Ch100 | TDVWD
اختار تشي مو ياو أن يُشيَّد قصره الثالث والثلاثين على قمة
جبل مجاور لقصر الإداريين ،
وقد تولّى بنفسه تصميم طرازه المعماري،
فاختار له طابع بلدة جيانغنان الهادئة، بطابعها اللطيف المائي
هذه القمة مهجورة من قبل، رغم جمالها، لكثرة جداول
المياه التي تعبرها،
مما جعل تشييد الأبنية فيها أمرًا معقدًا،
لكن تشي مو ياو وجد فيها مايتمناه
بُني القصر بمحاذاة الماء ،
وارتفعت أسوارها الخارجية أكثر من المعتاد ،
بينما المساحات الداخلية أكثر اتساعًا لدرء الرطوبة والعفن،
وصُممت الأفنية بحيث تتصل ببعضها من الأمام والخلف،
لتسهل حركة الهواء
جدران بيضاء بأسقف من البلاط الأخضر ،
وأحجار منحوته وأخشاب محفورة بأيدٍ بارعة من صنّاع عالم الزراعة ،
ونقوش ' طيور تشم العطر من الزهور ' تزيّن الأبواب والنوافذ…
كان هذا القصر الأكثر أناقة وبساطة في طائفة تشينغ زي بأسرها
أما في داخل الفناء ،
فقد امتدت الممرات والمسالك الطويلة وجسور الماء،
شُيّدت بما يراعي تدفق الجداول،
حفاظًا على جمال الطبيعة وسلامة التصميم
وقد اختار تشي مو ياو هذا المكان،
لأنه كان قد تولّى رسميًا إدارة قصر الشؤون الإدارية لطائفة تشينغ زي
طلب منهم أن يسمحوا له بقبول خمسة تلاميذ إضافيين،
لا يشترط فيهم التفوّق في فنون القتال أو الزراعة،
بل يكفي أن يكونوا أذكياء، ليعاونوه في مهام القصر الإداري
كان هذا أيضًا أسلوبًا غير مباشر لفتح باب الانضمام للطائفة
أمام المزارعين من ذوي المواهب المحدودة،
إذ بمجرد دخولهم طائفة غنية بالموارد كتشينغ زي،
يصبح أمامهم الكثير من الإمكانات المستقبلية
وهؤلاء التلاميذ سيكونون تلاميذ تشي مو ياو شخصيًا، سيُعلّمهم فنون التشكيل وتعاويذ الحماية ،
وأصول إدارة الأمور الإدارية،
في توازن جميل بين العلم والواقع
وهكذا… بدأت أيام تشي مو ياو في طائفة تشينغ زي تمتلئ بالحيوية
يقضي صباحه منشغلًا في الشؤون الإدارية،
وبعد الظهر يتفقّد سير البناء في قصره،
وإن فرغ، علّم تلاميذه ما استطاع
كان أسلوبه في التعليم مميزًا تمامًا عن غيره من المزارعين—صوته ناعم ،
حديثه رقيق، لا يوبّخ أحدًا ولا يعلو صوته أبدًا
لكن مع ذلك، لم يجرؤ أحد من تلاميذه على التهاون في التعلّم
إذ ما إن لاحظ تشي مو ياو أحدهم يتمايل في مكانه ،
حتى يبدأ بالحديث معه من القلب، محاولًا أن يفهم،
يناقش، يواسي… غير أن هذا “الحوار اللطيف” سرعان ما يجلب شي هواي
الذي يظهر من حيث لا يُعلم،
واقفًا على الطرف الآخر من الفناء،
يرمق التلاميذ بنظرة قاتمة،
فيغدو الجو كله مليئًا بالرهبة،
ويكفي هذا ليشعر التلاميذ أنهم سيتحولون إلى رماد في لحظة
كان شي هواي كثيرًا ما يدور أمام قصر الإدارة،
أو يتأمل قصر تشي مو ياو الجديد من بعيد،
عينيه تلمعان بلمحة عميقة لا تُفهم
ذات يوم، وقف تشي مو ياو بجانبه وسأله:
“ ماذا هناك؟”
قال شي هواي وعيناه معلقتان بالمبنى الجديد:
“ اخترت هذا المكان لأنه كثير المياه، أليس كذلك؟
لا تخاف أن أشعل الجبل نارًا ؟”
تشي مو ياو استدار نحوه مستنكرًا :
“ جبل جميل مثل هذا، لماذا تحرقه ؟!”
رفع شي هواي حاجبه قليلاً وقال بنبرة مشحونة:
“ كيف تجرؤ على السكن بعيدًا عني ؟!
أنت حقًا فعلتها… ستعيش في مكانٍ آخر !”
: “ سأقيم فيه بين حين وآخر فقط ،
كما أن تلاميذ قصري المستقبليين سيحتاجون إلى مكان
يستقرون فيه، أليس كذلك؟”
قالها تشي مو ياو بهدوء، محاولًا تهدئة شي هواي الذي ظلّ مهموم
رغم أن شي هواي لم يُبدِ ارتياحه،
لكنه فكر أن هذا القصر ما هو إلا أحد أوجه الاعتراف
الرسمي بمكانة تشي مو ياو داخل الطائفة
بما أنه أصبح سيدًا لقصر،
فمن الطبيعي أن يكون له جبلٌ خاص، لذا لم يُلحّ في معارضته
في أحد الأيام، كان تشي مو ياو جالسًا في قاعة القصر الإداري،
منهمكًا في معالجة الشؤون، وعلامات العبوس ترتسم على جبينه
جلس أمامه أحد السادة القصور ،
رجل مقامه سامٍ لكنه خسر مؤخرًا الكثير من الثروات في المقامرة ،
حتى كادت طائفة تشينغ زي تعاني من ضائقة مالية بسببه
وما زاد الأمر تعقيدًا أن هذا السماوي الجليل كان ذا مزاج حاد وكبرياء كبير ،
لا يقبل الانحناء أمام من هم دونه رتبة،
وقد اضطره الأمر أن يتلقى كمية من الهجوم من زعيم الطائفة شي لين
حتى يرضى بالمجيء إلى تشي مو ياو
كان هذا الرجل قد أصيب في شبابه بمكيدة أثناء مبارزة،
أفقدته إحدى عينيه،
وتسببت له بجراح لم تندمل، فأثّرت على صحته،
حتى اسودّت شفتاه بشكل دائم
لكن منذ جاء تشي مو ياو إلى الطائفة ، تولّى علاجه لفترة حتى تحسّن حاله شيئًا فشيئًا
ولعلّ هذا ما جعله ، وهو الذي لا يُبدي حسن معاملة لأحد ،
يتعامل مع تشي مو ياو بقدر من الاحترام
قال له تشي مو ياو بنبرة رزينة :
“ يا سيدي خذ تلاميذك واذهب إلى منطقة نباتات الطحلب الضبابي .
لقد تكررت مؤخرًا فيها ظهور وحوش روحية من الدرجة الأرضية، ويمكنكم صيدها .
فكل جزء من أجسادها يباع بسعر جيد.
لكن… الخطورة تكمن في أن المستنقعات هناك قد تولد
أحيانًا وحوش من الدرجة السماوية ، لذا يجب أن تكونوا حذرين .
إذا جمعتم العدد المطلوب ، يُمكن اعتبار دينكم للطائفة قد سُدِّد .
فهل هذا مقبول ؟”
حرّك الرجل معصميه قليلًا ، ثم فكّر لبعض الوقت قبل أن يسأل :
“ وكم علينا أن نصيد ؟”
“ حوالي مئة واحدة في البداية .
لا تذهبوا للحدّ الذي ينقرض فيه هذا النوع .
وما بقي من الدين ، سأطلب منكم سداده لاحقًا من مناطق
أخرى، متى ما ظهر الهدف المناسب .”
: “ اتفقنا، سأنطلق فورًا ”
: “ حسنًا ”
وما إن غادر الرجل ، وسجّل تشي مو ياو أمره على دفتره برمزٍ بسيط ،
حتى دخلت القاعة ظلّ وردي اللون
بسبب مكانة تشي مو ياو، أصبحت زيارات تلميذات طائفة
هي هوان إلى طائفة تشينغ زي أمرًا مألوفًا، ولم يعد أحد يعترضهن
دخلت لوو تشيونغتشي وهي تمسك بكُمّ تشي مو ياو
وتسحبه للخارج، قائلة في عجل:
“ شيددددي ! أسرع وارجع إلى الطائفة!
الزعيمة والسيد السماوي غوان نان يتقاتلان الآن !”
وما إن وضع تشي مو ياو قلمه ، حتى خرج معها راكبَين طائرته السحابة ، ليجد نفسه يسألها أثناء الطيران:
“ماذا حدث؟ هل جاء غوان نان يثير المشاكل؟”
أجابت بحيرة:
“ هذه ليست المرة الأولى التي يأتي فيها! آخر مرة دخل طائفتنا بغتة، أُصِبنا بالرعب،
و سأل الزعيمة : أين وضعت سيفه الروحي .
فقالت له إنه خلف ستارة السرير ، فعاد إلى دياره .”
: “ ألم يرَى السيف المعلّق على الجدار؟”
: “ لا ،،، السماوي غوان نان ساذج تمامًا في أمور الحياة اليومية ،
حتى أنه لا يُجيد البحث خلف الستائر .”
ضحك تشي مو ياو { إن شي هواي لطيف جدًا… ولكن كيف
استطاعت الزعيمة أن تتعامل مع هذا الشخص كل تلك السنين ؟ }
تابعت لوه تشيونغتشي :
“ وفي زيارته الثانية ، جاء وهو يحمل كومة دفاتر ،
وأراد من الزعيمة أن تتولى معالجة شؤون قصره الثالث قال
إنه لا يعرف كيف .”
صُدم تشي مو ياو:
“ والزعيمة وافقت ؟!”
: “ لا ! أمرته أن يُرسل يو يانشو ليقوم بالأمر معها وتعلمه ،
لكنه رفض قدومه بحجة أنه سيشعر بالخجل ويظل ملتصقًا
بالطائفة… وبقي ثلاثة أيام كاملة قبل أن يرحل .”
: “ هل كانت كمية المهام كبيرة جدًا ؟”
: “ لا… الدفاتر التي جاء بها رحلت كما جاءت ،
مغلقة لم تُفتح .
الزعيمة لم تخرج من غرفتها لنصف شهر بعد ذلك.”
“…”
كان تشي مو ياو يتخيّل ما جرى خلال تلك الأيام الثلاثة،
ويكاد يشعر بالأسى
: “ وماذا عن هذه المرة ؟”
تنهدت لوه تشيونغتشي وقالت:
“يقول إن الذهاب والإياب بين الطائفتين مرهق…
ويريد بناء مصفوفة تنقّل بين طائفة نوان يان وطائفة هي
هوان، ليتمكن من الظهور في لحظة حين يشاء .”
: “ ماذاااا؟!”
: “ بالضبط !
والزعيمة كادت تموت من الغيظ… فاشتعل قتال بينهما !”
سألت بقلق :
“ هل تظن أن جدّتنا قادرة على الفوز؟”
: “ لا أظن .”
تابعت بنبرة حزينة:
“ السيد السماوي غوان نان لم يردّ حتى على ضرباتها ،
لكنها رغم ذلك ظلت تضربه طويلاً دون أن تنجح في إصابته ، فغضبت بشدة .
ولمّا عجزنا عن التدخل ، لم نجد حلًا سوى الذهاب لإحضار النجدة .”
حين وصل تشي مو ياو برفقة لوو تشيونغتشي ،
كانت المعركة قد توقفت بالفعل
الزعيمة السماوية سي روييو، تجلس على درجات أحد الأدراج الجانبية ،
وقد صرفت نظرها عن كل شيء وبدأت تنظر إلى الأفق ،
لا تلقي بالًا لوجود غوان نان
بعيدًا عن العين ، بعيدًا عن القلب
أما غوان نان، فلم يبدو عليه التوتر،
بل مدّ يده يعبث بخُصلة من شعرها
لكنها سرعان ما سحبتها منه بقوة
اقترب تشي مو ياو وألقى عليهما التحية ،
فردّ عليه غوان نان بأدب
نظر تشي مو ياو إلى المواد المُعدّة لبناء مصفوفة النقل ،
فوجدها وقد تم تدميرها تمامًا من قِبل سي روييو
ثم التفت إلى غوان نان، وتحدّث بنبرة هادئة:
“ أيها السيد السماوي ، بناء مصفوفة تنقل بين منطقة
طائفة نوان يان وطائفة من طوائف الشياطين هو أمر لم
يسبق له مثيل،
ولا شكّ أن فيه الكثير من المخاطر.
لطالما كانت العلاقة بين طائفة نوان يان وطائفة هي هوان متوترة .
فإن بُنيت هذه التشكيلة ، فستغدو طائفتنا مركزًا للمشكلات ، وسيتهدد أمان تلميذاتنا .
لا عجب أن الزعيمة رفضت الأمر بشدّة .”
أجاب غوان نان بصراحة تامة:
“ هذه المصفوفة ستُعالج بطقوس خاصّة ،
فهي مصفوفة تعترف بصاحبها فقط ،
ولا يمكن تشغيلها إلا بروحي ،
ولا يمكن لأحد غيري المرور عبرها ”
نظر تشي مو ياو نحو سي روييو بتردد،
ثم حاول إقناع غوان نان مرارًا،
لكن الأخير كان مصرًّا جدًا على رأيه،
مما اضطره لطرح بديل:
“ سيدي ، المنطقة المحيطة ببوابة الطائفة تُعدّ جزءًا من أراضيها ،
لذا لا يمكن إجراء أي طقوس كهذه هنا .
لكن يوجد سوق كبير ليس بعيد عننا ، و في آخره محطة دائمة للتشكيلات النقالة .
نحن في طائفة هي هوان قد أقمنا هناك واحدة بالفعل ،
يمرّ بها التلاميذ عند خروجهم لشراء المؤن ،
ويمكن الانتقال منها إلى بوابة الطائفة بسهولة تامة.
وإن أردت بناء مصفوفة خاصة بك، فالأجدر أن تُقام هناك،
مقابل مبلغ من الأحجار الروحية .
ومن هناك، لن تستغرق رحلتك إلى طائفتنا سوى نصف وقت عُشر الساعة وأنت على أداة طائرة .”
لم يكن غوان نان على دراية بتفاصيل كهذه داخل طوائف الشياطين ،
ففرح كثيرًا بهذه المعلومة
أخرج من جرس كنوزه عدد من التعاويذ ، وقدّمها لتشي مو ياو
تلك التعاويذ نادرة للغاية ،
لا يُمكن نقشها إلا من قِبل مُزارع في طور ولادة الروح،
وهي تتطلب جهدًا روحيًا هائلًا،
بحيث لا يمكن صنع أكثر من ثلاث منها في اليوم
كل واحدة منها تُعادل ضربةً بكامل طاقة مزارع في هذا المستوى ،
مما يجعلها الأفضل في لحظات الخطر
كانت الهدية هذه ثمينة بحق ،
وقد تلقاها تشي مو ياو بعناية شديدة
بدت السعادة على وجه غوان نان،
حتى إن الخطوط القاسية بين حاجبيه بدأت تلين
سار في اتجاه السوق، لكنه ما لبث أن عاد ليسأل:
“ في أي اتجاه هو؟”
أشار له تشي مو ياو:
“ من هناك .”
بدا الغضب على سي روييو، فتقدمت وهي تمسك بأذن تشي مو ياو وتصيح فيه:
“ لمَ أخبرته ؟!”
ردّ تشي مو ياو متألمًا:
“ وإلا لظلّ الوضع متوترًا بينكما ، وهو يأتي دومًا على أية حال .
أعتقد أنه يُحبك يا زعيمة … ويحاول استرضاءك .”
: “ استرضاء؟! بهذه الطريقة ؟!
كل تصرفاته تشعل أعصابي !!”
ابتسم تشي مو ياو قائلاً بلطف:
“ بعض الناس لديهم ذكاء عاطفي منخفض .
ليسوا مثلكِ ، يعرفون كيف يُحبّهم الآخرون .
هو لا يجيد التعبير عن مشاعره ،
فيستخدم هذه الطرق الملتوية ليقترب منك .”
أطلقت سي روييو سراح أذنه أخيرًا، وقد خفّت حِدّتها،
وانغمست في صمتٍ تفكر
فهي، رغم شخصيتها النارية،
كانت امرأة فطنة، تكفيها جملة واحدة لتفهم ما بين السطور
كانت الأفكار الراسخة تُقيد سي روييو ، فالطريقة المعتادة
لغسل الدماغ لدى تلميذات طائفة هي هوان،
هي تكرار عبارة: “ذلك الرجل لا يريد منكِ سوى جسدكِ.”
بهذا الإقناع ، يُمكن للتلميذة أن تستخدم جسدها كـ”فرن”
دون أن تشعر بوخز الضمير
ترددت سي روييو وسألت بتشكك :
“ أتقصد أنه… كلّ ما يفعله ، من مجيئه المتكرر إلى طائفتنا،
ليس نكايةً بي أو انتقامًا، بل… محاولة لاستعادتي ؟”
أجاب تشي مو ياو:
“ بالضبط. فقط أن أسلوبه… ليس جذابًا .”
شهقت بدهشة:
“ هل جُنّ؟!
هو سيّد سماوي من طائفة نوان يان، وإن علموا بعلاقته بي،
أنا التي أنتمي لطائفة من طوائف الشياطين ، فسيُطرد لا محالة !
وحتى إن لم يُطرد ، سمعته النقية التي يتغنّى بها الجميع ،
أنا وحدي كفيلة بتدميرها .
وإن ظلّ بجانبي، فلن يبقى له أي وجه بين الناس،
بل ستحيطه اللعنات إلى آخر عمره !”
ابتسم تشي مو ياو بهدوء :
“ ألم يكن شي هواي أيضًا معي؟ ومع ذلك، فنحن نعيش في انسجام تام .”
: “ شي هواي مختلف . أما غوان نان سيخسر الكثير ، سمعته، مكانته ،
أصدقاءه… كل ذلك ثمنًا لا يُستهان به ”
أجاب تشي مو ياو بنبرة عميقة:
“ لكنه مع ذلك اختاركِ ،
ربما لم يغادر طائفة نوان يان حتى الآن لأنه ما زال يحمل المسؤولية تجاه تلاميذه ،
وينتظر أن ينضج يو يانشو ويأخذ مكانه .
وحين يحين ذلك اليوم… ربما سيترك كل شيء خلفه .”
توقفت سي روييو لحظة، وقد بدا على وجهها أثر الصدمة
لطالما آمنت تلميذات طائفة هي هوان أن الحب سمّ في شكل نبيذ
لذته مؤقتة ، ومراراته طويلة الأمد تتخلل العظام والمفاصل .
أن تكوني بلا قلب يعني أن تكوني قوية، راسخة كجدار قديم،
تعصف بك الرياح وتمتد عليك النباتات ، لكنك لا تنهارين .
أما إن أحببتِ، فأنتِ كزنبقة على سطح ماء،
تتمايل مع كل موجة،
حيثما ذهب من تحبين ذهبتِ ، بلا جذور، بلا استقرار
سي روييو كانت دومًا بلا قلب
ظنّت دومًا أن غوان نان لم يُحبها أبدًا،
بل اعتاد فقط على وجودها ورعايتها،
ولهذا لم يستطع مفارقتها
{ لكن إن جاء يوم تخلى فيه عن كل ما بناه طوال مئات
السنين من المجد والمكانة والسمعة …
وغاص في الوحل لأجلهي —
هل سأحبّه حينها ؟ }
سؤال جعلها تشعر بالحيرة
لم يُحاول تشي مو ياو إقناعها أكثر، فهذا النوع من القرارات ينبغي أن ينبع من القلب
ولما رأى أن ترددها قد كبح غضبها، انسحب بهدوء —-
———————————-
عاد تشي مو ياو إلى طائفة تشينغ زي،
لكنه لم يتمكن حتى من دخول قاعة الشؤون،
إذ خرج منها شي هواي فحمله على كتفه
في لحظة ، وجد نفسه رأسًا على عقب ،
والسماء والأرض تدوران أمام عينيه
حين استوعب الموقف،
كان قد استقر تمامًا على ظهر شي هواي
فبدأ يركل خصره ويصيح:
“ شي هواي! أنزلني فورًا !”
رد شي هواي دون أن يلتفت:
“ لااا !”
كان قد مضى عليه عدة أيام دون أن يُمارسا الزراعة المزدوجة،
وشعر بالضيق والانزعاج
فقرر أن يخطفه مباشرة من قاعة الإدارة
فقال تشي مو ياو بنعومة :
“ حسنًا، فقط دعني أنزل، وسآتي معك طواعية .”
لكنه لم ينخدع بكلامه ، إذ كان يعلم أن تشي مو ياو خبير في
التهرب من الممارسات المزدوجة
ولذا ظل يحمله دون أن يُعطيه فرصة للهروب،
وسار به عائدًا إلى جبلهما الخاص
حين عادا إلى الجبل،
بدا من بعيد أن تشيوتشيو يلهو مع الغزال ،
وقد صار الغزال مؤخرًا أكثر نشاطًا ومرحًا بعد أن أصبح
طليق الحركة، فغدا مزاجه أكثر بهجة
لكن تشي مو ياو لم يتح له الوقت ليتأمل هذا المشهد اللطيف،
إذ سُحب مباشرة إلى المسكن
ما إن دخل ولم تُغلق الباب بعد،
حتى انزلقت ورقة تعويذة صوتية من فراغ الباب ، ودخلت معهم
تشي مو ياو نزل إلى الأرض ، فمد يده وفعل التعويذة ،
فإذا بصوت يي تشيانشي الملهوف يأتي منها:
“ الخنزيرة في حالة تعسر ولادة !
تصرخ منذ يومين ولم تلد ! تعال بسرعة !”
ما إن سمع ذلك، حتى استدار فورًا ليلتقط حاجياته،
وأخذ حقيبته الكونية وقال على عجل:
“ شي هواي، الخنزيرة عند طائفة يو تشونغ تعاني من تعسر ولادة، يجب أن أذهب فورًا !”
لكن شي هواي كاد ينفجر من الغيظ:
“ خنزيرة تعاني من تعسر ولادة ، وما شأنك أنت ؟!”
: “ أنا أستطيع علاجها !
على الأقل أُخفف من آلامها أثناء الولادة .”
: “ آوه ؟ واو على مهاراتك الطبية ،
هل يعني ذلك أنك مستعد لتوليد المزارِعات أيضًا ؟”
: “ هاه … في الواقع هذا أمر محرج ،
فطريقتي في العلاج تحتاج تلامسًا جسديًا حتى تكون فعالة،
وبما أنني رجل، فلا يناسبني التوليد فعلًا .”
{ والأدهى… أنه قال ذلك وهو يفكر بجدية !!! } شي هواي
أغلق باب المسكن بيده ليمنعه :
“ ممنوع ! لم ترافقني منذ أيام !”
تشي مو ياو حاول أن يلين موقفه بلطف:
“ لكن الخنزيرة لا تلد إلا مرة كل بضع سنوات !
أما نحن… فلدينا متّسع من الوقت للزراعة المزدوجة !
كن ناضجًا قليلاً ، أرجوك !”
ففي الأيام السابقة ، أصبح تشي مو ياو يتنقل بين القاعات الإدارية في
طائفة تشينغ زي وطائفة هي هوان وطائفة يو
تشونغ، يساعد هنا ويُداوي هناك
وهكذا ، أصبح الزوج الرسمي الذي احتفل بطقوس ارتباط الشريك الزراعي ،
يقضي أيامه وحيدًا في المسكن وكأن العزوبية لم تفارقه
{ هذا لا يُحتمل ! }
لكن ما إن رأى شي هواي وجه تشي مو ياو القَلِق ، رقّ قلبه، وقال بتنهيدة :
“ سأرافقك .”
تشي مو ياو التفت إليه مبتسمًا بامتنان:
“ حسنًا .”
———
حين خرج تشي مو ياو من طائفة يو تشونغ، كان الليل قد بلغ منتصفه
قفز بخفة ،
ووطأ بأطراف قدميه على ورق اللوتس الطافي على سطح الماء،
ثم انطلق نحو قارب صغير
داخل القارب ، شي هواي مستلقيًا بكسل في المقصورة،
وعندما رآه يصعد إلى القارب، لم يقل شيئ
بل اكتفى بنظرة سريعة ثم عاد إلى وضعية التذمر الصامت
كان تشي مو ياو يعرف جيدًا أن شي هواي لا يزال غاضبًا،
فزحف نحوه بهدوء، وجلس فوقه،
ثم انحنى وهمس في أذنه:
“ لقد عدت .”
: “ هممم…”
: “ الخنزيرة وُلدت بسلام، أنجبت تسعة خنازير صغيرة .”
“……”
لم يُبدِ شي هواي أي اهتمام
: “ آه، آسف… تذكّرت أيضًا أنني حذّرت شيجي أن لا تنام
بجانب الثعلب ، لكنها لم تفهمني ،
فظلّت تستجوبني طويلًا ، ولم أُحسن شرح الأمر…
أحرجتني فعلًا .”
“……”
ولا هذا أثار اهتمامه
فلم يجد تشي مو ياو طريقة سوى الانحناء إليه أكثر ،
وقبّل شفتيه بلطف
لكن شي هواي ظلّ عابسًا
فانتقل إلى تقبيل أماكن أخرى،
قُبلة بعد أخرى، يقبّل بحنان ، ويهمس قرب شفتيه :
“ لقد فكّرت في الأمر… أرجوك ، أعطني…”
أخيرًا، نظر شي هواي إليه، غير أنه لم يتحرك، وظلّ متصلبًا
في مكانه، وكأنه يقول ' إن أردتَ شيئًا، فعليك أن تتوسّل إليّ '
تشي مو ياو لم يمانع ،
بل بدأ بهدوء يفكّ أزرار ردائه ، وبدأ يخلع ملابسه ببطءٍ شديد
خلفه ضوء القمر البارد ،
مما جعل ظلاله تذوب في بياض الليل ،
وكأنّه لوحة ظلٍّ ساحرة تُعرض تحت السماء ، مغري كالحلم
جسده الرشيق انحنى قليلًا ،
و اقترب من شي هواي ،
وقبل قبلة خفيفة على قرن التنين
وفي اللحظة التالية ، تبدّلت الأوضاع
شي هواي أمسك بيده ،
وبدّل موضعهما بخفة ،
فأصبح هو من يعلو الآخر ،
و يحدّق في تشي مو ياو من أعلى ،
وأخيرًا… لم يعد بمقدوره كبح جماحه
…..
في منتصف الليل ، انهمر المطر خفيفًا بلا سابق إنذار
هدأت البحيرة ، تفتّحت أزهار اللوتس في صمت،
تطفو بلطف حول قارب صغير بدا وكأنه مهجور
ظلّ القارب يتمايل فوق الماء ،
تهتزّ أطرافه بإيقاع غير منتظم ،
تصنع دوائر مائية تتوالى … تارةً متسارعة ، وتارةً متباطئة
نسيم عليل يرافق رذاذ المطر ،
والقمر يسكب نوره عشقًا على نجوم الليل المتناثرة
أما داخل القارب ،
فقد امتزجت الرقة والوحشية ،
الحنان والعنف ،
في رقصة لا صوت لها إلا همساتٌ مقطّعة ،
تتخللها أنفاسٌ تُقال قرب الأذن كأعذب التوسلات ….
يتبع
الكاتبة :
الزمن سيمر سريعًا بعد هذه الفصول !
لكن بما أن الرواية من بدايتها تسير بخط زمني سريع ، فلعلكم قد اعتدتم على ذلك .
تعليقات: (0) إضافة تعليق