Ch27 | SJUTM
انتهت الوجبة على نبرة صوت محرجة ——
تبع شي دوو والديه وهما يودعان أفراد عائلة تشونغ الثلاثة حتى السيارة،
لكن ما إن استدار ليعود، حتى ناداه شي تشانغتشينغ إلى غرفة المكتب
وكان أول ما قاله شي تشانغتشينغ:
“ سمعت أنك استقبلت شخص في منزلك .”
جلس شي دوو أمامه ، ولم يتغير شيء في ملامحه أمام هذا السؤال
فرغم تقاعد والده رسميًا ،
إلا أن لديه عيونًا داخل الشركة ،
ومنذ أن منح شي دوو شين آنتو حرية الدخول والخروج من مبنى الشركة ،
كان يعلم أن هذا اليوم آتٍ لا محالة
فحتى موظفة الاستقبال في الطابق الأرضي لاحظت أن تشن
شو يشتري وجبتين للغداء باستمرار
فلا يمكن أن يغيب ذلك عن علم شي تشانغتشينغ
ولذا ، لم يتهرّب شي دوو بل أقرّ مباشرةً :
“ صحيح "
قال شي تشانغتشينغ بنبرة حازمة:
“ إن كانت من عائلة محترمة ، فلا سبب لإخفائها بهذه الطريقة .”
التجاعيد قد ترسخت حول عينيه،
لكن نظرته لا تزال حادة،
وصوته عميق يملؤه سلطان الأب وربّ العائلة
: “ قل لي، من هي؟”
لم يُجب شي دوو على الفور
سواء قال الحقيقة أم اختلق كذبة،
فالأمر معقّد من عدة نواحٍ
فالمسألة لم تعد تقتصر على ما إذا كان والده سيقبل بميوله الجنسية ،
فحتى لو كانت شين آنتو امرأة ،
فإن مجرد كون اسمها “شين” كفيل بإنهاء الحديث بغضب
لكن ما كان يشغل بال شي دوو حقًا لم يكن رفض والديه،
بل خوفه من أن يُظلَم شين آنتو
شين آنتو كان سيء السمعة في الماضي
حينها، لم يكن شي دوو قريبًا منه بما يكفي ليحميه،
ناهيك عن أن يلمسه
أما الآن، وقد صار شين آنتو مقيمًا في عشه،
فلن يسمح لأحد بأن يجرحه مجددًا—لا سيما من والديه
وللحظة خاطفة ، راودت شي دوو فكرة مجنونة ——
{ طالما أن عدد من يعلمون بأمر أسر شين آنتو قليل ،
بإمكاني قطع صلته بالعالم الخارجي تمامًا
و يمكنني تحويله إلى قط منزوع المخالب في قفص ،
أو عصفور كناري مكسور الجناحين …
حينها ، لن يهم إن كان شين آنتو مصابًا بفقدان الذاكرة فعلًا أم لا
أو إن كانت كلماته اللطيفة نابعة من صدق أو من تمثيل
كل ما عليّ فعله هو أن أغلق عليه الباب وأحتفظ بالمفتاح وحدي
سيبقى شين آنتو وحيدًا في المنزل كل يوم،
لا يفكر إلا فيّ—متى أعود؟ ماذا يطبخ لي ؟
كيف يسعدني ؟… وربما، إن ساءت الأمور ، سيقضي يومه
يفكر في كيف يقتلني … }
وبذلك ، لن يعيش شي دوو بعد الآن تحت وطأة القلق والشك ،
متسائلًا طوال الوقت : هل كانت قبلة شين آنتو صادقة ؟
هل كان حبه حقيقيًا ؟
هل سيتذكر ماضيه يومًا وينفر منه ؟
لم تكن هذه المرة الأولى التي تطرأ فيها هذه الفكرة ….
فكلما راقب شين آنتو عبر الكاميرات ،
كانت هذه الخواطر تتسلل إلى ذهنه وتخلف صداعًا ثقيلًا في صدغيه
لكن حين يقف شين آنتو أمامه ، وهو يبتسم ويتدلّل ،
كان يشعر أن كل ذلك ليس كافيًا
فحلاوة الحب الزائف سرعان ما تزول ،
ولا تترك خلفها إلا مرارةً لاذعة
وما كان يريده شي دوو هو الحلاوة الحقيقية — مثل قطعة
حلوى طرية من الداخل
لم يكن يعلم كيف يجعل شين آنتو يحبه بحق ،
لكنه يعلم جيدًا أن سجن شخص لا يجلب سعادة
ولهذا ، أبقى للمخالب مكانها ، وترك الأجنحة تحلق ،
لكنه وضعه داخل قفص بابه مفتوح
وكانت تلك إشارة غير منطوقة :
' يمكنك المغادرة الآن ، لكن لا تبتعد كثيرًا…
وتذكّر أن تعود '
وبينما ظلّ شي دوو صامتًا، عبس شي تشانغتشينغ وقال:
“ سأطرح السؤال بطريقة أخرى .
هل تعلم لماذا دعوت عائلة تشونغ للعشاء الليلة ؟”
استفاق شي دوو من أفكاره وحدّق إلى والده :
“ أعلم .
أنت وأمي راضيان عن تشونغ شيروي، وتريدانني أن أتزوجها.
لقد رفضتُ ذلك قبل نصف عام ،
لكنكما دعوتماهم مجددًا .
ليس الهدف فقط أن تُقرباني منها ، بل لتُذكّراني بأنها
الزوجة المثالية في نظركما— مظهرها جميل ، ولبقة ،
ومتعلمة ، وأهم من ذلك أن خلفيتها العائلية قوية .
والشخص الذي أجلبه إلى هذا المنزل ، يجب أن يكون على هذا المستوى .”
قال شي تشانغتشينغ، بنبرة رضا طالما رافقته حين تحدث عن ابنه :
“ يسعدني أنك تفهم .”
ثم تابع بنبرة أكثر صرامة :
“ لستَ مضطرًا للزواج من تشونغ شيروي، لكن عليك أن
تُنهي الأمر مع ذلك الشخص الآخر بطريقة نظيفة .”
ابتسم شي دوو بسخرية :
“ أخشى أن طريقتي في إنهاء الأمور قد لا تُعد ‘نظيفة’ تمامًا ”
ازدادت حدة التجاعيد على جبين شي تشانغتشينغ:
“ ماذا تقصد ؟”
أنزل شي دوو رأسه، وبدأ يُمرّر أصابعه فوق عظام يده اليسرى ،
وكأن ألم العضة التي نالها من شين آنتو البارحة — حين
عضّه بعينين محمرّتين—ما زال حاضرًا في ذاكرته
: “ ربما رأيت الأخبار .
هل تعلم أن شين لين مفقود منذ أكثر من شهر ؟”
شعر شي تشانغتشينغ ببوادر نذير شؤم :
“ وماذا في ذلك ؟”
رفع شي دوو حاجبيه ، وفي عينيه السوداوين بريق خفي لا يحتاج إلى شرح :
“ هو عندي .”
فهم شي تشانغتشينغ على الفور مغزى الكلام ،
لكنه بدا صادمًا إلى حد لا يُصدّق
انحنى إلى الأمام ، مستندًا بذراعيه على سطح المكتب،
وقال بصوت ثقيل تغلب عليه الحيرة والصدمة:
“ أتعني أنك وشين لين…؟”
أجابه شي دوو بهدوء وثبات :
“ نعم .”
صمت…
وفي لحظة ،
تغيرت ملامح شي تشانغتشينغ كليًا
اشتعلت عيناه بالصدمة والغضب وعدم التصديق
راقب شي دوو كيف قبض والده كفيه غريزيًا،
وارتعشت عينه من التوتر،
وكأنه على وشك أن ينهال عليه بلكمة في أي لحظة
لكن بدلًا من ذلك، أغمض شي تشانغتشينغ عينيه لثوانٍ، وحين فتحهما ،
كانت ملامحه قد استعادت اتزانها،
ونظراته تحمل وضوحًا قاطعًا وهو يسأله بحدّة:
“ ما الذي قد يدفع شين لين إلى أن يخفض نفسه ليكون تابعًا لك؟”
أجاب شي دوو ببرود:
“ فقد ذاكرته بعد أن اصطدم رأسه في حادثة الطائرة ، لذا…
كل ما أقوله يُصدَّقه .”
شعر شي تشانغتشينغ أن ضغط دمه أوشك على الانفجار
في غضون دقيقة واحدة ، لم يكتفِ ابنه البارّ بإعلان ميوله الجنسية ،
بل اعترف أيضًا أنه وقع في غرام عدوه اللدود ،
والأسوأ من ذلك… أنه استغل فقدانه للذاكرة ليخطفه
أراد شي تشانغتشينغ أن ينهال عليه بوابل من التوبيخ،
لكنه لم يعرف حتى من أين يبدأ
لم يجد أمامه إلا أن يضغط على أسنانه ويقول كل كلمة كأنها تُنتزع من حلقه:
“ أعده .”
رفع شي دوو رأسه وحدّق فيه :
“ مستحيل "
قال شي تشانغتشينغ من بين أسنانه :
“ أنت…”
ثم التقط أنفاسه بصعوبة ، وقال بصوت أثقل :
“ كيف تورطت معه أصلًا ؟ هل كنت تعرفه من قبل ؟”
ارتسمت على شفتي شي دوو ابتسامة ساخرة:
“ ربما لا تعلم ، لكننا كنا زملاء في الثانوية .
صحيح أنه سافر بعدها ، ولم نلتقِ مجددًا بعد عودته…
لكنني…”
لم يُكمل الجملة ، تاركًا الصمت يملأ الفراغ
والحق يُقال، لم يكن شي دوو يفهم نفسه تمامًا
فكل ما كان يربطه بشين آنتو لم يتعدَّى إعجابًا غامضًا في فترة المراهقة—فلماذا استمر هذا الشعور حتى الآن؟
كأن شين آنتو كان تلك الحلوى التي لم يُسمح له بتذوقها ،
أو اللعبة التي لم يحصل عليها
وعندما يكبر الإنسان ، يُفترض أن يتجاوز هذه الأمور
لقد اختفى شين آنتو لسبع سنوات—ألا يكفي هذا لنسيانه؟
مرت أعوام، وظن شي دوو أنه تجاوز الأمر،
لكن…
منذ ثلاث سنوات،
حين لمح شين آنتو مجددًا في إحدى الحفلات ،
أدرك أخيرًا ما تعنيه نيران لا تُطفأ —-
لاحظ شي تشانغتشينغ لمحة خيبة في عينيه ،
لكنه اكتفى بالاستهزاء وقال:
“ شي دوو هل تريدني أن أحدثك عن شين لين؟
ذلك الفتى نسخة طبق الأصل من والده شين كايفينغ "
استعاد شي دوو صلابته المعتادة ، وردّ ببرود:
“ إن كنت تشير إلى ما فعله أثناء دراسته في الخارج ،
وكيف استعاد السيطرة على مجموعة جينشنغ، فلا داعي .”
أعاد شي تشانغتشينغ تقييم ابنه الوحيد بنظرة خافتة ملؤها الخيبة :
“ حسنًا ، دعنا ننتقل إلى موضوع آخر .
أنت الآن رئيس شركة روي تشيان، ولن أتدخل في قراراتك،
لكنني آمل أن تظل متزنًا .”
توقف للحظة ثم تابع بصوت أشد:
“ أنت تعرف خطيبة شين لين ، يو كيان ، أليس كذلك؟
عائلة يو صمدت خلال قرن كامل من الاضطرابات في أوروبا،
ونفوذهم هناك يتجاوز نفوذنا هنا بمراحل .
إن انتشر الخبر بأنك اختطفت خطيبهم المستقبلي ،
ففرع روي تشيان الأوروبي سيُغلق فورًا .
ولا تُعطني ذلك العذر السخيف عن أنهم ‘يعيشون حياتين منفصلتين’
في دوائرنا ، المصالح دائمًا تأتي قبل المشاعر .
وإن خُيّر شين لين ، هل تظن أنه سيختارك أنت أم هي ؟”
ثبت شي تشانغتشينغ نظره في ابنه وتابع :
“ أكاد أُخمّن ما قلته لشين لين .
الذكريات قد تتغيّر ، لكن الأشخاص لا يتغيّرون .
قد يبدو الآن وكأنه يحبك بجنون ، لكن عاجلاً أم آجلاً ،
ستعود إليه ذاكرته …..
حينها، كم تظن أن أكاذيبك ستصمد ؟”
—————-
في وقتٍ متأخر من هذه الليلة ،
عاد شي دوو إلى المنزل بالسيارة
غرفة المعيشة غارقة في الظلام— { لابد أن شين آنتو
افترض أنني لن أعود ، فلم يُتعب نفسه بإضاءة أي مصباح }
كان شي دوو مُرهقًا، وكلمات والده لا تزال تدور في رأسه
مثل إبر تخترق جمجمته، تترك ألمًا نابضًا
فتح ضوء غرفة المعيشة،
وسرعان ما وقعت عيناه على بضع أوراق متناثرة فوق الطاولة
اقترب بخطى بطيئة ، ومع كل خطوة ، بدأت الصور تتضح أمامه،
تعبر أعصابه حتى تستقر في ذاكرته
تذكّر أن شين آنتو قضى اليوم بأكمله يرسم قطع الأثاث،
لكن الأوراق الموجودة على الطاولة لم تكن تحتوي على
كراسٍ أو طاولات… بل كلها صور بورتريه له هو—شي دوو
كان هناك رسوم من الأمام، من الجانب، وهو يلتفت للخلف، أو يُدير وجهه بعيدًا
تعابيره تراوحت بين الدهشة والابتسام ، العبوس ، وحتى الغضب
الخطوط كانت بسيطة ، لكنها تنبض بالحياة
كل لمسة قلم تحمل إحساسًا حقيقيًا ،
كأن الرسّام لم يرَى سواه طوال اليوم
وبشكلٍ غريب ، بدأ الصداع الحاد في رأس شي دوو يتلاشى ——
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق