القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch1 | TMCTM

 Ch1 | TMCTM



في سماء الشفق ، شهر يوليو ، 

حَجَبَت سحابة أرجوانية خفيفة الشمس الغاربة

 


في الصف الدراسي القديم ، 

تتحرك المروحة الحديدية الصدئة في محاولة يائسة لطرد 

حر الصيف الخانق


في هذا الوقت ، 

قد مضت ثلاثة أيام منذ انتهاء الاختبار النهائي على مستوى المقاطعة


وقد انطلق طلاب “صف النخبة” في مدرسة تشينغشوي 

الأولى الثانوية إلى عطلتهم الصيفية، 

لكنّ الأستاذ الجالس على المنصّة ظلّ يحدّق بصمت في الشاشة ، 

فاضطرّوا هم أيضًا إلى رفع رؤوسهم بملل إلى البثّ المعروض أمامهم


الشاشة تنقل صف دراسي في مدرسة على بُعد أكثر من ألف كيلومتر ، 

حيث يُلقي أستاذ الرياضيات لصف السنة الأولى في مدرسة 

وينهوا الأولى الثانوية درسًا حماسيًّا في مسائل الرياضيات


وقد امتلأ اللوح الأسود أمامه بالمعادلات المكتظة


كان الأستاذ يتحدث بسرعة ، 

ولم يرفع أي طالب يده طيلة الدرس ، 

وكأنّ هذه المسائل من البديهيات


لكن بالنسبة لطلاب مدرسة تشينغشوي الأولى ، 

كانت تلك المسائل أشبه بتحديات من الدرجة S، 

لا تُطرح إلا لاختبار عباقرة وينهوا المنحرفين في مستوى صعوبتها ، 

ولا تمتّ بصلة إلى حياة طلاب المناطق الفقيرة ، 

لذا لم يصغِ إليه أحد بتركيز


لأنهم ببساطة… لم يفهموا شيئ


وحده طالب واحد كان يُنصت بانتباه منذ بداية الدرس حتى نهايته ، 

ويدوّن في دفتره مسار الحلّ خطوةً بخطوة كما على السبورة


وقد ابتلّ القميص الأبيض على كتفيه النحيلتين بالعرق، 

فمسح جبينه بظهر يده كي لا تتساقط قطرات العرق على دفتره


قال ليو روي هامسًا وهو يختلس نظرة نحو المعلم المنهمك في تصحيح الواجبات :

“ سمعتُ أن نتائج الاختبار النهائي ستُعلَن غدًا.”

ثم نقل همسه إلى زميله في المقعد، تاو شي، الذي كان 

يكتب بجنون على الطرف الآخر


وما إن فرغ تاو شي من نسخ السطر الأخير ، 

حتى انتهى الأستاذ في الشاشة من درسه كذلك


وضع قلمه وأغلق دفتره ، ولم يلتفت إلى ليو روي ، 

بل اكتفى بإجابة فاترة:

“ همم .”


لاحظ ليو روي كيف كان تاو شي يفتح القلم ويغلقه مرارًا ، 

رأسه منخفض ، فعرف أنه يتظاهر بالهدوء ، 

وربما كان متوترًا إلى حدّ أنّه يحفر بأصابعه في الأرض ، 

فقال مازحًا :

“ شي-غا بما أنك ذكي جدًا ودرست كالمجنون هذا العام، 

أراهن أنك ستكون الأول على المقاطعة .”


كان جميع طلاب الصف يعرفون كم كان تاو شي يتوق 

للحصول على المركز الأول في اختبار المقاطعة النهائي


لقد أمضى هذا العام يدرس ليل نهار بجنون ، فصعدت 

درجاته حتى دخل ضمن الثلاثة الأوائل


ربما لأن الحاصل على المركز الأول هذا العام… سيُرسل إلى 

مدرسة وينهوا الأولى ليدرس فيها ' سنةً دراسية في الخارج '


منذ العام الماضي ، بدأت مقاطعة تشينغشوي — وهي 

إحدى المقاطعات الفقيرة على المستوى الوطني 

والمتمركزة في منطقة جبلية جنوب غرب الصين — 

التعاون مع مدرسة وينهوا الأولى المشهورة على مستوى 

البلاد ضمن مشروع ' الفصول المباشرة عن بُعد ' 

وبدعم مالي من الحكومة وبعض المؤسسات ، 

تم تزويد جميع صفوف مدرسة تشينغشوي الأولى بمعدات البث المباشر ، 

ليحضر طلابها الدروس تزامنيًا مع طلاب مدرسة وينهوا


كان حاكم المقاطعة يحلم بأن يُمحى عار ' الصفر في 

القبولات الجامعية الأولى ' من تاريخ المنطقة بفضل هذا التعاون


لكنّ الفجوة بين طلاب المدرستين كانت واسعة جدًا


لم يتمكّن طلاب الصفوف العادية من مجاراة تقدّم طلاب مدرسة وينهوا ، 

وقد تعرّض كثير منهم لضربة نفسية قوية جرّاء هذا التباين الصارخ ، 

مما أدّى إلى تدهور كبير في نتائجهم


وبعد نصف عام من التجربة والتكيّف ، قرّرت مدرسة 

تشينغشوي الأولى أن تسمح فقط للطلاب الذين جاءت 

درجاتهم في النصف الأعلى من الترتيب بمواصلة متابعة 

الصفوف المتوازية لمدرسة وينهوا


أما بقية الطلاب، فتولّى أساتذة المدرسة المحليون تدريسهم، 

في حين تابع أفضل خمسين طالبًا 

دروس ' الصف المتفوّق ' 

في مدرسة وينهوا الأولى مباشرةً 


وكان يُنظر إلى هذا الصف ' صف النخبة ' في المدرسة على 

أنه الأمل الأبرز في المقاطعة للالتحاق بجامعة مرموقة 


وكان تاو شي أحد طلاب هذا الصف


أغلق غطاء قلمه الجافّ أخيرًا ، 

وأخذ نفسًا عميقًا دون أن ينبس ببنت شفة


فقط هو من كان يعلم كم اختنق بالقلق في تلك الأيام


الحصة التالية حصة لغة إنجليزية


وما إن دقّ الجرس، حتى انتفض الطلاب الكسالى من تراخيهم فجأة


جلس تاو شي باستقامة ، وحدّق في الشاشة بعينين واسعتين


ظهرت على الشاشة أستاذة شابة وجميلة ، 

وما إن رآها الطلاب حتى بدأوا يتهامسون ، 

و الفتيات يعبرن عن إعجابهنّ بفستانها ، 

والفتية يتبادلون النظرات والضحكات


سعل أستاذ اللغة الإنجليزية في مدرستهم سُعالًا قويًا وقال:

“ استمعوا للدرس !”

فما كان من الطلاب إلا أن صمتوا


في هذا العام من التعليم عن بعد ، 

كان صف النخبة بمثابة زملاء خفيين للصف الأول في مدرسة وينهوا


عرفوا أسماء الأساتذة وكثيرًا من اسماء طلاب الصف الأول ، 

على سبيل المثال، تلك المعلمة الجميلة التي تُدرّس على 

الشاشة اسمها بي آوشوي، بل إنهم يعرفون حتى لقبها : 

لاو بي ( العجوزة بي )


لكنهم كانوا يدركون أيضًا أنّ طلاب وأساتذة مدرسة 

وينهوا… لا يعرفون بوجودهم من الأساس ——-


كانوا ينظرون إلى الشاشة كما لو أنّهم يطلّون على عالمٍ آخر


حدّق تاو شي هو الآخر في الشاشة ، 

لكنّه لم يكن يركّز على معلمة الإنجليزية ، 

بل بدا وكأنّه ينتظر ظهور شخصٍ ما ——


وفجأة، التفتت المعلمة بي آوشوي نحو الباب وقالت بنبرة لا تخلو من الدعابة والعجز :

“ ' لين تشينهي ' هل أدمنت التأخّر يا ترى ؟”


ارتجفت رموش تاو شي —- وشدّ على القلم في يده ، 

ولم يرمش وهو يحدّق في الشاشة


قالت المعلمة :

“ كالعادة ، اقرأ هذا النص بصوت عالٍ قبل أن تبدأ .”

ثم أخرجت كتاب ، قلبت صفحة بشكل عشوائي ، 

وناولته للمراهق الطويل القامة الذي دخل الفصل


في تلك اللحظة ، ضجّت أجواء صف النخبة في مدرسة تشينغشوي فجأة


لم تستطع الفتيات كبح دهشتهنّ ، 

وبدأن يتهامسن باسم لين تشينهي بفضول


أخذ الفتى الوسيم — الذي كان يرتدي الزي المدرسي 

الأبيض لمدرسة وينهوا الأولى — الكتاب من معلمة 

الإنجليزية بملامح هادئة ، 

وبدأ يقرأ المقطع الإنجليزي ببرود


أما الفتيات في مقاطعة تشينغشوي، فلم يفهمن ما الذي 

كان يقوله، ولم يكنّ يدرين إن كانت إنجليزيته نقيّة أم لا — 

لقد كنّ فقط… يحدّقن في وجهه


لأنه كان … وسيمًا إلى حدّ مذهل 


واصل تاو شي التحديق في الشاشة دون أن يرمش


يده تمسك القلم ويدوّن بسرعة الكلمات الإنجليزية التي 

نطق بها الفتى على الشاشة


وعندما صادف كلمة لا يعرفها ، كان يكتبها بتهجئة صوتية تقريبية


كان يمتلك ذاكرة ممتازة ، فرغم سرعة القراءة ، 

استطاع أن يسجّل الفكرة العامة اعتمادًا على ذاكرته


عندما انتهى الفتى على الشاشة القراءة ، 

وبعد أن أومأت المعلمة بي آوشوي برأسها ، 

نزل عن المنصة واختفى من إطار الكاميرا


قال ليو روي بصوت خافت وهو يضحك :

“ شي-غا هل كتبتَ هذا أيضًا ؟ 

لا داعي، هذا مجرد عقاب من لاو بي للمتأخّرين عن الدرس .”


كان ليو روي يحب مناداة المعلمة بلقبها ، 

وكأنه يجلس معهم فعلًا في ذلك الصف


أعاد تاو شي نظره من الشاشة إلى الورقة التي دوّن فيها 

ملاحظاته الموجزة، وقال كاذبًا :

“ أُدرّب سمعي على اللغة .”


أومأ ليو روي بإعجاب ورفع إبهامه :

“ أنت رهيب فعلًا .”


سرعان ما انتهت الحصة الأخيرة ، 

وما إن دقّ الجرس حتى اندفع الطلاب إلى المقصف بسرعة 

لينتزعوا لأنفسهم مكانًا في طابور العشاء


كان تاو شي على وشك المغادرة مع ليو روي ، 

لكنه أوقف في منتصف الطريق حين ظهر فجأة الأستاذ فنغ يوان عند الباب


هرب ليو روي بلا تردد ، بينما حرص تاو شي على وقته 

الثمين وقال بابتسامة مصطنعة :

“ أستاذ فنغ هل تحتاج شيئ ؟”


كان فنغ يوان مشرف الصف ومعلم الرياضيات الأقدم في 

مدرسة تشينغشوي الأولى، 

رجل صارم جادّ الطباع


وكان الطلاب يفضّلون أن يُغضبوا المدير على أن يثيروا غضب مشرف الصف


يرتدي قميصًا أزرق قديمًا مبتلًّا بالعرق، وجهه قاسٍ، 

لكن بين حاجبيه ومض خافت من الفرح،

سعل قليلاً وقال:

“ تعال معي "


———————-



غطّى ضوء الغروب الأحمر بسُحب الجبال ، 

وفي السماء البنفسجية الداكنة ، 

كان ملعب المدرسة الترابي يعجّ بالغبار والأقدام الراكضة 

وكرة السلة الطائرة


تاو شي يتجوّل دون هدف حول الملعب ،

قلبه الذي كان ينبض بقوة لم يهدأ بعد ، 

ولم يشعر حتى بجوعه… إلا حين اصطدمت كرة سلة بجسده فجأة


: “ أوه .. يا الزميل هل أنت بخير؟”


صرخ طالب في السنة الثانية وهو يركض ليلتقط الكرة


ما إن رأى وجه تاو شي، حتى أدرك أنه من “صف النخبة” في السنة الأولى


كان نحيفًا وضعيف البنية، وقد يبدو متصنعًا للوهلة الأولى، 

لكنه “إله الطاعون” في المدرسة — عبقري في الدرجات، 

وشديد في العراك والرياضة


شقيق الطالب الذي التقط الكرة في لجنة الرياضة يدرس 

في نفس المدرسة الإعدادية التي فيها تاو لي — أخت تاو شي


ولأن أخاه قد تنمّر عليها الشهر الماضي ، 

تلقّى عقابًا شديدًا من تاو شي لعدة أيام ، 

حتى أنه لم يجرؤ على الذهاب إلى المدرسة ،

وما زال أساتذة تلك المرحلة الإعدادية يحمون تاو شي رغم كونه قد تخرج منها


لذا لم يجرؤ طالب السنة الثانية على استفزاز “إله الطاعون” 

الذي يحظى بحماية طاقم التعليم كاملًا


وبعد أن تمتم بكلمات اعتذار قصيرة ، 

رأى وجه تاو شي ما زال هادئًا ، وعيناه السوداوان خاليتان 

من أي تعبير ، 

 ولكن ابتسم ابتسامة غريبة


تمتم الطالب بصوت منخفض وهو يهرب سريعًا مع الكرة:

“ هل هو مجنون بحق الجحيم ؟”


نظر تاو شي إلى ساعته الذكية في معصمه ، 

الوقت قد قارب بداية حصة المذاكرة المسائية ، 

فاستدار مسرعًا عائدًا إلى الصف ، 

دون أن يجد وقتًا لشراء قطعة خبز حتى يسدّ بها جوعه


وما إن دخل الصف ، حتى تعالت الهتافات من زملائه الذين 

اندفعوا نحوه بحماس ، 

يصيحون ويمازحونه قائلين ألا ينسى “الطبقة الكادحة”


قال ليو روي وهو يمسك بذراعه بحماس وكأنه هو من حصل على المركز الأول :

“ كنت واثقًا ! شي-غا أنت الأول فعلًا !”


وانطلقت الأصوات من كل حدب وصوب :


“ تاو شي لا تنسانا عندما تذهب مدرسة وينهوا الأولى !”


“ مجرد سنة وحدة ، وستعود لتكمّل ثالث ثانوي معنا .”


“ يا لحظّك ، أنا لم أخرج من المقاطعة طوال حياتي .”


“ ربما سيكون عليك ضغط كبير ، طلاب وينهوا عباقرة مجانين وليسوا بشر !”


“ آههخ حتى آخر وسيم في مدرستنا سيذهب إلى لوينهوا!”


استمرّت الضجة حتى دقّ جرس المذاكرة المسائية ، 

ولم يتمكن تاو شي من الاستذكار بهدوء


فتح دفتر بغلاف بنيّ، وعلى الصفحة الأولى كتب بقلمه 

الوحيد جملة بالإنجليزية


[ I won’t try to pick the moon. I want the moon to come to me ]


' لن أحاول أن أقطف القمر ... 

أريد أن يأتي القمر إليّ '


لن ينسى أبدًا ذلك اليوم الذي رأى فيه لين تشينهي لأول مرة على الشاشة ، 

في نهاية الصيف الماضي ، حين كانت الشمس تميل إلى المغيب


في تلك الفترة ———- ، 

كانت حياته فوضى بسبب مشاكل عائلية ، 

ولم يكن لديه أي اهتمام بما يُسمّى ' صفوف البث المباشر عن بُعد ' 

كان يختبئ في آخر الصف لينام خلال حصص بداية السنة الأولى من الثانوية


كان الأستاذ فنغ يوان ، مشرف الصف ، قد خطّط في البداية 

لإعداد تاو شي كأحد طلاب المدرسة الأساسيين ،  

إذ إن درجاته في المرحلة الإعدادية كانت ممتازة ، 

لكنه لم يكن يتوقّع أن يدخل هذا الطالب المدرسة وهو أشبه بالشبح


بعد أيام قليلة من بدء الدراسة ، عاد المدير من مدينة 

وينهوا ، وألقى خطابًا على الطلاب تحت شمس الظهيرة الحارقة ، 

قال فيه إنّ التعليم عن بُعد سيُغيّر مصائرهم


: “ أنتم الآن تملكون نفس الموارد التعليمية التي يملكها 

أفضل طلاب الثانوية في البلاد ، 

مع أفضل الأساتذة وأذكى الزملاء ! 

إن اجتهدتم وتعلّمتم من أساتذة مدرسة وينهوا الأولى، 

يمكنكم أيضًا دخول الجامعات الأولى ، تسينغهوا وبكين !”


أثّر الخطاب في الكثير من الطلاب وألهمهم ، 

بل إن بعضهم ذرف الدموع تأثرًا في تلك اللحظة


أما تاو شي — فكان واقفًا في ساحة المدرسة الترابية ، 

ينظر بملل إلى الجبل المقابل


كان منزله خلف ذاك الجبل ، في قرية تُدعى خليج تاوشي


المقاطعة خلف ذلك الجبل فقيرة إلى درجة أن الطيور لا ترغب في التحليق فوقها، 

والتعليم فيها متخلف إلى حدّ أنّه لم ينجح منها طالب 

واحد منذ سنوات في دخول أي جامعة مرموقة


كان الجميع مليئين بالأمل حيال صفوف البث المباشر ، 

وكأنّ حبلاً قد أُلقي أخيرًا في بئرٍ عميقة أُغلق منذ سنين ، 

وكلّ ما عليهم فعله هو الإمساك بالحبل والتسلّق للوصول إلى السماء


لكن تاو شي، في تلك المرحلة، 

كان قد تذوّق طعم القدر وهو يعبث به


كان ينظر إلى الجبل المقابل ويشعر وكأنه لن يتمكن من الخروج منه أبدًا


حين دقّ جرس الحصة ، 

كان لا يزال نائمًا فوق الطاولة الخشبية


كانت أستاذة الإنجليزية الجديدة لا تزال تتلمّس طريقها مع جهاز البث ، و تضبطه بحذر

رفعت رأسها فجأة ونادت بصوت عالٍ:

“ تاو شي!”


جلس باستقامة بتكاسل ، وأسند ظهره إلى المقعد ،  

وفتح عينيه نصف فتحة ، 

يحدّق بملل إلى الشاشة الجديدة اللامعة فوق المنصّة ، 

تلك التي لا تنسجم على الإطلاق مع الصف المتهالك من حولها


ظهرت على الشاشة امرأة شابة فاتنة ، 

جذبت أنظار جميع الطلاب فورًا


ترتدي فستانًا مصممًا بعناية، 

وتتحدث بلغة إنجليزية فصيحة وصحيحة، 

لم يسمعوا مثلها من قبل


جلست على المنصّة وكأنها خرجت من شريط تسجيل صوتي


أما أساتذة الإنجليزية في مدرستهم ، ممن كانت مهمّتهم 

تأديبية أكثر من تعليمية ، 

فقد ثبتت نظرها على الشاشة بذهول كامل


كانت تلك طريقة تدريس لم يألفها الطلاب ولا المدرّسون من قبل


لم تتبع بي آوشوي الكتاب المدرسي لتفسير محتوياته، 

بل بدأت محادثة كاملة باللغة الإنجليزية مع طلابها


وكان طلاب وينهوا يجيبون بحماس، 

في جوّ مرح ومنفتح، أقرب إلى ندوة جامعية أجنبية


تدريجيًا، عمّ الصمت بين طلاب مدرسة تشينغشوي —-

أدركوا أنهم لا يفهمون شيئًا مما يُقال


و تلك الكلمات والجُمل الغريبة كانت تُفهم بين الأساتذة 

والطلاب في مدرسة وينهوا وكأنها مفهومة ضمنًا ، 

أما بالنسبة إليهم، فكانت مثل طلاسم مستحيلة الفهم


وانتشر الصمت كضباب كثيف في الصف ، 

إلى أن ابتسمت بي آوشوي فجأة في منتصف الحصة وقالت:

“ والآن، أدعو لين تشينهي الذي تغيّب عن حصتي أمس ، 

ليصعد إلى المنصّة ويُلقي خطابًا مرتجلًا باللغة الإنجليزية 

لزملائنا في مدرسة تشينغشوي.”


بدأت الضجة في الصف فجأة


للمرة الأولى، أحسّ طلاب تشينغشوي بدهشة سعيدة — 

أن هناك من على الطرف الآخر يعرف بوجودهم


وزادتالحماس حين ظهر ذلك الفتى وصعد إلى المنصّة


كان تاو شي، الذي لم يُحبّ الإنجليزية يومًا، يهزّ رأسه من 

شدّة الضجر على وشك أن يموت مللًا، 

لكنه استفاق فجأة على الضجيج في الصف

و تثاءب بكسل، ورفع يده ليمسح عينيه، 

ثم حدّق في الشاشة مجددًا


فرأى فتى طويل القامة يرتدي قميصًا أبيض واقفًا على المنصّة، 

أطول بكثير من المعلمة بي آوشوي نفسها التي كانت بالأصل طويلة


لم يكن على وجهه أيّ تعبير ، 

لم يبدُ عليه الضيق لأنه استُدعي فجأة ، 

ولم يبدُ عليه التوتر قبل إلقاء الخطاب


ملامحه واضحة ووسيمة ، تشبه قمم الجبال الثلجية 

المشرقة تحت ضوء الشمس


قالت بي آوشوي بابتسامة وهي تشير إليه :

“ الطلاب على الطرف الآخر بانتظارك ، الزميل لين تشينهي ، 

تفضّل… تحدّث عن أي شيء تشاء.”


رفع الفتى — لين تشينهي — عينيه ونظر مباشرةً إلى 

الكاميرا المثبّتة في نهاية الصف


وعلى الشاشة عالية الدقة ، أمكنهم حتى رؤية الظلال 

المتغيرة تحت رموشه الطويلة وهو يرفع عينيه



اندهشت الفتيات في الصف بعمق في انسجام صامت


أما تاو شي، فحدّق في تلك العينين اللتين التفتت فجأة نحو الكاميرا، 

وكأنّ نظرة الفتى قد اصطدمت بعينيه مباشرةً عبر الشاشة

— وفي تلك اللحظة الغامضة ، خفق قلبه فجأة دون سبب


بدأ لين تشينهي بإلقاء خطابه باللغة الإنجليزية


في البداية ، استطاع حتى طلاب تشينغشوي فهم بعض الجمل، فأصغوا بانتباه


لكنّهم ما إن تابعوا الاستماع ، حتى بدأ الخوف يتسلل إليهم، 

لأنهم أدركوا أنهم لا يزالون لا يفهمون شيئ


والأسوأ من ذلك أن نطق هذا الفتى المدعو لين تشينهي لم 

يكن أدنى من نطق المعلمة بي آوشوي نفسها؛ بدا وكأنه 

وُلد وهو يتحدث الإنجليزية


هذا هو طالب مدرسة وينهوا الأولى — وقد شعروا ، بعمق ، 

بمدى شساعة الهوّة الفاصلة بينهم


ما كانوا يعلمونه في ذلك الحين هو أن لين تشينهي لم يكن 

مجرد طالب عادي في مدرسة وينهوا الأولى


نادراً كان تاو شي ينظر إلى شاشة البث المباشر بجدية ، 

لكنه في تلك اللحظة كان مشدودًا إليها


وفي الحقيقة، لم يكن يفهم كثيرًا من الجُمل، 

لكنه بالكاد التقط شيئًا عن أحلام لين تشينهي ومستقبله من خلال ماقاله


ولكن جملة واحدة —- ، كانت من أبسط الجمل ، 

بقيت محفورة في ذهنه لوقت طويل —- ، 

دون أن يعرف السبب 


[ I won’t try to pick the moon. I want the moon to come to me ]


لن أحاول أن أقطف القمر ... 

أريد أن يأتي القمر إليّ 


منذ تلك اللحظة، بدأ المعلم المشرف فنغ يوان— الذي كان 

حائرًا في كيفية التعامل مع تاو شي—يلاحظ أن هذا الطالب 

قد تغيّر فجأة بين ليلة وضحاها ———


لم يعد ينام في الحصص ، 

وبدأ يسلّم واجباته ، 

وصار جادًّا إلى حدّ أنه بدا وكأنه يريد أن يثقب شاشة البث بعينيه ~ ——



يتبع




زاوية الكاتبة :

الجملة الإنجليزية مقتبسة من فيلم “Sabrina” لهيبورن



صف النخبة (火箭班): صف مخصص للطلاب المتفوّقين، 

يُدرّس فيه أفضل المعلمين في المدرسة، ويُعتبر محور تركيز الإدارة .


“ الاختيار الأول” للجامعات : يشير إلى الجامعات التابعة مباشرةً للوزارات المركزية أو الجامعات الإقليمية الكبرى مثل تسينغهوا وجامعة بكين.


' تاو شي ' و ' خليج تاوشي ' / رغم التشابه في النطق ، 

يُكتب اسم القرية(خوخ) بينما يُكتب اسم تاو شي(فخّار)

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • عادي
  • متطور
  • ترتيب حسب الاحدث
    عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي