القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Extra17 | IDNWTAM

 Extra17 | IDNWTAM


Ch73 :هان تشانغ


بعد وفاة جي ياو ويانغ هي ، تزوّج هان تشانغ ورُزق بأبناء، 

وانتهت علاقته بـ تشاو شياودو نهاية مأساوية 


وبعد أن فقد سلطته ، حُكم عليه بالإعدام


في السنة التي سقط فيها هان تشانغ : ——— 


الشتاء طويل على نحوٍ غير معتاد

الثلج يهطل بلا انقطاع، 

ومدينة يان مغطاة بحلّة فضية ، 

نظافتها تبعث على الوحشة


{ وحدة }

كرّر هان تشانغ هذه الكلمة في ذهنه.


كانت ياندو دائمًا تُعرف بازدهارها وازدهار أزقتها، 

الجسور المزخرفة، 

وصفوف الصفصاف المغطاة بالدخان، 

لكن عندما وقف في مكان عالي يتأمل المشهد، 

لم يرَى سوى مدينة كانت نابضة بالحياة ، 

وقد غمرتها الثلوج من كل صوب


العالم بات صفحة بيضاء، 

وفي تلك اللحظة العابرة، 

كل ما جاهد لأجله من مجد وسلطة ومكانة بدا له كأنه لم يكن شيئ


ومع ذلك فقد قضى عمره كله في السعي وراءه


تذكّر أيام شبابه في الجناح الجانبي من قصر آل هان.

رغم أن الأسرة لا تزال ضمن العشر عائلات الكبرى في 

جنوب يان، إلا أنها كانت قد انحدرت منذ زمن، 

ولم يتبقَّى سوى قشرة اسمية فارغة


أبرز من أنجبته عائلة هان كان شقيق هان تشانغ الأكبر من 

الزوجة الشرعية، 

والذي لم يتعدَّى منصبه رتبة الضابط من الدرجة السادسة 

– مثل هذا المنصب كان شائع في ياندو


أولى والده كل الاهتمام لأخيه، 

وجاهد بكل ما أوتي ليستجدي له الدعم والفرص في كل مكان


أما هان تشانغ، الابن غير الشرعي، 

فلم يكن ليُحسب له أي حساب


كان هان تشانغ فخور بطبعه، 

واثق أن لديه من الفطنة والحنكة ما لا يقل عن أخيه الأكبر


كل ما كان يحتاجه هو فرصة صغيرة، 

وكان يؤمن بأنه سيبرع


لكن كل من في المنزل سخروا منه، 

رأوه واهمًا لا أكثر، 

ابن بائعة زهور… أي مستقبل يمكن أن يكون له؟


كانت والدة هان تشانغ بائعة زهور بسيطة، 

لفتت نظر والده ذات ليلة، 

فكان ما كان، وجاء هان تشانغ إلى العالم


لكنه لم يرضَى بحياة عادية تافهة


أراد أن يُثبت للجميع : حتى إن كان ابنًا غير شرعي، 

وإن كانت أمه بائعة زهور، 

فهان تشانغ لن يقل عن أي أحد شأنًا


ولأجل هذا الإيمان ، تحمّل الإذلال والاحتقار ، 

نزف دمًا وركب سلالم الطموح بأظافره


حطّم كبرياء العائلات العريقة تحت قدميه، 

وقطع كل سبل العودة


وبقلبٍ يائس مصمم، 

التحق بنفسه لخدمة يانغ هي الخصي الأقوى في البلاط آنذاك، 

وركع له طائعًا، متخذًا إياه أبًا بالاسم


لم يكن يتوقع أن يانغ هي سيقبله حقًا، 

لكن ذلك الخصي الشاب لم ينطق بكلمة، 

بل اكتفى بالنظر إليه للحظة … ثم شرب من الشاي الذي قدّمه له


ومنذ تلك اللحظة ، صار هان تشانغ الابن بالتبنّي ليانغ هي ، 

و”السيد الشاب الأكبر” الذي يهابه الجميع


استنكرت العائلات النبيلة فعله، 

وعدّوه وصمة عار، لكنه لم يكترث


حين أمسك بمرسوم التعيين بين يديه، 

ابتسم بسخرية باردة


كان ذلك أمرًا بتعيينه في وزارة العقوبات


في اليوم التالي مباشرة بعد أن أصبح “ابن يانغ هي”، دخل الوزارة رسميًا


كل أولئك الذين كانوا أعلى منه رتبة، 

أو الذين ازدرَوه سابقًا، 

صاروا الآن يضحكون له باحترام، وينادونه: “ السيد هان”


وكان ذلك شعورًا رائعًا بالنسبة له


السلطة… كانت شيئًا رائعًا حقًا.


لا عجب أن الناس يولدون ويموتون لأجلها


هان تشانغ قال في نفسه وقتها

سأبلغ أعلى المناصب ، وسأحكم بقبضتي ، 

ليخشاني الجميع في هذا العالم ، 

فلا يجرؤ أحد على التقليل من شأني مرة أخرى 


في السنوات العشر أو نحوها التي امتد فيها نفوذ يانغ هي 

وهيمنته على الدولة ، 

كانت مسيرة هان تشانغ في بلاط الحكم سلسة خالية من العقبات، 

إذ ترقّى في المناصب حتى شغل منصب وزير العقوبات، 

ثم رُقي لاحقًا إلى منصب رئيس الوزراء الأيمن، 

ليشكّل مع رئيس الوزراء الأيسر، شين بينغ لان، توازنًا في 

السلطة ككفتي ميزان


كان هان تشانغ ذكيًا حذرًا، 

خبيرًا في خفايا النفوس، 

يسبح في اسرار المحكمة كسمكة في الماء


رغم أن الألسن خلف ظهره لم تكفّ عن نعته بأنه تابع للخصيان، 

وجلاد متعسّف، 

إلا أن هان تشانغ لم يُلقي بالًا


بل كان يرى في شتائمهم دليلًا على عجزهم، 

دلالة أنهم لا يملكون حياله سوى كلمات فارغة


أما من هذا النوع من الناس، 

فلدى هان تشانغ دائمًا من الأساليب ما يجعلهم يعجزون 

عن فتح أفواههم مجددًا


حين يكون في مزاج جيد يتغاضى، 

لكن إن وصلت تلك الشتائم إلى مسامع تشاو شياودو

فإن ذلك الصبي لن يتمالك نفسه، 

وسيغضب فورًا، عابسًا، ويزم شفتيه بضيق


أدرك هان تشانغ أنه، بعد كل هذه السنين، 

ما زال يتذكّر ملامح تشاو شياودو حين يغضب بدقة لا تصدق


{ لا… ليس تذكّر الغضب فقط ، بل ضحكته ، خجله ، 

تأثره ، 

شروده ، حزنه… 

كل شيء ، كل لحظة ، كما لو أنها كانت بالأمس … 


مع أنه رحل عن ياندو ،،، 

وذهب لحراسة القبر الإمبراطوري منذ ثماني سنوات 


ثماني سنوات مضت …. 


تشاو شياودو كمن لا يكبر أبدًا ، 

يندفع بلا تفكير ، 

يشبه شبل نمر صغير نابض بالحياة … 

مع أنه في النهاية مجرد خصي مبتور … }


هان تشانغ كان يعلم أن يانغ هي كان يثق بتشاو شياودو أكثر منه، 

ويحبه أكثر منه


في البداية، لم يكن راضي


مجرد خصي أخرق متهور، 

كيف له أن يحظى بثقة يانغ هي بسهولة ويُعامل على قدم المساواة معه؟


رغم ذلك، كان هان تشانغ يدرك الحقيقة : 

لو كان مكان يانغ هي ، لربما اختار أيضًا من يُسلّم له حياته بلا تردد


كان تشاو شياودو يحب مناداته بـ”الأخ الأكبر”، 

مرارًا وتكرارًا، يلفظها بخفة وقرب، 

فيها مزيج من الود والاعتماد


و ذلك الصغير كان شديد البخل، 

شغوف بالمال لدرجة الهوس


في إحدى المرات تظاهر هان تشانغ بالغضب، 

فأنفق تشاو شياودو مبلغ كبير ليهديه مروحة مطوية 

مصنوعة من الخشب الأحمر ، قائلًا له:


“ أريد أن أوفر المال لشراء قصر كبير كي يعيش فيه ييفو حين يكبر ، 

قصر كبير جدًا ، 

فيه خدم كثيرون لخدمته .”


ضحك هان تشانغ في سره ساخرًا من سذاجته: 

' هل يحتاج يانغ هي لمن يشتري له قصر ؟ '

لكنه، ومن غير أن يدري ، سأله فجأة :

“ وأخوك الأكبر ؟”


رمش تشاو شياودو بعينيه، ثم قال:

“ أليس لديك منزلك الخاص الأخ الأكبر ؟”


فقال هان تشانغ:

“ أنت تناديني بالأخ الأكبر كل يوم ، 

لكن يبدو أن ذلك مجرد كلمات ، 

وليس في قلبك مكان لي "


فأجابه الصغير متذمرًا :

“ كيف يمكن ذلك؟! لا تقل هذا الكلام .”

ثم نظر إليه باستياء ، وقال بتردد:

“ سأترك لك جناح في القصر… 

إن أردت أن تأتي وتسكن فيه ، فلك ذلك .”


ضحك هان تشانغ حتى غضب، 

ثم قرص خديه حتى احمرّا، 

فبدأ تشاو شياودو يصرخ ويبعد يده، فتابع قائلاً:

“ كُفّ عن ذلك ! 

أحقًا تظن أني أريد ذلك البيت المتهالك منك ؟”


أجاب تشاو شياودو وهو يفرك وجنتيه:

“ قصري لن يكون متهالك …”


ثم، بعد سنوات، أُرسل تشاو شياودو لحراسة القبر الإمبراطوري، 

وأصبح الخصي الحارس هناك، يلتزم مقامه طيلة عمره


وذلك المنصب لم يكن سوى حكم بالنفي…

المنزل الذي يسكنه مهترئ ، 

لا أحد يهتم به ، و تسرب الماء من السقف في المطر، 

يحيط بها شجرتين عناب قديمة مائلة من كثرة العمر


في سنة ما، سكر هان تشانغ حتى الثمالة


لا يدري كيف استبدّ به الحنين، 

فامتطى جواده وسابق الرياح عشرات الأميال، 

حتى وصل وحده إلى المقبرة، 

مترنّحًا، وانهار أمام باب تشاو شياودو وهو ينادي:


“ شياودو افتح الباب !”


خرج تشاو شياودو وهو يرتدي ثيابه بسرعة، 

وقد أيقظه الصخب، وجهه متجهم، 

ونظرته قاتمة وهو يتأمل هان تشانغ الساقط أمامه


نظر إليه هان تشانغ كأن الزمن عاد به إلى الوراء،

فرأى الشاب نفسه… 

ذلك الذي يناديه “أخي” بصوت ناعم، 

يثق به بقلب صافٍ، يُتعبه أحيانًا، 

ثم يعود ويقع في حضنه غاضبًا كقط صغير


اهتزت مشاعر هان تشانغ، 

خرج عن السيطرة

ابتسم له وقال بصوت منخفض:

“شياودو أخوك الأكبر جاء لرؤيتك "


مدّ يده نحوه ، 

لكن تشاو شياودو تراجع خطوة للخلف ، وقال ببرود :

“ هان تشانغ إن أردت أن تعبث بسُكرك ، 

فابحث لك عن مكانٍ آخر ...”

ثم أشار قائلًا بحدة:

“ أتعلم أين أنت ؟!”


عند سماعه اسمه مجرد هكذا ، 

شعر هان تشانغ بألم في صدره ، 

ونظر حوله كالتائه ، تمتم:

“هذا المكان لا يناسبك، 

شياودو … أخوك جاء ليأخذك إلى المنزل .”


أجابه تشاو شياودو بلا مبالاة:

“ هذا هو منزلي . 

أنت مخمور . 

سأرسل من يعيدك إلى منزلك .”


هان تشانغ:

“ منزلك ؟”


كأن شيئًا من وعيه عاد، ثم تلاشى ثانيةً 

قال:

“ شياودو ألم تقل أنك ستترك جناح في بيتك لأخيك الأكبر؟”


تجمد تعبير تشاو شياودو ،، وتعكّرت ملامحه ببعض التعقيد، 

وظل يحدّق في هان تشانغ صامتًا ، ثم قال:

“ عُد إلى حيث أتيت "


نظر هان تشانغ إليه، وسأله:

“ ألستَ بحاجة إلى أخيك الأكبر بعد الآن؟”


تبادلا النظرات… 

هو ينظر إليه، وهو ينظر إليه، ولم يتكلم أحد


ثم قال تشاو شياودو :

“ لم أعد بحاجة إليه "


هان تشانغ:

“ ألم تكن تحب أخاك الأكبر؟”


ردّ قائلًا:

“ لم أعد أحبه "

ثم نظر إليه بنظرة باردة قاسية وتابع :

“ السيد هان ، عد من حيث أتيت . 

هذا مقام مقدّس . 

لا تُزعج راحة ييفو وجلالة الإمبراطور . 

وإن تماديت، فلا تلمني إن استخدمت القوة .”


ثم أغلق الباب مباشرةً ——-


في تلك اللحظة ، صحا هان تشانغ من سُكره تمامًا


وقف ينظر إلى الباب المغلق، 

وبعد لحظة قصيرة، 

انطفأ المصباح داخل الغرفة، 

وعاد العالم إلى ظلامه الكامل.


رفع يده، وضغط بها على صدره، 

أغمض عينيه، ثم عدّل من وقفته، واستدار، 

وخطى خطوة إثر خطوة عائدًا في ظلمة الطريق الذي جاء منه


في خلال ثماني سنوات، 

لم تتعدَّ لقاءاتُ هان تشانغ و تشاو شياودو أصابعَ اليد الواحدة 


كانا، فيما مضى، قريبين إلى حدٍّ بدا فيه أن زلةَ قدم واحدة 

كفيلة بأن تجمعهما لعمرٍ بأسره


لكن العمر طويل، طويل بما يكفي ليصحو هان تشانغ من 

غمرة الحب، 

ويعود إلى واقعه، إلى طموحاته في السُّلطة، 

إلى عهوده التي قطعها على نفسه


وفي النهاية، كان هان تشانغ هو من تخلّى عن تشاو شياودو


حين ارتبط هان تشانغ بابنة رئيس الوزراء السابق ، 

لمّا خطر تشاو شياودوه في باله ، 

شعر بشيء من الذنب ، بشيء من التردّد والرفض ، 

فقال لنفسه { لا بأس ، لنؤجّل الأمر ، فالسنوات قد مضت ، 

فما الضرر في المزيد ؟ }


لكن في العامين الأخيرة ، تدهورت صحة يانغ هي ،

والإمبراطور لم يعد يعير شؤون الحكم اهتماماً


ورغم أن السطح بدا هادئ ، 

إلا أن التيارات الخفية كانت تعصف في باطن البلاط


شين بينغ لان و هي تشياو ليسا ممن يُستهان بهما، 

وحتى جي ياو الذي كان يمثل كفّة التوازن ، 

ما إن تهاوى حضوره ، حتى اختلّت الكفّة كلّها


و هان تشانغ لم يكن ليرضى بأن يُزجّ به في مأزق مثل هذا


ثمّ فكر { هل يُعقل أن نستمر هكذا طوال الحياة ؟ 

أنا و تشاو شياودو كلّ في طريق ، لا تقاطع بيننا ؟ }


في البدء ، ظن هان تشانغ أن تشاو شياودو بطبيعته النارية، 

سيشتبك معه، سيغضب، 

سيجعل الأمر معركة، لكن الأخير، لم يسأله إلا مرة، وحين 

سمع الجواب، انسحب بهدوء


ذاك الفراغ الذي خيّم على قلب هان تشانغ ، كأن جزءًا عزيزًا 

من روحه قد انتُزع، لن يُعَوَّض أبدًا


حتى يانغ هي لم يوجّه إليه لوماً أو مساءلة


وفي ما بعد ، تزوّج هان تشانغ بابنة رئيس الوزراء العجوز، 

وكانت فتاة هادئة، وديعة، 

يمدحها أهل العاصمة، 

ويصفون زواجهما بأنه زواج مثالي، كُتب له النجاح


في ليلة الزفاف، بعد أن أدّيا طقوس الزواج، 

وحين رفع هان تشانغ الغطاء الأحمر عن وجه العروس، 

وتلاقت عيناه مع وجهها الخجول المتورّد، 

شرد ذهنه، وارتسمت في خاطره صورة تشاو شياودو


تذكّر تلك السنة التي ذهبا فيها إلى شرق البحر للقضاء على قطاع الطرق


كانا وقتها ما يزالان في طور التودد، و ذات يوم، 

كان هناك موكب زفاف، 

عروس جديدة بمهر يمتد عشرة أميال، 

أهازيج وفرح يملأ الأفق


الأزهار تُنثر في الطرقات ، 

وقد تساقط بعضها على رأس تشاو شياودو ،

حتى أن ورقة حمراء استقرت على أنفه ، ثم هبّت الرياح ، 

فحملت منديل نسائي سقط من إحدى العربات ، 

وسقط فوق رأسه


ضغط هان تشانغ على المنديل، وابتسم مازحًا:

“ شياودو هل تحلم بأن تكون عروسًا اليوم ؟”


هزّ تشاو شياودو رأسه غاضبًا، محاولًا إبعاد يده، 

وتمتم:

“ من يريد أن يكون عروس ؟”


فقال هان تشانغ ضاحكًا:

— “ أنت، بهذا المنديل الأحمر تبدو كعروس تمامًا .”


تشاو شياودو بحدة :

— “ أنا رجل! 

أي رجل يصير عروس ؟”


فهمس هان تشانغ :

— “ عروس أخيك الأكبر ، ترضى ؟”


تلعثم تشاو شياودو وانكمشت أصابعه 

حول ذراع هان تشانغ 

وانخفض صوته خجلًا وهو يتمتم:

— “ لا أرضى ، أنت تستغلني .”


ضحك هان تشانغ ، ثم أسقط المنديل عن رأسه، 

وفي تلك اللحظة، كان تشاو شياودو مطأطئ الرأس، 

وما إن أحسّ بالحركة، حتى رفع عينيه، 

وتلاقت نظراته مع هان تشانغ


نظرة بلقاء نظرة ، 

وسط صخب الاحتفال ، 

تحت شمس دافئة وعبير الأزهار ، 

فاض قلب هان تشانغ بالخفقان ، 

وحين أدرك ما يحدث ، كان قد انحنى بالفعل ، 

وشفتاه قد لمست شفتَي تشاو شياودو


انتفض تشاو شياودو ، صرخ بحدة وهو يضع يده على فمه، 

احمرّت أذناه وعنقه، 

كأنه قطّ دُهس على ذيله، يتلفّت بذعرٍ في كل اتجاه


هان تشانغ سعل بإحراج ، 

وفتح المروحة ، وتظاهر بعدم الاكتراث ، ثم قال:

— “ لم كل هذا الصراخ ؟”


قال تشاو شياودوه و ما زال يغطّي فمه:

— “ ما الذي تفعله؟ 

نحن في الشارع !”


فردّ هان تشانغ بخبث:

— “ تعلم أننا في الشارع ، ومع ذلك تصرخ بهذا الصوت العالي ؟”


فغضب تشاو شياودو :

— “ أنت من قبلني أولًا !”


وما إن تفوّه بتلك الكلمات ، 

حتى انصبت عليهما الأنظار ، 

فتجمد هان تشانغ في مكانه ، 

ورفع المروحة ليغطي وجهه، متنهّدًا بأسى


أما تشاو شياودو فقد أمسك بيده وهرب به من المكان ، 

كأنهما اقترفا خطيئة علنية


… ثم عاد الشمال برياحه ، كالسكاكين تلسع الوجه ، 

ومعها صوت خطوات واضحة ، متزنة ، 

يعرفها هان تشانغ جيدًا — إنها خطوات حرّاس الظل


كم أمرهم باعتقال الآخرين ، 

ولم يكن يتصوّر أن يأتي يوم ، يدخلون فيه قصره ، 

ويصوّبون نحوه سيوف “شيوتشون” المهيبة


قلب هان تشانغ ظل هادئ ، لكنه في تلك اللحظة ، 

تذكّر عام حين سأله يانغ هي : 

— “ هان تشانغ، طوال هذه السنين… هل ندمت؟”



تجمد هان تشانغ فـ يانغ هي لم يكن رجلاً يفيض بالعاطفة، 

وبينهما، رغم علاقة الأبوة والابن بالتبني، 

لم يتجاوز الأمر حدود المسؤول والمرؤوس


لكن هان تشانغ كان فطنًا ذكي ، وفهم مقصده


ركع أمامه ، وقال بنبرة لا تحتمل شكًّا :

— “ ييييفففووو ، هان تشانغ… لم يندم قط.”


حدّق يانغ هي إليه طويلًا، وهو مستند على الأريكة الحريرية، 

وقد أسند يده النحيلة على اللحاف المطرز


رفع يده قليلاً، خمس أصابع طويلة نحيلة ، 

وكأنها قابلة للكسر ، 

لكنها مع ذلك قبضت لسنين طويلة على مصير عدد لا 

يحصى من شعب نان يان


قال يانغ هي بصوت هادئ:

“ لقد أمسك والدك بالتبني على السلطة طيلة حياتين . 

صحيح أن السلطة مغرية ، 

لكنني الآن أرى أن هناك أشياء أخرى ، مقارنةً بها ، أغلى بكثير .”


اتسعت عينا هان تشانغ، 

وظلّ يحدق بيانغ هي بذهول


وجه يانغ هي شاحب ، ونظرته هادئة ، 

تعكس سكينة وهدوء عميق


كلمات كهذه لم تكن لتخرج من فم يانغ هي في الماضي، 

مما أذهل هان تشانغ بشدة حتى أنه لم يلاحظ لفظ عبارة “حياتين”، فنادى عليه بخفوت:

“ ييفو …”


ابتسم يانغ هي قليلًا وقال:

“ الناس يقولون إن السلطة كالسحاب العابر ، 

بالنسبة لهذه المقولة فيها بعض الصواب وبعض الخطأ . 

هان تشانغ، لقد ناديتني بـ(ييفو) طوال هذه السنوات، 

فدعني أقول لك أمرًا ، إن شئت فاسمع ، وإن شئت فاترك .


حين أموت ، غادر يان ، وإن كنت لا تستطيع ، 

فاعتنِي بـ شياودو ما حييت ، واعتبر ذلك دَينًا ترده إليه .”


اهتز قلب هان تشانغ قليلًا، 

ونادى عليه مجددًا:

“ ييفو …”


ثم تراجع خطوتين، وركع على الأرض، 

وقرّب جبهته منها في سَجدة ثقيلة، 

وقال بصوت خافت:

“ مفهوووم ييفو "


————————————-



بعد تولي الإمبراطور الجديد العرش، 

تم تعيين هان تشانغ وشينغ بينغ لان وهي تشياو وقو شينغ 

يان كوزراء مساعدين في الحكم بأمر من البلاط


كان الإمبراطور الجديد أحد أمراء العائلة الإمبراطورية في نان يان، 

عاديّ لا يلفت الانتباه


عندما أصدر جي ياو الأمر باستدعائه من إقطاعيته إلى العاصمة، 

ارتعد هلعًا وبدأ يُرسل التقارير يعلن فيها عن تواضع 

مؤهلاته وعدم استحقاقه لهذا المنصب، 

لكن جي ياو لم يُعر تلك التقارير اهتمامًا


ففي تلك الأيام ، لم يكن جي ياو يعبأ بشيء ، 

وترك تعيين أربعة وزراء مساعدين ليتقاسموا الحكم كان 

آخر ما فعله من باب الرحمة بهذا العرش


لكنّ الأمور لم تدم على حالها، 

فالإمبراطور الجديد لم يكن جي ياو، ومع رحيل يانغ هي، 

خرجوا حزب الخصيان عن السيطرة


فالإمبراطور لا طموح له ولا حيلة ، ولا سند له في البلاط 


ومع أن هي تشياو وشينغ بينغ لان بذلا جهدهما في دعمه، 

إلا أن هذا الامبراطور الجديد بدا كدمية بيد الآخرين، 


حتى انتهى الأمر إلى أن سقطت مقاليد الحكم بين يدي 

الوزراء الأربعة ، 

وازدادت حدة الصراعات بين الحزبين في البلاط


في البداية ، كان الإمبراطور يثق كثيرًا بهي تشياو وشينغ بينغ لان، 

لكنه كان معتادًا على حياة الفراغ والخمول، 

غير مؤهل لحكم بلد، 

ومع مرور الوقت انشغل بجنون بفكرة الخلود


هنا، تملّق هان تشانغ مايهواه هذا الامبراطور ، 

حتى تلاشى تأثير هي تشياو وشينغ بينغ لان تدريجيًا من قلبه ——


في تلك السنوات ، اشتد الصراع بين حزب الصفوة وحزب الخصيان ، 

أشد حتى من بدايات عهد جي ياو


وكان هان تشانغ في قمة نفوذه، 

ينعم بثقة الإمبراطور المطلقة، 

محتلاً أرفع المراتب، ومهابًا في أرجاء الدولة


وفي السنة الخامسة ، بدأت الأصوات تعلو بإعادة التحقيق 

في القضايا القديمة ، 

وكان واضح أن الاستهداف موجه مباشرةً نحو حزب الخصيان، 

وتوالت المطالبات بمحاسبتهم كالسيل العارم، 

وكأن جبل جليد على وشك الانهيار، 

وامتد أثرها ليصل إلى تشاو شياودو المقيم في ضريح الأباطرة


ثار غضب هان تشانغ حينها


كان يعلم أن كل هذا مخطط له منذ زمن، 

وكل السهام موجهة إليه


طوال هذه السنوات، 

لم يخطُو تشاو شياودو خطوةً واحدة خارج الضريح


زاره هان تشانغ من بعيد عدة مرات، 

أحيانًا يراه يتسلق شجرتي زعرور ملتويتين ليقطف الثمار، 

وأحيانًا يراه يكنس أوراق الخريف المتساقطة أمام بوابة الضريح


حتى الشطرنج تعلمه، رغم أنه كان دومًا عجول ضيق الصدر 

لا يطيق الجلوس طويلاً


في إحدى زيارات هان تشانغ، 

رآه يجلس في ساحة الفناء، 

و قد نصب رقعة الشطرنج يلعب بها وحده، 

رقاقات بيضاء وأخرى سوداء ، 

وعلى طرف الرقعة وُضعت صحنٌ به فواكه مجففة


تلك كانت عادة جي ياو — ذلك الإمبراطور الذي كان يعشق الحلوى، 

وكان كلما لعب الشطرنج مع يانغ هي، 

يضع بجانبه طبقًا من الفاكهة المجففة، 

فيلتقطها بأصابعه الملطخة بالسكر ويُطعمها ليانغ هي


وكان يانغ هي يعبس وقتها مستغرقًا في التفكير، 

وكأنه ضاق به ذرعًا، لكن بمرور الوقت، ما إن يمد جي ياو 

يده، حتى يفتح يانغ هي فمه تلقائيًا، 

رغم أنه لا يتوقف عن التذمر من طعمها الحلو


وفي النهاية، أصيب جي ياو بوجع في أسنانه دام طويلًا، 

وسخر منه يانغ هي كثيرًا بسببه


لكن كل ذلك أصبح من الماضي


في غمرة الذكريات، 

بدا تشاو شياودو كأنه لم يكبر قط، 

ما زال ذاك الفتى البريء الصادق، السعيد، 

الذي يركض حول أبيه وأخيه بالتبني لينشر بهجته


هان تشانغ لن يسمح لأحد أن يمسّ تشاو شياودو بسوء

فهو قد وعد يانغ هي، أن يحميه جيدًا


في البلاط ، بدأ البعض يرفعون اتهامات ضده ، 

قائلين إنه خلال حياة يانغ هي، قتل أبرياء بغير وجه حق. 

غضب هان تشانغ بشدة، وفجّر نوبة من الغضب في مكتبه


لاحقًا، وضع خطة، وبعد أن خرج المستشارون واحدًا تلو 

الآخر من مكتبه، 

رفع رأسه فرأى زوجته تقف عند الباب تحمل بيدها وعاء من الحساء


لقد مرّ على زواجهما سنوات طويلة ؛ 

الفتاة التي كانت يومًا شابة أصبحت الآن امرأة ناضجة، 

ترفع شعرها بتسريحة السيدة المتزوجة، 

رصينة وهادئة الملامح، وقالت بهدوء:

“ زوجي، لقد أعددت لك حساء الجينسنغ "


ضغط هان تشانغ على جبهته وقال:

“ أشكر تعبك يا سيدتي. 

هذه الأمور يمكن تركها للخدم .”


كان هذا أسلوبهما المعتاد ، الاحترام المتبادل دون تقرب زائد


وضعت الحساء على الطاولة، 

ونظرت إليه وهمست بصوت رقيق:

“ قال المعلم اليوم إن أداء ابننا تانغ في دروسه قد تحسّن كثيرًا "


أجاب هان تشانغ شارد الذهن:

“ أحقًا ؟”


قالت:

“ لقد وعدته منذ فترة ، إن تحسّنت دراسته ستأخذه لركوب الخيل . 

وقد ظلّ يردد هذا الأمر طوال اليومين الماضية .”


هان تشانغ:

“ عندما أنتهي من انشغالاتي هذه الأيام .”


نظرت إليه، ثم فجأة رفعت يدها كما لو أرادت أن تلمس حاجبيه العابسين ، 

لكنه رفع عينيه نحوها، 

فما كان منها إلا أن أنزلت يدها بهدوء، 

وتظاهرت بعدم فعل شيء، 

وقالت بصوت منخفض:

“ زوجي ، اشرب الحساء وهو لا يزال ساخنًا "


وعندما وصلت إلى الباب ، 

قالت فجأة :

“ زوجي ، هل تشاو شياودو هذا هو الشخص الذي تناديه حتى في أحلامك ؟”


تجمّد هان تشانغ في مكانه ، 

لكن زوجته كانت قد غادرت بالفعل


بدا وكأن هناك خيوط من الدموع تلمع في عينيها وهي تدير وجهها



حملة التفتيش والاعتقال التي يقودها حرس الظل دائمًا حاسمة وسريعة


نزل هان تشانغ من العلّية ، و قائد الحرس بنفسه من يقود الفريق ، قال له باحترام:

“ سعادة الوزير هان ، نعتذر ، سنضطر للقيام بواجبنا .”


نظر هان تشانغ إلى أفراد عائلته دون أن يظهر عليه اضطراب


زوجته تحتضن تانغ الصغير، 

تُهدّئ الطفل بهمسات دافئة، 

بينما وقفوا الخادمات خلفهما بوجوه شاحبة خائفين


اقترب هان تشانغ، وجثا أمام ولده تانغ، الذي لم يتجاوز 

السابعة أو الثامنة من العمر


ملامحه تشبه هان تشانغ كثيرًا، 

لكن عيناه أخذت رقّتهما من أمه، ناعمتان دافئتان


حاول الصغير التماسك، 

فاقترب من أمه وهو ينظر إلى والده بعينين لامعتين، 

ثم بصوت خافت:

“ أبي…”


مدّ هان تشانغ يده، وربّت على رأسه وقال:

“ هل تخاف؟”


هزّ الطفل رأسه وقال بصوت خافت:

“ تانغ لا يخاف "


ابتسم هان تشانغ، 

ومرر إبهامه على خد ابنه البارد وقال:

“ ولد شجاع "


ثم وقف، ونظر إلى زوجته


منذ أن طرحت عليه ذلك السؤال قبل ثلاث سنوات، 

صار بينهما نوع من الغربة والفتور


قبل شهر، حين أيقن هان تشانغ أن انهيار ' الجبل الثلجي' بات حتميًا، 

ولا مجال بعده للنجاة، 

كتب بيده وثيقة الطلاق، 

وطلب منها أن تأخذ الطفل وتغادر


كان والدها وزير الدولة السابق، 

رجل له تلاميذ كثر وسمعة كبيرة، 

رغم تقاعده، إلا أن حمايته لهما كانت كافية لتأمين سلامتهما


كان هان تشانغ قد خطط لكل شيء، 

لكنها لم تقل أي كلمة، 

بل مزّقت وثيقة الطلاق أمامه، 

ورفعت ذقنها بكبرياء، نظرتها تعكس عنفوان النبلاء، 

عنادًا وضعف ممزوجين بإصرار صلب


قالت بصوت خافت:

“ زوجي، منذ اليوم الذي تزوجتك فيه لم أفكر قط في أن أغادر "


سألها هان تشانغ:

“وماذا عن تانغ؟”


احمرّت عيناها قليلًا، وبعد فترة صمت، قالت:

“ لا يمكنني أن أدع تانغ يعيش عمره كله حاملاً هذه التهمة، 

متخفيًا في ذلّ "


ظلّ هان تشانغ صامت ، يحدّق فيها بذُهول، 

ثم رفع يده بلطف، ومسح دموعها ،

ولأول مرة، همس قائلًا:

“ أنا آسف "


هان تشانغ تسلّق سلم المناصب من الوزارة الجنائية درجةً درجة، 

و يعرف سجونها عن ظهر قلب


حين جلس فيها الآن، 

لم يشعر بشيء، وكأن قلبه صار حجرًا لا يضطرب


قضى حياته كلها يُراوغ ويُخطّط من أجل النفوذ، 

يحسب لكل خطوة ألف حساب، 

ومع ذلك، انتهى به الأمر إلى لا شيء


كان يانغ هي قد قال له ذات مرة:

“ غادر عاصمة يان "

ويفكّر الآن… ربما كان يانغ هي قد توقّع ما سيحدث هذا 

اليوم، وأراد أن يُنقذه في اللحظة الأخيرة


لكنّه كان عنيد ، مستمر في الطريق حتى نهايته، 

مُصمّم على أن يعيش من أجل السلطة، ويموت من أجلها


وفي الحقيقة، ذلك النفوذ الذي ظلّ يلاحقه طوال عمره… قد ناله

كل من أهانوه يومًا، 

سحقهم جميعًا تحت قدميه، 

بل وبذراعيه أعاد مجد أسرته من تحت الأنقاض


من الذي لم يمدحه ؟


هان تشانغ لم يكن نادمً


في يوم إعدامه ، لم تكن العاصفة الثلجية قد هدأت بعد


الثلج والرياح حجبت الرؤية وهو يُقتاد إلى منصة الإعدام


من حوله حشدٌ من الناس ، 

واقفين تحت مظلاتهم يراقبون نهايته


رفع وجهه، فسقطت ندفة ثلج في عينه ، 

بردها نفذ إلى العظم


جال ببصره بين الوجوه، 

كلها كانت غريبة عليه


فكّر

{ ربما هذا أفضل …

ليت تشاو شياودو لا يأتي ،

فلو رأى حالي هذه ،

لا بُد أن قلبه سيعتصر بالألم طويلًا } 


تشاو شياودو رغم مظهره الحازم ، 

إلا أنه رجل وفي، لا ينسى ، وقلبه لينٌ على أحبّته


هان تشانغ، الذي كان يومًا في قمّة المجد،

لم يجد اليوم من يودّعه ولو بكأس نبيذ أخير


ومع ذلك، كان قلبه ساكن هادئ ——

ساكنًا لدرجة أن الموت لم يكن يبدو موت


بل فكّر فقط 

{ في الحقيقة… لم أكن وحدي تمامًا …


على الأقل، هذه العاصفة الثلجية جاءت تودّعني 


وحين تنقشع هذه العاصفة ،

سيكون لهذا العالم وجهٌ جديد }


هان تشانغ، الذي قضى حياته ببرودٍ وخيانة ، 

وأسقط كثيرين في سبيل طريقه ،

لم يُحقّق إلا ذاته ،

وما أراده… قد ناله 


طلب الفضيلة ، فنالها 


هان تشانغ لم يندم


أما إن كان ما فعله يستحق ، 

أو كان صوابًا أم خطأ،

فذلك… ليس لأحد أن يُقيّمه


ارتفعت الشمس في السماء،

وسقط لوح تنفيذ الحكم


أغمض هان تشانغ عينيه


و الثلج… قد ازداد غزارة ——


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي