Extra15 | IDNWTAM
Ch71: في الحياة السابقة : تجسُّد روح جي ياو في الزمن الحاضر
حين استيقظ يانغ هي ، ظلّ قاتم يجثم بجانبه
لم يعلم متى استيقظ جي ياو،
ولكنه جالس متربّع على السرير يحدّق فيه ——-
أضواء القصر خافتة معتمة ،
والسماء لا تزال باكرة ،
فكان يانغ هي نصف نائم ،
يتقلّب في غشاوة ، لا يزال ناعس
عبس بحاجبيه ، وقال بصوت مبحوح خافت:
“ كم الساعة الآن ؟”
لم يُجِب جي ياو
يد من يديه موضوعة على فخذه،
بينما عينيه تلاحقان يانغ هي بنظرات حادة مسلَّطة،
شفتاه مشدودتان في قوس بارد كالسيف
لمّا لم يصله ردّ،
فرك يانغ هي خدّه بالوسادة بضيق، وتمتم:
“ ما بالك تحدّق بي؟
إن لم تكن قد نمت جيدًا، فارجع ونم "
كانت كلماته جريئة حدّ الوقاحة ،
لكنها بدت عفوية طبيعية ، مشحونة بألفة يصعب وصفها
ظهر على وجه جي ياو تعبير غريب،
بارد كالصقيع، وتنهّد بفتور:
“ منذ سنين طويلة، لم يجرؤ أحد على مخاطبة الإمبراطور هكذا "
مال نحو يانغ هي وتابع بصوت بارد:
“ تتسلّل إلى جناح الإمبراطور ،
وتصعد إلى سرير التنين…
من تكون أنت ؟”
فتح يانغ هي عينيه فجأة ———-
وقع بصره في تلك العينين السوداوين القاتمتين،
الصارمة الباردة ،
تفيض نظراتهما بعجرفة عليا وعدائية، غير مصطنعة
نظراتهم تلاقت
احتاج يانغ هي إلى لحظة ليستعيد صوته ، فنادى:
“ جي ياو "
ضيّق جي ياو عينيه ،
وكأنه التقط شيئ ،
فبدأ يتأمل وجه يانغ ،
بشرته بيضاء ، ويرتدي ملابس النوم ،
وعنقه الناعم تعلوه آثار عضّات ظاهرة ، لافتة للنظر
مدّ جي ياو يده كأنه يريد لمسه ،
لكن يانغ هي ضرب يده بقوة ، وقال ببرود:
“ من أنت ؟”
نظر جي ياو إلى يده ،
ثم مال برأسه مبتسمًا بسخرية ، وقال:
“ تنطق باسم الإمبراطور علنًا ، ثم تسألني من أكون ؟”
شعر يانغ هي بقشعريرة تسري في جسده،
تعابير جي ياو بدت غريبة عنه تمامًا،
فلو كان في وقت عادي،
لكان جي ياو التصق به منذ اللحظة الأولى للاستيقاظ
راود يانغ هي فكرة مجنونة ،
أثقلت صدره ،
فصمت دون أن ينبس بكلمة
ساد الصمت في المكان ، صمتٌ خانق كالموت
فجأة رفع جي ياو صوته وقال:
“ أدخِلوا "
وفور أن نطق الكلمة ، دخل الخدم تباعًا حاملين أدوات الغسيل ،
والرداء الإمبراطوري الرسمي للمجلس الصباحي،
و رداء آخر – معطف قرمزي مطرّز بتنانين
نظر جي ياو إلى المعطف ،
ثم إلى يانغ هي الذي يجلس مستقيمًا،
يحدّق فيه كما لو كان أمام شيء مروّع وسرياليّ
منذ أن فتح عينيه شعر جي ياو أنّ هناك خطبًا ما،
والآن صار الشعور أقوى من أي وقت مضى
نظر إلى تلك المعطف ثانيةً ، ثم إلى الرجل الغريب الجالس على السرير،
وانقلب نحو المرآة فجأة
المرآة عكست وجهه… نفس الوجه
قال أحد الخصيان وهو ينحني:
“ جلالتك ، الوالي ، لقد حان وقت الاستعداد للمجلس الصباحي "
{ الوالي ؟ —أي خصي ! }
تبدّل وجه جي ياو ، وتجمّدت نظراته على وجه يانغ هي
وجه يانغ هي شاحب ، لكن في ملامحه شيء مألوف
فجأة نطق يانغ هي ، بصوت بارد :
“ اخرجوا جميعًا "
أطاع الحضور دون تردّد ، كما لو كان هذا أمر معتاد
بدأ جي ياو يراقبهم، يفكّر بعمق
وبعد لحظة، وكأنه تذكّر شيئ ،
بدت عليه الدهشة،
ثم تحوّلت إلى سخرية ممتعة،
وقال لـ يانغ :
“ أظنني أتذكّرك "
مدّ جي ياو يده ، لمس عنق يانغ ،
ثم اقترب منه وقال بنبرة هامسة ،
وكأنه يستوضح شيئ :
“الوالي يانغ… ألم أكن أنا من أمر بقطع رأسك ؟”
فجأة ، انشد جسد يانغ بأكمله ، توتّرًا وجمود
كان جي ياو يتذكّر يانغ هي
التقيا أكثر من مرة في الماضي،
جي ياو صاحب ذاكرة قوية
في ذاكرته ، كان يانغ هي جميلًا آسرًا ، متعجرف ،
يتمتع بنفوذ هائل،
وكان يحظى بثقة كبيرة من شقيقه الإمبراطور
لكن هذا الخصي الذي لا يرقى إلى مكانة علنية،
كان مغرور للغاية،
لا ينظر إلى أحد إلا من فوق ،
بالكاد يمنح الناس لمحة من نظره
في ذلك الوقت ، كان جي ياو قد خرج لتوّه من قصر البارد
وحين التقيا وجهًا لوجه خارج قصر الإمبراطور ،
كان جي ياو قد أنزل رأسه وهمس بهدوء:
“ الوالي يانغ "
كان يانغ هي يرتدي معطف قرمزي مطرّز بالتنانين تفيض زينة،
ووجهه لا يقل جمالًا عن نساء القصر ،
رفع جفنه بتكاسل وقال بلا مبالاة:
“ آه… الأمير الصغير؟”
ثم مرّ من جانبه دون أن يتوقّف
فيما بعد، حين وصلت مذكرة الإعدام بحق يانغ هي إلى يد جي ياو،
تذكّره بلا قصد،
وأخذ قلم الياقوت، ووقّع اسمه بهدوء ولامبالاة
الآن، حين كان ينظر إلى الرجل أمامه،
كان يشبه ذاك الذي في ذاكرته… ويختلف عنه أيضًا
فكّر جي ياو { هاه… ما أروع هذا }
أما يانغ هي، فلم يكن بحاجة إلى وقت ليفهم من يكون الرجل الذي أمامه
{ إنه جي ياو، إمبراطور حياته السابقة }
أصابعه باردة كالثلج، وهو يحدّق في جي ياو
ونظرات جي ياو، التي التقت بعينيه، جلبت له قشعريرة،
وصوت أزيز مزعج في رأسه،
وموجة مفاجئة من نية القتل التي اكتسحته
لكن لم تمضِي لحظة حتى تذكّر من يملك هذا الجسد الآن
حاول أن يستعيد هدوءه، ونظر إلى جي ياو وقال:
“ ما الذي يقصده جلالتك ؟”
ابتسم جي ياو بخفة وردّ بتكاسل:
“ ربما كنت ما زلت نصف نائم "
أنزل يانغ هي عينيه :
“ سأستدعي الطبيب الملكي لفحص جلالتك "
اتكأ جي ياو إلى وسادة السرير،
جلس متكئ بلا اعتراض، ولوّح بيده إشارة لا مبالية
تنهد يانغ هي نفسًا طويلًا وهمّ بالنهوض،
لكنه تجمّد مكانه،
إذ كان عاري تمامًا من الأسفل،
وساقاه مكشوفتان، وثوبه الداخلي غير مرتب
فخذاه الأبيضين تحيط بهما آثار واضحة لليد والعضّ،
لا يمكن إنكار ما حدث في الليلة الماضية
نظر إليه جي ياو، وتحولت نظراته إلى شيء أكثر تعقيدًا
—————————————
الطبيب الملكي، بطبيعة الحال، لم يكتشف أي علّة،
فجي ياو ويانغ هي كانا يعرفان الحقيقة جيدًا
نظر جي ياو إلى تأثيث القاعة المختلف عن المعتاد،
وفهم على الفور أن هذا المكان لم يكن قصره المألوف
كان ذكي ، وبالرغم من غرابة الموقف وجنونه،
لم يكن يملك سوى أن يصدّق: لقد أصبح شخص آخر ،
في جسدٍ آخر
اليوم أعلن يانغ هي إلغاء المجلس الصباحي بحجة اعتلال صحة الإمبراطور،
وعاد مباشرةً إلى دائرة الشؤون الداخلية ——-
دهشة جي ياو تفوق غضبه
فقد كان يسيطر على كل شيء،
ولم يكن هناك في البلاط من يجرؤ على تخطيه
جميع الذين حاولوا السيطرة عليه في الماضي، ماتوا
كان الوزراء والموظفون يرتعدون خوفًا أمامه، يطيعونه بلا تردد
رافقه بعض الخصيان، ومن خلال حديثهم الملتوي،
استوضح جي ياو قدرًا لا بأس به من المعلومات عن هذا العالم
لكن ما صدمه حقًا… كان يانغ هي
في حياته السابقة، أصدر أمرًا بإعدام يانغ هي ومصادرة ممتلكاته
أمّا في هذه الحياة—فـ هاهو ، كلمات الخصيان كانت
مبهمة ومتحفّظة ،
لكن جي ياو فهم المعنى الكامن فيها بسهولة
{ حقًا ،،،، يا لها من مهزلة
أنا إمبراطور ، وقعت في علاقة مع خصي …
بل وأغدق عليه من الحب والحنان ! }
نظر جي ياو إلى انعكاس وجهه في المرآة،
ملامحه مألوفة لكنها غريبة عنه في آنٍ واحد
لم يكترث لكيفية حدوث هذا الأمر،
ولا لمكان وجوده الحالي — لأنه ، في النهاية ، كان إمبراطور ——
حين جاء وقت الغداء ،
سأله أحد الخصيان حسب العادة:
“ هل يرغب جلالتك بدعوة الوالي يانغ لتناول الطعام معك ؟”
رمقه جي ياو بنظرة باردة :
“ أي والي ؟”
بدت الدهشة على وجه الخصي ——-
ثم تذكّر جي ياو فجأة وقال:
“ يانغ هي …."
نقر بأصابعه على الطاولة وأمر:
“ استدعوا يانغ هي "
امتثل الخصي وغادر،
لكن يانغ هي لم يحضر ———-
أرسل اعتذار بأنه مريض ويشعر بعدم الراحة
ضحك جي ياو من الغضب ———
تذكّر ملامح يانغ هي في الصباح،
واستخلص منها بعض الصدمة، والخوف، والنفور
من كلمتين فقط خرجت من فم يانغ هي حين لم يكن متأهّب ،
ومن ما استخلصه جي ياو من أفواه الخصيان الشباب …
فهم أن يانغ هي لا يمكن أن يعامله هكذا ،
ما لم يكن قد أدرك شيئ ما
أو بالأحرى… ما لم يكن هذا يانغ هي يعرف من هو —-
ويعلم أنه قد قتله سابقاً ——
أخذ جي ياو ينقر بأطراف أصابعه على الطاولة،
نقرًا بطيئ متتالي ، ثم قال لأحد الخصيان:
“ بما أن جسده مريض… فسنذهب نحن لزيارة الوالي .”
⸻
مجرد التفكير في حقيقة هذا الـ جي ياو —-
كافي لإصابة يانغ هي بالصداع
فهو نفسه قد وُلد من جديد ،
ولم يكن يجرؤ حتى على التساؤل أين ذهب جي ياو الأصلي
كلما حاول أن يتجنّب التفكير،
كلما بات من الصعب عليه أن ينظر إلى هذا جي ياو بعين هادئة ——-
ربما كان ظل الماضي طويلًا جدًا ،
فقد بات يانغ هي يخاف هذا جي ياو… خوفًا حقيقي
ففي عينيه ، كان جي ياو في هذه الحياة والسابق ،
شخصين مختلفين
ومع ذلك، ها هو جي ياو السابق، يظهر أمامه فجأة ——
الخرافات والأساطير سخيفة ،
لا منطق لها ولا حل،
وما حدث جاء مباغتًا كالكابوس— دون أي سابق إنذار ،
مخيف وعاجز عن المقاومة
لكن مهما حصل، لن يسمح يانغ هي لهذا الـ”جي ياو” بأن يستولي على ما ليس له
ضغط على ما بين حاجبيه،
واستند إلى ظهر الكرسي، وتنهد نفسًا عميقًا
وفجأة ، دوّت أصوات التحية من الخصيان خارج الباب
{ —إنه جي ياو }
تبدّلت ملامح يانغ هي على الفور ——
في اللحظة التي فُتح فيها الباب، ضيّق عينيه قليلًا،
ورفع نظره وقال بنبرة باردة غير متأثرة:
“ ما الذي جاء بجلالتك إلى هنا ؟”
دخل جي ياو بخطوات هادئة، وصوت متكاسل:
“سمعت أن الوالي لا يشعر بخير… فجئت لأطمئن عليه .”
كان دخول جي ياو إلى دائرة الشؤون الداخلية أمرًا معتاد ،
ولم يجرؤ أحد على اعتراضه
أما يانغ هي، فقد وضع يده على الطاولة،
وأخذ يمرر إبهامه على مذكرة رسمية أمامه، وقال:
“ مجرد صداع… القليل من الراحة يكفي .”
حدّق فيه جي ياو لفترة ،
بنظرات فاحصة لا تخفي شيئ ، وقال:
“ آه، هكذا إذًا ؟”
ثم مدّ يده ليضعها على جبينه،
لكن يانغ هي رفع المذكرة فورًا ليمنعه
نظر إليه جي ياو،
ثم أخذ المذكرة من يده ونظر فيها،
عيناه كمثل أفعى، باردة،
تلمع بابتسامة لا تصل إلى قلبه، وقال:
“ الوالي… كيف صرت فجأة بعيدًا عنّي إلى هذا الحد ؟”
نظر إليه يانغ هي بنظرة هادئة، دون انفعال
أما جي ياو فابتسم، وجلس مباشرة على الطاولة،
وأخذ يطرق على راحة يده بالمذكرة
وقال:
“ نحن… كان من المفترض أن نكون قريبين جدًا ،،،
هل من الممكن أن الوالي حلم بنفس الحلم الذي رأيته أنا ؟”
ردّ يانغ هي ببرود:
“ وأي حلم رآه جلالتك ؟”
رفع جي ياو يده ، استند على طاولة من خشب الكمثرى،
ولوّح بالمذكرة بين أصابعه وقال بأسف:
“ أنا… أنا حلمت أنني قطعت رأس الوالي .
مصادرة أملاك… إعدام…
عرض الجثة في السوق العام،
يتعرّض للبصق واللعن من عامة الناس …."
ثم، وكأنه في حيرة حقيقية، سأل:
“ الوالي ، كيف يمكن أن أحلم حلمًا كهذا ؟”
في لحظة ، كأن كابوس سنوات عاد من تحت الرماد،
شعر يانغ هي كأنه عاد إلى زنزانة الإعدام،
حيث وقف الخصي الذي يقرأ المرسوم الإمبراطوري خارج
القضبان بتعالي ، والمرسوم بلونه الأصفر الذهبي يعلن أن
إعدامه سيكون عند بوابة المدينة الكبرى
ذلك السيف… حادّ ،
قد شرب دماء وقتل رجال ، وكان معلّقًا فوق رأسه
الشارع كان صاخب ، والناس يصرخون ويسبّون
بدأ نفس يانغ هي يعلو ويضطرب،
يحاول السيطرة على نفسه،
وقال بصوت مكتوم:
“جلالتك… لا تمزح بهذا الشكل .”
قبض على راحة يده،
وفي ذهنه طيف وجه جي ياو في حياته السابقة — شاب
شاحب، عيناه سوداوين كالهاوية، لا حياة فيهما
تراكبت الصورتان، حياة سابقة وهذه الحياة،
واندمجتا في وجه هذا الرجل أمامه — وجه شيطان
اقترب جي ياو منه ،
ومرّر زاوية المذكرة الحادة على عنقه بخفة،
وهمس بصوت ناعم:
“ أنا لم أمزح ….”
ثم ابتسم وسأله بلطف زائف:
“ أخبرني يا والي … هل يؤلمك ؟”
بعد وقت طويل ، رفع يانغ هي عينيه ،
ونظر إلى تلك النظرات الحادة الباردة، وقال:
“ ليس سوى حلم يا جلالتك ، لِمَا تأخذه على محمل الجد؟”
ضحك جي ياو :
“ حلم؟
بالنسبة لي… نعم، هو حلم.
أما بالنسبة لك يا والي… أهو مجرد حلم حقًا ؟”
تحرك طرف ظفر جي ياو الحاد إلى أسفل،
ليلمس بعشوائية عظم الترقوة لدى يانغ هي في موضع
غامض ملتبس، فابتسم جي ياو وقال:
“ نحن على هذا القدر من القرب
ومع ذلك، يعاملني الوالي اليوم وكأني نمر أو أفعى ،
يهرب مني كما لو كنت سُمًّا قاتل …
تسسسك ، أليس هذا غريبًا ياوالي ؟”
أزاح يانغ هي يده جانبًا بحدة ،
وحدّق في جي ياو بوجه خالي من التعبير:
“ ما الذي يريد جلالتك قوله؟”
جي ياو:
“ الوالي لا حاجة لأن تتغابى أمامي ، أنت تعرف من أنا،
وأنا أعرف من أنت،
وكلانا يدرك تمامًا ما بيننا .”
ملامحه مسترخية، لكن كلماته تمعن في الضغط،
كأنه يسعى لتمزيق قناع الهدوء الذي يرتديه يانغ هي،
يريد أن يكشف خوفه ، وغضبه ،
وكل ما يعتمل في داخله دون رحمة
تبادل الاثنان النظرات للحظات ،
حدّق يانغ هي في وجه جي ياو المألوف حتى الغثيان،
لكنه لم يتخيل يومًا أن الوجه نفسه يمكن أن يبدو غريبًا
ومنفّرًا إلى هذا الحد
اتكأ ببطء إلى الوراء في مقعده، وقال بصوت بارد:
“ لا أفهم ما يقصده جلالتك .”
ضحك جي ياو :
“ الوالي يانغ هي ، سمعت أنك لا تنسى ضغينة أبدًا…
وأنا قتلتك، وسلبتك كل شيء ،
هل تكرهني إلى هذا الحد ؟”
ظل يانغ هي يحدق فيه بصمت، لم يُجب
جي ياو:
“ لماذا لا تقتلني إذًا ؟”
ثم ابتسم ساخرًا وهو يتفحصه:
“ هل هو… لأنك لا تستطيع؟
أو ربما… لا تملك قلبًا لفعلها ؟
يا لهذا الحب العميق !
ظننتك فخور لا تهاب ،
لم أظن أنك قد تحمل في قلبك هذا النوع من المشاعر .”
ازدادت نظرات يانغ هي برودة، وشفتاه انطبقت بإحكام
تابع جي ياو حديثه وقال:
“ لا أدري إن كان الوالي … مع شخص كهذا
حين تنقلب الليالي، وتعود الأحلام، هل تصحو فزعًا ؟
هل تتذكرني؟
تتذكر كل ما جرى في حياتك السابقة؟ هاه ؟”
وفجأة، نهض يانغ هي وحدّق فيه ببرود قاطع:
“ مجرد دمية لا أعلم من أين أتت…
أتظن حقًا أني لا أجرؤ على قتلك ؟!”
تغيّرت ملامح جي ياو فجأة عند سماعه كلمة دمية،
وحدّق فيه بثبات:
“ دمية؟
الوالي ما معنى دمية؟”
كان يتصفّح التقرير الذي كان يقرأه يانغ بلا مبالاة،
وكان أحده من شيه شوان يطلب فيه إعفاءه من المنصب.
وعلى الطاولة تكدست تقارير أخرى،
كلها تتناول شؤون الدولة،
ما يدل على مكانة يانغ هي الرفيعة وقربه من الامبراطور
:
“ أنا وأنت من عالم واحد
أيهما الحقيقة ؟ الماضي؟ أم الحاضر؟
هل تستطيع التمييز ؟”
ثم توقف للحظة ، ونظر في عينيه مبتسمًا ابتسامة باردة وقال:
“ وذلك الذي تسميه الحقيقي ، أتراه سيعود ؟
من يدري ،
ربما من اليوم فصاعدًا ، لن ترى أمامك سوى أنا .”
ظهرت سحابة من الكآبة في عيني يانغ هي، وضحك بسخرية:
“ لا تحلم .”
وبصوت بارد كحد السيف:
“ إن لم يعد ، فسأقتلك "
تصلّبت نظرة جي ياو،
ثم ألقى بالتقرير على الطاولة بصوت عالي
“ لا حاجة لهذا الوالي .
القالب هو نفسه ، والروح… من يهتم بها؟
إن كنت تريد مكانةً تحت إمبراطور وفوق الجميع ،
فبوسعي أن أمنحك إياها .
أنا جي ياو،
وأنا هو الامبراطور أيضاً.”
ثم سقط بصره على عنق يانغ هي،
حيث ظهرت آثار عضة واضحة، عنيفة وعميقة
حرّك جي ياو لسانه بطرف أسنانه،
وحدّق في وجه يانغ هي الجميل البارد،
لم يسبق له أن لمس خصيًا من قبل،
لكن تذكّره لما رآه في الصباح ،
وما قد يكون فعله هذا الجسد مع يانغ هي،
جعله يشعر بلذة خبيثة
لم يظهر على وجه يانغ هي أي انفعال، وقال ببرود:
“ أنت لست هو ”
ثم نظر إليه بنظرة استخفاف فيها قرف وازدراء، وقال:
“ وما شأنك لتظن أنك تساوي شيئ ؟
هناك جملة قلتها صحيحة،
أنا دائمًا أرد الصاع صاعين.
من الأفضل لك أن تبقى هادئ وتتصرف بحذر .”
استمع جي ياو لذلك الصوت البارد الهادئ،
لكن كلماته كانت تنضح بحماية لا يخفيها،
فشعر بشيء من الضيق في قلبه،
وابتسم بسخرية قائلاً:
“ أوه؟
وماذا بوسعك أن تفعل، أيها الخصي؟
هل ستقتلني؟”
لم ينفِي يانغ هي الأمر ولم يؤكده
ضحك جي ياو ببرود وقال:
“ أنت قاسٍ فعلًا أيها الخصي.
إن قتلتني، فالذي تريده سيموت أيضًا، ولن يعود أبدًا .”
يانغ هي ببرود:
“ أنت قلتها بنفسك ، ما أريده… لم يعد هو ما أريده الآن .
فما الفائدة من بقائه ؟”
————————————————-
فجأة باتت الأجواء بين يانغ هي وجي ياو مشحونة وغريبة،
حتى تشاو شياودو بغباءه ، شعر أن هناك أمر غير طبيعي
سأل تشاو شياودو يانغ هي:
“ هل تشاجرتما ؟”
لكن يانغ هي لم يرد،
واكتفى بأن طلب منه استبدال كل الخصيان في القصر
الإمبراطوري برجاله الخاصين
على مدى السنوات الماضية،
كانت السلطتان المتنافستان في البلاط تتقاسمان النفوذ،
وكان جي ياو بارع في موازنة القوى،
إذ ربّى بعض المخلصين له،
لكنه بقي حذرًا، ولم يتجاوز الحد الذي يجعل يانغ هي يشعر بالخطر
هذا الـ جي ياو، رغم أنه لا يعرف خبايا الوضع في البلاط،
إلا أنه ذكي إلى حدٍ مخيف،
لذا لم يكن يانغ هي ليسمح له بالتصرف كما يشاء ويعيث
فسادًا في شؤون الدولة
في يوم وداع شيه شوان، الذي استقال من منصبه وودع الإمبراطور،
كان الجو مشمس
و يانغ هي حاضر
شيه شوان شغل منصب نائب قائد الحرس الإمبراطوري ،
وفي الاضطرابات التي سبقت صعود الإمبراطور للعرش،
كُسرت ذراعه ،
وتعرضت عائلة شيه لضربة قوية ،
ومنذ ذلك الحين وهي في تدهور مستمر ،
حتى لم يبقَى لهم من مجد العائلات الكبرى شيء
نظر جي ياو إلى شيه شوان
كان شيه شوان رجلًا صارمًا، وهو أيضًا خاله
عندما كان جي ياو منفي في القصر البارد،
كثيرًا ما جاء لرؤيته وتعليمه
لكن في عالم جي ياو ، كان شيه شوان قد مات منذ زمن طويل
فبعد تتويجه ، استغل شيه شوان كونه خاله وأخذ يطلق
على نفسه لقب “معلم الإمبراطور”، وتصرف بتعجرف
وليس شيه شوان وحده ، بل كل عائلة شيه
حينها كان جي ياو مجرد دمية بين أيديهم
لاحقًا ، في مأدبة الغدر ، تخلص جي ياو منهم جميعًا
قطع ركبتي شيه شوان، وجلس على العرش وسيفه لا يزال يقطر دمًا،
وهو يضحك بجنون بينما ينظر إلى أفراد عائلة شيه وقد
علت وجوههم الدهشة والغضب والرعب
أما الآن، فشيه شوان لا يزال حيًا،
بل ويريد أن يرحل مع من تبقى من نساء وأطفال العائلة
طرق جي ياو بأصابعه على مسند الكرسي،
وأراح رأسه على يده وهو يقول بابتسامة عريضة:
“ خالي في أوج شبابه،
وكان من المفترض أن يكون في خدمة الإمبراطور
فلم العجلة في الرحيل ؟”
انحنى شيه شوان أرضًا وقال إن جسده لم يعد يحتمل،
ويتوسل إلى الإمبراطور أن يسمح له بالمغادرة
راقب يانغ هي الموقف ببرود،
وأدرك أن جي ياو كان يعمد إلى تعقيد الأمور،
رغم أن عائلة شيه لم تعد تملك من النفوذ شيئ ،
وحتى شيه شوان قد تقاعد من الحرس الإمبراطوري وأصبح
يشغل منصبًا شرفي بلا سلطة
لكن جي ياو بدا راضي ، ولم يُصعّب الأمر عليهم كثيرًا
من الواضح أن عائلة شيه أدركت تمامًا أنه ما دام جي ياو على العرش،
فلن تكون لهم فرصة للنهوض،
لذا قرروا الرحيل من هذا المكان الذي لا يجلب سوى المتاعب
لم يتوقع شيه شوان أن جي ياو قد يرفض السماح له بالرحيل
رفع رأسه، فرأى الإمبراطور بملامح لا مبالية،
وعيون داكنة تلمع ببرود
ارتجف شيه شوان، وضرب جبينه بالأرض يتوسل ،
وقال بصوت مرتجف:
“ أرجو من جلالتك أن تُتم نعمته .”
ابتسم جي ياو، وهمّ بالرد، لكن يانغ هي قاطعه قائلًا:
“ ليعد السيد شيه إلى منزله ،
لقد وافق جلالته على الأمر .”
التفت جي ياو نحو يانغ هي، الذي كان يبادله النظرات
بهدوء، لكنها نظرات حملت تحذيرًا واضح
ابتسم جي ياو بلا مبالاة
لقد كان يعلم أن يانغ هي يحذره،
لكن كلما زادت حذره، زاد الأمر إثارة بالنسبة لجي ياو
يانغ هي الذي يعرفه، ليس مثل هذا اليانغ هي
في ذاكرته ، كان يانغ هي رجلًا بارد القلب،
جامد المشاعر، لا يسعى سوى للسلطة،
خصي يخشاه الناس كما يكرهونه،
واحد من أولئك 'الخصيان أصحاب السلطة ' الذين يبغضهم الجميع
لم يكن يتوقع أن مثل هذا الرجل…
قد يكون له أيضًا ما يراعيه ويهتم به
وذلك الذي يهتم لأمره هو ' جي ياو '
شعور غريب ——-
كأن قلبًا حُفر وسط صخرة صمّاء،
لمسته فإذا به دافئ ولين
أحسّ جي ياو بغصة من الغيرة، لا يعرف من أين جاءت
جي ياو بطبعه متقلب ، لا يمكن التنبؤ بمزاجه ،
وهو يعلم أن كل الخصيان في القصر هم من رجال يانغ هي،
لذا لم يكن يتوقف عن السخرية منهم والتلاعب بهم أمامه،
يراقبهم وهم يهرولون ليطيعوا أوامره،
يتخبطون على نحوٍ بائس، وكان ذلك يُسليه
من بينهم الذي يُدعى تشاو شياودو ، له انطباع خافت عنه
في حياته السابقة ، كان تشاو شياودو قد مات —
يُقال إن جسده اخترقته آلاف السهام ،
ومات في فناء يانغ هي
أما الآن، فهو حي يُرزق، لا بأس به
مجرد خصي صغير، ومع ذلك، بدا وكأنه قد غيّر مصيره
تلك الوجوه التي كانت مألوفة في الماضي،
كلها بدت وكأنها وُلدت من جديد:
هآن تشانغ، الذي كان يستحق ألف طعنة ،
صار الآن مساعد وزير العدل؛
حتى شينغ بينغ لان وهوو تشياو، اللذان استقالا واعتزلا،
يبرزان الآن وسط الوزراء كأنهما عماد مدينة يان
في غاية التألق والفخر
نان يان لم تعد تلك المملكة التي كان يمقتها ،
شيخوخة وموت بطيء يلفّها
كل شيء تغيّر ——-
جي ياو نظر إليهم وقد ضاق صدره،
شعر بألم خافت في رأسه،
وراودته رغبة مدمّرة جارفة لا يمكن كبحها،
رغبة شيطانية تتوسل إليه أن يُحطّمهم واحد تلو الآخر
لكن في المقابل، نشأت بداخله قوة أخرى،
متجذّرة بعمق، تعارضه بشدة، تتصارع معه بلا هوادة
تغلب جي ياو على نفسه
ابتسم بسلاسة ، وسأل تشاو شياودو :
“شياودو متى التقيتُ أنا ووالدك بالتبني أول مرة؟”
تشاو شياودو بدا عليه الارتباك
في الفترة الأخيرة ، لاحظ أن جلالة الإمبراطور يتصرف بغرابة
قال له جي ياو:
“ في الأيام الماضية ، بدأت أنسى بعض الأمور القديمة…
حتى علاقتي مع يانغ هي صارت ضبابية في ذهني .”
فزع تشاو شياودو عند سماعه هذا:
“ كيف يمكن أن تنسى جلالتك ييفو ؟!
لقد التقيتما عندما كنتَ لا تزال في القصر البارد ،
وقد مرت سنوات طويلة منذ ذلك الحين .”
كان جي ياو يجلس عند عتبة قاعة الحكم،
مثنيًا ساقيه،
وعلى وجهه ملامح اهتمام حقيقي، أومأ برأسه وقال:
“ ثم ماذا حدث بعد ذلك؟”
فبدأ تشاو شياودو يروي ما يعرفه عن الكيفية التي صعد بها
الإثنان إلى القمة من لا شيء،
بتفاصيل صغيرة ومتفرقة ،
وكلما تحدّث، اتسعت ابتسامة جي ياو أكثر
ثم قال له تشاو شياودو :
“ جلالتك ، لا يمكنك أن تنسى ييفو !”
ربت جي ياو على كتفه ، وابتسم قائلاً:
“كيف يمكنني نسيان الوالي الذي أحبه بهذا الشكل ؟”
رمش تشاو شياودو بعينيه، ونظر إلى جي ياو قائلاً:
“ لكن جلالتك ، في الماضي لم تكن تُناديه إلا بـ‘غونغونغ’
فقط، أليس كذلك؟”
————————————-
هطل المطر،
وخرير الماء على حافة السقف كان رتيبًا ومتواصل
منذ اختفاء جي ياو، لم يذق يانغ هي طعم النوم لعدة أيام،
يتقلب في فراشه، ويستيقظ من الكوابيس مرارًا
في الغرفة ، البخور المهدئ يعبق في الأجواء ،
ويانغ هي ممدد، شارد الذهن، يفكر:
{ ثلاثة أيام… لقد اختفى جي ياو لثلاثة أيام كاملة ….
ذلك الذي عاد، لا يشبه جي ياو أبدًا ….
فأين يمكن أن يكون جي ياو الحقيقي ؟ }
الخوارق وأحاديث الأرواح ليست من أمر البشر ،
لذا لم يكن أمام يانغ هي سوى أن يتظاهر بأن شيئ لم يحدث
لكن طريقته هذه — التي تشبه الحبس المنزلي لجي ياو —
أثارت القلق لدى رجال الإمبراطور في البلاط
ولولا أن رهبة جي ياو لا تزال حاضرة،
وأنه دائمًا يُظهر احترامه ليانغ هي،
لما استطاع الأخير أن يهيمن بهذا الشكل على المشهد السياسي
أغمض يانغ هي عينيه ،
وقد أثقل عليه التعب والقلق، حتى بدأ وعيه يختل
{ إلى أين قد يذهب جي ياو ؟
بما أن الذي ظهر كان جي ياو من الحياة السابقة
فهل ذهب هو إلى حياتي الماضية ؟
لكن أنا في تلك الحياة… قد مت بالفعل
جي ياو من النوع الذي يتشبث بي بجنون ،
إن كان قد وصل فعلًا إلى ذلك العالم ،
فربما…
فماذا سيحدث إذن ؟ }
لم يستطع يانغ هي تحديد شعوره،
لكنه شعر بنوع من الرضا والامتنان يصعب التعبير عنه،
ومعه تسللت لمسة من القلق والخوف
{ جي ياو لا يستطيع الاستغناء عني ،
إن ابتعد عني فسوف يجنّ …..
لكن، ها هو ذا… اختفى … }
شعر يانغ هي بفراغ غريب في صدره،
إن لم يكن من على العرش الآن هو جي ياو،
فربما عليه أن يستعد ويُعدّ لنفسه خطة بديلة؛
فالإبقاء على إمبراطور قادر على قتله في أي لحظة ليس بالأمر الحكيم
لكن الغريب أن يانغ هي لم يساوره أي تفكير في ذلك
بل إنه سمع أن بعض الوزراء في البلاط دعوا رهبان معبد
“تشنغو” لإجراء طقوس لطرد الأرواح الشريرة من بيوتهم…
ولحظة ما، خطرت له فكرة:
{ لم لا أدعو هؤلاء الرهبان إلى قصري وأجرب ذلك ؟ }
لكن هذه الفكرة لم تكد تولد حتى سحقها في مهدها —
{ كم هذا سخيف ! }
ثم عادت أفكاره إلى جي ياو
صوت المطر بات يتلاشى في أذنه،
وفجأة، خُيّل إليه أنه يرى جي ياو
جي ياو يرفع يده ، يلمس بها خدّه ،
ويبتسم بخفة وهو يقول:
“ غونغونغ ،،،، ألم تشتاق إليّ؟”
حدّق فيه يانغ هي بنظرة ثابتة، لم يقل شيئ ،
فابتسم جي ياو من جديد، وتنهد قائلاً:
“ أنا هو فعلاً…
هل أخافتك المفاجأة غونغونغ حتى أنك لم تعد تعرفني ؟”
فكر يانغ هي:
{ ما المخيف في الأمر ؟
لا شيء لا يمكن إنهاؤه بقطيعة تامة }
لكنه لم ينطق، وقبل أن يفتح فمه ، اختفى جي ياو
فتح عينيه على وسعهما ، ثم استفاق فجأة من حلمه
كان ثمة خطوات مسرعة خارج الباب،
تختلط بصوت المطر،
وفي تلك اللحظة دوّى الرعد، تفجر في السماء هزّ المكان
الباب دُفع بقوة ———-
دخل شخص ما، عبر الشاشة ،
وحدّق فيه مباشرةً ، ملابسه مبتلة من المطر،
يبدو عليه الاضطراب والعجلة
وفي تلك اللحظة ، لم يدرِي يانغ هي:
هل هو ما زال في حلم… أم أنه عاد إلى الواقع
تنهد جي ياو، كأنما نجا للتو من كارثة،
نظر إلى يانغ هي، وناداه بصوت خافت:
“ يانغ هي…”
توسعت عينا يانغ هي قليلًا ،
حدّق فيه مشوشًا،
كانت صرخة التأنيب عند طرف لسانه ، لكنها لم تخرج
ابتسم جي ياو واقترب بضع خطوات،
نظر إلى يانغ هي، الذي كان مفكوك الشعر،
لا يرتدي سوى ثياب النوم، فمد يده ولمس خدّه
أصابعه باردة، مثل ثعبان جليدي يزحف فوق جلده،
وسأل بصوت منخفض:
“ غونغونغ اشتقت إليّ ؟”
يده باردة، وملابسه ما زالت رطبة،
لكن عينيه متوهجتين وهو ينظر إليه
أدار يانغ هي وجهه، يتجنبه، ناظراً إليه ببرود
قبض جي ياو على يده، وتذمر:
“ لماذا تهرب ؟”
ضحك واقترب منه أكثر ، وهمس:
“حقًا… هل أخفتك؟”
رائحة البخور المهدئ لا تزال عالقة بجسد يانغ هي،
وشعره المفكوك، وتحت ضوء المصباح،
فقدت ملامحه حدّتها المعتادة،
وانكمش ذلك البريق الحاد بين حاجبيه
عنقه نحيل ، وعظام ترقوته خافتة المعالم ،
بيضاء ، كقطعتين من اليشم المتناثر،
ما بين الرغبة في كسرها، والتهامها بأسنانه
حتى في الحلم، سأل جي ياو:
' غونغونغ هل أخفتك؟ '
خفض يانغ هي نظره إلى اليد التي قبضت على أصابعه،
ثم رفع عينيه نحو وجهه
لم يكن جي ياو يتحاشى نظراته ، بل نظر إليه بثبات
وبعد لحظة، نادى يانغ هي بصوت خافت :
“…جي ياو؟”
ضحك هذا الأخير بخفة،
وجثا على ركبتيه إلى جانب السرير،
كأن بينهما ألفة قديمة
لكن عيني يانغ هي ما زالتا تحملان الحذر والترقب
فقال جي ياو وهو يضغط على أصابعه:
“لقد عدت. ألست سعيدًا غونغونغ ؟
أشعر وكأني حلمت حلم طويل …
حلمت أنني كنت في عالم آخر ….”
رفع عينيه، ونظر إليه مباشرةً ، وتابع :
“ وفي ذلك الحلم… لم تكن هناك …..”
تغيّر تعبير يانغ هي قليلًا، وسأل بصوت خافت:
“ ثم ماذا ؟”
أنزل جي ياو عينيه، لكنه ظلّ ممسكًا بيد يانغ هي بقوة،
وصوته خافت قليلًا وهو يقول:
“ بحثت عنك في كل مكان…
ولم أستطع العثور عليك غونغونغ ….”
بشيء من الشكوى الطفولية :
“ كدتُ أموت من الخوف ….”
تجمد يانغ هي قليلًا،
ثم رفع نظره إلى جي ياو،
كانت الحدة المعتادة بين حاجبيه وعينيه قد خفّت بعض
الشيء،
وبعد لحظة صمت، سأل:
“ و هو ؟”
ردّ جي ياو باستخفاف:
“ غالبًا قد عاد إلى مكانه "
لم يعلّق يانغ هي
فرفع جي ياو يده وأمسك بذقنه،
وقال ساخرًا:
“ ما الأمر ؟
هل غونغونغ لا يطيق فراقه؟”
في نبرته مسحة غيظ ومرارة مألوفة ،
دفعت يانغ هي لأن يصفع يده بعيدًا لا إراديًا وهو يقول:
“ لا تتحدث بغيرة تافهة "
همهم جي ياو بصوت خافت ، وسحب يده،
لكن أطراف أصابعه ما زالت تحمل دفء خد يانغ
تمتم مبتسمًا،
وهو يتذوق في فمه نبرة يانغ هي المألوفة التي خرجت دون قصد:
“ غونغونغ يفكر بغيري فكيف لي ألا أغار ؟”
رمقه يانغ هي بنظرة جانبية،
لكن قلبه ما زال يحمل بعض الشعور باللاواقعية ——
وبعد لحظة ، ناداه بصوت خافت،
وكأنه تنفّس أخيرًا براحة :
“…سموّ الأمير "
تجمد جي ياو، ثم رد عليه بنظرة ثابتة:
“…أنا هنا "
ضاقت عينا يانغ هي قليلًا،
ورفع وجهه ونظر إليه، ثم ابتسم فجأة
كانت ابتسامة باردة قاسية،
قال بنبرة هادئة لا تخلو من القسوة:
“كم هو مثير للشفقة…
ما مدى غَيرتك وحقدك، حتى رغبت بأن تصبح جي ياو ؟”
تغير وجه جي ياو فجأة ———-
ثم ارتسمت على ملامحه ابتسامة ساخرة، وقال ببرود:
“ ولِمَا أرغب بأن أكونه ؟”
استعاد هدوءه الظاهري، مظهره كان لا يُقرأ،
عشوائي بين الغضب والفتور، وتابع بفتور متعمد:
“ أن أكون نكرة يقضي عمره كله في محاولة الإمساك بخصيّ؟
ما هذا الانحدار ؟”
ثم أضاف بسخرية لاذعة:
“ سلب العرش ، لكنه ظل يدور حول خصيّ…
حتى أنه بالغ في مجاملة أولئك المنافقين في البلاط
ليحتفظ به… أليس هذا مضحكًا ؟”
تبدلت ملامح يانغ هي فجأة، تجمّد
نظر إلى هذا الوجه — هو وجه جي ياو — لكن تعبيره كان حاد ،
جارح كالسكاكين،
مثل وحش كشف نقطة ضعفه ،
ثم غدر فجأة بأنياب شرسة
أدرك يانغ هي… أنه لا يستطيع تقبّل ذلك
لقد رأى على وجه جي ياو الكثير من الانفعالات — هوس،
عناد، لا مبالاة — لكن لم يسبق أن رأى عليه تعبير كراهية
موجه نحوه
كانت كلمتا “خصيّ” الجارحتان ترنّان في أذنيه، فازداد وجهه ظلمة
اقترب جي ياو، وهو يرمقه من أعلى إلى أسفل بنظرة فاحصة،
ثم ابتسم فجأة واقترب أكثر، وقال:
“لكنني حقًا، أشعر بالفضول — ما الجذاب في خصيّ؟”
قال يانغ هي ببرود قاطع:
“ ابتعد عني "
ضحك جي ياو وقال:
“ لا تكن قاسي يا الخصي .
في الحقيقة، ما جعله متعلّقًا بك، ليس حبًا.
بل هو الوحدة… اعتاد أن يكون وحيدًا،
يخشى أن يموت دون أحد،
فاختار أول شخص وجده ليحبسه معه على هذا العرش الملعون.
كان يمكن أن تكون أنت، أو أي أحد،
حتى قطة أو كلب. أتعتقد أنه حب؟”
وأثناء كلامه، مد يده ليلمسه
لكن يانغ هي ضربها بقوة، وصرخ غاضبًا:
“ أيها الحرّاس !”
لكن جي ياو بادر بتكميم فمه بعنف،
وأمسك بمعصمه وضغطه على السرير،
نظر إلى وجهه الغاضب العابس،
فظهر عليه نوع غريب من النشوة، وهمس ضاحكًا:
“ما الذي يغضبك إلى هذا الحد الخصي؟ هاه؟”
يضغط على معصمه،
يتأمل ملامحه المتوترة،
الغضب فيه أذاب البرود المتغطرس الذي يكسوه عادة،
كأنه تحوّل إلى ماء ثلجي في ربيع قارس — موجع… لكنه مثير
رغم نحافته ، لم يكن يانغ هي ضعيف ، قاوم بقوة ،
ثم فجأة… عضّ يد جي ياو بكل قوته
عضة شرسة، حتى سال الدم
تأوه جي ياو بصوت خافت،
وانقلبت ملامحه إلى شراسة،
ثم أمسك بياقة رداءه —
يانغ هي لا يرتدي سوى ثياب النوم — فمزقها بلا قصد،
وانكشف نصف صدره الأبيض
كأنما لم يكن يانغ هي يعض يده بل شيئ آخر،
إذ مدّ جي ياو كفّه إلى فمه،
وتركه ينهشه كما يشاء،
كأنه يُطعمه من لحمه ودمه،
في حين ظلّ هو يحدّق في عينيه الباردتين الحادتين بسكون
جي ياو فكّر { لو كانت النظرات تقتل …. لكنتُ متّ مئات المرات }
ضغط بلسانه على أسنانه ،
ثم ضحك ضحكة قصيرة،
ثم اندفع ـ كما لو تحت تأثير قوة لا يدري مصدرها ـ ليمرر
لسانه على إحدى عينيه الصافية كحد السيف
كأنّه يُقبّل شفرة خنجر
ازداد وجه يانغ هي كآبة،
وشفتاه المصبوغتان بالدم ازدادت حمرة
لا يدري من أين استجمع القوة،
لكنه رفع يده فجأة وصفعه بقوة على وجهه،
وصاح كمن تعرض لإهانة:
“ جي ياو !”
حدّق فيه، بعينين تموج فيهما الكراهية،
والمهانة، والغضب،
بل وشيء من الضيق المكتوم لم ينتبه له حتى هو نفسه،
وقد انطبقت شفتاه بإحكام
أما جي ياو، وقد سيطر على العرش منذ سنين،
لم يعتاد أن يُصفع من أحد
لطالما ركع له الناس، وخافوه
للحظة، تجمّد في مكانه،
ثم تبدل وجهه بين الذهول والغضب
لكن حين التقت نظراته بعيني يانغ هي ،
اللتين تشتعلان حقدًا،
لم يدرِي كيف — شعر قلبه يرتجف ، أطرافه تتيبّس ،
كأن روحه انتُزعت من جسده عنوة
في الحقيقة لم يكن جي ياو يعرف يانغ هي حقًّا
ما عرفه عنه في حياته السابقة،
لم يكن إلا ذاك الخصي النافذ المتسلط،
الذي ارتفع عاليًا ثم سقط سقوطًا مدوّي
إنه يانغ هي البارد ، “يانغ الوالي ” المعروف
أما تلك اللحظة التي رآه فيها ذات مرة،
وبدت عليه ملامح الضعف والعفوية،
فقد كانت نادرة كالزهرة التي لا تزهر إلا مرة، بعيدة المنال
كلما زاد تمرد يانغ هي عليه،
كلما عاد ذلك المشهد يخطر في باله
وكأنه أحدهم رأى حجر ، لا يحفل به،
لكن ما إن لمح فيه لمعة من الصفاء ،
حتى يستولي عليه الفضول ، بل الجشع ،
ويصرّ على تحطيمه حتى يرى كل ما يخفيه
جي ياو لم يعد يتمالك نفسه ،
أراد أن يرى خضوع يانغ هي ،
رقّته، طواعيته… بل أكثر من ذلك
كثيرًا ما تساءل في نفسه: هذا الخصي، الطامع في السلطة،
القاسي المتجرد،
ما الذي يجعل الآخر — “هو” — يطارده بهذا الإصرار ؟
ضغط على صدره ،
كأنما يشعر بفراغ داخلي ،
وببرودة تسري في عروقه… قلبه توقف للحظة
فما كان من يانغ هي إلا أن فرض عليه الإقامة الجبرية —-
وحين أتى الوزراء لزيارته ،
أسدل الستار الثقيل ، وأبعدهم ،
وظل واقفًا داخله ينظر إلى جي ياو ببرود صخري
كأنه ينتقم ، قيد يديه وقدميه بسلاسل من الحديد ،
وثبّته على سرير التنين
كان جي ياو يتحسس الأغلال في معصمه،
السلاسل الفضية اللامعة والباردة
قال ساخرًا:
“ما كنت أظن أن غونغونغ يحب هذا النوع من اللعب ~ "
لم يرد يانغ هي بشيء
جي ياو يرتدي وجهه، ولا أحد سواه يستطيع التفريق بينه
وبين الأصل،
حتى الأذكياء مثل الوزير شينغ بينغ لان لاحظ شيئ مريب ،
لكن الحديث عن الأشباح والأرواح ضرب من الجنون،
فضلًا عن أن من يرتدي هذا الوجه هو الإمبراطور نفسه…
فمن يجرؤ أن يقول شيئ ؟
ثم إن هذا الـ جي ياو ' … لم يكن خيرًا
لقد ظلّوا حرّاس الظل بيده طوال السنوات الماضية ،
ومنذ رحيل شياو باي نيان،
رقى الشاب ' لين تشي يوان ' ليقودهم ،
وكان ولاؤه لجي ياو لا يُشكّ فيه
وخلال أيام قليلة ، فهم جي ياو تركيبة البلاط جيدًا،
بل وبدأ يحرك الأمور لإشعال فتنة داخل صفوف حرّاس الظل ،
ساعيًا للإخلال بتوازن القوى بين الحزبين السياسية
لكنه أخطأ في تقدير شدة تعلق الأصل — ' هو نفسه ' — بيانغ هي
فرغم أن حرّاس الظل سيف في يد جي ياو،
إلا أنه لن يُشهر يومًا في وجه يانغ هي
هزّ جي ياو السلسلة فصدر عنها صوت معدني:
“ إلى متى سيقيدني الخصي ؟
لا يمضي ثلاثة أيام حتى يضج الوزراء جميعًا ويأتون زحفًا إلى
بوابة القصر يطالبون برؤيتي .”
غمامة من الحذر مرت بين حاجبيه ،
لكنه ابتسم ابتسامة عريضة ،
كشف فيها عن أنيابه الصغيرة ، وقال:
“ لِمَا العناء الخصي ؟”
نظر يانغ هي إليه من فوق ، بعينين منخفضتين،
وقال ببرود:
“ جي ياو لن يعود .
بعد ثلاثة أيام… ستكون هناك جنازة وطنية .”
تجمّدت ملامح جي ياو ، ورفع عينيه ينظر إلى يانغ هي
تابع يانغ هي :
“ من الآن فصاعدًا ، ستُسجن في زنزانة مظلمة لا ترى فيها النور ،
وكل يوم تبقى فيه داخل هذا الجسد ،
سأجعلك تتمنى الموت دون أن تناله .”
تلاشت الابتسامة تمامًا من وجه جي ياو ،
وحدّق في يانغ هي وقال:
“ ألا تخشى يا الخصي أن يعود جي ياو يومًا ،
وحينها تتشتت القلوب ، وتنهار الثقة ،
ويذهب كل شيء أدراج الرياح ؟”
ابتسم يانغ هي قليلًا،
في ابتسامة متعجرفة متألقة، وقال بهدوء:
“ جي ياو لن يفعل "
ثم انحنى قليلًا ،
ونظر في عينيه مباشرةً ، وسأله:
“ أتدري لماذا عرفت أنك مزيّف من اللحظة الأولى ؟”
لم يجب جي ياو
يانغ هي بصوت خافت:
“ لأن جي ياو يحبني… يحبني حدّ الجنون .
أعطاني قلبه كله،
سلّمني إيّاه،
أفعل به ما أشاء.
ما دامني لا أتركه،
فذلك العرش التافه لا يساوي عنده شيئ ،
يرميه كما يُرمى النعل البالي .”
كلماته كانت واثقة ، لا تزعزعها ريبة ،
وتلك الثقة الغريبة ، لسببٍ ما،
جعلت قلب جي ياو يرتجف فجأة ،
تغمره مشاعر مبهمة لا يعرف لها اسم
لكنه كان متأكد … أنها ليست مشاعره هو ——
بل كانت ردة فعل جسدية ، محفورة في لحم الجسد وعظامه ،
كُتبت في ذاكرة هذه الخلية وهذه الروح ،
وكل ما يلزم لإيقاظها ، مجرد لمسة ،
كافية لتفجير عاصفة عارمة ——
تمامًا كما في تلك الليلة ، حين التقت عينه بنظرة يانغ هي
فكر جي ياو، بكآبة وبرود:
{ سخيف… هذا سخيف للغاية . أي حب هذا ؟ }
في صغره ، كانت أمه تقول أنها تحبه ، و أنه أملها الوحيد ،
لكنها لم تمنحه سوى الكراهية ، والإهانات ،
وصفعات باردة قاسية
حتى بعد أن أصبح إمبراطور ، كم من نساء القصر قلن إنهن يحببنه ،
لكنه كان حبًا هشًّا ، جوفاء كلماتهن ،
تكسرها أصابعه في لحظة
{ فبأي حق يجزم يانغ هي أن جي ياو ، بعد كل ما دمّره ،
سيظل يحبه كما كان ؟ }
كان جي ياو يرتدي رداءً خفيف ،
وحيد في السجن ،
شعره الأسود مبعثر ، لا يهتم بشكله ،
وجرّ السلاسل الفضيّة الثقيلة خطوات قليلة
في قاعة القصر ، مرآة نحاسية كبيرة. وقف أمامها
في المرآة ، رأى وجه شاحب ، وعينين داكنة ،
بين حاجبيه ظلال من الكآبة ،
كأنما تنبع منهما عتمة عميقة
في أذنه، ما تزال كلمات يانغ هي تهمس:
' جي ياو يحبني ، يحبني حدّ الجنون .
أعطاني قلبه كله، سلّمني إيّاه، ما دامني لا أتركه،
فالعرش لا يساوي عنده شيئ '
كأنها نار، مشتعلة ، لاهبة ، تذهل الناظر بجمالها ،
وتغويه أن يمدّ يده ليلمُسها
ازداد شعور جي ياو بالوحدة والبرد،
فنظر إلى انعكاسه في المرآة ،
وهمس في داخله:
“ لماذا… بأي حق؟”
كاد لا يسيطر على عنفه الداخلي،
على تلك المرارة، والرفض، والسخط الذي يملأ صدره
سنوات طويلة ، خطا فيها كل خطوة بحذر ،
استند على العائلات الكبرى للخروج من القصر البارد،
قتل شقيقه الإمبراطور، واعتلى العرش،
ثم قضى على تلك العائلات نفسها،
حتى لم يبقَى في البلاط من لا يخضع له
لم يشعر يومًا بالشفقة على نفسه — لقد فاز،
وكان هو المنتصر الحقيقي
لكنه الآن… كأنه يسمع من أعماق هذا الجسد ضحكة سخرية
شدّ فكّه السفلي ، ثم رفع يده فجأة ،
فتشدّدت السلاسل الحديدية وأحكمت قبضتها على معصمه
وفجأة، ظهرت على وجهه علامات ألم،
ترنّح خطوتين للخلف ،
وعقله يتألم كما لو أن أحدهم يشق جمجمته إلى نصفين بسكين حادة
ضرب جي ياو الطاولة بقبضة يده من شدّة الألم،
وقد غمره العرق البارد،
ربما بسبب حدة الألم، بدأ يرى هلاوس…
لمحات من مشاهد غريبة تمرّ في ذهنه بسرعة،
كأنها خيول تندفع في استعراض خاطف
كانت تلك بقايا ذكريات تركها صاحب هذا الجسد —
الذاكرة الأصلية لجي ياو الحقيقي — وحش نائم استيقظ
فجأة،
بدأ يتمزق من قيوده،
ويجتاحه بعنف،
كأنه يريد محوه وطرده بالكامل
تشبث جي ياو بحافة الطاولة ،
يلهث بألم شديد ،
رفع بصره نحو المرآة ،
وفي تلك اللحظة الغائمة ،
لمح شخص آخر… جي ياو آخر ،
ينظر إليه من الأعلى ببرود واستعلاء
ضحك جي ياو ببرود، وقال في نفسه:
' هذا الـ‘جي ياو’، لم يفعل سوى الدوس على ألمي،
واختار طريقًا مختلفًا عني،
ومنه خرج إلى النور، وأشرقت دنياه
فبأي حقٍ… أبقى أنا حبيس هذا الجحيم البارد ،
دون أن أرى الشمس، حتى الموت ؟ '
كان يشعر بوضوح أن 'صاحب الجسد ' يحاول استعادة
السيطرة عليه — صراع خفي،
يأكله من الداخل، ويزيده ألمًا
لكن، كلما اشتد عليه الصداع وكاد أن يفقد الوعي،
ازداد عنادًا ورفضًا للاستسلام
لم يكن يريد أن يُمحى هكذا ببساطة دون أن يُسمع له صوت
حين وصلت أخبار حالة جي ياو الغريبة إلى يانغ هي ،
أراد أن يذهب إليه دون تفكير،
لكنه تراجع فجأة، كأن شيئ أوقفه ، فاكتفى بالقول :
“ دعوه وشأنه .”
كان يانغ هي يشكّ في أمر جي ياو
قال له الخادم:
“ لقد حطم المرآة في القاعة بالكامل .
حين قُدمت له الوجبة ، كان وجهه شاحب ،
وتصرفاته عنيفة ومخيفة .
في الليل، رأيناه يتقلب في نومه ،
يئن تحت وطأة الكوابيس…
و يهمهم باسمك الوالي .”
تحمّل يانغ هي يومين دون أن يذهب لرؤية جي ياو
فحبس الإمبراطور لم يكن بالأمر الهيّن
ورغم سلطته الطاغية ،
ومكانته التي لا ينافسه فيها إلا العرش ذاته،
إلا أن الفئة الموالية لجي ياو في البلاط لم تكن لتقبل بالأمر بصمت
حبسه كان تجاوز للخط الأحمر
تحت السطح ، أمواج البلاط تتلاطم ——-
في القصر بقيت الأنوار مشتعلة حتى طلوع الفجر
وزراء من وزارة الحرب، وزارة التوظيف،
ووزارات أخرى اجتمعوا،
كأنهم يستعدّون لاجتياح القصر
هان تشانغ ورفاقه في غاية القلق،
بينما ظلّ يانغ هي هادئ على نحو مريب
لم يأمر سوى بتعزيز الحراسة،
وإغلاق أبواب القصر بإحكام
قال دون تردد : “ من يجرؤ على الاقتراب ، يُقتل .”
يانغ هي لم يصدق للحظة أن جي ياو لن يعود
{ شخص مثل جي ياو… كيف له أن يرضى بأن يُنتزع من
عرشه، ويُستبدل بغيره ؟
خصوصًا وأنني — لا أزال على قيد الحياة ——
حتى لو زحف زحفًا ، فسيعود
وإن لم يعد …
إن لم يعد حقًا… }
فكر يانغ هي ببرود
{ فلن يكون على العرش سوى هذا الزائف…
لكن ، حتى وإن كان الاحتفاظ به الخيار المنطقي ،
فلن أتحمله …. }
كان دومًا يعرف كيف يوازن بين الربح والخسارة،
كيف يحسب كل خطوة…
لكن في هذه المسألة بالذات،
حتى هو نفسه تفاجأ — لم يتردد لحظة
{ إما أن يعود جي ياو،
أو أقلب الدنيا رأسًا على عقب،
وأتحمّل تهمة قتل الإمبراطور…
لا يهم ….
طالما هذا المزيف لا يعيش في راحة !! }
القصر كان في حالة تأهب،
الجنود منتشرون في كل مكان،
صفوف الحرس تقف كل بضع خطوات،
كأن كل نفس فيه يُراقب
لم يذهب يانغ هي لرؤية جي ياو إلا عند منتصف الليل
الليل ساكن ،
والقمر الهلالي معلق في السماء ، بارد ووحيد
انفتح الباب بصوت خافت ، وتقدّم يانغ هي ببطء
يرتدي رداءً فخم ،
قرمزيّ مطرّز بتنانين من الذهب،
قبعة التاج ثابتة في مكانها،
ملامحه حادة صارمة،
شفتاه حمراء، وتغلفه هالة من البرود المنفّرة
بهيئة كهذه يمكن أن يستقبل بها الناس، أو يودّع بها الموتى
جي ياو جالس على السرير،
لم تمضِي سوى أيام قليلة،
ومع ذلك بدا أضعف وأنحل،
وهالات داكنة تحت عينيه،
شعره مبعثر،
ووجهه خالي من التعبير،
و السلسلة الفضية تمتد على الأرض خلفه
رفع جي ياو عينيه عند سماعه الخطوات
وبنظرة واحدة، أدرك يانغ هي أن جي ياو لم يعد بعد —-
شدّ يده داخل كمّه دون أن يظهر شيء على وجهه
ضحك جي ياو بهدوء :
“ الخصي يبدو خائب الأمل أليس كذلك ؟”
نظر إليه يانغ هي ببرود ، خالي من أي اهتمام
عينا جي ياو سوداوان، وعندما ابتسم،
ظهرت أنيابه الصغيرة، وفي نبرته قسوة:
“ في الواقع ، ليس عليك أن تحزن كثيرًا ،
هذا ‘جي ياو’ يبدو بارع … يحاول بكل قوّته العودة ،
لا يهدأ لحظة ،
يريد استعادة هذا الجسد —”
ارتجفت حدقتي يانغ هي قليلًا،
واستقر على جسد جي ياو،
ولما رآه جي ياو، ضحك بصوت خافت،
وسحب السلسلة الفضية بيده،
ثم قال بنبرة بطيئة وخفيفة:
" يا للأسف "
يانغ هي ببرود:
" لماذا لا تعود ؟
عد إلى عالمك، وواصل كونك الإمبراطور هناك "
أجاب جي ياو بلا مبالاة:
" ومن يدري ؟
لكن أن أحقق لكم مبتغاكم هكذا، فهذا لا يرضيني "
ضحك يانغ هي ساخرًا:
" إن بقيت هنا ، فلن يكون لك سوى الموت "
ضحك جي ياو أيضًا:
" فليكن الموت إذًا.
إن متُّ، ربما أعود.
لكن هذا الـ”جي ياو”، سيكون قد مات تمامًا "
نظر إليه يانغ هي بلا تعبير
جي ياو ساخرًا:
" ترددتَ ؟ "
ضغط على صدره وأغمض عينيه،
ثم فتحهما مجددًا وقال:
" هذا الرجل مزعجٌ حد الجنون .
أراه طوال الوقت، أسمعه…"
ببرود :
" إنه يثير اشمئزازي "
ثم طرق جي ياو بأصابعه على رأسه،
وقال بصوت كئيب:
" هو هنا ،
منذ البداية حتى الآن ، لا يتوقف عن محاولة الخروج "
ثم نظر إلى يانغ هي وابتسم:
" يا الوالي إنه يشتاق إليك ، حقًا "
انفجر يانغ هي غاضبًا:
" أنت…"
غير أن ملامح الألم ارتسمت مجددًا على وجه جي ياو،
فعبس بشدة،
يحاول التحمل،
وكأن الألم في هذه المرة أشد وأقسى،
حتى كاد يمزقه
أصبح وجهه شاحب ،
واهتزت السلسلة الفضية في يده حتى صدرت عنها رنات دقيقة
نظر إليه يانغ هي، ولم يتمالك نفسه، فهتف باسمه:
" جي ياو…"
صرخ جي ياو بغضب شديد:
" اصمت! "
رمقه بنظرة شرسة،
كوحش جريح محاصر، يلهث بشدة ثم قال:
" ما دمت قد متَّ، لماذا تعود مجددًا ، تتصنع الطيبة،
وتدّعي أنك منقذ؟! هاه؟! "
تجمد يانغ هي للحظة
ترنح جي ياو خطوتين،
وقبل أن يستوعب يانغ هي الأمر ،
فقد أمسك جي ياو وأسنده ، وهمس بصوت خافت :
" جي ياو…"
العرق البارد يتصبب من جبين جي ياو،
بالكاد يستطيع الوقوف
وضع يده على كتف يانغ هي،
وصوته مبحوح، ينبض ألمًا لا يُطاق، وقال:
" لماذا… حين كنا نحن الاثنين في القصر البارد ،
ذهبت إليه ولم تأتِ إلي ؟"
تابع بصوت منكسر:
" لماذا أعطيته الأمل ، وتركتني أنا في الظلام ؟ "
صوت جي ياو مخنوق بالغضب والقهر والجنون،
وأمام كلماته،
تذكر يانغ هي ذلك الفتى الإمبراطور الذي لم يلتقِ به إلا مرات معدودة
شرد للحظة ، لكن في تلك اللحظة القصيرة ،
كان جي ياو قد قبض على عنقه
اقترب من أذنه، وهمس:
" لو أنك تموت ، لكان الأمر أهون …
كنا سنصبح متساويين ، وهذا ما يجب أن يكون "
في تلك اللحظة ، كانت نية القتل صادقة تمامًا في قلب جي ياو
في الأيام التي قضاها سجينًا في القصر،
مرّ بخاطره مرارًا أمر المرسوم الذي أصدره بيده لتنفيذ الإعدام
فكر { ماذا لو لم يكن قد أصدر ذاك المرسوم ؟ }
لكنه سريعًا ما قتل هذه الفكرة السخيفة
ليس فقط لأنه حينها كان مغلوب على أمره،
بل لأن يانغ هي في ذلك الوقت كان مقرّب من شقيقه الإمبراطور ،
بل كان يُعد من خصومه السياسيين
ولم يكن جي ياو ليترك خصمًا حيًّا خلفه
وفي نظر يانغ هي، لا بد أن جي ياو لا يختلف عن عدوٍ لدود
كان الفاصل بينهما دائمًا طريق مسدود لا عودة فيه
لكن كلما ازداد وضوح ذلك،
كلما تعاظم الغليان في صدر جي ياو
قبض بقوة على هذا العنق الطويل،
بشرته دافئة ، لا يختلف عن النساء ،
لا يكاد يُحسّ بـ تفاحة آدم حتى
كبح جي ياو اشمئزازه الغريزي،
ولكن العناد المرير الممزوج باليأس،
تزايد داخله كالنار، يلتهم أحشاءه
شد قبضته أكثر ،
بدأ يانغ هي يختنق تدريجيًا،
يحاول عبثًا أن يبعده عنه،
وكأن كليهما تحوّلا إلى وحشين محاصرين،
يتصارعان حتى الرمق الأخير
كان جي ياو عنيفًا ومصممًا،
لا يترك لنفسه خط رجعة
شعر يانغ هي أن الهواء ينفذ من رئتيه،
ورأى السواد يطغى على بصره،
فبدأ يعبث بالسلسلة الفضية ويسحبها بعنف،
وصاح بصوت مبحوح :
" جي ياو! أيها الوغد ! "
هذا النداء باسمه ، زاد ألم جي ياو،
كأنه يخضع لعذاب التقطيع،
كل ضربة تسقط على روحه وليس على جسده
وفي تلك اللحظة المشتتة ،
لم يبقَى في وعيه سوى تلك “جي ياو” المرتجفة ،
التي حطمت قلبه كالرعد
وجهه متجمد من البرودة،
وشدّ قبضته بقوة أكبر،
لكن لم يمضي وقت قصير،
حتى تسلق إحساس خطر داهم عموده الفقري،
فدفع يانغ هي فجأة ،
و انزلق النصل الحاد وكاد يشق ذراعه
نظر جي ياو إلى جرحه النازف ببرود وقال:
" ما أحرصك عليّ يا الوالي "
لم يرد يانغ هي،
اكتفى بقبض الخنجر بيد،
وضغط على عنقه بالأخرى، يلهث بأنفاس سريعة،
ما زال قلبه يرتجف من الخطر الذي أفلت منه للتو
لكنه لم يكد يبتعد،
حتى اقترب منه جي ياو مجددًا،
كما لو أنه قرر أن يستخدم ما تبقى من قوته لقتل يانغ هي مهما كلّف الأمر
ففي النهاية هذا الجسد جسد جي ياو ،
وكان يانغ هي مضطرًا للحذر
وفي اللحظة الحاسمة ، انتزع جي ياو الخنجر منه ،
و قبض على كتفه بإحدى يديه،
بينما قبض بالأخرى على مقبض الخنجر ،
وأصابعه ترتجف بخفة
كان وجه يانغ هي شاحبًا،
يحدّق فيه بثبات،
أما جي ياو فكاد يعجز عن احتمال تلك النظرات،
برد قطّع أطرافه ،
كأن جسده سينفصل عنه في أية لحظة
: " يانغ هي "
وكان الخنجر يلامس عنق يانغ هي،
وصدر جي ياو يعلو ويهبط، مبللًا بالعرق البارد
فكّر جي ياو بلا هدف
{ ما الذي عليّ قوله الآن ؟ }
لكن لم يكن ثمة ما يُقال
أنا ويانغ هي كنا دومًا غريبَين عن بعضنا ،
غرباء لا حديث بيننا }
وفجأة شعر جي ياو بتعب عميق يتسلل إلى عظامه،
نظر إلى يانغ هي نظرة خاوية،
وقد بدأ جسده يفقد السيطرة شيئًا فشيئًا
{ انتهى .
لا معنى لهذا كله ….. }
بصوتٍ معدني، سقط الخنجر من يده
اتسعت عينا يانغ هي،
بينما نظر إليه جي ياو، ثم ابتسم فجأة ابتسامة ساخرة،
ومسح دم إبهامه على وجه يانغ هي بتعمد،
وقال:
" تذكّر يا يانغ هي… أنا من قررت أن أتوقف عن اللعب "
ساد الصمت أرجاء القصر ——-
وسقط جي ياو مغشيًا عليه فوق جسد يانغ هي،
بينما الأخير لم يستفق بعد من هول ما حدث،
ما زال قلبه يخفق بجنون،
ونظرته شاردة، وكأن لا فرق بين الحلم والواقع
كأن كابوس أخيرًا قد انتهى،
ومع ذلك، بسبب عبارة جي ياو — “ أنا من قررت أن أتوقف عن اللعب ” — وتلك الطريقة التي
رمى بها الخنجر ،
بقي في قلب يانغ هي شعور لا يمكن التعبير عنه
كان جسداهما متلامسين،
وتمكن يانغ هي بوضوح من سماع نبض قلب جي ياو
وبعد وقت طويل استعاد بعضًا من قوته،
فمدّ ذراعيه ليجلس وهو يحتضنه،
جي ياو تحرّك،
ولفّ ذراعيه حوله بقوة،
وقال بصوت مبحوح مرهق:
" لا تتحرك… دعني أعانقك قليلًا "
توقف يانغ هي، وكأن جسده كله استرخى،
وتنهد تنهيدة بالكاد تُسمع
لم يتحرك، وترك جي ياو يستند عليه
لكن جي ياو لم يلبث طويلًا، و اعتدل جالسًا وهو لا يزال
ممسكًا بيد يانغ هي،
بقوة لا تسمح له بالإفلات
وحين رفع يانغ هي نظره،
التقت عيناه بنظرة جي ياو المثبتة عليه،
فشعر بعدم الارتياح وحاول سحب يده
لكن جي ياو شدّ عليها أكثر،
وقبّلها قبلة خفيفة عند أطراف شفتيه،
وقال كأنه يتنهّد:
" يانغ هي…"
ثم مسح وجهه براحة كف يانغ هي، وهمس بصوت منخفض:
" لا تخف…
لم يعد هناك ما يُخيف "
كان جي ياو كمن يعيش حلمًا طويلًا،
يدرك تمامًا أنه حلم،
لكن لا سبيل له للاستيقاظ
كان محاط بسحب بيضاء كثيفة،
وعقله غائم لا يُمسك به،
كلما حاول الاستفاقة، عجز عن ذلك
لكنه كان يهمّه أمر ما في قلبه،
كان يحاول الخروج من الحلم عبثًا، إلى أن…
…إلى أن سمع صوت يانغ هي ——-
صوت بعيد، بدا خافت ، ثم بدأ يقترب ،
حتى أصبح واضح في ذهنه… { يانغ هي يناديني }
نداءً بعد نداء ،
وكل مرة أكثر إلحاحًا من التي قبلها ،
حتى خُيّل لجي ياو أن صوت يانغ يكاد يبكي ،
فأحس بوخزٍ في قلبه ، ألم لا يُحتمل
جنّ جنونه ، كمن سُجن في قفص ،
بدأ يضرب الجدران بكل جنون ،
بكل ما فيه من قلق ويأس ، فقط ليستفيق
وفي النهاية ، رأى نفسه الآخرى …
ذلك الذي أراد قتل يانغ هي
فكاد أن يُجن
توقف يانغ هي لحظة، وقال بصوت بارد:
" من قال إنني خائف ؟ " ببرود: “ إن لم تعد ،
فسأنصّب إمبراطورًا جديد ، فلماذا أخاف ؟”
ضحك جي ياو قليلًا ،
وقال بلهجة متساهلة : “ هذا صحيح غونغونغ ،
أنا من خاف.
غونغونغ ماهر جدًا حقًا.”
ثم رفع يده ليُري يانغ هي معصمه،
حيث كانت السلسلة الفضية لافتة للنظر
صمت يانغ هي للحظة، عاجز عن الرد
نظر إليه جي ياو ، ورفع يده ليلمس عنقه ،
واضعًا إبهامه بحنان ولمس أثر الكدمات،
لكن ما بين حاجبيه لم يخلُو من الظلمة ،
بدا وكأنه يريد قتله في لحظة ، وقال بغيظ: “ حقير "
أدار يانغ هي وجهه ساخرًا : “ بالفعل ، حقير "
ضحك جي ياو مجددًا ،
واقترب ليقبل قبلة على عنقه ،
ثم مدّ لسانه يلعق أثر الأصابع كما لو أنه يريد أن يمحو كل أثر لغيره
حاول يانغ هي التملص وقال : “ماذا تفعل؟”
رد جي ياو بنبرة هادئة وغامضة : “ أنظّفه "
ثم عضّ عنقه
تأوه يانغ هي بأنين خافت ، وشدّ شعر جي ياو،
بينما انسابت قبلات جي ياو من عنقه إلى وجهه
وجهه شاحبًا مليء بآثار الدم،
ورموشه الطويلة ترتجف بصعود وهبوط ،
تضفي عليه مسحة من الجمال الفاتن
نظر جي ياو إلى وجهه ،
وتذكّر آخر جملة سمعها…
لقد قال إنه يريد أن يجعل يانغ هي يتذكره
وفجأة أمسك بذقنه بقوة، وقبّله بعنف،
قبلة شرسة جعلت يانغ هي يسقط جالسًا على الأرض،
أنفاسه متسارعة، وهو يشعر بجموح من فوقه،
فمدّ يده ليضغط على عنق جي ياو الخلفي
وحين انفصلت شفاههما،
أنزل جي ياو عينيه وقال: “ انسَى أمره
يانغ هي، الذي عليك أن تتذكره ، هو أنا فقط .”
ذراع جي ياو مصابة،
وأراد يانغ هي استدعاء طبيب القصر،
لكن جي ياو لم يرغب بأن يتدخل أحد،
فاكتفى بالقول: “ جرح صغير ، لا بأس.
غونغونغ يضمده لي "
لم يكن الجرح عميق ، فاستجاب يانغ هي لرغبته،
وأمر أحد الخدم بإحضار صندوق الدواء،
ثم طوى كمّيه بنفسه ليُعالج إصابة جي ياو
الوقت لا يزال معتم ، أبواب القصر مغلقة ،
الخارج قاسية ببرودته وصمت الموت،
أما الداخل فهادئ هادئ،
لا أحد يعبأ حاليًا بذلك القلق القادم من زمجرة السلاح
يدا جي ياو وقدماه مقيّدة بسلاسل فضية،
لكنه كان يجد الأمر غريبًا ومسليًا،
فهزّها قليلًا وقال ليانغ هي: “ فكّها عني "
رمقه يانغ هي بنظرة خاطفة،
بينما يمسح الدم عن أصابعه بلا اكتراث،
وقال ببرود: “ دعها تبقى
من يدري ، لعل جلالتك يستيقظ من الحلم وقد عاد شخصًا آخر،
وستبدأ المتاعب من جديد .”
كان جي ياو يعشق هذه النبرة في كلامه،
فابتسم بسعادة أكبر،
وأمسك بطرف أصابعه : “ إن لم أعد أبدًا…
ألن تكون مجبرًا على أن تعيش أرملًا ؟”
ضحك يانغ هي بسخرية ،
وألقى بالضماد في صندوق الدواء دون أن يرد
ضحك جي ياو ضحكة بصوت عالي وقال: “يا روح قلبي…”
واقترب ليُلامس خدّه : “ وأنت هنا ، كيف لي ألا أعود ؟”
بجدية : “ لن يتكرر الأمر "
رفع يانغ هي عينيه ونظر إلى جي ياو،
فأعاد قوله: “ هذه المرة وحدها كادت تفتك بي رعبًا…
لن تكون هناك مرة ثانية .”
لا يُعرف كيف ولماذا ، لكن يانغ هي شعر حينها بشيء من المرارة في قلبه
كان جي ياو يحب هذه التقلبات الصغيرة في مشاعر يانغ هي،
لكنه لم يكن يطيق أن يراه يتألم،
فاقترب منه بلطف وهمس: “ يانغ يانغ فكّ قيدي "
هزّ السلسلة الفضية مازحًا وتابع : “ تنوي حقًا أن
تقيدني بها طيلة العمر ؟”
يانغ هي: “ لو أنني أريد أن أقيد جلالتك فماذا ستفعل؟”
ضحك جي ياو : “ أتمنى ذلك بكل جوارحي "
لم يرد يانغ هي،
لكنه مدّ يده وسحب السلسلة،
فرفع جي ياو يده متعاونًا : “ والينا العظيم يانغ هذا مشهد بائس جدًا .
على الأقل إن لم تكن السلسلة من اليشم ،
فلتكن من الذهب ~ .”
يانغ هي: “ إن كان هذا حقًا ما يرغب به جلالتك ،
فسآمر بصنعها لك "
جي ياو: “ صنّعها . واصنع منها عدة ، واجعلها جميلة ،
وزيِّنها بالمرجان والياقوت ،
فلو قُيِّد بها والينا يانغ العزيز لبدت متناسقة مع لون بشرته "
يانغ هي: “…… اصمت.”
——————————
قبل الفجر —- لين تشي يوان و تشاو شياودو واقفين أمام مكان الحبس ،
فقال تشاو شياودوه بنبرة فيها شيء من الارتباك :
“ ييفو جميع الوزراء يقفون الآن أمام بوابة القصر ،
يريدون مقابلة جلالته .
حتى القائد رونغ من حامية الدفاع موجود .”
تبادل جي ياو ويانغ هي نظرات سريعة،
عندها فقط تذكّرا ما يجري في الخارج
لم يتغيّر وجه يانغ هي،
وفكّ القيد عن قدمَي جي ياو،
فقال جي ياو فوراً : “ إن أرادوا رؤيتي ، فليكن "
ثم نادى : “ شياودو بلّغ أمري
فليذهبوا جميعًا إلى قاعة فونغتيان وينتظروا هناك .”
تردّد تشاو شياودو للحظة،
ثم رفع الستار جي ياو وخرج بخطى ثابتة،
بهيئة وقورة، و بين عينيه سكينة باردة
وقف يانغ هي إلى جواره ——
نظر تشاو شياودو إلى يانغ هي بلا وعي
أومأ له يانغ هي،
فهتف تشاو شياودو بصوت عالي : “ مفهوووم جلالتك !”
صدر عن الباب صوت وانفتح
الفجر قد بزغ، والضوء الخافت للصباح يغمر الجدران المتشابكة للقصر
بدّل جي ياو ثيابه إلى زيّ البلاط الأسود الفخم،
سقطت شرّابات التاج على وجهه،
وهيأته تامة،
وفي أسفل الدرج موكبه الإمبراطوري بانتظاره،
صامتين ثابتين
مال جي ياو برأسه ونظر إلى يانغ هي،
وكان الأخير يبادله النظر بهدوء
في هذا العالم كثير من الناس يكرهون يانغ هي،
وهو يعرف كل شيء عنه،
يعرف أنه يحب السلطة، جشِع،
قاسٍ وانتهازي… ولكن، ثم ماذا ؟
لم يكن جي ياو يهتم ،
فالذئاب والنمور لا يلزم أن تختلط بالغزلان والظباء
بل إن شخص مثل يانغ هي،
كما فكّر جي ياو،
هو في الواقع أكثر صفاءً وشفافية من كثيرين
لقد بذل جي ياو كل ما بوسعه ليربط مصيرهما معًا،
بكل ما فيه من حياة وموت،
شرف و إهانة ،
أصرّ على أن يصل إلى النهاية السعيدة ، وقد بلغها أخيرًا
ابتسم ابتسامة خفيفة : “والينا … تعال ورافقني إلى المجلس .”
يانغ هي: “ حسنًا "
يتبع
اطول شابتر ترجمته في حياتي 😔 :
تعليقات: (0) إضافة تعليق