفي! قفي بسرعة .”
وقفت المرأة مستقيمة،
صامتةً في مكانها،
ويبدو أن قوامها النحيل والمنعزل كان أكثر هشاشة من
أغصان الصفصاف خلفها ،
تردد مورونغ وان الذي غادر المأدبة مبكرًا هو الآخر،
ثم تحدث بصوته الطفولي غير الناضج بعد :
“ أنا… ليس… أنا … أقصد نحن ، نحن نعلم أن صحتكِ
ليست على ما يرام، فلا حاجة لكِ أن تؤدي التحية لنا .”
( الاباطرة يتكلمون عن نفسهم بضمير جمع / 'نحن ' )
مورونغ يان : “ جلالتكَ اعتلى العرش حديثًا ،
وهناك أمور لا حصر لها تشغل بالك،
إنه إهمال منِّي أن تشتت انتباهك وتهتم بصحة ' تشين '
( 臣 [臣 (chén): لقب يستخدمه الخدم والمسؤولون
عند مخاطبة الإمبراطور )
تحدثت مورونغ يان بعينين منخفضتين ،
وحفاظت على وقفتها باحترام ،
لكن نبرتها حملت برود غير مبالي
لوّح الامبراطور وان بيديه على عجل وقال : “ لا، ليس هذا مزعجًا على الإطلاق !
إنه لأن مينغ تشين ذكرتكِ لي، لذا أنا…”
عند سماع هذا ، رفعت الفتاة رأسها فجأة وسألت بصوت
خافت : “ آ-تشين… تحدثت عني أمام جلالتك ؟”
أومأ الامبراطور وان : " نعم .
في السابق، أثناء تواجدنا في الأكاديمية الإمبراطورية ،
كنا نتحدث أثناء الغداء ، وكل أربعة أو خمسة جمل من
مينغ تشين كانت عن الأميرة تشونغ ون "
: “ آ-تشين… ماذا قالت عني؟” سألَت مورونغ يان، وقد
تسللت مرارة خفية إلى صوتها
أمال الشاب رأسه متأملًا ،
ثم عبث برأسه بخجل : “ مينغ تشين… كانت تقول دائمًا
أنكِ جميلة جدًا ،
أجمل وأقوى امرأة في العالم .”
استرجع تلك اللحظات عندما كانا يجلسان في الممر،
والحارسة تتحدث بحماس وهي تلوّح بيدها أثناء تناول
الطعام الذي أرسله الطاهي الإمبراطوري
تخلّت ملامح الامبراطور وان الناضجة عن عادته الجادة للحظة ،
وانبثق منه ضحك طفولي نادر : “ مينغ تشين كلما وجدت شيئ
لذيذ في الخارج ،
كانت دائمًا تحضر لي القليل منه ،
لكن إن لم يكن كافي ، فحتى لو توسلّتُ لها،
كانت ترفضني بشدة وبحزم…
لم تكن تسمح لي بأخذ لقمة واحدة .
كانت تقول دائمًا أنه يجب الاحتفاظ به للأميرة تشونغ ون.
أنتِ الشخص الذي تعتز به مينغ تشين أكثر من أي أحد آخر .”
أغلقت مورونغ يان عينيها بإحكام وأمالت رأسها للخلف،
محاولةً كبح الدفء الجارف الذي غمرها،
بينما ارتجف صوتها قائلة : “وهي… أيضًا الشخص الذي
أعتز به أكثر من أي أحد آخر .”
الشاب الحساس ذو التفكير العميق مدّ لها منديلاً بعناية ،
لكن الفتاة رفضته
قال بلا مبالاة ، واضعًا يديه خلف ظهره،
وهو يحدق إلى الجدران الشاهقة للقصر : “ مينغ تشين ستعود .
لقد وعدنا بعضنا أن نحقق النصر في ساحات معاركنا الخاصة .”
في الليل ،
عكست ظلال الإمبراطور الشاب والأميرة الرقيقة وحدةً لا توصف …..
حُدّد موعد تنفيذ الإعدام في أوائل الصيف
ورغم أن ولي العهد المخلوع لم يُقبض عليه،
فإن القبض على عائلته من جهة الأم ومجموعة المسؤولين
الفاسدين الذين تشبثوا بالسلطة كان يُعد انتصار كامل
الإمبراطور الجديد كان رحيم ،
ولم يرغب في محو عائلات بأكملها ،
فاكتفى بإعدام رؤوس العوائل التجار ،
بينما حُكم على البقية بتجريدهم من ألقابهم وتحويلهم إلى عامة ،
كما نُفوا من العاصمة و مُنعوا من تولي أي مناصب رسمية
لثلاثة أجيال
مورونغ يان لم تكن ترغب في الذهاب إلى الشوارع والتلطخ
بدماء هؤلاء القذارة
لكنها، أثناء عودتها إلى برج كانغيوي عبر العربة،
لمحت صدفةً ذلك الشاب الأنيق الذي قابلته ذات مرة في
إحدى القرى الصغيرة
لم يعد ذلك الابن المتعجرف والمترف الذي اعتاد مضايقة النساء ،
بل كان الآن رجلاً أشعث بائس
عيناه فارغتين ، وعلى وجهه ندبة امتدت من خده الأيمن
حتى فكه ، وكأن وحش مفترس قد مزقه بمخالبه
( شابتر 31 / الي ضرب مينغ تشين / وهي حطمت عربته )
يجلس في كرسي خشبي متحرك ،
وساقاه مثنيتان بطريقة غير طبيعية
أما يده اليسرى ،
فكانت مخبأة تحت كمّه ، فقد كف يده بالكامل
على طول الطريق ،
كان بعض العامة يرمونه بسيقان الخضار الفاسدة ،
بينما كان مقيد ضمن مجموعة من المنفيين ،
و تتعالى عليه صرخات الضباط الذين يطردونه خارج المدينة
الابن الثاني المتغطرس لوزير الشؤون المدنية،
ذلك الذي تسبب في إيذاء مينغ تشين،
أصبح الآن في حالة يرثى لها،
مجرد حطام لإنسان كان يومًا ما متفاخرًا بسلطته
بنظرة خاطفة فقط،
أسدلت مورونغ يان ستارة العربة
عندها، سألها مورونغ كان بقلق: “ يوي إير هل تريدين حقًا
العودة إلى ذلك البرج العالي؟”
مع سقوط ولي العهد المخلوع ،
لم تعد مورونغ يان رهينة محتجزة تحت رحمة أي شخص
و أخته لم تعد مضطرة للبقاء هناك ،
بإمكانها العيش في مقر الأمير يو داخل العاصمة ،
وإذا كانت لا ترغب في العيش مع بقية أفراد العائلة ،
فلديها قصر تشانغنينغ، الذي منحه لها الإمبراطور ذات مرة
بل، ولو أرادت ، لربما استطاع مورونغ كان تأجيل شؤون الجيش ،
ليأخذها معه في رحلة عبر الأنهار والبحيرات،
يتجولان ويتسكعان،
حتى لا تضيع نفسها وسط مدينة تعج بالذكريات التي تلتهم القلب
لم يكن هناك أي سبب يدفعها للعودة إلى برج كانغيوي
لكن عند سماع كلامه ، لم يطرأ أي تغير على تعابير مورونغ
يان،
فقط لامست الحجر المتدلّي من أذنها بلطف ،
خافضة عينيها وهي تهمس : “ ستضيع…”
: “ هههم؟” لم يفهم مورونغ كان تمامًا ، فمال برأسه متسائلًا
مرّت في ذهنها صورة مينغ تشين وهي تطل من حافة النافذة ،
مبتسمة دائمًا،
بعينين تلمعان ببهجة طفولية
كررت بصوت منخفض : “ إن لم أكن هناك ، ستضيعني .”
ثم التزمت الصمت
{ إن لم أبقى في ذلك المكان الذي جمعنا ،
فعندما تعود مينغ تشين ، تلك الحمقاء ، ستشعر بالذعر ،
ولن تعرف أين تجدني …
ستضيع …
عليّ أن أبقى ، وأنتظرها
تمامًا كما فعلت طوال السنة الماضية ،
أنتظر عودة مينغ تشين ، يومًا بعد يوم …. }
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق