Extra20 | IDNWTAM
Ch76 : قليلاً… قليلاً
ظلّ يانغ هي وجي ياو يتنازعان القوى لقرابة عقد ونصف من الزمن،
منذ ما قبل أن يرتقي جي ياو العرش،
وحتى بعد أن أصبح إمبراطور ،
كانا كالنقيضين،
تيار القصر الإمبراطوري من جهة،
وحزب الخصيان من جهة أخرى،
بينهما شدّ وجذب، صراع ظاهر وباطن
ورغم أن الناس يقولون إنه صراع سلطة،
إلا أنه في عيني جي ياو… لم يكن يختلف عن مغازلة ~,
شتاء تلك السنة طويل على نحو استثنائي،
والربيع تأخر مجيئه،
الثلوج هطلت بغزارة،
مسببة فيضانات كارثية في أرجاء المملكة،
حتى عاصمة يان غمرتها الثلوج ثلاثة أيام متتالية
أمام هذا البلاء الطبيعي،
لم يكن لجلالة الإمبراطور وقتٌ لمسامرة يانغ هي أو التمتع
بمنظر الثلج،
بل أمضى أيامه في قاعة الكتابات الإمبراطورية،
منشغلًا بتدبير شؤون الإغاثة في المقاطعات،
حتى اطمأن لسير الأمور، فتنهد تنهيدة خافتة
كارثة الثلوج أمرًا جللًا ، وقد تهدد استقرار الدولة برمتها،
فكان عليه أن يتعامل معها بحذر بالغ
فرك جي ياو ما بين حاجبيه،
وأصابعه قد بدأ يعتريها الألم
حين كان صغير ، عانى أعوام في القصر البارد،
ومع حلول كل شتاء،
كانت يده تُصاب بالتقرحات من شدة البرد،
وأحيانًا تتقرّح حتى تتعفن
حتى التقى بيانغ هي، ومنذئذ صار يعتني به كل شتاء،
ولم تُعاوده تلك القروح منذ زمن بعيد
لكن يبدو أن برد هذا العام تجاوز كل حد،
فأيقظ فيه العلل القديمة،
وأحس كأن التقرحات على وشك أن تعود
ضمّ جي ياو كفّيه معًا،
يفرك أصابعه لينشّطها،
ولم يُطل الجلوس في قاعة المكتب،
بل قصد جناحه مباشرة
لقد صار يانغ هي خلال هذه السنوات أكثر ثقة واطمئنانًا تجاهه
وليس جي ياو وحده من لاحظ ذلك،
بل حتى الوزراء الماكرون في البلاط قد استشعروا تراجع
قبضة يانغ هي،
ومنهم شاب طموح رُقّي مؤخرًا إلى رتبة مساعد وزير في
وزارة الشؤون المدنية،
وقد بعث بمذكرة إلى الإمبراطور،
صاغها بأسلوب مراوغ ينطوي على اختبار،
مفادها أن ' حزب الخصيان سيظلّ مصدر شؤم ويجب اجتثاثه '
وجد جي ياو ذريعة ونفاه إلى إحدى الولايات النائية
لقد تحسّن مزاج الإمبراطور في هذه السنوات،
وخفّت حدة دمويته ، ولم يعد كالسابق
في طريق عودته إلى القصر ، فكّر في يانغ هي
فمع أن الأحوال كارثية،
إلا أن يانغ هي كان يرافقه في قاعة الكتب حتى قبل أيام،
ولكن بعدما رتّبت الأمور، واشتدّ البرد، لم يعد يخرج كثيرًا
همس لنفسه { جيد … ولكن ليس جيداً أيضًا }
في الماضي، كان يانغ هي شديد الحذر،
يخشى أن يُستدرج إلى حيلة او توريط ،
ويفكر مرارًا قبل كل خطوة ،
خصوصًا في السنوات الأولى من جلوس جي ياو على العرش
ولطالما استمتع جي ياو بإزعاجه،
فقد كان هذا الخصي المُهاب أشبه بقطة بريّة التُقطت من العراء،
تمشي وسط الرياح والثلوج،
وما إن تدخل أرضًا جديدة حتى تنكمش وتحدب ظهرها،
شديدة الترقب، شامخة الكرامة
وكان جي ياو يتعمد إلى مضايقته من حين إلى آخر،
فيُعض إصبعه أو يُخمش وجهه،
لكنه لم يكفّ عن ذلك،
حتى ظنّ يانغ هي أن الإمبراطور مصاب بعلّة مستعصية لا
يقدر حتى الطبيب الإمبراطوري على تشخيصها
أما اليوم، فقد غدت القطة البرية مدللة،
أُنهكت مخالبها، وتلاشت أنيابها في قبلة،
فشعر جي ياو بشيء من الرضا…
لكنه أيضًا شعر بشيء من الحنين
لقد توقف يانغ هي عن معاندته
وما إن دخل جناح النوم،
حتى شمّ رائحة الخمر الدافئ
يانغ هي يُسخّن الخمر،
وتشاو شياودو جالس على الأرض بالقرب منه،
قال شيئًا فضحك يانغ هي بخفة ، وارتشف رشفة أخرى
فلما رأى تشاو شياودوه الإمبراطور،
قام وانحنى بأدب ثم انسحب
نظر جي ياو إلى يانغ هي الذي التفّ برداء ثقيل،
كان يكره البرد،
وما إن يشتد الشتاء حتى تتضاعف طبقات ملابسه
تنهد جي ياو وقال:
“ يا لحالي ،
أُعاني في قاعة الكتب بين الأوراق والثلوج ، وأُلاقي البرد
والتعب، أما الوالي العظيم … فهو هنا يحتسي الخمر مع الآخرين !”
اقترب منه وهو يقول ذلك،
فحاول يانغ هي أن يبتعد عنه من برده،
لكن جي ياو لم يسمح له،
فدفعه حتى عانقه إلى صدره،
وعانقه كما لو أن يانغ موقد ،
ولم يكتفي و قبض على خصره الدافئ بلطف
لم يردّ يانغ هي بشيء،
بل نهض وسكب له كأسًا من الخمر وقال:
“ تذوّقه … لا يزال دافئ .”
ارتشف جي ياو الخمر من يد يانغ هي،
يردّد في نفسه لفظ ' لا يزال دافئ '
وكأنّ فيه شيئ من الدلال،
فابتسم بعذوبة وهو يأخذ الكأس من يده
الشراب دافئ ، يلامس الصدر كأنّه يسكبه سَكْبًا في القلب،
يُذيب البرد الكامن في العظام،
ويسري في الجسد دفئًا لطيفًا،
حتى شعر وكأن الحياة دبّت فيه من جديد
لقد كان الخمر دافئ بحق
فما إن أنهى جي ياو ترتيب شؤون الإغاثة،
حتى أبلغ الخصي يانغ هي أن جي ياو انتهى من عمله ،
فأمر يانغ تشاو شياودو بتسخين الخمر بتمهّل
جلس الاثنان بجوار النافذة ،
يتبادلان الخمر على مهل،
رشفة هنا وكلمة هناك،
بلا ترتيب ولا حاجة إلى حديثٍ مكتمل
ومع كل قطرة خمر،
تلاشت تلك الغصة الغامضة التي كانت تخيم على قلب جي ياو،
و حلّ محلّها امتلاء دافئ،
إحساسٌ بالرضا والسكينة،
كأن قلبه امتلأ حتى آخره وهدأ
في لحظة شرود، أدرك فجأة… أن أكثر ما يُربكه في تغيّر يانغ هي،
ليس توقفه عن المعارضة أو الجدال، بل شيءٌ أعمق
ان يانغ هي لم يعد يعارضه
وجي ياو لم يكن يومًا يخشى أن ينازعه يانغ هي على السلطة
بل على العكس، كان يعلم أن يانغ هي، لو شاء، لانتزع الكثير
لكنه لم يخشَى ذلك، لأنه كان يثق به، ويراه شريكًا لا خصمًا
ما يخشاه جي ياو حقًا… هو أن يتوقّف يانغ هي عن الرغبة
إن لم يعارضه ، إن لم يُجاذبه القوة ،
إن لم يبذل جهده…
فماذا يبقى له ليمنحه؟
إذا لم يكن ليانغ هي مطالب، فبمَ يُرضيه هو؟
هذا ما كان يخيفه حقًا ——
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق