Ch2 | TMCTM
بعد عشرة أيام من الحصص التي تلت امتحانات نهاية الفصل، انتهى الدوام أخيرًا
ولأن خليج تاوشي كان بعيدًا عن المدرسة الثانوية الأولى في المقاطعة،
كان تاو شي يقيم عادة في سكن المدرسة، ولا يعود إلى
المنزل إلا مرة في الشهر
وضع كتبه وملابسه في حقيبة بلاستيكية كبيرة ،
واستقل حافلتين تابعتين للمقاطعة حتى وصل إلى خليج تاوشي
خليج تاوشي أبعد قرية في مقاطعة تشينغشوي
المناظر الطبيعية فيه خلابة،
لكن الأرض فقيرة
تتجاور أشجار الشاي الأخضر على المدرّجات الزراعية في مشهدٍ جميل،
وعندما تهطل أمطار الربيع، تتفتح مئات أزهار الخوخ على
ضفاف نهر تشينغشوي في الجبال،
وتغمرها الضباب، فتزهر كما لو كانت تطفو على الجداول
ومع ذلك، لم يكن لدى معظم سكان القرية المحليين ترف التفرغ للاستمتاع بالمناظر أو الزهور
في السنوات الأخيرة، جذب الإنترنت بعض المتفرغين والرسامين الهواة الذين قدموا لرسم المناظر والتقاط الصور،
فقام عدد من المزارعين الميسورين بافتتاح بيوت ضيافة ريفية
ومع استكمال شقّ الطرق في المقاطعة ، باتت الوفود تتزايد
كانت عائلة تاو شي تقيم على جانب الجبل، قرب نهر تشينغشوي،
في منزل صغير من الطوب بجدران بيضاء وسقف رمادي
كانت والدته قوه بينغ ووالده تاو جيان من أهل خليج تاوشي الأصليين
يعمل تاو جيان خارج القرية طوال العام، أما قوه بينغ فكانت أحيانًا تقوم ببعض
الأعمال المؤقتة في بيت الضيافة الريفي أو مصنع الشاي عندما يتوفر لها وقت فراغ
أخته الصغرى، تاو لي كانت تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا،
وقد بدأت لتوّها عطلتها الصيفية بعد انتهاء الفصل الدراسي في المدرسة الإعدادية
وبأذنيها الدقيقة ، سمعت تاو لي حركة في الممر،
فاندفعت مسرعة لملاقاة تاو شي، وكادت تتعثر بكيس
سماد ملقى على الأرض من شدة الحماس
وما إن رآها تاو شي تخرج، حتى أمسك بذراعها وسحبها على
عجل إلى داخل الغرفة
قال وهو يضع حقيبته:
“ لا تخرجي، الشمس حارقة اليوم .”
أغلق الباب الخشبي، ثم استدار ونظر إلى وجه تاو لي
كانت الفتاة الصغيرة ممتلئة قليلاً، ترتدي بنطالًا ضيق
ولها شعر طبيعي مجعَّد ولامع،
وعينان لوزيتان ذكيتان مليئتان بالحيوية،
لكن وجهها كان مغطىً ببقعة حمراء كبيرة على شكل فراشة،
تمتد من جسر الأنف حتى الجانب الأيسر من الوجه
تاو لي مصابة بمرض الذئبة الحمراء المناعية ،
و تتناول الأدوية بانتظام للسيطرة عليه
قالت بحماس:
“ غاااا غاا ! سمعت من زميلاتي إنك الأول على المقاطعة !
وستذهب للدراسة في مدينة وينهوا وقت بدء الدراسة !”
تاو لي قد بدأت عطلتها الصيفية مبكرًا ،
و تساعد والدتها قوه بينغ في بعض الأعمال الزراعية ،
وتنتظر عودة تاو شي كل يوم بفارغ الصبر
وقد انتشرت الأخبار بسرعة ، ومن المرجّح أن قوه بينغ
سمعت بها أيضًا، مما وفر عليه عناء الحديث معها
أومأ تاو شي برأسه ، لكن لم يكن على وجهه أي أثر للفرح
كما كان عليه حين سمع الخبر لأول مرة
ولولا تاو لي ، لما رغب أصلًا في العودة إلى هذا المنزل
بعد غروب الشمس، جمع الشقيقان أوراق الشاي المجففة من ساحة التجفيف
وفي وقت لاحق، عندما عادت قوه بينغ من مصنع الشاي،
كان تاو شي مشغولًا بالطهي في المطبخ
أخذت كوب المينا من على لوح التقطيع ،
وارتشفت بضع جرعات من شاي الأعشاب ،
ثم توجهت نحو المطبخ
قوه بينغ في شبابها مشهورة بطباعها القوية في خليج تاوشي،
لكن بعد عشرة أو عشرين عامًا من ضياع الوقت والعمل الشاق،
باتت بشرتها داكنة ومصفرة ومليئة بالتجاعيد،
وانطفأت نظرة عينيها المشمشيتين الجميلتين،
وتحوّل طبعها إلى الصمت والجمود
نظرت قوه بينغ إلى ابنها الواقف أمامها
كان ذا بشرة بيضاء منذ ولادته، ورغم نشأته في الريف
لسنوات طويلة وقيامه بأعمال زراعية شاقة،
ظل نقياً أبيض اللون،
أشبه بأولئك الطلاب الفنانين الذين يأتون من المدينة إلى
خليج تاوشي للرسم والتخطيط
قالت وهي تجلس على المقعد الخشبي بجوار الموقد، تواجه النار، بصوت غريب لا يشبه حديث أم لابنها:
“ سمعت من ابن الأخت تشانغ أنك ستذهب للدراسة في
مدينة وينهوا السنة المقبلة ؟”
كان تاو شي ممسكاً بملعقة الطهي، ولم ينظر إليها
لم يكن يطيق تلك النظرة التي ترمقه بها،
إذ كانت تذكّره دوماً بقدره السخيف الذي يختبئ خلفها
قال بصوت خافت ونبرة خالية من الانفعال:
“مدرسة وينهوا الثانوية الأولى ستتكفّل بمصاريف المعيشة. ألف وخمسمئة شهرياً.
سأترك ثمانمئة منها لـ ليلي ( لي لي ' تدليل لاخته )
لتتمكن من زيارة الطبيب وشراء أدويتها .”
سكتت قوه بينغ، وأمسكت بالملقط لتضع قطعة حطب جديدة في الموقد
اشتعل الغضب في صدر تاو شي فجأة ، كما تشتعل النيران في موقد مزدحم بالحطب
أكثر ما كان يكرهه هو هذا الصمت الظاهري المتسامح من
قوه بينغ، صمتٌ يثير في قلبه رغبة جارفة في قول كلمات جارحة
فقال بحدّة:
“ لا تقلقي، لن أقترب من ابنك ولن أدمّر حياته .
مدينة وينهوا كبيرة ، وحتى لو أردت أن أبحث عنه، أين سأجده ؟”
قالت قوه بينغ بهدوء :
“ لم أقصد ذلك .”
{ بل هذا ما قصدتِه تمامًا }
ضحك تاو شي بسخرية ، لكنه لم يُضف شيئًا بعد ذلك
لم يقضِ تاو شي عطلته الصيفية، التي امتدت ثلاثين يوماً، في كسل
فإلى جانب بعض الأعمال الزراعية،
خصّص وقتاً ثابتاً يومياً لمراجعة ما درّسه له أساتذة مدرسة وينهوا الثانوية الأولى،
كما كان يساعد تاو لي في واجباتها المدرسية
كانت الفتاة الصغيرة منبوذة نوعاً ما في المدرسة،
ولم تكن متفوقة في دراستها
وفي كل فرصة تتاح له، كان يعمل كـ مودل للرسم لدى طلاب الفنون الذين يزورون القرية ،
وكان أجره مئة يوان في كل مرة
وبفضل وجهه الجميل ولسانه المعسول ، كان بعضهم يمنحه إكراميات إضافية
و عمل كـ مودل لبعض المصورين ،
وكانت أجورهم أعلى بكثير ،
لأنهم اعتادوا التطفل على حياته وسؤاله عن وضع عائلته،
بحجة توثيق “حياة الريف”
وكان تاو شي يفهم نواياهم جيداً ،
فيختلق لهم قصصاً مأساوية تروق لهم ~ ،
كأن يقول إن والده قد مات ، أو أن والدته هجرتهم
وأحياناً كان يرسم مع طلاب الفنون
كانوا يعيرونه فرشهم ، فيرسم بحرية وانسياب
وذات مرة ، بينما الفتيات يرسمْن مناظر طبيعية متفرّقات،
تجمعن حوله وهن ينظرن بانبهار إلى لوحته
قالت إحداهن بدهشة:
“ واو، شياو ديدي ( الأخ الصغير) هل حقاً لم تتعلم الرسم من قبل؟
كيف ترسم أفضل مما تعلمناه نحن؟”
توقفت يد تاو شي عن الحركة
لم يكن يرغب بأن يروا ما رسمه — لأنه رسم لين تشينهي
في اللوحة ، كان الشاب ذو القميص الأبيض يطأطئ رأسه ناظرًا إلى الجانب
و أزهار الخوخ خارج النافذة تخفيها أشعة القمر الساطعة
لم يعد يدري أيّ ' لين تشينهي ' قد رسم هذه المرة
كان يملك دفتر اسكتشات، جميع صفحاته تحمل رسومات
لـ لين تشينهي — جالسًا أو واقفًا، يقرأ أو يكتب
في الحقيقة لم يكن قد رأى الكثير من ملامح لين تشينهي
الواقعي،
فكل تلك الرسومات كانت تجسيدًا للقمر الذي رسمه في خياله
صرخت إحدى الفتيات بدهشة وسألت:
“ يا له من وسيم! من يكون هذا ؟”
ابتسم تاو شي ابتسامة مجاملة ،
ثم شكرهن بعد أن انتهى من الرسم ،
وركض مبتعدًا حاملاً لوحته
في الحقيقة، كان يحب الرسم منذ طفولته،
وامتلك موهبة فطرية تفوق أقرانه
إلا أن قوه بينغ كانت قد ضبطته ذات مرة وهو يرسم،
فجنّ جنونها حينها،
وجمعت كل لوحاته وألقتها في الموقد وأحرقتها
أُصيب حينها بذعر شديد، ولم يجرؤ على الرسم إلا خلسة بعد ذلك
ومع مرور الوقت، أدرك أخيرًا سبب ذلك الغضب الذي استبدّ بها
مرّت العطلة الصيفية سريعًا ——
ترك تاو شي معظم المبلغ الذي كسبه — ألفي يوان —
لشراء دواء لـ تاو لي ،
واحتفظ بخمسمئة فقط كمصروف إضافي للذهاب إلى
مدرسة وينهوا الثانوية الأولى
وفي أواخر شهر أغسطس ،
جهّز أمتعته استعدادًا للمغادرة
أصرت تاو لي على مرافقته ، فربّت على خصلاتها المجعّدة
برفق ورفض رفضًا قاطعًا
لم يتبادل أي كلمة مع قوه بينغ ،
فقط أخذ حقيبته وركب الحافلة المتجهة إلى مدرسة تشينغشوي الثانوية الأولى
جاء لوداعه عدد من قيادات المدرسة والمعلمين
تجمّع المعلمون حول تاو شي وبدأوا يوصونه كما تفعل الأم العجوز بابنها،
وكأنهم يرسلون طفلهم إلى ساحة معركة
نصحوه بألّا يضع على نفسه الكثير من الضغط،
وأكدوا له أن الشعور بعدم القدرة على المواكبة أمر طبيعي،
وحثوه على أن يُحسّن من حالته النفسية،
وأن يتعامل بلطف مع معلميه وزملائه
كان معلم اللغة الصينية رجلاً مسنًّا، وكان يحب تاو شي دائمًا
دفع إلى صدره كيس من الحلوى المصنوعة منزليًا وقال يشجّعه:
“ يا بني، أنت ممتاز، لست أقل شأنًا من طلاب مدرسة وينهوا الأولى.
كن واثقًا بنفسك، لا تكن متواضعًا حدّ
الذل ، ولا متكبرًا حدّ الغرور ! ”
أومأ تاو شي برأسه وشكره
لطالما أحب أكل الحلوى ، لكن حتى إن توفرت في المنزل، كانوا يعطونها لتاو لي
كان يعلم أن ما قصده المعلم العجوز بقوله “لا خضوع ولا غرور” هو ألا يشعر بالدونية
لكن الحقيقة أنه لم يختبر مشاعر النقص أو الدونية قطّ في حياته
حتى حين رأى لين تشينهي، كان يشتعل رغبةً في الاقتراب منه،
والوقوف إلى جانبه، وأن يصبح إنسانًا صالحًا مثله — لا أن يشعر بالخزي
وفجأة — قال معلمه فنغ يوان الذي ظلّ صامتًا طوال الوقت:
“ إذا حدث خلاف بينك وبين زملائك ، لا تتشاجر .
فربما لن تجد أحدًا هناك يحميك .”
فتح تاو شي عينيه على اتساعهما ونظر إليه بدهشة
فهو لم يسبق له أن تشاجر قطّ في مدرسة تشينغشوي الأولى
كان دائمًا الطالب المثالي، على الأقل في نظر المعلمين
سعل فنغ يوان بخفّة، ثم قال بصوت منخفض:
“ لا تقلق بشأن شقيقتك ، سيتم نقلها إلى صف المعلمة دينغ مباشرةً .
لن يجرؤ أحد على التنمّر عليها بعد الآن .”
كانت زوجته ، دينغ فانغ ، معلمة اللغة الصينية في المدرسة
الإعدادية بالمقاطعة، وتشغل أيضًا منصب مشرفة صف
نظر تاو شي إلى فنغ يوان بصمت ، ثم فجأة ،
انحنى بكل وقار أمام جميع المعلمين الحاضرين وقال بامتنان :
“ شكرًا لكم ...”
و بثقة :
“ سأكون بالتأكيد أول طالب في مقاطعة تشينغشوي يجتاز هذا الامتحان .”
وهذه المرة ، لم يكن يقول ذلك على سبيل المجاملة
أوصل المعلمون تاو شي حتى بوابة المدرسة
وكان فنغ يوان يرافقه ، يتناوبان على حمل الحقائب الكبيرة والصغيرة
استقلا حافلة إلى أقرب مدينة على مستوى المحافظة،
وهناك أكلا وعاءين من النودلز سريعة التحضير في محطة القطار،
وانتظرا حتى منتصف الليل ليركبا القطار السريع
وبعد قضاء الليل جالسين ، وصلا إلى مدينة وينهوا ظهر اليوم التالي
لم يكن تاو شي قد سافر من قبل إلى مكان بعيد كهذا ،
كما أن المعلم فنغ يوان نادرًا خرج من المدينة
لذا ، حين وصلا إلى محطة القطار السريع،
شعرا بالدوار والتعب،
ولم يكونا يفهمان شيئًا من خطوط الحافلات أو المترو
وفي النهاية، صر فنغ يوان على أسنانه وأخذ تاكسي إلى
مدرسة وينهوا الثانوية الأولى
أراد تاو شي دفع أجرة التاكسي ، لكن فنغ يوان لم يسمح له
ما إن خرج تاو شي من السيارة ورأى بوابة مدرسة وينهوا الثانوية الأولى،
حتى شعر وكأنه يحلم، وارتخت قدماه قليلًا
شاب ورجل ، مع حقيبتين ، إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة،
يقفان أمام بوابة المدرسة — مشهد بدا غريبًا بعض الشيء
وسط المكان، بل ويبعث على الحزن
توقف فنغ يوان لحظة مدهوشاً بالمكان ،
ثم أخرج هاتفه وأجرى اتصالًا ،
بينما تاو شي يرفع رأسه ناظرًا إلى بوابة المدرسة بنهم
مبنى شاهق بخطوط تصميم بسيطة
وقد نُقشت عبارة [ مدرسة وينهوا الثانوية الأولى]
ذات الأحرف السبعة على لوح من الرخام الأبيض
ومن خلف الباب المعدني الأوتوماتيكي،
امتدّ طريق أسفلتي عريض، تصطف على جانبيه الأشجار
ذات الأوراق الخضراء المتمايلة مع صرخات الزيزان،
وتخفي خلفها مبنًى أحمر في نهاية الطريق
تنهد تاو شي في قلبه وقال لنفسه إن هذا المكان أكثر رقيًّا
بكثير من بوابة الحديد الصدئة المتهالكة في مدرسة تشينغشوي الثانوية الأولى
وما لبث أن ظهر معلم متوسط العمر ممتلئ القامة يمشي
بخطى سريعة على ذلك الطريق
كان تاو شي قد رأى هذا المعلم على الشاشة طوال عام
تقريبًا — إنه تشو تشيانغ ، المشرف على الصف ومعلم
الرياضيات في الصف الأول
لقد رأى بنفسه كيف بدأ خط شعره في التراجع مع الوقت حتى
أن تتحول صورة من الشاشة إلى شخص ينبض بالحياة،
كان شعورًا غريبًا بحق
ضيّق تاو شي عينيه ورفع زاويتي فمه بابتسامة خجولة حين اقترب تشو تشيانغ منه
—————————-
في صباح أول يوم من العام الدراسي ،
اندفع فتى من الممر إلى الصف الواقع في نهاية الطابق
الثالث من مدرسة وينهوا
قال مازحًا بصوت عالٍ :
“ بلاغ !
الشياو الأول على مقاطعة تشينغشوي قد وصل إلى صفنا!
ولم يتبقَى سوى خمسمئة متر حتى الوصول إلى الفصل !”
.كان الطلاب في الصف منحنين على طاولاتهم يكتبون، فرفعوا رؤوسهم على عجل عند دخول الفتى
سأل أحدهم :
“ شياو ؟ ذكر أم أنثى ؟”
“ ذكر!” — أجابه بي تشنغفي الفتى الذي أبلغ الخبر،
ثم ركض عائدًا إلى مكتبه ليكمل نسخ واجب اللغة الإنجليزية
تنهد الفتيان في الصف تنهيدة خيبة أمل ،
فقد كانوا يتخيلون فتاة ريفية جميلة وبريئة تنضم إليهم ،
بعدما كان صفّهم يعاني من قلة الحضور والتراجع
سألت جين جينغ، مشرفة الصف لمادة اللغة الإنجليزية، وهي تسحب دفتر الواجب من يد بي تشنغفي بلا رحمة:
“ هل هو وسيم؟”
: “ انتظري! بقي آخر سؤال!” — صرخ بي تشنغفي وهو يلهث بينما يكتب أحد الخيارات،
ثم قال أخيرًا بعد تنهيدة ارتياح:
“ لم أره جيدًا ، لكن يبدو أنه نحيف وبشرته بيضاء .”
نظرت جين جينغ إلى المقعد الخالي خلف بي تشنغفي وتنهدت
فهم بي تشنغفي ما تفكر فيه، فقال بلهجة فيها بعض الحسد:
“حتى لو كان وسيمًا، هل تظنينه أوسم من لين شيوشين؟”
( لين تشينهي يلقبّونه بـ لين شيوشين /
يعني الطالب المتفوق أو الأسطورة الدراسية )
رمقته جين جينغ بنظرة حادة وقالت:
“ يكفي أن يكون أوسم منك.”
أما تاو شي، الذي تخيّله البعض كفتاة ريفية،
فقد كان يرتدي زيّ المدرسة الجديد الذي حالفه الحظ في
غسله ليلة أمس وكيّه في الصباح
يسير الآن خلف المعلم تشو تشيانغ متوجهًا إلى الصف
————-
بعد أن أوصل فنغ يوان تاو شي إلى السكن الداخلي وساعده
على الاستقرار، غادر مسرعًا دون أن يتوقف
ولأن الدوام المدرسي لم يكن قد بدأ بعد،
لم يكن رفاق السكن قد وصلوا بعد
قضى تاو شي ليلته وحده في غرفة مخصصة لأربعة طلاب،
وفي الصباح الباكر أخذه تشو تشيانغ إلى المقصف لتناول فطور شهي ومجاني
كان تشو تشيانغ يحدّثه طوال الطريق بلا كلل ،
و يعرّفه على أوضاع المدرسة والصف ،
ويكرّر عبارات تشجيعية مثل: “لا تقلق”، “خذ الأمور
ببساطة”، “أنت قادر على ذلك”
وكان تاو شي من النوع الذي يُجيد قول ما يناسب كل موقف ؛
لذا، تفاعل في البداية بتعاون وتجاوب،
لكنه لم يستطع الاستمرار على هذا النحو
فهو لم يكن معتادًا على هذا القدر من الاهتمام،
ومع الوقت بدأ يفهم سبب إطلاق لقب “الخالَة تشو” على تشو تشيانغ ~
وعندما مرّا بـ ردهة الطابق الأول من مبنى التدريس،
توقّف تشو تشيانغ—أو “الخالَة تشو” كما يُنادى أحيانًا—
وأخذ تاو شي ليقفا أمام جدار زجاجي طويل ليتأملا بلائحة الشرف
قال وهو ينظر إلى اللوحة بفخر :
“ انظر ، يوجد الكثير من طلاب صفّنا الأول هنا ،
وهؤلاء سيصبحون زملاءك في المستقبل .”
بدأ يتنقّل ببصره بين صور وأسماء الطلاب ،
وكل صورة تحتها عبارة مقتبسة من نوع [ التعلّم بلا تفكير مضيعة ، والتفكير بلا تعلّم مَفسدة ]
لفتت نظر تاو شي صورة لين تشينهي على الفور ؛
أولًا لأنه ظهر أكثر من غيره ،
وثانيًا لأنه كان الأجمل من بينهم
لكن اللافت أن صورته لم تكن تحتها أي جملة ، بل مجرد الاسم فقط
حين رأى تشو تشيانغ تاو شي يحدق في الصورة شاردًا،
شعر بالقلق في سرّه
ظنّ أن هذا الطالب القادم من الجبال شعر بالدونية أمام زملائه المتفوّقين
فسارع إلى تغيير الموضوع وأخذه إلى الطابق العلوي، ثم قال بلطف :
“طلاب الصف الأول نشيطون، متعاونون، متواضعون، ومرحون. ستنسجم معهم بسهولة !”
وكانت هذه هي المرة الثالثة التي يسمع فيها تاو شي من تشو تشيانغ وصف “نشيطون ومرحون ومتعاونون”
ابتسم تاو شي ورفع زاوية فمه قليلًا ،
ثم قال للمرة الثالثة:
“ سوف أنسجم جيدًا مع زملائي "
نعم، كان يشعر ببعض التوتر في البداية،
لكن ما إن بدأ تشو تشيانغ يتصرف على هذا النحو،
حتى خفت مشاعره
بل إنه شعر بنوع من الراحة عندما وصل إلى باب الفصل
كان طلاب الصف الأول في حصة الاستماع لمادة اللغة
الإنجليزية ضمن وقت الدراسة الذاتية
وفي اللحظة التي دخل فيها تشو تشيانغ وتاو شي إلى الصف،
توقف شريط الكاسيت فجأة ، وساد الصمت
شعر تاو شي على الفور بكل الأنظار تتّجه نحوه
لكنه لم يحاول أن يفسّر معاني هذه النظرات ،
بل أنزل بصره سريعًا بين الصفوف تحت وابل النظرات الكثيفة
{ ليس هنا }
كبح تاو شي في صدره الشكوك وخيبة الأمل،
وبعد الكلمة الترحيبية الحماسية من تشو تشيانغ،
طُلب منه أن يقدّم نفسه للصف
قال بصوت هادئ:
“ مرحبًا جميعًا ، اسمي تاو شي،
وأنا من مدرسة تشينغشوي الأولى .
سعيد جدًا بقدومي إلى مدرسة وينهوا الأولى للدراسة .”
في الحقيقة كان قد كرّر هذه المقدّمة لنفسه مرات لا تُحصى أثناء الطريق،
لكن الآن، فجأة، اختفى كل حماس داخله
تفاجأ المعلم تشو تشيانغ للحظة { هل انتهى ؟
لا بأس، فالأولاد هذه الأيام يحبّون التصرّف وكأنهم “كوول”،
أو ربما كان متوترًا جدًا }
أعطاه تشو تشيانغ في ذهنه عذرًا لطيفًا ،
ثم أشار بإصبعه إلى الصف الأخير من القاعة ،
وقال بلطف:
“ المقعد الأخير في الصف الخامس هو لك ،
لقد جهزناه بالأمس .”
التفتت أنظار الفصل كلّها إلى آخر الصف في اللحظة نفسها
كان هناك مقعدان فارغان بجوار بعضهما
أحدهما أُضيف بالأمس ، والآخر…
أومأ تاو شي برأسه
وما إن همّ بالنزول من المنصة ،
حتى دخل فجأة إلى الصف شخص طويل القامة
توقف تاو شي دون وعي ، واستدار لينظر ، فتسمّر في مكانه
قال تشو تشيانغ بنبرة حزينة وكأنه يرى ابنه العاق وقد ضل الطريق :
“ لين تشينهي كيف لك أن تتأخّر في أول يوم دراسي !”
الابن العاق يحمل حقيبة مدرسية سوداء على ظهره،
يمسك أحد أشرطتها بيده بلا مبالاة ،
وفي اليد الأخرى زجاجة ماء معدني بارد
لم يكن على وجهه أي تعبير، وقال ببرود:
“ كان هناك حادث سير في الطريق .”
تنهد تاو شي في داخله ، لكن ملامحه لم تتغيّر ،
وبقي ينظر إلى لين تشينهي بهدوء
فلا يهم مدى وضوح الصورة في البث المباشر ،
لا بدّ أن تُشوّه بدرجة ما
وبعد أن رآه وجهًا لوجه، أدرك أن رسوماته ما تزال تشوبها
الكثير من العيوب، ولم يُحسن رسمه كما ظن
تشو تشيانغ بدا مذعورًا ، ويبدو أنه صدّق هذه الكذبة تمامًا ،
بدأ يتفقد لين تشينهي بعينيه صعودًا وهبوطًا، يمينًا ويسارًا،
وحين تأكد أنه لم يُصَب،
ابتسم ابتسامة مرتاحة، ثم جذب تاو شي بلطف وقال إلى
لين تشينهي بنبرة بائع في سوبرماركت يُروّج لبضاعة جديدة ~
: “ لا بأس! لكنك فوّتَ مقدمة الطالب الجديد .
تعال، دعني أعرّفك عليه.
هذا الطالب اسمه تاو شي، وهو الأول على مستوى مقاطعة تشينغشوي!
ما رأيك أن يكون زميلك في المقعد مستقبلاً ؟”
سأل تشو تشيانغ وكأنه ينتظر رأي ،
لكنه في الواقع كان قد وضع المكتب بالفعل بجانب مقعد لين تشينهي مسبقًا
وكان واثقًا من أن لين تشينهي لن يرفض أمرًا بسيطًا كهذا
لكن لين تشينهي نظر إلى تاو شي بنظرة عابرة ،
وقال بنبرة خالية من أي مشاعر :
“ مستحيل "
عمّ الصمت في الصف فجأة ———
وتجمّدت أيضًا تلك الابتسامة الخفيفة على تاو شي ….
يتبع
عزااا مبينه عيلته موكلته زربة
ردحذف💔💔💔💔💔💔 وربي ، حزنت عليه كثييير
حذفشنو مستحيللللل
ردحذفمسرع ترجمتوه ل ٢٨ فصل😭😭 واضح مجتهديين
ردحذفطيب يبغى يلعب انه ثقيل في البداية ابغى اشوفه بعد عشرة فصول
ردحذف