القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch52 IDNWTAM

Ch52 IDNWTAM



أُلقيت قطعة من خشب الصندل الأحمر على الطاولة، 

بسيطة وثقيلة ، 

بلون ناعم كأنّها منسوجة من قماش ، 

تنبعث منها رائحة عبقة خفيفة وأنيقة


نظر إليها جي ياو :

“ أليست هذه قطعة الصندل الأحمر الخاصة بأخي ؟”


يانغ هي بهدوء:

“ أغلب خشب الصندل الأحمر في نانيان يُنتج في جنوب يان، 

وفي السنتين الماضية ، جاء معظم ما قُدّم كجزية للقصر 

من تشينتشو وليوتشو. 

وعائلة شيه أصلها من جنوب يان .”


رمش جي ياو وقال مبتسمًا :

“ وااو غونغونغ واسع المعرفة !”


طرق يانغ هي قطعة الصندل بأصابعه ، 

ثم نظر إلى جي ياو بعينين باردتين :

“ وما زلت تحاول إخفاء الأمر عني "


تابع بصوت بارد :

“ هل تظن حقًا أن جلالته مصاب بمرض غريب ؟!”


مال جي ياو برأسه وحدّق في يانغ هي دون أن يتهرب، 

ثم ابتسم وقال ببطء:

“ أوه ، إذا لم يكن أخي مريض بمرض غريب فهذا رائع ! 

لكن لماذا تخبرني بذلك غونغونغ ؟ 

علينا أن نبحث عن الطبيب الإمبراطوري ، 

أو على الأقل نلجأ إلى كبار المسؤولين في البلاط …. "


: “ جي ياو !”

صرخ يانغ هي، وعيناه تلمعان غضبًا


نظر إليه جي ياو ، ثم ابتسم مجددًا بعد لحظة ، 

كاشفًا عن أنيابه ،

أسند يده إلى الطاولة وجلس عليها ، 

أخذ قطعة الصندل الأحمر وشمّها ، 

وتمتم قائلاً :

“ رائحتها جيدة فعلًا "


قال وهو يضحك:

“ لقد نُقعت هذه القطعة في سم خاص لنصف شهر . 

الرائحة ليست قوية ولا خفيفة ، 

امتزجت مع عبق خشب الصندل نفسه ، 

طبيعية وغير مقززة ، ولا تجذب انتباه الآخرين ….”


ثم التفت إلى يانغ هي وتابع بابتسامة :

“ العجوز المشعوذ استغرق وقت طويل لإعداد هذه الوصفة . 

ما رأيك غونغونغ ؟”


قال يانغ هي بغضب وكره :

“ كنتَ أنت !”


ابتسم جي ياو :

“ ألم تُخمّن ذلك مسبقًا غونغونغ ؟”


يانغ هي:

“ليس هذا فقط—

لقد طلبتُ من أحدهم تحليل رائحة خشب الصندل، 

ولم تكن سامة على الإطلاق.”


صفق جي ياو بيديه إعجاب ، 

كأنه يمدح يانغ هي على دقته، ثم تنهد وقال:

“ لماذا كل هذا الإصرار على معرفة الحقيقة ؟ 

أنت تعلمها في قلبك . 

لا معنى للكلام الصريح الآن .”


يانغ هي ببرود:

“ ولِمَا إذًا ؟ 

أتجرؤ على فعلها ولا تجرؤ على الاعتراف بها ؟”


أجابه جي ياو بلا مبالاة:

“ ليس هناك ما لا أجرؤ على الاعتراف به "


ضحك ، ثم نظر إلى يانغ هي وقال بهدوء :

“ أنا فقط فضولي ، لماذا تبدو هكذا غونغونغ ؟”


تابع جي ياو وهو يطرق كفّه بقطعة خشب الصندل الأحمر:

“ كان غونغونغ فتىً مراهق لا يرف له جفن وهو يقتل. 

طوال الطريق، أزهقتَ من الأرواح ما أزهقتُه أنا …..”

ثم رمقه بنظرة حادة وأضاف :

“ غونغونغ ليس شخص طيب القلب ، ولا وفي ، 

ولا رحيم… فلماذا …."


توقف فجأة ، وحدّق مباشرةً في عيني يانغ هي، 

وقال ببطء:

“ لماذا لا تلين إلا أمام أخي ؟”


كان للشاب عينان قاتمتان جميلتان، 

نظر بهما إلى يانغ هي بحدّة 

جارحة، كما لو أنه أراد أن يخترق بشرته، 

ويقشر قلبه، ويستجوبه قطعة قطعة


اهتز قلب يانغ هي، 

وشد قبضتيه داخل كمّي ردائه، 

لكن ملامحه لم تتغيّر، وردّ بهدوء:

“ لماذا دست السم للإمبراطور ؟ 

لقد كان يعاملك كأخ حقيقي ، ولم يبخل عليك بشيء .”


جي ياو:

“ أخي العزيز…”


ثم تابع وهو شارد النظرات نحو يانغ هي:

“ صحيح ، أخي يعاملني بلطف شديد ، كأنه أخي الحقيقي، 

يحبني، ويغمرني بعطفه ...

تسألني لماذا ؟”


أنزل جي ياو عينيه ، وابتسم بمرارة ثم قال:

“ لو كنت أملك خيارًا… هل تظنني سأرضى بقتل أخي ؟”


نظر إليه يانغ هي ولم يرد


رفع جي ياو رأسه ، عيناه محمرتين قليلاً ، 

ثم أدار وجهه وقال بصوت خافت :

“ أنا دمية تافهة في يد جدي ، 

لا يخبرونني حتى على حقيقة ما يريدون فعله .

غونغونغ ، الوالي يانغ…

منذ صغري وحتى اليوم ، 

لم يعاملني أحد بلطف نقي وصادق كما يفعل أخي . 

لو أن الأمر بيدي ، لما أذيتُه قط "


تجمّد يانغ هي للحظة وهو يحدق في عيني الشاب المحمرتين ، 

وإذا بجي ياو يبتسم فجأة وقال ببطء:

“ هل هذا ما كان يريد غونغونغ سماعه ؟”


ثم سخر وقال ببرود:

“ كفّ عن التظاهر غونغونغ  ….

لا أنا ولا أنت من الصالحين ، 

فلماذا نُظهر الشفقة على أحد ؟”


ارتجّ صدر يانغ هي غضبًا ، وصاح محتدًا :

“ أنت—!”


قاطعه جي ياو واقترب فجأة ، 

قبض على ذراع يانغ هي وجذبه نحوه


طويل القامة منذ البداية ، وها هو جالس على الطاولة ، 

يعلو يانغ هي ويطغى عليه بهيبته ، 

نظر إليه من الأعلى وضغط عليه بالكلمات:

“ إن كنتَ حقًا قلقًا على أخي ، 

فكان بإمكانك إخباره أنه مسموم . 

لماذا أخفيت الأمر عنه وعن كل البلاط ؟!”


يانغ هي ببرود رافعًا وجهه :

“ إذا انتشرت أخبار تسميم جلالته ، 

سيحلّ الاضطراب في البلاط ، 

ويعمّ القلق أرجاء الدولة !”


تنهد جي ياو وقال باستخفاف:

“ يا له من خلق رفيع ، ونزاهة نادرة .”


تابع جي ياو بسخرية:

“ الوالي يانغ ،،،، أنت تخشى أن يعلم النبلاء بمرض أخي 

فينتهزون الفرصة للانقضاض عليه ….”

ثم رفع يده وقرص أذن يانغ هي الرفيعة وهمس بنبرة دلال :

“ نحن نعرف بعضنا جيدًا ، 

فلا حاجة لأن تتفوه بكلمات تناقض ما في قلبك .”


ما يُخفيه يانغ هي في أعماقه مكشوف تمامًا أمام جي ياو، 

كأنما يُسدل عليه الستار ويهزأ به علنًا، 

و يهزأ بتلك الشفقة الزائفة التي ما كان ينبغي لها أن تولد


ظلّ يانغ هي جامد الملامح ، يحدق في جي ياو بلا تعبير


تابع جي ياو:

“ غونغونغ اسأل نفسك ، 

إن حدث مكروه لأخي، فأكثر من يقلق عليه هو أنت .


أخي لا نسل له، وإن كنت تملك قدرة على قمع كبار المسؤولين ، 

فلن تجد من يستطيع أن يرث العرش شرعيًا ، 

ولا من يحفظ لك سلطتك…”

توقّف لحظة ، 

كأنه تذكّر شيئ ، ثم شهق ضاحكًا :

“ إلا أنا …

أنا الوحيد الذي قد يكون له نفع .”


حدّق في شفتي يانغ هي المطبقَتين بشدة، 

ثم اقترب منه، 

عضّ شفتيه، 

لعقها برفق، وهمس:

“ أليس كذلك غونغونغ ؟”


لكن يانغ هي أمسك بذقنه فجأة، 

وأبعده بالقوة، 

ثم مسح شفتيه بإبهامه وقال ببرود:

“ ثم ماذا ؟


يا جي ياو، هل سبق لك يومًا أن قلت الحقيقة فعلًا ؟”


تجمّد جي ياو ، وحدّق في يانغ هي دون أن ينبس بكلمة


وبدوره ، نظر يانغ هي إليه بثبات دون أن يُبعد بنظره


قبض جي ياو على قطعة خشب الصندل الأحمر في يده، 

ثم رماها بقوة، 

وأظلم وجهه ، وقال بحدّة :

“ يانغ هي يكفي !!! 

لمَا تصرّ على معاداتي بسبب أخي ؟

أنا من يحبك ، أنا من يحميك ، 

وأنا من سيكون إلى جانبك دائمًا …..”


ثم سخر :

“ أتظن أن الإمبراطور سيتحمّلك للأبد ؟ أتراه أحمق ؟ 

حينما تستقر الأسرة بفضل قوتك ، 

وتُحكم قبضتك على الدولة ، 


أتظنه سيظل يراك ذاك اليد اليمنى الأمينة ؟ 

هل سيظل يثق بك ويعتبرك ‘هي تشي’ الوديع الموثوق ؟


جاء شخص مجرد معلم عجوز ، ومع ذلك فهو يشكّ فيك . 

كم من الوقت تظن أنه يستطيع أن يحميك؟ 

لا تحلم !”


صمت يانغ هي للحظة ، ثم قال بازدراء :

“ سموك هل قتلتَ الإمبراطور من أجلي؟ 


وهل سرقت العرش لأجلي ؟ 


يا لسخافة ما تقول !”


فجأة ، عاد الهدوء إلى وجه جي ياو ، 

بل وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه ، 

وقال بصراحة:

“ صحيح فعلتُ ذلك من أجل نفسي .


أخي محظوظ . 

أمّه تفعل كل شيء من أجله ، 

أما أنا، فلا سبيل لي سوى أن أَسرق وأكذب وأخدع ...”


أنزل جي ياو عينيه وقال بمرارة :

“ هكذا هي الحياة في القصر . 

لو لم أُقاتل ، لو لم أُهاجم وأسلب ، 

لكنت قد جننتُ مثل أمي ،،


أخي الامبراطوري يعاملني بلطف ، وهو حقًا جيد معي ، 

لكن هل يُفترض بي أن أبكي وأكون ممتنًا فقط لأنه لطيف معي ؟ 

هل يجب أن أطيعه في كل شيء وأدع له حرية التصرف في كل ما يريد ؟ 

غونغونغ أخبرني هل يوجد منطق كهذا ؟”


كان يتحدث بمكر ، وكأنه فتى بريء لا يعرف الخداع


صمت يانغ هي طويلاً ، عاجزًا عن الرد بكلمة


قفز جي ياو من على الطاولة ، 

نظر إلى يانغ هي، 

ورفع يده ليلمس خده الشاحبة برقة ، 

ثم قال بنبرة دلال:

“ حسنًا ، على الأقل ، ما قلته لك كان صادقًا .


قلت أنني سأظل أحبك غونغونغ  "


ثم انحنى وقبّله على شفتيه


مع اقترابه ، تجمّد جسد يانغ هي، 

وارتجف قلبه دون إرادة منه، 

واجتاحه برد كالمدّ الجليدي، 

تسلل إلى أطرافه حتى شعر وكأنه غارق في صقيع لا ينتهي


أمسك جي ياو بأصابعه الباردة بلطف وقال:

“ غونغونغ أنت الوحيد في هذا العالم الذي لا يخافني . 

أنت تعرف جيدًا أنني أُطيعك أكثر من أي شخص آخر "


حدّق يانغ هي من فوق كتف جي ياو نحو النافذة، شاردًا


لم تكن النافذة مغلقة، 

و الأمطار تنهمر بغزارة، 

تتسرب إلى الداخل وتبلل الأرض، 

مُغرقة المكان بالعتمة والبلل، 

وكأن النور قد اختفى منه تمامًا ————-


وفي عمق شروده ، سمع يانغ هي صوت جي ياو يهمس:

“ يانغ هي، أنا سرقتُ العرش ، 

وأنت استغليتَ سلطتك وجررت البلاد إلى الهاوية … 

نحن في قارب واحد ، 

لا أحد منا أكثر نقاءً من الآخر . 

حتى لو كُتب لنا الخزي والعار في التاريخ للأبد ، 

سنبقى معًا ولا ينفصل أحدنا عن الآخر طوال حياتنا ”


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي