Ch12 | ALFKR
لم يفهم الصبي سبب الطلب، لكنه أطاع التعليمات دون تردد
كان يرتدي قميص أبيض اليوم، وحين أنزل أكمامه،
اختفت الوحمة التي كانت على معصمه عن الأنظار،
فانصرف ذهن تشاو شينغهي عنها
شاو ياوتسونغ أساء فهم هذه الحركة ،
فظنّها بادرة لطف ، فابتسم وقال :
“ السيد تشاو يعرف حقًا كيف يُظهر تعاطفه .”
فدرجة التكييف في الغرفة كانت مرتفعة بالفعل
تشاو شينغهي، وقد تقاطع ساقيه، لم يعلّق بشيء
لكن شاو ياوتسونغ لم ينزعج من الصمت، ودخل مباشرةً في صلب الموضوع:
“ فيما يخص الأمر الذي ناقشناه سابقًا ما قرار السيد تشاو ؟”
تهرّب تشاو شينغهي بمرونة:
“ دعنا نؤجل الحديث عن مسألة الأرض في الوقت الحالي،
ولنلقِ نظرة على البضاعة أولًا .”
: “ بالطبع.”
ردّ شاو ياوتسونغ على الفور، وأشار إلى تابعه ليُخرج صندوقًا
ويعرض ما بداخله
نظر تشاو شينغهي إلى الأسفل للحظة ،
ثم ابتسم ابتسامة باهتة وقال:
“ هذه من شحنة قاعة الكركي الأبيض؟
لا تليق بمستواهم .”
توقف شاو ياوتسونغ قليلًا
في مدينة هايش ، وبجانب العائلات الكبيرة الثرية مثل
عائلتي تشاو وشين ،
كانت لا تزال هناك جماعات من العالم السفلي ،
يعود بعضهم إلى القرون الماضية
تلك الفصائل يعتمدون أساليب عنيفة ، لا يهتمون بالقوانين ،
يعبثون في الأسواق ، ويتحالفون مع مسؤولين فاسدين
يوفرون لهم الحماية
وغالبًا يقفون على الحافة بين الشرعية وغير الشرعية ،
مما يسبّب صداع دائم للجهات الجمركية والشرطة
وكانت ' قاعة الكركي الأبيض ' واحدة من تلك الجماعات
أحد نوّابها السابقين، ماي جياهوي، يُشاع أنه أُجبر على
الانتحار مؤخرًا بعد مكالمة هاتفية واحدة فقط من تشاو
شينغهي، وكان من الوجوه البارزة في العصابة
ورغم العلاقة السطحية التي كانت تربط الشرطة بتشاو شينغهي،
فقد طلبوا مرارًا مساعدته للقضاء على تلك العصابات
ونظرًا لأن مجموعة شركات مينغلونغ التي يملكها تتمتع
بمعاملة جمركية تفضيلية ،
وافق تشاو على المساعدة ، مستغلًا الفرصة للقضاء على
تلك ' الآفات السوقية ' بدعمٍ حكومي
أما هذا الـ شاو ياوتسونغ —- فبعد أن شهد سقوط ماي جياهوي،
أدرك أن السلطات جادّة في تحركاتهم ،
وأن نهاية قاعة الكركي الأبيض باتت قريبة ،
فسارع إلى التحرّك —- وباستخدام الأدلة التي بحوزته ضد القاعة ،
طلب دعم تشاو شينغهي في سبيل تنظيف سجله ،
والبدء من جديد ، مقابل أن يمدّه بسلسلة توريد مربحة ،
وقطعة أرض في خليج باولي ——-
في السابق ، كان ماي جياهوي مسؤولًا عن الشؤون المالية
لقاعة الكركي الأبيض، بينما تولى شاو ياوتسونغ إدارة
سلاسل الإمداد والعقارات
وبعد أن أدرك نفوذ تشاو شينغهي، تيقّن أن المقاومة لا طائل منها
فقد أصبح انهيار القاعة مسألة وقت ،
ولم يبقَى أمامه سوى خيانة رفاقه والبحث عن طريق نجاة لنفسه
العرض الذي قدمه كان يتضمن إمدادات مربحة،
لكنها مهربات، وهو لم يكن ضمن اهتمامات تشاو شينغهي
أما الأرض، فكانت ثمينة للغاية — قطعة مُنحت في بدايات
إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة،
ومن المستحيل الحصول عليها حتى بالثروة الطائلة
وبمجرد بدء تشغيل الميناء الجديد،
ستكون مصدرًا لتدفقات شحن سنوية بمليارات اليوانات
وقد وضع تشاو شينغهي عينه عليها منذ وقت طويل
ظنّ شاو ياوتسونغ أن عرضه يحمل وزنًا كبيرًا ،
لكنه لم يعلم أن تشاو شينغهي سبق وتفاوض مع مكتب الإدارة المالية
وبمجرّد انتهاء عملية ' العاصفة الرعدية ' التي تحمل الاسم
الرمزي ' الإعصار 7 ' ستُسلّم المهربات وشبكتها كاملة إلى الجمارك ،
بينما ستؤول ملكية الأرض إلى تشاو شينغهي
ستُعرض الأرض للمزايدة علنًا ، لكن شركة مينغلونغ التابعة
له ستكون الفائز الطبيعي،
ليضمن أن جهوده لم تكن لوجه الإله ، بل محكمة التخطيط ~
قال شاو ياوتسونغ بحذر ، محاولًا التقرّب:
“ عين السيد تشاو حادة بالفعل ، وهذا واضح…
لكن لا يمكنك أن تلومني على التحفظ .
إن كنت سأفرّط في سلسلة الإمداد الخارجية ، فلا بد أن
أتأكد أن الطرف الآخر يُدرك قيمتها الحقيقية .”
ردّ تشاو شينغهي بنبرة هادئة وثابتة :
“ هل انتهيت من اختباري يا سيد شاو؟”
: “ بالطبع، بالطبع.”
أشار شاو ياوتسونغ إلى رجاله ليُخرجوا البضاعة الحقيقية
من باب مخفي، ويقدموها لتشاو شينغهي
اختار تشاو قطعتين، قلبهما بين يديه متفحّصًا تفاصيلهما،
وأشار إلى بعض العيوب الطفيفة
فعند التعامل مع فصائل من هذا النوع ،
فإن إظهار الكثير من التقبل والتساهل يُولّد الشك
أما النقد ، فكان بمثابة طمأنة لشاو بأن تشاو شينغهي يأخذ
المسألة على محمل الجد، وبأنه مهتم فعلًا بسلسلة الإمداد
قال شاو ياوتسونغ موضحًا :
“ لا تقلق بشأن ذلك . الإيطاليون معتادون على المسدسات الدوارة ،
والانفجارات العرضية لا تشكل مشكلة كبيرة لديهم .”
رمقه تشاو شينغهي بنظرة باردة ، دون أن يُعلّق
أضاف شاو :
“ هذه الشحنة تكفي فقط لثلاثة قوارب .
وإذا طلب المشترون المزيد ، يمكننا إعادة تجميع البقية
في الوقت المناسب .”
“همم.” وتبع تشاو شينغهي بنبرة عابرة:
“ وكم تبقّى منها ؟”
“ ثمانية قوارب.”
أجاب شاو كاذبًا —- والواقع أنها كانت ثلاثة عشر ،
مع عدد من الصناديق المخفية في العلن — في بركة النسر،
المكان الشهير ببنيته التحتية المعقدة تحت الأرض
فإلى جانب كونه موقع للمتعة والانحلال ،
أقبية الطابق السفلي تُستخدم كخزنة آمنة ،
بمستوى سريّة يماثل المصارف السويسرية
وقد خزن شاو جزءًا من البضاعة هناك ،
لأنه يعرف تمامًا من هو تشاو شينغهي،
ويُدرك أن أي خطأ في الحساب قد يُكلّفه حياته
في هذه الأثناء ، تشاو شينغهي يحتسي النبيذ الذي ناوله إياه
الصبي ، بملامح توحي بلامبالاة مريحة
ثم قال، بصوته الهادئ:
“ وإذا كانت هناك تعديلات مطلوبة هل يضمن السيد شاو
الجدول الزمني للبناء ؟”
ضحك شاو ياوتسونغ بخفة ، وقال:
“ لا داعي للقلق يا سيد تشاو ”
رغم ما أبداه من تعاون، لم يكن راغبًا في التخلي عن السيطرة الكاملة ،
بل كان يأمل في الاحتفاظ بدور في عمليات النقل،
ساعيًا إلى شراكة طويلة الأمد
أومأ تشاو شينغهي إقرارًا ،
مقترحًا أن يختبر بضع شحنات بحرية أولًا
فوافق شاو ياوتسونغ بسهولة
وحين رأى تشاو علامات الرضا على وجهه ، سأله فجأة وبنبرة حادة:
“ هل نسيتَ شيئ يا سيد شاو ؟”
تردّد شاو ياوتسونغ قليلًا قبل أن يجيب:
“ الجرائم التي ارتكبتها قاعة الكركي الأبيض كثيرة ، لكن
جمع الأدلة سيستغرق بعض الوقت .”
تأمله تشاو شينغهي للحظة ، ثم أومأ برأسه :
“ حسنًا . الدفع عند التسليم .
ويجب تسليم الأدلة عند مغادرة الشحنة للميناء .”
شعر شاو ياوتسونغ بالضيق من هذا الشرط
فقد كان ينوي الاحتفاظ بالأدلة كورقة مساومة ،
على الأقل حتى تتوطد مصالحهما المشتركة
لكن موقف تشاو كان واضحًا وصارمًا — لا أدلة ، لا شحنة
وبدون حماية تشاو شينغهي، لن تتمكن سفنه من عبور
المضيق، خصوصًا أن الإيطاليين معروفون بدقتهم في المواعيد
على مضض قال شاو ياوتسونغ:
“ سأكلف رجالي بجمع جزء من الأدلة وإرسالها عبر قنوات
آمنة قبل مغادرة الشحنة .”
سأله تشاو شينغهي:
“ وكم تبلغ نسبة هذا الجزء ؟”
أجاب شاو بمراوغة : “ ما بين خمسين إلى ستين بالمئة ،،
السجلات تمتد لسنوات طويلة ،
وقد يحصل بعض السهو أو النقص .”
: “ مقبول ” ردّ تشاو دون أن يُلح أكثر
إذ كان يعلم أن الجهات الجمركية وإنفاذ القانون تستطيع،
من خلال ثغرة صغيرة، أن تكشف كامل شبكة قاعة الكركي الأبيض
وفي النهاية —- تغير الحديث إلى مسألة نقل الأسهم
أراد تشاو شينغهي الاطلاع على وضع مجلس الإدارة ،
واقترح شراء أسهم شاو ياوتسونغ
أما شاو، الذي كان يطمح إلى الهروب،
فقد أبدى استعدادًا للبيع،
لكنه حاول أيضًا أن يُقحم تشاو في شراكة وثيقة
فالاتفاقات والوعود لا تُقارن بتشابك المصالح، الذي يخلق ولاءً حقيقيًا
تصفح تشاو شينغهي الاتفاقية التي أحضرها شاو ياوتسونغ بنظرة سريعة ،
ثم ألقاها على الطاولة بحركة حاسمة ،
فصدر عنها صوت مكتوم ' طَاخ '
ثم ثبّت نظراته الحادة على شاو ياوتسونغ وقال بنبرة باردة:
“ إذا حاول السيد شاو التخلّص من أسهم معطوبة ،
فسأفعّل قانون الذهب .”
تجمّد شاو ياوتسونغ في مكانه ، مذهولًا من قدرة تشاو
شينغهي على اكتشاف العيوب في الاتفاقية دون حتى مراجعتها بدقة
قانون الذهب أو كما يُطلق عليه أحيانًا ' قانون تشاو شينغهي ' مجموعة من اثنتي عشرة قاعدة اقترحها تشاو
خلال قضية احتكار شهيرة خاضها ضد أباطرة وول ستريت
وقد شكل انتصاره في تلك المعركة — التي شُبّهت بصراع
داود مع جالوت — قفزةً هائلة في سمعته ومكانته
لاحقًا، أطلق الصحفيون الماليون على هذه القواعد اسم
قانون الذهب ؛ لما أحدثته من صدمة في عالم المال المنحاز
بالنسبة إلى تشاو شينغهي، لم يكن العمل التجاري مجرّد سعيٍ للربح ،
بل كان تأسيسًا لمنظومات نجاح طويلة الأمد
وقد فرض قانون الذهب عقوبات صارمة على من يبيع
أسهمًا معطوبة بنيّة خبيثة
ورغم أنه غير ملزم قانونًا ، فقد أصبح معيارًا واسع القبول في السوق ،
ويُستشهد به كثيرًا في النزاعات الاقتصادية
وإذ كان يقف أمام واضع هذا القانون ، لم يجرؤ شاو
ياوتسونغ على التلاعب، ووافق على إعادة تقييم الأصول
وتثبيت الشروط وفقًا لذلك
بدا أن تشاو شينغهي قد ارتضى بذلك، فانتهى الاجتماع
دعاه شاو ياوتسونغ إلى عرض خاص قد جهزه مسبقًا—
عرض ترفيهي من الطراز الغريب —-لا شك في ذلك
ولتفادي إثارة الشكوك ، وافق تشاو شينغهي على الحضور لوقت قصير
غمر الرضا وجه شاو ياوتسونغ
ورغم أن الأخير لم يُوفّر مالًا في سبيل العرض،
فإن تشاو شينغهي، المتمرّس في لعبة المال والرغبة، ظلّ غير متأثر
فقال له شاو ممازحًا:
“ السيد تشاو هل لم يلفت أي من هذا انتباهك ؟
أم أنك ربما تملك شخصًا مميزًا بالفعل ؟
إن كان الأمر كذلك ، فإني أعتذر على الإساءة .”
وجد تشاو شينغهي في كلامه شيئًا من الغرور الطريف ،
فردّ بصوتٍ واثق:
“ السيد شاو إنك تُفكّر أكثر مما ينبغي .”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق