القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Extra16 | IDNWTAM

Extra16 | IDNWTAM


Ch72 : عن الازدهار والانهيار



امبراطورية جي ياو في حياة يانغ هي السابقة --------


في يوم سقوط المدينة الإمبراطورية ، 

كان الوقت خريف

لم تهطل الأمطار منذ نصف عام، 

ومع أولى نسمات الخريف، 

تسلّلت برودة واضحة إلى الأجواء


ومع دخول الليل، ازدادت البرودة أكثر فأكثر


في الآونة الأخيرة ، نوبات الصداع التي تصيب جي ياو تزداد تواترًا، 

حتى أنه بات عاجزًا عن النوم، 

مختلًّا في ليله ونهاره، وقد غدا طبعه أكثر كآبة وتقلبًا


حين استيقظ ، الشمس تغرب في أقصى الغرب، 

لون السماء كدم مسفوك، 

يفيض على أرجاء القصر الشامخ


الضجيج يعلو من الخارج، 

وصرخات الذعر تملأ المكان


لقد دخلت قوات المتمردين المدينة، 

وتقدّموا حتى أسوار القصر


في الداخل ، عمّت الفوضى ، من هرب فقد هرب ، 

ومن ذُعر فقد ذُعر ، 

حتى الحرس الإمبراطورية لم يعودوا قادرين على الحفاظ 

على النظام الصارم السابق


لقد غطّ جي ياو في نوم طويل هذه المرة، 

نادرًا حدث أن نام دون أن يرى أحلام


وعندما استيقظ، شعر براحة نادرة


حتى حين سمع ما يجري في الخارج، لم يغضب، 

بل جلس بهدوء على سريره وهو يفكر { قوات التمرد وصلت 


اقتحموا القصر الإمبراطوري ….


مملكة يان الجنوبية سقطت — وأنا أصبحت ملكًا مخلوع }


فكر جي ياو بهذا دون أي اضطراب أو تهيّج، 

وفجأة دوّى وقع أقدام مسرعة داخل القاعة، 

فهتف قائد حرس الإمبراطوري، هوو تشو بصوت متوتر:

“ جلالتك، 

لم نعد قادرين على الصمود. 

قائد حراس الظل جياو قد مات بالفعل . 

لا يزال هناك وقت ، الرجاء أن تهرب فورًا !”


رفع جي ياو إحدى ساقيه ووضعها على عتبة السرير، 

حافي القدمين، باردة كالجليد، 

وقال بهدوء:

“ أوه؟ إلى أين أذهب ؟”


هوو تشو : “سأرافق جلالتك خارج القصر أولًا…”


قاطع جي ياو كلامه ، وتكلم بتكاسل : “ لن أرحل "


قال هوو تشو على عجل: “جلالتك، ما دام الجبل باقٍ، 

فالحطب لن ينفذ .” (أي: ما دام الإنسان حيًّا، فالأمل قائم)


ضحك جي ياو ضحكة خفيفة، 

وخرج حافيًا مباشرة من السرير، ثم قال:

“ الجميع رحلوا ، هوو تشو لماذا بقيت أنت؟”


تجمد هوو تشو لحظة، 

ثم خفَض رأسه وقال بصوت خافت:

“ جلالتك هو الإمبراطور ، 

ومن واجبي أن أظل مخلصًا .”


ضحك جي ياو بازدراء وقال:

“ مخلص؟ هوو تشو ، أتظن حقًا أنكم مخلصون لي؟ 

أنتم لا ترحلون ، بل تضحون بأنفسكم ، 

فقط لكي تخلّد أسماؤكم في التاريخ على أنها أسماء الوفاء والإخلاص .”


تغيّر وجه هوو تشو ، لكنه لم ينبس ببنت شفة


أشار جي ياو بيده وقال:

“ أنا لست إمبراطور صالح ، 

حتى لو متّ في سبيل المملكة ، فلن يُذكَر اسمك بخير .”


ثم تجاوزه ومشى عدة خطوات إلى الأمام


كان الباب مفتوح ، والمصابيح الإمبراطورية موزعة في فوضى، 

والناس يركضون في كل الاتجاهات، 

من الحرس إلى الخدم، 

بعضهم يحمل أمتعته، 

وبعضهم يتعارك، 


أحدهم أمسك بسكين وطعن الآخر، 

فاختلطت المجوهرات والفضة بالدم على الأرض


نظر جي ياو إلى المشهد دون أن يرفّ له جفن، 

ربما لهيبته الشديدة، 

ومع وجود بعض الجنود عند الباب، 

لم يجرؤ أحد على الاقتراب


الهواء مشبع برائحة الدخان والدم، 

فاتكأ جي ياو على الباب العالي للقصر وقال بهدوء:

“ الطقس أصبح بارد "


ثم التفت إلى هوو تشو و قال:

“ اقضِ لي أمرًا . 

بعد أن تنهيه ، تنتحر أو تهرب ، افعل ما شئت .”


صمت هوو تشو لحظة، ثم رفع يده ببطء وأدى التحية


منذ طفولته ، كان جي ياو يشعر أن مباني القصر مرتفعة جدًا، 

مرتفعة لدرجة أنه لا يستطيع، 

حتى إن وقف على أطراف أصابعه، 

أن يرى السماء البعيدة الفسيحة


ثم لاحقًا شعر أنها كثيرة جدًا، بناء تلو بناء، 

حتى أنه حين كان يتسلق الأسوار، 

لم يكن يعرف في أي منها يعيش والده الإمبراطور


كانت والدته دومًا تتزين وتقول له:

“ والدك سيأتي لرؤيتك ، 

سيأخذنا من هذا القصر البارد .”


قالت له: “ طالما كنت بارع ، فوالدك قليل الذرية ، 

وإن كنت الأفضل بينهم ، فربما يختارك وليًّا للعهد .”


كانت أمه تحلم كثيرًا


في البداية صدّق جي ياو، 

لكنه استيقظ ذات يوم على الحقيقة:

أمه مجنونة ، ولا يجب تصديق كلام المجانين


رفع جي ياو رأسه ، ونظر إلى جناحه الإمبراطوري ، 

الذي قد اشتعل بالفعل، و يتصاعد منه الدخان الأسود


الجو جاف منذ مدة ، 

وزاد الطين بلّة أنهم أشعلوا الحريق عمدًا ، 

وأراقوا الزيت والكحول ، 

فاندلعت النار بسرعة هائلة ، 

ولم تمضِي لحظات حتى كانت ألسنة اللهب تبتلع القصر العظيم بأكمله


تعالت صرخات الذعر من كل الجهات، 

فاحتراق جناح الإمبراطور ليس بالأمر الهيّن، 

لكن أمام شبح الموت، 

لم تعد الفوارق بين الطبقات ذات قيمة، 

فبدأ الجميع يرمق المكان بنظرات مذعورة ، 

ثم يُسرعون بالهرب بوجوه شاحبة


جي ياو فرقع شرار النار على كف يده ، 

ثم نفخ فيها بلطف ، 

فتلألأت شرارة قرمزية خافتة ، رماها بكسل ، 

فانطلقت منها ألسنة لهب عظيمة كالنار التي تلتهم العشب اليابس


وخلال لحظات، اندلع الحريق في القصر المجاور أيضًا


اشتدّ لهيب النيران، 

حتى بدا كأنها أضاءت السماء السوداء بأكملها


و وهج اللهب الغريب يُضيء وجه جي ياو الشاحب، 

وتتلألأ في عينيه السوداوين نظرات من الإثارة


القصر غرق في الفوضى تمامًا


مات هوو تشو ، قائد حرس الامبراطورية ، 

وانهارت آخر خطوط الدفاع


تسلّلت قوات التمرد إلى داخل القصر الإمبراطوري


كان جي ياو يصغي إلى أصوات المعارك والهتافات القادمة من بعيد، 

كلمات مألوفة لا جديد فيها — “ اقتلوا الطاغية ”، 

“ اقضوا على الجزار” 

— سمعها كثيرًا، حتى فقدت قوتها


أما هو، فكان يمشي بهدوء وكأنه يتنزه في حديقة، 

خطواته خفيفة حرة، 

يُشعل القصور واحد تلو الآخر، 

حتى بدت ألسنة اللهب وكأنها ستحرق هذا العالم بأسره


ثم جاء دويّ هائل — صوت انهيار السقف، 

وتناثر الشرر في كل اتجاه


مدّ جي ياو يده، 

وأمسك بشيء من الرماد الأسود المتساقط، 

حتى وإن لم يكن قريب جدًا، 

فقد شعر بحرارة اللهب تلامس جلده


الريح صفرت ، تدفع بردائه الأسود في مهبّها، 

فيخفق بقوة


وجهه شاحب على نحو مَرَضي، 

نحيف البنية، 

واقف وحده أمام القصر المحترق، 

يبدو كروح تائهة في هذا العالم


فجأة ، سُمع صوتٌ قريب :

“ جلالتك ؟”


أنزل جي ياو عينيه، ليرى خصي شاب ، نحيل ومنبطح على 

الأرض، إلى جواره مصباح قصر صغير


أجاب جي ياو بهدوء: “ همم.”


لم يتجرأ الخصي على الحركة، رأسه ملتصق بالأرض


قال له جي ياو:

“ ألن تهرب؟ ما الذي تفعله هنا ؟”


ارتجف الخصي قليلًا، 

ثم رفع وجهه ونظر بحذر إلى الإمبراطور:

“ هرب… الهرب ؟ إلى أين نهرب ؟”


تجمّد جي ياو للحظة، ثم انفجر ضاحكًا:

“ أنت تسألني ؟”


أسرع الخصي برفع رأسه ليضربه بالأرض:

“ لا، لا يجرؤ التابع !”


جي ياو:

“ حسنًا، قف.”

ثم سأله:

“ من أي جناح أنت؟”


أجاب الخصي بصوت خافت:

“ ردًا على جلالتك، هذا التابع من ديوان الشؤون الطقس .”


أومأ جي ياو بإيجاز، 

ثم نظر إلى النيران المتصاعدة من جديد


ألسنة اللهب تلتهم المزيد من القصور، 

تدفعها الرياح عبر الحواف الطائرة للأسقف


ألقى وهج النار القرمزي ظلال دامية على وجه جي ياو الشاحب، 

فرفع إصبعه وأشار، قائلًا ببطء:

“ أنظر… أليست تشبه ألعاب نارية في مهرجان يوان شياو؟”


نظر الخصي، ثم هز رأسه، ثم أومأ، 

وأجاب بصوت منخفض:

“ الحريق لا يمكن مقارنته بالألعاب النارية .”


جي ياو:

“كلاهما نار، ما الفرق ؟”


تذكّر الخصي هوية من أمامه، 

فلم يجرؤ على الاعتراض، واكتفى بالقول:

“ جلالتك على حق.”


لم يعلّق جي ياو، ثم قال:

“ ما اسمك؟”


قال الخصي بدهشة ممزوجة بالسعادة:

“ ردًا على جلالتك ، هذا التابع يُدعى دنغ ليانشنغ.”


ابتسم جي ياو وقال:

“ اسم جميل… أأنت جديد في القصر ؟”


فالخدم الذين مكثوا في القصر طويلًا كانوا جميعًا يرتعدون منه، 

لا يجرؤون على إظهار أي بساطة أو سذاجة كهذه


أجاب الخصي :

“ هذا التابع دخل القصر قبل شهرين فقط.”


سأله جي ياو:

“ لماذا دخلت القصر ؟”


أجاب الخصي بصدق:

“ لم نعد قادرين على العيش . 

الجفاف هذا العام دمّر المحاصيل ، ثم اندلعت الحرب . 

لم يعد والداي قادرَين على إعالة هذا العدد من الأبناء .”


فكر جي ياو لحظة ، ثم قال:

“ أنت من الشمال ؟”


تذكّر مئات التقارير المتراكمة على مكتبه، 

الوزراء قلقون، هذا يشكو من الجفاف، 

وذاك يصرخ من التمرد، 

كلٌ يقول رأيه بصخب، 

إلى أن تحوّل المجلس إلى ساحة جدال مزعج


جي ياو لم يحتمل، وأُصيب بالصداع، 

فأعاد كل التقارير دون أن يردّ على أحد…


ابتسم الخصي بخجل، وقال:

“ جلالتك حكيم .”


: “ حكيم؟” ارتجف طرف فم جي ياو بسخرية، دون أن يرد 


كان عامة الناس يسبّونه بأشد الألفاظ، 

يصفونه بالإمبراطور الفاسد، الطاغية، 

حتى داخل القصر، لم يكن هناك أحد لا يخشاه


كان دنغ ليانشنغ يتساءل في البداية إن كان جي ياو يشبه ما 

يقولونه : وجه أزرق وأسنان بارزة، 

أشبه بشيطان من الجحيم


لكن بعد أن دخل القصر ورآه من بعيد، 

اكتشف أنه مجرد شاب نحيل، كئيب الملامح


والآن حين رآه مرة أخرى، بدا جي ياو أسهل في المعاملة مما تصوّر


استمع الخصي إلى أصوات القتال المدوية من بعيد، 

وسأل بصوت خافت:

“ جلالتك… ألن… تغادر ؟”


جي ياو:

“ ولما أغادر؟”


تجمّد الخصي للحظة، ثم تلعثم:

“ المتمرّدون… إنهم على وشك الوصول ، 

إنهم يريدون…”


لكن جي ياو لم يُعره اهتمام


قال:

“ دنغ ليانشنغ، لمَ لم تهرب ؟ 

خذ معك بعض الأشياء الثمينة ، اخرج من القصر ، 

يمكنك أن تبدأ من جديد .”


رفع الخصي المصباح، 

وعلى وجهه ارتسمت لمحة من الحيرة، 

ثم همس بعد لحظة :

“ أنا خصي… قال أبي، إن دخلت القصر، فلا عودة للبيت، 

وأهلي اعتبروا أنني لم أعُد موجود .”


رمقه جي ياو بنظرة صامتة


تابع الخصي مرة أخرى:

“ جلالتك اهرب ، إن وصل المتمردون…”


قاطعه جي ياو ببرود:

“ أنا إمبراطور… والإمبراطور لا يهرب .”


تجمّد الخصي في مكانه، وحدّق في جي ياو بنظرة شبه فاهم


سأله جي ياو:

“ ألستَ تمانع أن أموت ؟”


عضّ الخصي على شفته، 

ثم همس بصوت منخفض:

“ الحياة… تبقى أفضل من الموت .”


ذهل جي ياو قليلًا ، ثم ضحك ضحكة عالية نادرة ، وقال:

“ يا للأسف 

لو أنك جئت في وقت أبكر ، لأغدقتُ عليك بالمناصب 

والمال، أما الآن… فلم يعد بالإمكان .”


قال ذلك بهدوء وبساطة ، 

إلا أن دنغ ليانشنغ شعر بغصة في قلبه ، لا يدري لماذا ، 

لكنه أحسّ بالحزن


الخصي:

“ جلالتك إلى أين ستذهب ؟”

رفع رأسه ونظر حوله، وتمتم:

“القصر الآن في فوضى ، 

لا يُعرف من الذي أشعل النار ، الأمر مرعب… 

جلالتك ، في هذا الليل ، إن كنتم تريد الذهاب إلى مكان ما، 

دعني أحمل المصباح وأرافقك .”


وقعت نظرات جي ياو على وجه الصبي النحيل الوادع، وراودته قصيدة قد قرأها

[ الينابيع الصفراء ، الجحيم ، 

أتراك قادرًا على إنارة تلك الطريق ؟ 

أتراك تجرؤ ؟ لا تدري ما الموت ]


جي ياو:

“ لا حاجة .”

نطقها بكسل ، وكأنه ذاهب للتنزه تحت ضوء القمر 

أو لمشاهدة الزهور ، 

وضع يديه خلف ظهره وقال:

“ اذهب أنت .”


نظر الخصي إلى جي ياو، وتلعثم قائلاً:

“ جلالتك…”


لكن جي ياو قال بصوت لا يقبل الجدل:

“ اذهب .”


ارتعش جسد الخصي، 

وانحنى وهو يرفع المصباح بين يديه:

“ أمرك جلالتك.”


تراجع بضع خطوات، 

واستدار منصرفًا، 

لكنه قبل أن يغادر تمامًا، استدار دون وعي، 

فرأى ظلًا طويلًا ونحيفًا، 

أكمامه الواسعة ترفرف مع الرياح ، بدا عليه الحزن والعزلة


ولم تمضِي سوى لحظات، حتى بدأ جي ياو يمشي ببطء نحو بحر اللهب


اتسعت عينا الخصي ، وكاد يصرخ، 

لكنه تذكّر فجأة ما قاله جي ياو:

' أنا إمبراطور ، والإمبراطور لا يهرب '


ارتعش قلبه ، فتوقف في مكانه ، ثم رفع يده ، 

ورفع المصباح عاليًا ، نورٌ خافت باهت ، 

كيرقةٍ تحاول أن تنير طريق الإمبراطور إلى الموت


ثم ــ


دوى انفجارٌ عنيف ، وانهار القصر تمامًا —-


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي