Ch11 | ALFKR
يوم الأربعاء مخصّص لتداول الأوراق المالية ،
فتوجّه تشين وان إلى شركة ' مينغجي جونغهوي ' لإنهاء بعض الإجراءات
يمتدّ حي سنترال بارك على مساحة واسعة ،
مشعًّا من ميدان دوف سكوير كنقطة مركزية ،
ومحاط بظلال كثيفة من أشجار البوهينيا
شركات كبرى مثل “مينغلونغ” التابعة لعائلة تشاو و ' برولي ' التابعة لعائلة شين ،
وكلتاهما سبق أن قرعت جرس سوق الأسهم ،
اتخذوا من شارع فينلي العقاري الفاخر مقرًا لهم
في المقابل، لم يكن أمام الشركات الناشئة والمتوسطة مثل شركة ' K X يانغ للتقنية التابعة
لتشين وان سوى استئجار
بعض الطوابق في المباني الواقعة في الجهة الغربية من شارع برينس
وحيثما وُجد الناس، وُجدت طبقات الازدراء
خريجو هارفارد أو كامبريدج يتجهون إلى شارع فينلي،
بينما يُلقى بخريجي كولومبيا أو بنسلفانيا إلى برينس ويست
وحين دخل تشين وان مبنى المكاتب المكيّف ، لمح تشاو
شينغهي على غير المتوقّع
كان يقف وحده، كما لو أنه ينتظر سيارة
بعد اختفاءٍ دام أكثر من شهرين ، ——
واقتصار وجوده على الإشاعات ،
تسبّب ظهوره المفاجئ في صدمة لتشين وان، —-
ترافقت مع بهجة غامضة تسلّلت إلى صدره — بهجة عديمة الجدوى
لم يكن تشين وان متأكد ما إذا كان تشاو شينغهي يذكره
تردّد لوهلة، ونيّته أن يتظاهر بعدم رؤيته ويمرّ من جانبه ،
و كانت أصابع قدميه قد التفتت بالفعل في اتجاهٍ معاكس،
لكن، وبالصدفة، التفت تشاو شينغهي نحوه
ربّما كان يتفقّد وصول سيارته
من هيئته بدا وكأنّه كان ينتظر منذ فترة ، وعلى عجلة من أمره
وجد تشين وان صعوبة في تجاهله ، فسار نحوه
بدى على تشاو شينغهي ملامح تذكّر باهت ،
دون أن يتمكن من تحديد من يكون تحديدًا
لم يستغرب تشين وان ذلك ،
فعرّف بنفسه بسرعة متجاوزًا التفاصيل
أومأ تشاو شينغهي برأسه ،
وقال بلا اهتمام يُذكر إنّ سيارته تعطّلت
ابتسم تشين وان بأدب وقال:
“ هل أنت مستعجل؟
إن لم تمانع، سيارتي قريبة ويمكنني أن أوصلك .”
نظر إليه تشاو شينغهي وسأله :
“ هل يناسبك ذلك ؟”
تجمّد تشين وان في مكانه
السؤال فاجأه—لم يكن يتوقّع أن يقبل عرضه بالفعل
اختلط شعور الحماس داخله بشيء من التوبيخ الذاتي ،
لأنه لم يُحضر سيارة أفخم اليوم
{ سيارة BYD من بين الجميع ! — BYD التي سبق
و أن تعرّضت للتهشيم على يد معتوه قبل فترة وجيزة !!! }
لكن تشين وان لم يشأ تفويت الفرصة
فأومأ برأسه وسأل عن وجهته
وحين سمع المكان، وافق دون تردد
تقدّمه بخطواته ، محافظًا على مسافة مهذّبة — لا قريب
جدًا ، ولا بعيد كما في لقاءاتهما السابقة
كان قوام تشاو شينغهي الطويل وخطواته الواسعة يحملان
معه هالة من الهيبة الهادئة
وأثناء السير ، كانت ذراعا الرجلين تتأرجحان بخفّة ،
محدثة تموّجًا في هواء الصيف الدافئ
ومع كل خطوة ، كان نبض تشين وان ينسجم لا إراديًا مع
إيقاع مشيته ، كأنّ جناحا حمامة تحلّق فوق الميدان
وجد نفسه يتساءل ، في حالة من الذهول ،
عمّا إذا كان ذراع تشاو شينغهي دافئاً —-
أدخل تشين وان يديه في جيبيه وأخرج مفاتيح السيارة
ومن مسافة عدة أمتار ، ضغط الزر ليفتح قفل سيارة BYD
صوت ' بيب ' حاد أيقظ سربًا من الحمام كان يستريح بجانب النافورة ، فانطلق محلقًا
بأدب، فتح تشين وان الباب الخلفي لتشاو شينغهي،
واضعًا يده قرب الإطار العلوي للسيارة كي لا يصطدم رأسه
—تصرف مثالي من رجل مهذّب
دخل تشاو شينغهي السيارة دون تردد
ورغم أنّها كانت قد خضعت للصيانة مؤخرًا،
فإن المساحة الضيقة للـ BYD جعلته يعبس قليلًا
ساقاه الطويلتان انثنت بشكل غير مريح ،
وكان الضيق واضحًا عليه
اعتذر تشين وان قائلًا :
“ السيارة صغيرة بعض الشيء ، أرجو أن تتفهم ذلك يا سيد تشاو.
توجد زجاجة ماء بجانبك .”
أجابه تشاو شينغهي باختصار :
“ شكرًا .”
كان ردّه باردًا وبعيد
وبعد أن سأل تشين وان عمّا إذا كانت درجة الحرارة مناسبة،
لم ينبس بعدها بكلمة،
مفضّلًا التركيز على القيادة دون أي محاولة لفتح حديث جانبي
أما في المقعد الخلفي، فقد لزم تشاو شينغهي الصمت تمامًا،
إلى درجة جعلت تشين وان يشكّ للحظة في وجوده فعلًا داخل السيارة
لكن حضوره، رغم صمته، كان طاغي
وجود ثقيل لا يُرى ولا يُسمع، لكنه يُحسّ،
أبقى تشين وان في حالة من التوتر الحذر
ولو كان لتشين وان عينٌ في مؤخرة رأسه، لرأى تشاو
شينغهي يحدّق فيه علنًا، بلا إخفاء
قاد تشين وان السيارة ببراعة،
يغيّر السرعة بسلاسة ويتّخذ قرارات التجاوز أو التباطؤ دون تردّد
أما تشاو شينغهي، فقد بدا كأنه مراقب صارم،
ثبت عينيه على يد تشين وان اليمنى—اليد ذاتها التي سكبت
لهم الشاي ذات مرة، والآن تمسك بعجلة القيادة بثبات
ثم صرف بصره عنها
ولسببٍ ما —- واجها كل إشارة حمراء في طريقهما —-
وعند كل تقاطع ، كانا يجلسان معًا داخل السيارة الصامتة ،
يمرّان بثوانٍ ثلاث وثلاثين من الترقّب المشحون —-
بالنسبة لتشاو شينغهي، كانت لحظات رتيبة من المراقبة
أما بالنسبة لتشين وان، فكانت عذابًا حلوًا
ساد السيارة صمتٌ شبه تام،
لا يُقطعه سوى نظرات خاطفة تتقاطع أحيانًا عبر المرآة الداخلية
نظرةٌ هادئة متعالية ، تقابلها أخرى لطيفة متواضعة ،
ثم سرعان ما يفترقان
ابتسم تشين وان باعتذار ، وكأنّه يحمّل نفسه مسؤولية
الاشارات الحمراء ، شاعرًا بالذنب لإضاعة وقت الرجل الآخر
لكن تشاو شينغهي لم يردّ على ابتسامته
اكتفى بتحويل نظره بينما يجيب على مكالمة:
“ ازدحام .
أنا في الطريق .”
قالها بصوت منخفض، ثابت، كل مقطع فيه ينساب كأرجل
نملة صغيرة تزحف فوق عصبٍ مكشوف،
تتسلل إلى قلب تشين وان وتلسعه
وجهتهما ' بركة النسر' — وكرًا للمتعة والانحلال في هايش ،
سيّء السمعة ببذخه وانعدام حدوده الأخلاقية
لم تكن لدى تشين وان أوهامٌ ولا خيالات غير واقعية
كان واعيًا تمامًا، عقلانيًا، ومتزنًا في مشاعره
لكن التفكير شيء، والواقع شيء آخر
فلو كانت العواطف سهلة السيطرة ، يسيرة الكبح ،
لكانت قوتها أمرًا تافهًا لا يُذكر
لو كان تشو تشي شوان حاضرًا ، لأثنى على تشين وان إعجابًا
به— يقود بنفسه السيارة ليُقلّ من يُحب إلى مكان كـ ' بركة النسر '
الحب من طرف واحد أشبه بالسير في طريق بلا عودة ،
لا صوت فيه يُسمع ، ولا نظرة يُمكن تبادلها
تحت ضجيج الأبواق وتتابع الأضواء الحمراء ،
بدا وكأنّ مراحل العذاب تتعاقب الواحدة تلو الأخرى
أما ناطحات السحاب التي تعلوهم ،
فشبهت بنُصُبٍ شاهقة تدفن صمتًا حبًا لا يُقال
عندما وصلا إلى بركة النسر ، طلب تشاو شينغهي ألّا يُنزله
عند المدخل الرئيسي
ورغم أنه لم يكن يعرف تشين وان معرفة وثيقة ،
فإن نبرته حملت سطوة فطرية ،
وكأن إصدار الأوامر أمرٌ معتاد لديه
ومن دون أن يلتفت ، أومأ تشين وان برأسه عبر المرآة
الخلفية وهو يُجري عملية الرجوع بالسيارة، وسأله:
“ وأين تفضّل أن أنزلك إذًا ؟”
بسبب كثرة التفتيشات الأمنية ، كان لـ بركة النسر عدة مداخل جانبية ،
يزداد عددها كلما ارتفعت درجة عضوية الزبون
كلما كنت أرفع مقامًا ، زادت قدرتك على الدخول خلسة
لم يكن واضحًا لتشين وان ما إذا كان تشاو شينغهي يريد أن
يُعلن عن وجوده، أم يُبقيه طيّ الكتمان
وعندما تردد تشين وان للحظة ، أضاف تشاو شينغهي بلهجة مدروسة :
“ اختر المكان الأسهل لك في التوقف .”
ازداد صداع تشين وان سوءًا
فعلى الرغم من أنّ الكلمات بدت مهذّبة ،
إلا أنّها في الحقيقة حمّلت القرار كله له ،
كاشفةً عن مدى معرفته بهذا المكان ،
وعمّا إن كان على دراية بتفضيلات تشاو شينغهي —-
وبعد لحظة تفكير حذرة، اقترح تشين وان أخيرًا :
“ ما رأيك أن أُنزلك عند بوابة الماء ؟”
كانت بوابة الماء في موقع مركزي ،
تؤدي مباشرةً إلى مصاعد خاصة يمكن من خلالها الوصول
إلى مختلف الأقسام
قابل تشاو شينغهي اقتراحه بابتسامة خافتة عبر المرآة الخلفية :
“ يبدو أنك مطّلع جيدًا ”
أراد تشين وان أن ينكر ، لكنه خشي أن يُكثر من الكلام ،
فاختار الصمت
والحقيقة أنه لم يزر المكان سوى مرة واحدة ،
وغادره مبكرًا بعد أن انزعج من العروض الفاحشة الصريحة هناك
وفي النهاية ، أوصل تشين وان تشاو شينغهي إلى بوابة الماء
وانطلق بسيارته دون أن يسأله إن كان يحتاج توصيلة في طريق العودة
ولم يدخل تشاو شينغهي إلى المبنى إلا بعد أن اختفت
أضواء سيارة تشين وان تمامًا
لكنه لم يدخل من نفس الباب، بل اختار بابًا آخر
كان أحد المساهمين في بركة النسر بانتظار تشاو شينغهي عند المدخل ،
وقاده مباشرةً إلى مصعدٍ خاص أوصله إلى الطابق الثامن والسبعين
كان المبنى الشاهق واقف ككائنٍ عملاق وسط ضباب الليل،
ومن خلال الزجاج العاكس من جهة واحدة،
يمكنهم النظر إلى الأسفل حيث تنتشر عربدة اللذة والفساد،
بينما تتلألأ أضواء هايش كأنّها سفينةٌ عملاقة تشقُّ عباب الليل
———
في الداخل ،
نهض رجل يقترب من الأربعين من عمره،
بعد أن حرّر الصبي الجالس على ركبتيه،
وتقدّم بخطًى واثقة، مادًّا يده قائلًا:
“ السيد تشاو "
مدّ تشاو شينغهي يده، ولم يلامس يد الرجل الآخر إلا بخفة:
“ السيد شاو "
ألقى شاو ياوتسونغ نظرة خلفه ، فلم يرَى أحد ،
لكنه يعلم أنّ سعال واحد من تشاو شينغهي كفيل بأن
يستدعي عشرات الحراس المسلحين من العدم
وبعد أن جلس تشاو شينغهي،
أشار شاو ياوتسونغ لصبيٍّ آخر بأن ينضم إليهما
كان هذا الصبي أجمل من الأول، يحمل ملامحًا بريئة ونظرةً نقية
لم يرفض تشاو شينغهي بل قال له:
“ اسكب لي مشروب ”
فأعاد الصبي يده الممتدة وجلس بجواره بهدوء وأدب
ضاقت عينا شاو ياوتسونغ الغائمتان وقال:
“ لا يعجبك السيد تشاو؟ لقد اخترته خصيصًا لك.”
فكلا الصبيين لم يكونا من موظفين بركة النسر ،
بل اختارهما شاو ياوتسونغ بنفسه ،
بعد فحص وانتقاء دقيق
تجاوب تشاو شينغهي، وألقى نظرة على الصبي المطيع الجالس بجانبه،
ثم اتكأ بارتخاء على الأريكة ، واضعًا ذراعه على مسندها الخلفي، وقال:
“ أنت شخصٌ شديد الاهتمام السيد شاو ”
ثم التفت إلى الصبي، وخفّت نبرته وهو يأمره:
“ انزل أكمامك ”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق