القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch59 | TMCTM

 Ch59 | TMCTM



لم يأخذ لين تشينهي تاو شي إلى حيث يعيشان، 

بل اصطحبه إلى كشك لبيع الونتون في المدينة القديمة —


ولأن جامعة وينهوا قريبة ، كان هناك الكثير من طلابالجامعة يتجولون في الأزقة والشوارع القديمة، 


كما انتشرت أكشاك السوق الليلي على جانبي الطريق، 

وكان الهواء البارد مشبعًا برائحة الكمون المتصاعدة من عربات الشواء


و تحت مظلة بلاستيكية حمراء ، 

تزيّنها لافتة كتب عليها [ ونتون العجوز سون ]


رجل مسن ذو شعر أبيض يصنع الونتون أمام قدر كبير 

يتصاعد منه بخار كثيف


وحين رأى لين تشينهي يدخل ومعه فتى ، 

توقف عن عمله وابتسم قائلًا :

“ هل تغيّبت عن الصف مجددًا ؟”


فأجاب لين تشينهي:

“ لم أتغيّب ، لدي إجازة ليلية .”


ثم أجلس تاو شي إلى طاولة في زاوية محمية من الرياح ، 

وبدأ يغسل عيدان الطعام ذات الاستخدام الواحد بالماء المغلي


وعندما رآه العجوز يفعل ذلك بتأنٍّ ، 

لم يتمالك نفسه من التعليق بل قال:

“ إنها نظيفة ، ما الحاجة إلى غسلها ؟”


جلس تاو شي على كرسي بلاستيكي يراقب حديثهما بفضول


لم يكن يتوقع أن يأتي لين تشينهي إلى هذا النوع من 

الأسواق في أركان الشوارع، 

بل ولم يكن يتوقع أن يكون على معرفة وثيقة بهذا العجوز المدعو سون


لاحظ العجوز سون نظرات تاو شي، فابتسم له بلطف، 

ثم حدّق فيه قليلًا وقال شيئًا إلى لين تشينهي، فردّ عليه 

الأخير بابتسامة خفيفة


وبعد قليل، وضع لين تشينهي أمامه وعاءً ممتلئًا بالونتون وقال:

“ الونتون هنا لذيذ جدًا ، جرّبه ”


أمسك تاو شي بالوعاء وشمّ رائحته ، 

فغمره عبق شهي ملأ أنفه على الفور


ثم انهمك في التهام عدة ملاعق باستخدام الملعقة التي 

ناوله إياها لين تشينهي


كان الطعم رائعًا بالفعل ، والشوربة لذيذة ، 

وسرعان ما شعر بالدفء ينتشر في معدته


ثم سأل لين تشينهي، الذي كان جالسًا إلى جانبه يتناول وعاءه الخاص :

“ هل تأتي إلى هنا كثيرًا ؟”


وقبل أن يتمكن لين تشينهي من الإجابة ، 

سمع صوت العجوز سون وهو يضحك بينما يقدّم المزيد 

من الونتون، وقال:

“ لقد جاء إلى هنا عندما هرب من المنزل وهو في السادسة أو السابعة من عمره !”


نظر تاو شي إلى لين تشينهي بدهشة :

“ هربت من المنزل ؟”

وأضاف متعجبًا :

“ وأنت في مثل هذا العمر الصغير ؟”


بدا على لين تشينهي شيء من الحرج وقال:

“ لا يُعدّ هروبًا… كنت فقط أتمشى من المنزل إلى هنا ، 

تناولت وعاءً من الونتون ثم عدت ، فلا يُحسب ذلك .”


ابتسم العجوز سون :

“ أنا من دعاه لتناول ذلك الوعاء من الونتون، 

وقد قال لي حينها إنه سيردّ لي الجميل في المستقبل .”


لم يستطع تاو شي كتمان ضحكته ، 

وتحت المصباح الأبيض المتدلّي ، 

لمعت ابتسامة خفيفة في عينيه الداكنتين ،

ثم سأل لين تشينهي:

“ ولِمَ هربت من المنزل في ذلك الوقت ؟”


قال لين تشينهي بلا مبالاة:

“ لا أذكر الكثير ، ربما تشاجرت مع عائلتي .”


عندما سمع العجوز سون ذلك، اكتفى بالابتسام وهزّ رأسه


دخل عدد من طلاب الجامعة إلى المكان تحت المظلة البلاستيكية، 

فانشغل العجوز بالترحيب بهم وخدمة الزبائن


كان الهواء البارد يعصف خارج الغطاء البلاستيكي، 

لكن الداخل كان دافئًا ، مشبعًا ببخار الماء


سأل تاو شي بفضول:

“ إذاً ، هل عدت بنفسك؟ أم أنهم وجدوا مكانك ؟”


فكر لين تشينهي قليلًا ، ثم قال :

“ عائلتي هم من أعادوني .”


أسند تاو شي ذقنه على يده، وقال متذكرًا:

“ في الحقيقة ، أنا أيضًا هربت من المنزل من قبل ، 

لا أذكر التفاصيل ، لكنني مشيت حتى وصلت إلى الجبل المجاور ، 

ثم ما إن حلّ الظلام ، عدت راكضًا إلى البيت .”


سأله لين تشينهي:

“ هل شعرت بالخوف وأنت في طريق العودة ؟”


أومأ تاو شي برأسه وقال:

“ في الليل الجبال مظلمة وهادئة جدًا . أنا جبان بطبعي ، 

وأخاف من الظلام . 

وعندما سمعت نباح كلب، شعرت برعب حقيقي . 

في تلك اللحظة ، تمنّيت لو أنني أستيقظ في اليوم التالي 

أكثر شجاعة ، كي لا أخاف من المغادرة .”


وبينما يتحدث ، شعر بأصابع لين تشينهي تُمسك بيده 

وتشدّها بين كفّيه بإحكام


نظر إليه لين تشينهي، ورفع حاجبيه قليلًا وقال:

“ لكنّك لا تبدو جبانًا أبدًا حين تكون معي "


صمت تاو شي لحظة وقد بدا عليه الذهول، 


ثم تذكّر كيف كان في بداياته في مدرسة وينهوا الأولى، 

يقفز ويتحرّك حول لين تشينهي، الذي كان أشبه بجبل 

جليدي، مع شيء من الخجل في قلبه



فقال مبتسمًا :

“ هذا أمر مختلف "


كان الركض نحو لين تشينهي، هو أكثر ما فعله شجاعة في حياته


لكن العودة إلى بيت غريب، كانت لا تزال ترعبه


كما لو أنه عاد ليعيش نفس المشهد حين هرب من البيت وهو صغير ، 

يخشى أن يُضرب أو يُوبَّخ


وفي الوقت نفسه، كان يخشى ألّا يوبَّخ أو يُضرب، 

تملؤه مشاعر متناقضة من القلق والاضطراب


حدّق تاو شي في وعاء الحساء أمامه، 

بينما ظل لين تشينهي ممسكًا بيده، يرافقه في صمت


وبعد لحظة ، تحدّث مجددًا، بصوت خافت، 

كأنه يخاطب لين تشينهي، وكأنه في الوقت ذاته يخاطب نفسه:


“ كنت قد سألتني سابقًا لماذا لم أخبرك بالأمر من البداية، 

وقلتُ إن السبب أنني وعدت قوه بينغ… 

لكن الحقيقة ليست كذلك .


أنا فقط كنت خائفًا قليلًا… 

خائف من أنني تخيّلت شيئًا جميلاً أكثر مما ينبغي ، 

وفي النهاية ، لم يكن كما ظننت . 

خائف من أن يخيب أملهم بي، أو أن يرفضوني. 

وخائف أيضًا من أن يُحسنوا معاملتي فقط بدافع الذنب . 

خائف من أن أضعهم، ومعهم يانغ داولي، في موقف صعب بسببي…”


لم يكن تاو شي قد أخبر لين تشينهي بهذه الأفكار المتناقضة والمعقدة من قبل


فهذا هو الجانب الجبان والخائف منه، الذي لم يرغب يومًا في أن يراه أحد


كانت نظرات لين تشينهي طوال الوقت مسلّطة عليه

وحين تكلّم ، جاء صوته دافئًا :

“ أنا أفهمك "


أومأ تاو شي برأسه


لم يتحدث كثيرًا منذ خروجهما من المدرسة، 

لكنه بدا في هذه اللحظة وكأنه فتح صندوق الكلام، 

وكأن شيئًا انفجر في داخله يدفعه لإفراغ كل ما في قلبه، فتابع قائلاً:


“ اليوم التقيتُ… بهم . 

أنا في الحقيقة أعلم سبب مجيئهم . 

رغم أن خطاب التفاهم كان مفاجئًا قليلًا ، 

لكنني أستطيع أن أتفهم تصرفهم . 

لو كنت مكانهم، أظن أنني كنتُ سأفعل الشيء نفسه من أجل من أحب .”


شعر بدفء كف لين تشينهي، وكان لهذا الدفء أثر يشبه الشجاعة، 

يمنحه القدرة على الاستمرار في تعرية قلبه


“ لكن المؤسف أنني لم أتمكن من السيطرة على مشاعري. 

لا أعلم ما الذي حدث ، فجأة شعرت بالظلم… 

مع أنني أردت أن أخبرهم بالحقيقة بصوت عالٍ، 

إلا أنني لم أستطع النطق بها .”


شعر تاو شي، عندما نطق بكلمة “الظلم”، أن اليد التي 

تمسك بيده اشتدت في قبضتها قليلًا


أحسّ ببعض الإحراج حين قال ذلك، 

فرفع رأسه قليلًا ورفرف بأهدابه، 

ثم التفت إلى لين تشينهي، وكانت عيناه مليئتين ببريق الابتسامة


قال:

“ لكن يبدو أنني لم أعد خائفًا "


كلّ ذلك القلق كان نابعًا من التوق، 

وقد تلاشى حين أصبح لديه توق أكبر


حين رأى لين تشينهي في قاعة الاجتماع، 

أدرك فجأة أنه يملك مستقبلًا، وحياةً تخصه، 

وأنه يتطلّع إلى المزيد منها


: “ حقًا لست خائفًا ؟” سأل لين تشينهي وهو يحدّق فيه


أومأ تاو شي وقال بنبرة خفيفة مليئة بالارتياح:

“ أسوأ الاحتمالات أنني سأعيش معك للأبد ؟

لا داعي لأن أبقى في ذلك المنزل . 

سأخرج على أي حال للدراسة والعمل .”


عندها رفع لين تشينهي حاجبيه وقال:

“ تعتبر أن العيش معي هو أسوأ الاحتمالات ؟ 

عليك أن تتابع العيش معي حتى بعد أن تعود إلى المنزل .”


ضحك تاو شي قليلًا وقال بمزاح:

“ وماذا لو أصرّوا أن أعيش في المنزل ؟”


ردّ عليه لين تشينهي بسؤال في المقابل:

“ أليس هذا هو منزلك ؟”


ذهل تاو شي قليلًا ، وحدّق في لين تشينهي، الذي قابل 

نظرته بعينين ثابتتين، ثم تابع قائلاً:

“ ربما لن يكون هناك مستند يثبت ذلك لوقت طويل ، 

لكن هذا الأمر لن يتغيّر أبدًا . 

ولا حاجة لإثباته ، تفهم ما أعني ؟”


ففي هذا البلد ، لم يكن بوسعهما أن يحصلا على اعتراف 

قانوني بعلاقتهما ، 

ولا أن يُسجّلا في قيد أسري مشترك ،

لكن ما المشكلة في ذلك ؟


العائلة لا تحتاج إلى إثبات


ظل تاو شي ينظر إلى لين تشينهي طويلاً حتى استفاق من شروده

انخفضت أهدابه قليلًا، لكنّ شفتيه ارتسمت عليهما ابتسامة وهو يقول:

“ أفهم "


ثم شدّ على يد لين تشينهي، وخدش بلطف راحة كفّه بأصابعه

وأدار رأسه نحوه وهمس:

“ فلا تغضب ، حسنًا ؟”


كان يعلم أن لين تشينهي، قبل أن يصطحبه بعيدًا اليوم ، 

قد واجه أولئك الكبار بنبرة قاسية قليلاً


وبعد أن أخذه وابتعد، لم يُظهر أية انفعالات، 

لكنه كان يعرف أن في داخل لين تشينهي أشياء كثيرة لم تهدأ بعد


بعد لحظة من الصمت، قال لين تشينهي:

“ لست غاضبًا "


لكنه كان يشعر بخيبة أمل من عجزه عن فعل أي شيء في هذا الأمر


كيف لا يحتاج تاو شي إلى عائلة؟

كان لين تشينهي يأمل في أن يحظى تاو شي بعلاقة أسرية 

كاملة، أكثر مما كان تاو شي يأمل هو نفسه



في هذه الأثناء ، وبعد أن رحّب العجوز سون بمجموعة من 

الزبائن الجدد، 

اقترب وسأل إن كانا يرغبان في المزيد من الونتون


أومأ تاو شي شاكرًا، وأكل وعاءً صغيرًا إضافيًّا، 

حتى انتهى به الأمر عاجزًا عن الوقوف من الشبع


بعد أن أنهيا طعامهما، واستعدّا للرحيل، 

التقط تاو شي فجأة رائحة شواء تنبعث من كشك في 

الخارج، فألحّ على لين تشينهي أن يخرج ويشتري له بعضًا منه


سأله لين تشينهي:

“ هل لا يزال بإمكانك الأكل ؟”

لكنّه مع ذلك خرج لشراء الشواء له


كان الكشك مزدحمًا ليلًا، واضطر لين تشينهي للانتظار في 

الطابور قليلًا حتى انتهى الشواء


وعندما عاد ، رأى تاو شي يصغي إلى حديث العجوز سون، 

لكن ما إن دخل حتى توقف الاثنان عن الكلام


لاحظ تاو شي أن ملامح لين تشينهي بدت جادة بعض الشيء، 

وكان على وشك أن يسأله عمّا حدث، 

حين اقترب لين تشينهي منه وهمس له بخبر إغماء فانغ زوتشينغ


كان لين تشينهي قد تلقى اتصالًا من سو يون أثناء انتظاره 

عند كشك الشواء، 

وأخبرته أن فانغ زوتشينغ أغمي عليه داخل قاعة الاجتماع ونُقل إلى مستشفى هانّان


ولحسن الحظ، لم تكن حالته خطيرة، 

بل كان مجرد إغماء ناتج عن صدمة مفاجئة، 

وأخبرهم الطبيب أنه سيفيق قريبًا


خفق قلب تاو شي بشدة حين سمع الخبر، 

واجتاحه شعور قوي بالخوف؛ لم يكن قادرًا على تخيّل ما 

الذي سيفعله إن أصاب فانغ زوتشينغ مكروه حقيقي


أمسك لين تشينهي بذراعه وقال مطمئنًا:

“ الجد فانغ سيكون بخير .”


وفي هذه اللحظة ، تلقى لين تشينهي اتصالًا آخر، 

أخرج هاتفه ونظر إليه، فإذا به من يانغ تشنغمينغ


نادراً يتواصل يانغ تشنغمينغ مع لين تشينهي، 


فالعلاقة بينه وبين لوو تشنغيين كانت سيئة، 

لكنه كان أحيانًا يتصل بلين من أجل ابنه


أما هذه المرة ، فقد اتصل من أجل ابنه الحقيقي


ولم يستطع لين تشينهي إلا أن يشعر بشيء من السخرية


كان صوت يانغ تشنغمينغ مبحوحًا في الهاتف، 

وبعد بعض التحيات المترددة، 

سأله بصيغة غير مباشرة إن كان بالإمكان أن يتحدث إلى تاو شي


نظر لين تشينهي إلى تاو شي، فقال هذا الأخير هامسًا له:

“ أخبره أنني سأذهب إلى مستشفى هانّان غدًا "


فانغ زوتشينغ قد مرض، ومن الواجب أن يزوره


عاجلاً أم آجلاً، لا بد من مواجهة هذه المسألة وطرحها بوضوح


و لم يعد هناك ما يستحق التهرب منه


نقل لين تشينهي الأمر إلى يانغ تشنغمينغ، 

الذي بدا غير مصدّق، 

وقال عدة مرات “جيد، جيد” بتلعثم، 

ثم أخبر لين برقم الجناح بالتفصيل، 

وسأله إن كان بحاجة إلى من يُقلّ تاو شي غدًا ، لكن لين رفض


وبعد أن أنهى المكالمة، قال لين تشينهي لتاو شي :

“ سأصطحبك غدًا "


أومأ تاو شي موافقًا


———-


في الليل ، 

وبعد عودتهما ، وبينما تاو شي يستحم ، 

اتصل لين تشينهي بوالده ، لين زيشي


كان يانغ تشنغمينغ قد أخبره قبل أن يُغلق الخط أن والدته لوو تشنغيين، لم تكن بحالة جيدة ، 

وأن لين زيشي قد جاء وأخذها معه


كان يعلم أن الحقيقة ، بعد أن ظهرت ، لم تُصِب فقط 

شيوخ عائلة فانغ ، بل والدته هي من تلقت الضربة الأقسى


فالطفل الذي ربّته لأكثر من عشر سنوات لم يكن ابن فانغ 

سوي البيولوجي، 

وكان هذا الأمر أشد قسوةً وألمًا على لوو تشنغيين من يانغ تشنغمينغ نفسه


كان من الواضح أن لين زيشي قد عرف بشأن تاو شي عن طريق سو يون


قال لابنه إن لوو تشنغيين قد تعرّضت لانتكاسة في اكتئابها، 

وإنه الآن يرافقها في مركز رعاية نفسي، لذا لا داعي للقلق


خرج تاو شي من الحمّام ، وهو يمسح شعره بمنشفة جافة، 

ثم اتجه نحو غرفة النوم



كان لين تشينهي جالسًا أمام النافذة الزجاجية الكبيرة، يحدق في أضواء المدينة المتلألئة، 

بدا هادئًا، وكأنه غارق في أفكاره


ولما انتبه إلى خطوات تاو شي، عاد إلى وعيه، ومد ذراعه ليعانق خصره ويجلسه في حضنه


ثم أمسك بمجفف الشعر الموجود جانبًا، وبدأ في تجفيف شعره


لم يكن يعرف السبب ، لكن لين تشينهي بدا مولعًا بفعل هذا الأمر


تثاءب تاو شي، وأرخى رأسه بلا مقاومة، 

تاركًا للهواء الدافئ وأصابع لين تشينهي النحيلة أن تمرّ في شعره بهدوء


وبعد أن انتهى من تجفيفه، رفع تاو شي يده ولمس رأسه، فلم يُفاجأ حين وجد شعره فوضويًا


تنهد بصمت، ثم أسند رأسه إلى صدر لين تشينهي مغمض العينين


وبعد لحظة ، سأل تاو شي بصوت خافت :

“ هل ستخبرني بشيء ؟”


كان لين تشينهي لا يزال يحاول ترتيب خصل شعره بيديه، 

لكنه توقف عندما سمع السؤال، وفكّر قليلًا قبل أن يقول:

“ أمك… التي ربتك ، في المستشفى .”


في وقت سابق ، رأى زميل سابق لتاو جيان، تاو جيان في 

مستشفى هانّان، وأخبر سو يون بذلك


ولم يمر وقت طويل حتى تبيّن أن تاو جيان كان يرافق قوه بينغ في المستشفى نفسه


كان لين تشينهي قد علم بذلك ، لكنه تردد طويلًا ولم يخبر تاو شي


في خطته الأصلية، لم يكن يرغب في أن يُجبر تاو شي على 

قول الحقيقة لعائلة فانغ بنفسه، لم يكن يحتمل أن يراه يفعل ذلك


وعندما علم بأن قوه بينغ قد جاءت إلى مدينة وينهوا


قرر أن يجعل من بدأ كل هذا هو من ينهيه بنفسه


وقد وافقت قوه بينغ ، بل إنها عرضت بنفسها أن تعتذر لعائلة فانغ


لكن بسبب وضعها الصحي وعدم قدرتها على التحرك، 

لم يكن ممكنًا سوى تسجيل مقطع فيديو في النهاية


لم يكن يتوقّع أن تقع حادثة أخرى تتعلّق بـ يانغ داولي لاحقًا ، وهو ما أربك خطّته


حين سمع تاو شي بأن قوه بينغ قد أُدخلت إلى المستشفى، 

تصلّب جسده لوهلة، 

ثم، وبعد مرور وقت طويل، سأل بهدوء:

“ ما المرض الذي أصابها ؟”


لين تشينهي:

“ فشل كلوي ، في مرحلته الأخيرة .”


أغمض تاو شي عينيه بإحكام ، وأسند ذقنه إلى كتف لين تشينهي



في تلك اللحظة، لم يكن يعرف ما الذي يشعر به


كان قلبه مثقلًا ، 


مزيج من المشاعر المضطربة والغامضة


حاول أن يتذكّر ما إن كانت هناك إشارات سابقة على مرض 

قوه بينغ، لكنه لم يكن يزور المنزل كثيرًا في العامين الماضية ، 

ووجه قوه بينغ الذي كان دائمًا مشوبًا بالحزن، أصبح باهتًا في ذاكرته


{ هل كنت أكره قوه بينغ؟ نعم ، أكرهها … لكن… }


دفن تاو شي وجهه في عنق لين تشينهي، 

وأخذ نفسًا عميقًا


رفع لين تشينهي يده، 

وربّت برفق على مؤخرة عنقه، ثم قبّله في شعره وهمس قائلًا :

“ نم الآن ”



….


لكن نوم تاو شي لم يكن هادئًا الليلة


رأى حلمًا طويلًا 


تارةً تظهر فيه قوه بينغ، وتارة تاو جيان، وفي النهاية ظهرت تاو لي



الطفلة الصغيرة عانقته وهي تبكي، 

كانت تقول شيئًا، لكنه لم يتمكّن من سماعه، 

فقد أيقظه لين تشينهي قبل أن ينتهي الحلم



————


في الصباح ، 

ذهب تاو شي مع لين تشينهي إلى مستشفى هانّان، 

واشترى بعض الفواكه من متجر قريب، 

تمامًا كما يفعل الأبناء حين يزورون ذويهم المرضى


لكنه لم يتوقّع أن يُصادف تاو جيان عند مدخل قسم التنويم


كان تاو جيان ينتعل شبشبًا، ويبدو أن وجهه لم يُحلَق منذ 

عدّة أيام، بدا مهمَلًا إلى حدّ أن تاو شي كاد لا يتعرّف عليه


كان يحمل كيسًا بلاستيكيًّا في يده، يبدو أنّه يحتوي على وجبة إفطار


تجمّد مكانه حين رأى تاو شي، 

ونظر إلى سلة الفواكه في يده لثانيتين، 

ثم رفع عينيه إلى لين تشينهي، الذي كانت نظرته باردة ومباشرة


سخر تاو جيان قائلًا :

“ أخيرًا تذكّرت تزور أمك ؟”


عبس تاو شي جبينه، وعندما لاحظ تاو جيان تعابير وجهه، 

أدرك خطأه بسرعة، فاضطرّ إلى التدارك بابتسامة متصنّعة، 

وقال بنبرة ساخرة:

“ آه، واضح إنك وجدت والدك الحقيقي ، وأصبحت متعجل 

تؤدي واجب البر ؟”


ازداد بريق البرودة في عيني لين تشينهي


أمّا تاو شي فلم يُعِر كلامه اهتمامًا، وقال بهدوء:

“ ليس لديّ وقت لأتجادل معك الآن .”


ثم استدار مع لين تشينهي، وواصلا السير باتجاه المصعد


لكن بعد خطوات قليلة، سمع تاو شي صوت احتكاك 

الشبشب خلفه، فتوقّف


مدّ تاو جيان يده ليُمسك بذراع تاو شي، 

لكن تاو شي كان يسير ملتصقًا بلين تشينهي، 

فابتعد خطوة إلى الوراء، ووقع ذراع الرجل في الفراغ


لم يُحاول الإمساك به مجددًا، بل رفع حاجبيه وسأله:

“ تعرف أين اختفى ذلك الفتى ، يانغ داولي ؟”


نطق اسمه بحدّة ، وكأنّه يضغط على أسنانه بكل قوّته


فردّ تاو شي بنبرة هادئة:

“ ألم تكن تطلب منه المال ؟ كيف لا تعرف مكانه ؟”


شحَب وجه تاو جيان فجأة ، وارتجف صوته واشتعلت عيناه بالغضب:

“ أنا والده ! وأمّه مريضة ، أليس من واجبه أن يتحمّل تكاليف علاجها ؟!”


عبس تاو شي حاجبيه :

“ لا أدري ، اذهب وابحث عنه بنفسك .”


صمت تاو جيان


وفي تلك اللحظة، بدا لتاو شي وكأنه يرى ثقل الإرهاق 

والحزن ينهار على الرجل الذي ظلّ يناديه “أبي” لسنوات طويلة


أخيرًا، لوّح تاو جيان بيده واستدار مبتعدًا، 

لكنه ما لبث أن التفت فجأة بعد خطوات قليلة، 

وقال بنفاد صبر لتاو شي:

“ إذا كان عندك وقت ، فاذهب لزيارتها ، هي تريد أن تراك .”


ثم مضى دون أن ينتظر منه ردًّا


وقف تاو شي في مكانه بلا حراك لفترة


في الزحام ، أمسك لين تشينهي بيده، وضعها في كفّه، 

وجذبه إلى داخل المصعد، 

ثم بدأ يخبره عن حالة قوه بينغ


كانت قوه بينغ قد بلغت المرحلة الأخيرة من الفشل الكلوي 

و خلال هذه الفترة ، كانت تخضع للغسيل الكلوي في 

المستشفى، 

لكن الطبيب قال إنّ من الأفضل إجراء عملية زراعة كُلى


تاو لي صغيرة في السن وتعاني من الذئبة الحمراء ، 

وأما تاو جيان فكان قلقًا في بحثه عن يانغ داولي ، 

ومن الواضح أن الأمر له علاقة بذلك


لكن تاو شي شعر أن هذا لم يكن من رغبة قوه بينغ


هي التي سلّمته لغيرها من أجل ذلك الابن ، 

وأخفت الأمر عنه لأكثر من عشر سنوات ، 

فهل كانت لتحتمل أن يأخذ كليته لأجلها ؟


لكن ذلك ، لم يعُد يعنيه


حين فُتح باب المصعد ، رأى تاو شي يانغ تشنغمينغ واقفًا 

غير بعيد عن المخرج ، يحدّق نحوه ، ويبدو أنه كان بانتظاره


كان يانغ تشنغمينغ لا يزال مرتديًا نفس الملابس من اليوم السابق، 

القماش الفاخر بدا متجعّدًا بعض الشيء، 

ووجهه الوسيم الذي اعتاد أن يكون دافئًا ومُشرقًا، 

غطّته الآن طبقة من الإرهاق، وتفوح منه رائحة السجائر


من الواضح أنه لم ينل قسطًا كافيًا من الراحة تلك الليلة، 

لكنه حين رأى تاو شي، ابتسم له سريعًا رغم ذلك


وحين نادى باسم “ تاو شي”، بدا عليه شيء من التردّد والغرابة ، 

وهو ما ازداد وضوحًا حين حاول أن يأخذ منه سلة الفواكه ، لكن تاو شي قال بهدوء :

“ لا، عذرًا ، العم يانغ .”


تراجع يانغ تشنغمينغ عن الحركة، وسحب يده المتيبّسة، 

وظلّت ابتسامته المتردّدة عالقة على طرف شفتيه، 

ثم تقدّم ليدلّهما على الطريق


لطالما كان بارعًا في الكلام، لكن في هذه اللحظة ، 

لم يعرف ماذا يقول لطفله الذي كان ابنه ، 

لكنه في الوقت نفسه غريب عنه ، فقال كلامًا عابرًا ، 

كأن يقول إن فانغ زوتشينغ قد استيقظ ، ولا داعي للقلق


تابع تاو شي الحديث معه بتلقائية ، 

دون أن يُظهر أي مقاومة ، لكن دون أن يقترب منه أيضًا


وصدقاً —- لم يكن تاو شي يحمل انطباعًا جيدًا عن يانغ تشنغمينغ


يكفي فقط وجود غوان فانيوان ، تلك الغبية التي تشبه 

والدته ، لتجعله يحمل سوء ظنّ تجاه هذا الأب


في نهاية المطاف، كان هذا شأنًا عائليًا بين عائلتي فانغ ويانغ، 

وكان لين تشينهي يعلم أنّ من غير المناسب أن يتدخّل، 

فاكتفى بأن ضغط على يد تاو شي، لا برفق شديد ولا بقوة زائدة


أومأ تاو شي برأسه، وردّ له الضغط على يده ثم تركه


كان يانغ تشنغمينغ قد رأى كيف تشابكت أيديهما قبل قليل، 

لكنه لم يقل شيئًا، واكتفى بفتح باب الغرفة


نظر تاو شي إلى الباب المفتوح، 

وفجأة تذكّر تلك الليلة في المستشفى، 

حين كان يختبئ خلف باب غرفة المرضى، 

يُراقب جدّيه وهما يمسحان دموعهما من أجل يانغ داولي النائم على السرير


كان الفاصل بينه وبينهم مجرد باب ، ومع ذلك ، 

كأن بينه وبينهم عالمٌ كامل


والآن ، في المستشفى نفسه ، وخارج الغرفة نفسها ، 

تنفّس تاو شي بعمق ، ثم خطا خطوة إلى الأمام ، 

وسار نحو العجوزين في الداخل ….


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • عادي
  • متطور
  • ترتيب حسب الاحدث
    عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق
  1. يعني العيلة ذيك مابتوقف وقاحة سارقينه ومعذبينه وفوقها لسع ماعندهم ولاضمير يعتذرو منهم وولدهم زيهم وقح ملون وهوا عارف انه غلطان هوا واهله لو مو اهله السبب كان قلت انه مظلوم زي تاو شي بس مافي فايدة الدم وسخان

    ردحذف

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي