Extra5 | حبيبي يأتي ليرى العشب على قبري
عام جديد
نسيم الصباح عليل ،
يتسلل بنعومة إلى جناح النوم ،
حاملاً معه برودة خفيفة بينما تتناثر أشعة الشمس
المتقطعة بين طيات الستائر
غو لانغ قد دفن نصف وجهه في السرير ،
يتأرجح بين النوم واليقظة ،
حين شعر بأنفاس رقيقة تمرّ على وجنته ،
تثير بها دغدغة خفيفة
تحركت جفونه قليلاً ، ثم فتح عينيه بتكاسل ،
ليقع بصره مباشرة على وجه مورونغ يان القريب جداً منه،
مستنداً إلى حافة السرير وهو ينظر إليه مبتسماً
بصوت خافت :
“ استيقظت ؟”
رمش غو لانغ بعينيه ببطء ،
ثم مدّ يديه ليضم وجه مورونغ يان نحوه وسأله:
“ ألم تقل إنك ذاهب لمقابلة الوزير لين ؟”
كان قد سمعه فجر اليوم وهو ينهض بخفة من السرير قائلاً
إنه ذاهب لمقابلة وزير الطقوس طالباً منه أن يواصل نومه لبعض الوقت
فمع اقتراب نهاية العام ، كان الوزير لين منهمكاً حتى الإرهاق ،
يركض كل يومين إلى القصر ليشرح لولي العهد تفاصيل
طقوس تقديم القرابين للسماء ،
خشية أن يقرر ولي العهد فجأة استبدال الطقوس بتحضير
الحبوب الذهبية في الفرن
ابتسم مورونغ يان وهو يُبعد خصلات الشعر عن جبين غو لانغ وقال:
“ قلت له نبقي كل شيء ببساطة .
لا نريد أن نرهق الرجل العجوز حتى يظن أنني أتعمد إرهاقه .”
هذا أول عام يقضيه غو لانغ في القصر،
ومع أنه لم يعش تجربة طقوس العام الجديد الملكية من قبل،
إلا أنه سمع عن مدى تعقيدها وإرهاقها ،
وإصرار مورونغ يان على التبسيط لم يكن فقط من باب الشفقة على الوزير ،
بل كان أيضاً بدافع رغبته في أن يجعل غو لانغ يشعر بالفرح
في أول احتفال له في القصر ،
لا أن يرهقه التعب والطقوس المملة
وربما ، كان السبب الأعمق أن جنود الحدود لم يعودوا بعد
من حملتهم نحو الشمال ،
و يواجهون الرياح والأمطار ، والعام الجديد قد حلّ،
لكن لم تكتمل لمّتهم مع عائلاتهم بعد
شعر غو لانغ بانقباض في صدره،
ونظر إلى مورونغ يان قائلاً:
“ إذاً… لن تُقام طقوس السماء ؟”
أومأ مورونغ يان برأسه:
“ صحيح، لكن ليلة رأس السنة سنذهب إلى المعبد
الإمبراطوري لنقدّم الطقوس للأجداد .
بعد أن نكمل الركوع ثلاث مرات والتسع سجدات ،
عليك أن تقبّلني .”
تجمّد غو لانغ في مكانه:
“ ماذا ؟”
قال مورونغ يان بوجه لا يعرف الخجل :
“ هكذا قال الوزير لين ، إنها جزء من الطقوس .”
غو لانغ: “……” { هذا بالتأكيد من تأليفك ، أليس كذلك؟ }
أضاف مورونغ يان قائلاً وهو يلاحظ تعابير عدم التصديق على وجهه:
“ صدقني ، إن لم تصدقني فاذهب واسأله بنفسك .”
تردد غو لانغ للحظة ،
ثم سحب البطانية ليغطي رأسه قائلاً :
“ لا أريد "
مورونغ يان وهو يضحك :
“ حسناً ، لن تسأله إذاً ”
ردّ غو لانغ وهو يزيح البطانية قليلاً:
“ ليس هذا ما أعنيه…”
أجابه مورونغ يان :
“ لا بأس ، أعلم أنك خجول ،
خصوصاً في الأماكن العامة ، ولا تجرؤ على تقبيلي أمام الآخرين .
لقد أخبرت الوزير لين أنني لا أريد أي شخص في المعبد أثناء الطقوس،
باستثناء والدي الإمبراطور .
وهو اعتاد على ذلك… آي…”
قبل أن يُكمل حديثه ، كان غو لانغ قد التقط الوسادة ورماه بها:
“ كُفّ عن هذا الكلام !”
{ أي عادة هذه التي يتحدث عنها؟
من هو الذي لا يستطيع التصرّف بوقار أمام الإمبراطور
ويمضي يومه بالتصرفات الطائشة ؟! }
ضحك مورونغ يان وهو يعانق الوسادة وقال:
“ حسناً ، لن أقول شيئاً بعد الآن ،
لكن لا بد من أداء الطقوس ، ويجب أن…”
قاطعه غو لانغ ببرودة :
“ لن أقبّلك "
مورونغ يان بإصرار:
“ هذا لا يجوز ، فهي من الطقوس .”
{ هرااااء ! } شعر غو لانغ بالغضب،
فنهض من السرير وهو يزيح البطانية عنه بعصبية
{ أي طقوس هذه التي تتضمن قبلة أمام الأجداد ؟
هل يُعقل أنهم يحبّون رؤية هذه المشاهد الحميمية ؟! }
بلّل المنشفة وبدأ يمسح وجهه،
فاقترب منه مورونغ يان من الخلف وعانقه قائلاً بتنهيدة طويلة:
“ وأنا أيضاً أريد أن تمسح وجهي "
قال غو لانغ:
“ ألم تمسح وجهك في الصباح ؟”
ثم، رغم اعتراضه، بلّل منشفة أخرى وبدأ يمسح وجهه
مورونغ يان:
“ هل رأيتني أفعل ذلك ؟”
استغرب غو لانغ:
“ رأيت ماذا ؟”
أجابه مورونغ يان بوجه جاد :
“ دموعي التي غمرت وجهي…”
غو لانغ: “……”
…..
ورغم تبسيط الطقوس ،
إلا أن القصر لم يُهمل الزينة ،
فقد عُلّقت الأقمشة الحمراء في كل مكان ،
وانتشرت الفوانيس في أرجاء المدينة
كان الخدم في غاية السعادة ، لأن ولي العهد زاد من مكافآتهم ،
بل فكّر في توزيع بعض من حبّاته الذهبية عليهم،
لولا أن الأميرة أنقذتهم وسحبته في الوقت المناسب
وفي الطريق إلى المعبد الإمبراطوري كان مورونغ يان يتمتم
وهو يُسحب من يد غو لانغ:
“ أنت لا تقبّلني ، فلمَ الاستعجال ؟
الأجداد لن يهربوا من مكانهم .”
غو لانغ لم يُجبه ، فقط شدّ على أصابعه المتشابكة معه
لقد كانت ليلة رأس السنة
و كان في السنوات الماضية يقضي هذه الليلة بصمت مع
العم تشاو تشو،
دون أن يجرؤ حتى على الخروج إلى المدينة،
خشية أن تفتح الذكريات القديمة آلامه
لكن… لن يحدث هذا بعد الآن
التفت إلى الرجل الذي يسير إلى جانبه،
وابتسامة خفيفة تزيّن شفتيه
وحين وصلا إلى المعبد الإمبراطوري،
كان الإمبراطور العجوز قد سبقهم
الوزير لين كان مضطرب ، لكن قلبه اطمأن حين رأى ولي
العهد يؤدي الطقوس كما ينبغي
إلا أنه سرعان ما عاد إلى القلق حين رأى ولي العهد يسحب
الأميرة معه ويركضان خارج المعبد
الوزير لين: “……”
{ عودا !
على الأقل أخبرونا قبل أن تغادروا ! }
خرج الإمبراطور العجوز من المعبد،
ولوّح لوزير الطقوس برأسه مبتسماً وكأنه يقول ' دَعهم وشأنهم '
عاد مورونغ يان مع غو لانغ إلى قصر عائلة غو،
حيث استقبلهم تشاو تشو بوجه سعيد وهو يفتح الباب بنفسه
ومنذ أن جُليت ظلم عائلة غو،
عاد تشاو تشو للإقامة في القصر،
وأعاد ترميم أركانه كلها،
ما عدا الجناح الذي يخصّ والدي غو لانغ،
فقد أبقاه كما هو، محافظاً على ذكراهم فيه
أحضروا معهم البخور والشموع التي أعدها تشاو تشو مسبقاً،
وركعوا أمام بوابة الجناح، ساجدين في صمت
غو لانغ بصوت مليئ بالمشاعر :
“ أبي… أمي… غداً يحلّ عام جديد "
سكب مورونغ يان قليلاً من النبيذ بجانب الشموع،
وابتسم قائلاً:
“ من اليوم ، وفي كل عام ، سنأتي معاً لزيارتكما "
تراقص لهب الشموع ،
وفي خضمّ السكون ،
سمع مورونغ يان صوت غو لانغ يناديه همساً:
“ مورونغ…”
استدار نحوه ، ليراه قد سحب طرف ردائه فجأة واقترب منه…
و شفاه التقَت ، و أنفاس تمازجت
تجمد مورونغ يان في مكانه للحظة ،
لم يستوعب الموقف بعد و غو لانغ قد عاد إلى وضعيته السابقة ،
راكعاً كما لو لم يحدث شيء…
سوى حمرة لطيفة قد صبغت أذنيه
ضحك مورونغ يان بخفة، واقترب هامساً:
“ حتى أسلافك في المعبد الإمبراطوري كانوا يودّون رؤية هذا،
لماذا تحرمهم وتخصّ أبويك فقط ؟”
غو لانغ يحرق أوراق التبجيل، ويتمتم:
“ هراء "
ابتسم مورونغ يان :
“ أي هراء ؟
إن لم تصدق ، اسأل والدي أثناء عشاء رأس السنة إن كانت
أرواح الأسلاف قد زارته في الحلم وأخبروه بذلك .”
غو لانغ: “……”
{ أحقاً تأتي أرواح أجدادكم لتوصي بأمر كهذا في المنام ؟ }
…
وفي طريق العودة إلى القصر ،
أصر مورونغ يان على اصطحاب تشاو تشو معهم
ليشاركوهم طعام رأس السنة،
قائلاً أنهم سينتظرون أيضاً عودة الجنرال وي في العام
المقبل، ليكون الاحتفال أبهى وأكثر صخباً
الإمبراطور الذي لم يذق طعم الخمر منذ وقت طويل،
استغلّ هذه الليلة الاستثنائية ورفض أن يُحرَم منه،
وظلّ يشرب ويُجبر غو لانغ على مجاراته حتى أثقل رأسه
وسكر قبل الجميع
نظر إليه مورونغ يان ، فرآى لانغ يضحك ويعبّ الكؤوس في متعة ،
وتركه يستمتع ،
ثم حمله على ظهره وأعاده إلى غرفة النوم
: “ قلت لك لا تكثر من الشرب ،
والآن ستستيقظ غداً برأس يكاد ينفجر من الصداع ...”
تحدث وهو يضعه على السرير ،
ثم بدأ يخلع له الحذاء والجوارب ،
سمعه يتمتم ، مخموراً
غو لانغ : “ لن أنام… أريد أن أسهر حتى الفجر…”
ضحك مورونغ يان، وهو يقرص وجنته بخفة:
“ أنت بالكاد تستطيع فتح عينيك ،
أي سهر هذا ؟ نم باكراً ”
لكن غو لانغ شدّ ذراعيه فجأة حول عنقه ،
ودفن وجهه في عنقه ، يتدلّل عليه كالطفل:
“ دعني أسهر… رجاءً ؟”
توقّف مورونغ يان للحظة ،
مذهول من هذا الدلال المفاجئ ،
قلبه يكاد يذوب ، لكنه تظاهر بالصرامة وقال:
“ لا يجوز "
غو لانغ أبعد وجهه قليلاً،
بعينين متوسلتين، وتمتم:
“ لقد… مضت سنوات كثيرة لم أسهر فيها ليلة رأس السنة…”
صمت مورونغ يان، ثم قال بنبرة مشاكسة:
“ إذاً قبّلني ؟”
لم يتردد غو لانغ ، وقبّل قبلة على فمه
ابتسم مورونغ يان:
“ مجدداً ”
وقبّله مجدداً ، في طاعة غريبة وسُكرٍ جميل
ضحك مورونغ يان وهو ينحني عليه قائلاً:
“ حسناً ، سنسهر معاً هذه الليلة ”
ضحك غو لانغ بدوره ،
ثم قبّله قبلة ثالثة على شفتيه ،
وقد خفّ رأسه وخفقت روحه
: “ لكن…” قال مورونغ يان ، وعيناه تلمعان:
“ بهذه الحال ، أخشى أنك ستغفو بعد قليل "
هزّ غو لانغ رأسه :
“ لن أنام "
ردّ مورونغ يان، وقد تلألأت في عينيه فكرة:
“ لدي طريقة ، هل ترغب في تجربتها ؟”
همهم غو لانغ في سُكر:
“ ما هي؟”
لكنه لم يُكمل ، إذ سحبه مورونغ يان من تحت البطانية قائلاً:
“هشش…”
في الخارج ،
الفوانيس الحمراء تضيء نصف السماء،
وأصوات المفرقعات تتعالى تودّع عاماً راحلاً وتستقبل عام جديد
من تحت البطانية ، قال غو لانغ بصوت مختنق:
“ مورونغ… لقد بدأ العام الجديد… آه…”
همس مورونغ يان وهو يلامس أنفه المبلل بالعرق :
“ كل عام وقلوبنا تنعم بالسلام "
….
على بُعد خطوات من جناح النوم ،
اثنان من الحراس يتسامرون ويمسكان بسيوفهما
قال الأول وهو ينظر إلى السماء :
“ ألا تظن أن الوقت قد حان لغلي الماء ؟”
الثاني ما إن سمع ذلك ، حتى سلّم سيفه للأول وركض قائلاً:
“ لن أدعك تستولي على المكافأة وحدك ،
سأسبقك لغلي الماء !”
—— الــ🩷ــنــهــايــة ——
تعليقات: (0) إضافة تعليق