Ch47 | IDNWTAM
اليوم الذي اندلعت فيه الفوضى في قصر جبل هان تشانغ يوم مشمس ———
أشرقت الشمس ساطعة ،
و الحرّ في الخارج خانق ،
ولكن ظلّ الجوّ داخل القصر بارد ومنعش
كان القصر ساكنًا ، يخيم عليه جو من الجلال والكآبة
وصل الحرس الواقف عند البوابة على عجل ،
ليبلغوا أن ' اللورد تشي ' و ' الدوق شيويه '
و معهم أكثر من عشرة وزراء ،
قد اجتمعوا في أسفل الجبل ،
ورفعوا عريضة إلى الإمبراطور يطالبون فيها بتخليص البلاط من مساوئه ،
ومعاقبة الخصيان والزُمرة الحاكمة ،
وإعادة النظام إلى الحكم ——-
ازرقّ وجه الامبراطور جي هوان من شدّة الغضب ،
فأسقط ما على الطاولة وهو يصيح :
“ إنهم يريدون إرغام الإمبراطور على التمرد !”
جثا كل الوزراء في القصر أرضًا ،
وقال يانغ هي بهدوء :
“ جلالتك أرجو أن تهدأ "
ضرب الامبراطور جي هوان الطاولة بعنف وقال :
“ شان وي ، قوه شياو —— بصفتهما قائدين للحرس الإمبراطوري تجرّآ على التواطؤ مع العائلات النبيلة ،
وخرجا من العاصمة دون إذن ،
وجاءا يحاصران الجبل ! من منحهم هذه الجرأة ؟!”
ركع جي ياو على ركبتيه فوق الأرض الباردة ،
وقال بنبرة يغلب عليها الاستياء:
“ هل أصيب اللورد تشي والدوق شيويه بالخرف ؟
كيف تجرّآ على فعل أمر متهور كهذا ؟”
زاد غضب الامبراطور جي هوان وقال:
“ ما أصابهما هو الطمع ، وليس الخرف .
لم يعودا قادرين على كبح أطماعهم الحيوانيّة !”
أنزل يانغ هي عينيه وجثا بهدوء على الأرض ،
رداؤه القرمزي الزاهي يبدو كفراشة بديعة انكمش جناحاها
قال بصوت خافت:
“ جلالتك ، إن كان ثمّة لوم ، فهو يقع عليّ .
لقد تسببتُ في تعريضك للخطر .
سأدفع حياتي ثمنًا لذلك .”
قالها بصوت مفعم بالندم ،
وأدى انحناءة رسمية كبرى ،
ثم رفع عينيه ، وعيناه قد احمرّتا، وقال:
“ اليوم يريد كل أولئك اللوردات قتلي .
إن كان موتي سيجلب السلام لجلالتكم ، ويطهّر الحكم ،
فلا بأس ، سأقبل بذلك راضيًا "
نظر إليه الامبراطور جي هوان وتنهد :
“ هي تشي لماذا تقول هذا ؟ انهض "
لكنه سجد من جديد، وقال :
“ هذه المسألة بدأت بسببي ،
سأذهب بنفسي إلى أسفل الجبل لأُقنع الدوق .”
قال الامبراطور جي هوان بغضب شديد ،
ضاربًا الطاولة مجددًا :
“ هراء—— أنت تعمل عندي ،
وهم يفعلون ما يفعلون لأنهم غير راضين عني ،
ويحاولون الضغط عليّ !
فكيف لي أن أستجيب لهم ؟!”
الامبراطور جي هوان ببرود :
“ أريد أن أرى إن كانوا يجرؤون فعلًا على قتلي والتمرد !
أنت، ابقَى هنا ولا تذهب إلى أي مكان .”
نظر يانغ هي إلى جي هوان ،
وقد بدا عليه الذهول للحظة ، ثم ناداه قائلًا :
“ جلالتك…” وقد اغرورقت عيناه بالدموع امتنانًا
نزل الامبراطور جي هوان درجات اليشم في قاعة دانتشي،
وأمسك بذراع يانغ هي، وقال:
“ انهض ، لا تركع بعد الآن .
انهضوا جميعًا .”
قال يانغ هي بصوت خافت:
“ شكرًا لجلالتك …”
ربت جي هوان على كتفه ،
ثم وضع يديه خلف ظهره وقال بنبرة باردة :
“ عائلتا تشي وشيويه دومًا متغطرسين ومتعجرفين .
وقد احتملتهما مرارًا من أجل والدتي .
أما الآن، فبعد أن تجرّؤوا وشكّلوا حزب لمصالحهم الشخصية ،
وقادوا الجنود للتمرد ، فلن أتحمل ذلك بعد الآن !”
قال يانغ هي وجي ياو بصوت واحد:
“ جلالتك حكيم "
ثم تبادل الاثنان نظرة سريعة، ورفع جي ياو طرف فمه بابتسامة خفيفة
فجأة ، أصبح قصر جبل هان تشانغ تحت الحصار
وكما قال جي ياو من قبل،
فإن موقع القصر استراتيجي،
يسهل الدفاع عنه ويصعب الهجوم عليه
أما العائلات النبيلة المتمركزة عند سفح الجبل ،
فكانت تراقب بجشع ،
وقد أرسلوا عريضة باسمهم ،
لكنهم لم يتحركوا فعليًا بعد
يانغ هي يعلم أن هذه حيلة معتادة ——' اللجوء إلى الأدب
قبل استخدام القوّة '
ففي النهاية ، يظل جي هوان هو الإمبراطور
———- بعد فترة …..
بدت صراصير الليل تصرخ في الخارج ،
وأشعة الشمس تتسلل عبر النوافذ
رفع جي ياو يديه ليمسح بهما وجهه ،
وفي أذنيه ، تتردد أصوات يانغ هي وعدد من القادة
العسكريين يتباحثون—— كلمات متفرقة مثل “ انتشار ”،
“ مواجهة ”، “ تمركز ”،
جميعها مشبعة بنبرة جافة وجادة
ورغم طيبته ، فإن جي هوان بارع في الشؤون المدنية
والعسكرية على حد سواء ، وليس رجلًا بسيط
خلال نقاش يانغ هي وجي ياو سابقاً قد ذكر ياو
' الحرس الشمالي '
لكن هذه المرة لم يكن جي ياو من قالها كاقتراح ،
بل الإمبراطور نفسه ——-
فهو ، بحكم منصبه ، كان على دراية بمواضع تمركز قوات الحرس كافة
وكان الحرس الشمالي الأقرب إلى قصر جبل هان تشانغ
وحين أوصل أفراد حراس الظل المميزين مرسوم سري للحرس الشمالي ،
أمر الإمبراطور بتعبئة نخبة الحرس ،
والتعاون مع الحرس الإمبراطوري داخل القصر ،
ليُجهزوا في ضربة واحدة على العائلات النبيلة جميعًا
أصغى يانغ هي إلى تعليمات جي هوان،
ثم التفت لا شعوريًا نحو جي ياو
كان الشاب ذو العيون السوداء يبادله النظرة،
وابتسم له ابتسامة بريئة بدت وكأنها لا تؤذي إنسان ولا حيوان
وفكر يانغ هي في نفسه:
{ خطة محكمة بالفعل .
بما أن جلالته هو من فكّر في استخدام الحرس الشمالي،
فبهذا نستطيع القضاء عليهم بالكامل }
الامبراطور جي هوان لا يزال يثق بـ يانغ هي، فوكل إليه جميع شؤون الدفاع في القصر
وقد نُظمت الأمور بطريقة منسقة
وبينما ركّز جي هوان على الوضع العام ،
أضاف يانغ هي بعض التعديلات الدقيقة —— فأمر أناس
بالتوجه إلى العائلات النبيلة باسم الإمبراطور ،
متظاهرًا بأن جلالته متردد
غادر القادة العسكريون جميعًا ، وأُغلِق الباب ،
فعاد الهدوء إلى القاعة فجأة
كان جي ياو مستلقي على الطاولة بنعاس ،
وقال بتكاسل:
“ أرسلتَ الناس للتعامل معهم ، أليس هذا معناه أنك ترسل رجالك للموت ؟”
ردّ يانغ هي ببرود :
“ إنه فقط لكسب الوقت .
إضافة إلى ذلك ، فإن الاثنين الذين أُرسلوا بارعان في الاغتيال .
إن تمكّنا من الاقتراب ، فقد تكون هناك فرصة .”
جي ياو :
“ تضحي باثنين من رجالك لأجل فرصة ضئيلة كهذه ؟
ألا تشعر بالأسى غونغونغ ؟”
أجاب يانغ هي بهدوء :
“ لا داعي للأسى حين يتم استغلال الأمور على أفضل وجه ...”
ثم نظر إلى جي ياو ، وابتسم فجأة ، وتابع ببطء :
“ على مرّ السنين ، كانت هناك عائلات نبيلة كثيرة في نانيان،
لكن قلّة من تمرد ونجح فعلًا في شيء كبير .
يا سمو الأمير هل تعلم لماذا ؟”
وضع جي ياو ذقنه على كفه ، وقال :
“ أود سماع السبب "
يانغ هي:
“ لأن العائلات النبيلة تهتم بسمعتها .
فلا يجرؤون على تحمّل وصمة العار المتمثلة في السعي لاغتصاب العرش ….”
ثم تابع بنبرة هادئة :
“ حتى بعد أن وصلت الأمور إلى هذه المرحلة ،
لا يزال لديهم أمل——أن جلالته سيصحو من غفلته
ويقتلني ، فيمتدحونه على ذلك ،
كما كانوا يفعلون في الماضي لتبييض المواقف ...”
ثم سأل فجأة :
“ لو كنتَ أنت ، يا سمو الأمير ، المُحاصر عند سفح الجبل
اليوم ، ماذا كنت ستفعل ؟”
فكر جي ياو للحظة ، و قال ببساطة :
“ سأقتلهم .”
ضحك يانغ هي :
“ وهنا يكمن الفرق .
عائلة شيه لم تُعلّم سموك ما معنى العلاقة بين الملك ورعيته ،
ولا ما معنى التوقير .”
رمش جي ياو بعينيه وابتسم:
“ الوالي يوبخني بشكل غير مباشر ويقول أنني خائن ولا أوقر
أخي الامبراطور ”
لم يُعلّق يانغ هي، بل استرخى في كرسيه وواصل مناقشة
الأمور في غرفة المكتب
نزع تاجه وقبعته ، فبدت بشرته ناصعة
وعيونه مرتفعة الزوايا تنضح بمزيج من الرقة الأنثوية
المميزة للخصيان ،
وحدّة الهيبة التي يكتسبها من الهيمنة على منصب رفيع
لسنين طويلة ؟
وضع جي ياو يده على الطاولة وقال:
“ لو اندلع قتال حقيقي ، هل ستخاف غونغونغ ؟”
رمقه يانغ هي بنظرة جانبية وسخر:
“ ما الذي يدعو للخوف ؟
على سمو الأمير أن يقلق على نفسه أولًا .”
جي ياو :
“ أوه ؟”
يانغ هي:
“جدك لأمك هو من ضحّى بأمك ليحمي نفسه ….”
ثم تابع ببطء :
“ فما دام قد حدث ذلك مرة ، فلا مانع أن يتكرر .
لقد تخلّوا عن والدتك سابقًا ،
فكيف نضمن ألا يتخلّوا عن سموك اليوم ؟
فبعد كل شيء ، سموك لم يعد طفلًا يجهل العالم .
إن ساورتهم الشكوك بأنك تحمل ضغينة عليهم بسبب ما مضى ،
فقد ينقلبون عليك .
وبعد سقوط عائلة تشي ، تكون عائلة شيه —التي كانت
تعمل في الخفاء لسنوات —هي الوريث الوحيد للسلطة "
ثم قال بنبرة لا مبالية وهو يربّت على مسند الذراع مبتسمًا:
“ أوه ، بالمناسبة ، قبل مجيئي إلى القصر ،
أرسل ديوان الشؤون الإمبراطورية خبر مفاده أن المحظية
شيان ، من عائلة شيه ، حامل منذ ثلاثة أشهر .”
نظر إليه جي ياو نظرة مطوّلة ، ثم ابتسم فجأة ،
بانحناءة رقيقة في حاجبيه وقال :
“ غونغونغ يحاول حقًا إثارة الفتنة في صدري …."
ثم لمس أذن يانغ هي الناعمة ،
وانحنى ليعضّ شفتيه بخفة ،
وضحك هامسًا وهو يداعب أذنه :
“ لن أقع في فخ كمينك .
إن كنت تريدني حقًا أن أنقلب على عائلة شيه ،
فعليك أن تحاول أكثر .
من يدري ، قد أقتلهم جميعًا وأرسلهم إليك هدية .”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق