Ch26 | SJUTM
بما أن شين آنتو قد أثبت تعافيه التام جسديًا في اليوم السابق ،
رأى شي دوو أنه لا حاجة لاصطحابه إلى المستشفى ،
فتوجه مباشرة إلى المكتب صباح اليوم التالي
لكن بالكاد أنهى نصف مهامه الصباحية ،
حتى تلقّى اتصالًا من منزل عائلته
بدأت والدته ، لي وي — الحديث بأحاديث عابرة ،
ثم توجّه الحوار نحو ما أرادت قوله فعلًا :
“ لم تعد تزورنا منذ فترة .
والدك يفتقدك كثيرًا .
ما رأيك أن تأتي للعشاء هذا المساء ؟
وإن كانت لديك أي خطط، أعد ترتيبها، حسنًا ؟”
كانت كلمات تشو مينغ هوي النحس قد تحققت —-
ألقى شي دوو نظرة على شاشة المراقبة ،
حيث كان شين آنتو يرسم بجانب المسبح ،
وردّ عبر الهاتف:
“ حسنًا ، سأمرّ هذا المساء .”
كان شين آنتو يبدو منشغلًا في تدريب نفسه على الرسم السريع
وخلال أقل من ساعتين ، كان قد أنجز خمس رسومات،
متنقّلًا من طاولة السرير في غرفة النوم إلى المسبح في القبو
في البداية ، استغرق كل رسم حوالي نصف ساعة ،
لكنه سرعان ما أصبح ينهي كل لوحة في عشر دقائق فقط
وعندما وصل إلى المسبح ، كان يعمل بالفعل على لوحته السادسة
استغلّ شي دوو اللحظة التي ذهب فيها شين آنتو لغسل
يديه وشرب الماء في المطبخ ، واتصل به
كانت هذه أول مرة يتلقى فيها شين آنتو مكالمة من شي دوو
حدّق مطولًا في اسم المتصل، ثم مرّر إصبعه ليجيب :
“ مرحبًا ؟”
ارتفع صوته قليلًا في النهاية ، يحمل في نبرته شيئًا من المفاجأة
شي دوو :
“ سأذهب هذا المساء إلى القصر القديم لتناول العشاء .”
ثم أدرك أن شين آنتو قد لا يعرف ما يقصده بـ”القصر القديم”، فأوضح:
“ أقصد منزل والديّ . وقد أبقى هناك ليلًا أيضًا .”
: “ آه…” خفت صوت شين آنتو تدريجيًا، ثم قال:
“ حسنًا، سأطلب من الخالة تشاو أن تعدّ العشاء لشخص
واحد فقط. أ… استمتع بعشاءك في المنزل .”
: “ مم. اتصل بي إذا احتجت شيئ .”
: “ حسنًا .”
راقب شي دوو بثّ الكاميرا بينما شين آنتو يُنهي المكالمة ببطء
وقف في المطبخ شاردًا للحظات، ثم حمل لوح الرسم وتوجّه إلى المرآب
——————-
كان منزل عائلة شي دوو بحق قصرًا قديمًا،
بجدرانه البيضاء،
وسقفه المكسو بالبلاط الداكن ، وعرائشه المنخفضة
يقع في الحي التاريخي، ويشكّل تباين صارخ مع مركز المدينة العصري
وبفضل تاريخه الطويل، أصبح هذا المنزل أحد معالم
مدينة z البارزة ،
بل ومُدرجًا رسميًا كموقع أثري محمي من قبل الحكومة
نشأ شي دوو في هذا المنزل ، لكنه انتقل للعيش بعيدًا في
المرحلة المتوسطة للاقتراب من مدرسته ،
ومنذ أن أصبح بالغ ، قلّت زياراته كثيرًا
ولم يكن أكثر ما تبقى في ذاكرته هو دفء المنزل،
بل ذاك الضغط الخانق الذي كان يحيط به من كل جانب،
مشكّلًا إياه ليصبح الشخص الذي هو عليه الآن
باعتباره وريث شركة روي تشيان القادم ،
كان لزامًا عليه أن يحافظ على الكمال منذ نعومة أظفاره
رغم أن أحدًا لم يطلب منه ذلك صراحة،
فإن تعاليم والديه، ونظرات أقاربه،
وترقّب العالم الخارجي له، كلها أثقلت كاهله بصمت
لقد نجح شي دوو في أن يكون ذلك الشخص الذي ينتظره
الجميع : هادئًا ، متماسكًا ، حازمًا لا يعرف الرحمة .
لكن لم يكن ذلك لأنه أراد أن يكون هذا
ركن سيارته خارج الفناء ،
وكان الخادم العجوز بانتظاره عند الباب
حيّاه شي دوو وهو يدخل : “ العم تشانغ”
ضحك الخادم تشانغ :
“ تفضل ، والدك ووالدتك بانتظارك .
هل ما زال ضغط العمل كما هو؟”
حين بدأ والد شي دوو بتعليمه كيفية إدارة الشركة ،
كان يقيم في القصر القديم ، ويسهر حتى الثانية أو الثالثة صباحًا كل ليلة
وخلال تلك الفترة ، كان الخادم تشانغ يُعد له وجبات خفيفة
في وقت متأخر من الليل
ردّ شي دوو :
“ الأمور أفضل الآن .”
تبادل الحديث مع الخادم تشانغ وهما يسيران نحو الردهة
المنزل قد خضع لبعض التجديدات،
فداخله لم يعد يبدو بنفس قِدم واجهته الخارجية
الدخول إليه كان أشبه بعبور من حقبة الجمهورية إلى العصر الحديث
كانت لي وي جالسة على الأريكة تتابع التلفاز ،
وما إن رأت شي دوو حتى نهضت واقتربت لتحيته ، وقالت:
“ أخيرًا وصلت . لماذا تأخرت ؟
الضيوف بدأوا يقلقون من طول الانتظار .”
حتى في بيتها ، كانت لي وي تفضّل ارتداء ' الكِبَاو الأنيق ،
مع شالٍ على كتفيها
زينت ملامحها الناعمة بمكياج خفيف،
وبرغم تقدمها في العمر،
ظلت ملامح جمالها حاضرة،
وكأن التجاعيد التي خطّها الزمن كانت زينةً وليس عيبًا
شي دوو قد ورث معظم ملامح وجهه منها، باستثناء عينيه،
اللتين تشبهان والده، شي تشانغتشينغ
: “ أمي ” قالها شي دوو وهو يسلّم معطفه إلى الخادم ،
ثم أضاف :
“ من هم الضيوف ؟”
فتحت لي وي فمها لتجيب ،
لكن أصوات قادمة من الطابق العلوي قطعت كلامها ،
ولم تعد هناك حاجة إلى تفسير
بدأوا مجموعة بالنزول من الدرج الخشبي ،
يتقدّمهم رجل خمسيني يرتدي بدلة ' تانغ ' داكنة ،
ملامحه المتناسقة تنضح بهيبة طبيعية
تقدّم شي دوو خطوتين :
“ أبي "
أومأ شي تشانغتشينغ برأسه وهو يهبط الدرج ،
يتبعه ثلاثة أشخاص : زوجان في منتصف العمر يتقدمان المشهد ،
وفتاة نحيلة ترتدي ثوبًا مخملي تمشي خلفهما
حيّاهم شي دوو واحدًا تلو الآخر :
“ العم تشونغ ، العمة تشونغ ، شيروي "
العشاء الذي تلا ذلك عديم المذاق في نظر شي دوو ——
بل أشد إنهاكًا من ولائم العمل التي اعتاد تحمّلها
والأسوأ أنه اضطر إلى التصدي لمحاولات تشونغ شيروي الخفية للتقرب منه ،
مثل احتكاك يدها أو ساقها به بين الفينة والأخرى
وما زاد الطين بلة أنه لم يتمكن من رؤية كاميرات
المراقبة لمعرفة حال شين آنتو طيلة الساعتين الماضية
رفع تشونغ داشان كأسه لينقر بكأس شي تشانغتشينغ، لكنه
لم يرفع نظره عن شي دوو وقال:
“ شياو شي سمعت أنك مشغول كثيرًا في التنافس على
قطعة الأرض في ضواحي الشرق، لدرجة أنك لم تجد وقتًا
حتى للعودة إلى المنزل.
هل الأمر بهذه الأهمية لتتولاه بنفسك ؟”
وكانت هذه فرصة مناسبة لشي دوو ليتوقف عن الأكل،
فوضع عيدانه جانبًا وقال:
“ شركة روي تشيان تسعى للدخول في قطاع السياحة،
وهذه مجرّد تجربة أولى .”
أومأ تشونغ داشان بإعجاب ، وقال موجهًا حديثه لشي تشانغتشينغ:
“ كما هو متوقّع من ابنك .
على الشباب أن يتحلّوا بالطموح .”
ثم استرسل قائلًا:
“ لكن لا بد من الموازنة بين العمل والعائلة .
ابنك متميّز جدًا ، وهو ليس صغيرًا في السن .
ألم تفكروا في مسألة زواجه ؟”
بدأ أثر الكحول يظهر على وجه الأب شي تشانغتشينغ،
وتخلّت ملامحه عن بعض من صرامتها، فتنهّد وقال:
“ وهل هناك من لم يفكر ؟
لقد ألححنا عليه مرارًا ، لكنه لا يبدي أي استعجال .”
تنهد تشونغ داشان بدوره طويلًا ،
وكأنه وجد من يشاركه المعاناة ،
ثم أشار إلى تشونغ شيروي عبر الطاولة قائلًا :
“ وهكذا هي ابنتي . عنيدة جدًا .
ستبلغ الخامسة والعشرين السنة المقبلة ، لكنها
لا ترى في أي شاب شخصًا مناسبًا .”
أطلقت تشونغ شيروي صوت دلال خفيف،
وانتهزت لحظة الصمت في الحديث لتقدّم إلى شي دوو حبة زلابية
اقتربت منه ، ولمس شعرها الطويل ذراعه ،
وهمست وهي تغطّي فمها بيدها:
“ شي-غا بالكاد أكلت شيئ . خذ واحدة أخرى .”
تبادل الأربعة الكبار نظرات ذات معنى ،
وكان كل منهم يدرك تمامًا ما يجري أمامه
لكن شي دوو —- وبحركة خفيفة وهو يلتقط عيدانه ،
غيّر جلسته قليلًا ليتفادى اقتراب شيروي
و أخذ كرة لحم من الطبق القريب ، و وضعها في فمه ،
ثم أعاد عيدانه إلى مكانها وكأن شيئًا لم يكن
قال بهدوء ، بصوت لا يختلف عن نبرته حين كان يتحدث عن العمل :
“ لا يمكن أن يُرغم المرء على القبول حين لا يجد الشخص المناسب .
شيروي ما زالت شابة، وستجد من يليق بها في الوقت المناسب .
أما أنا… كنت أظن أنني سأقضي حياتي وحيدًا ،
لكنني مؤخرًا التقيت بشخص ما.”
لم يتغير تعبير شي دوو قيد أنملة ،
لكن الخمسة الآخرين حول المائدة اتسعت أعينهم من شدّة الصدمة ——
كانت تشونغ شيروي أول من كسر الصمت ،
وقد علا صوتها بنبرة حادة :
“ شي- غااا هل لديك شريك ؟! هل تمزح ؟!
هل استوحيت هذه الحيلة من الإنترنت فقط لتتخلص من
ضغط الكبار بشأن الزواج ؟”
: “ شيروي!”
وبّختها والدتها تشونغ لينغ بنبرة منخفضة ،
ثم حاولت تدارك الموقف بابتسامة مجاملة وجّهتها إلى لي وي وشي تشانغتشينغ، قائلة:
“ يا لها من أخبار سارّة أن شياو شي وجد شريكة لحياته .
هل لي أن أسأل من أي عائلة تكون ؟”
كان شي تشانغتشينغ يحدق في شي دوو دون أن ينطق بكلمة ،
بينما اكتفت لي وي بابتسامة اعتذار خفيفة وقالت:
“ هذه أول مرة نسمع فيها بالأمر أيضًا . هذا الولد…”
يتبع


تعليقات: (0) إضافة تعليق