القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch60 | TMCTM

 Ch60 | TMCTM




دخل تاو شي غرفة المستشفى، 

وكان فانغ زوتشينغ مستلقيًا على السرير بينما تجلس يي يورونغ إلى جانبه ، 

كلاهما نظر إليه في اللحظة نفسها


عندما التقت أعين العجوزين بعينيه، 

شعر تاو شي برعشة خفيفة، 

وكأن عاطفة ثقيلة اجتاحته فجأة وجعلته يشعر بعدم ارتياح


تجمد في مكانه لثوانٍ، لا يعرف ما يقول، ولحسن الحظ، 

تدخل يانغ تشنغمينغ من جانبه، 

فأخذ سلة الفاكهة من بين يديه ووضعها على السرير، 

ثم قال لفانغ زوتشينغ:

“ هذه الفاكهة اشتراها تاو شي من أجلك .”


وقفت يي يورونغ على الفور من كرسيها، 

ويبدو أن عينيها احمرّت حين وقع بصرها على تاو شي


تقدمت نحوه خطوتين، لكنها لم تجرؤ على الاقتراب منه تمامًا، 

بل أشارت له بيدها، ونادته بنبرة حنونة :

“ تعال، اجلس هنا يا بني .”


كان فانغ زوتشينغ يرتدي ملابس المرضى، 

وتدلى من يده أنبوب المغذي، ووجهه الشاحب يحمل 

علامات وهن ثقيلة وكأنه شاخ سنوات في ليلة واحدة


منذ أن رأى تاو شي يدخل ، 

ويده التي تحمل الإبرة لم تتوقف عن الارتجاف


تقدم تاو شي وجلس على الكرسي المجاور لسرير المستشفى، 

تحت أنظار الثلاثة المتوجهة إليه


جلب يانغ تشنغمينغ كرسيًا آخر وكان على وشك مساعدة يي يورونغ على الجلوس، 

لكنها لم تجلس، بل استدارت وأخذت تمسح دموعها بظهر يدها


ثم سكبت كوبًا من الماء الدافئ وقدّمته لتاو شي، 

وسألته بلهفة إن كان قد تناول الإفطار، وإن كان جائعًا


كما فعل بالأمس في قاعة الاجتماعات —- أخذ تاو شي 

كوب الماء بكلتا يديه، وهمس بشكر خافت


كان يستطيع أن يشعر باهتمام العجوزين الحذر ، 

كما أنه يشعر بثقل الخجل والندم العميق المختبئ خلف هذا الاهتمام


تقبّل ذلك بصمت، لأنه كان يشعر أنه إن أبدى أيّ قدر من 

الرفض، فستنهار يي يورونغ بالبكاء


رفع كوب الماء الدافئ الذي صبّته له، وأخذ رشفة بصمت


أخيرًا جلست يي يورونغ بجانبه، 

بينما عينا العجوزين تحدقان فيه


شعر تاو شي أن نظراتهما تحمل وزنًا، فقبض على أصابعه 

محاولًا أن يقول شيئًا، لكنه لم يعرف كيف يبدأ


كان الأقرب إليهما دمًا، لكنه كان الأبعد عنهما أيضًا


واستمر هذا الجو المشحون بالتوتر لعشر ثوانٍ تقريبًا ، 

ثم تكلم فانغ زوتشينغ


بدت عليه صعوبة في الحديث، 

لكنه رغم ذلك حاول أن يمهّد لصوته وقال ، كأي أب يسأل ابنه :

“ هل أخذت إذنًا من المدرسة ؟”


أومأ تاو شي برأسه وقال: “ نعم، أخذت إجازة .”


ظل العجوزان يمعنان النظر في الفتى الذي يبلغ من العمر سبعة عشر عامًا، 

و عيونه تشبه عيون ابنتهما إلى حد موجع


في البداية، بالأمس في قاعة الاجتماعات، أرعبهما هذا الشبه


أما الآن، فحين تأملاه عن قرب، شعرا بألم لا يوصف


لم تُبعد يي يورونغ نظرها بعيدًا ، بل أخرجت منديلًا ومسحت به زوايا عينيها، 

ثم مدت يديها واحتضنت يد تاو شي بلطف


لم يُبدِ تاو شي أي مقاومة، بل خفض بصره


نظرت يي يورونغ إلى يد تاو شي، وعادت عيناها لتغمرهما الدموع من جديد


{ هذه اليدان الرقيقة ، التي تشبه يد ابنتي ،

ملائمة بطبيعتها لحمل فرشاة الرسم ، ولم يكن من المفترض أن تعاني أدنى ألم }


لم تجرؤ على تخيل كيف كانت حياة حفيدها في السبع عشرة سنة الماضية


بعد صمت طويل، سمع تاو شي جدته ترتجف وهي تقول:

“ يا بني لقد ظلمتك طوال هذه السنين .”


قبل أن تُكمل كلامها، انهمرت عدة دموع من عينيها 

المغمورتين بالغمّ، وسقطت على ظهر يد تاو شي


تقلص تاو شي كأنه قد لُدغ ، وارتفعت عيناه قليلًا 

وانتفاخهما كان واضح


في النهاية، اكتفى بهز رأسه بصمت


سألت يي يورونغ بغصة في صوتها :

“ هل يعاملك أهلُ تلك العائلة معاملة جيدة ؟”


كانت نظرتها تتطلّع إلى تاو شي بشوق وقلق ، 

ونبرتها تحمل مزيجًا من الحيرة والأمل


من على سرير المستشفى، 

وجه فانغ زوتشينغ العابس ألقى هو الآخر نظرةً متجهة نحو 

تاو شي، كما لو أنه يطرح نفس السؤال في صمت


لم يكن لدى تاو شي جواب واضح لهذا السؤال


تلك السبع عشرة سنة من حياته عادت كلمح البصر في ذهنه، 

تراكمت فيها مشاعر كثيرة كثّفت من ضيق حلقه ولسانه


في النهاية ، اكتفى بقول :

“ أنا بخير ”


لكن هذا الجواب لم يبدو كافيًا ليمنح العجوزين ولو نصف راحة


غرق الجميع في صمت ثقيل ، 

ولم ينطق يانغ تشنغمينغ الذي كان واقفًا بجانبهم بكلمة


لقد سمعوا الكثير من سو يون ليلة أمس عن حياة تاو شي، 

ولم تتح لهم فرصة حتى للتعجّب من معرفة سكرتير عائلة 

لين بكل هذه التفاصيل



كانوا يعلمون كم كانت حياة تاو شي في تلك العائلة صعبة، 

حيث كان الأب بالتبني يعمل خارج البيت معظم الوقت، 

والأخت مريضة، كما كانوا على علم بأن تاو شي متفوق 

دراسيًا، وأنه تصدّر نتائج المقاطعة، وأنه استطاع الالتحاق 

بالمدرسة الثانوية الأولى في وينهوا بفضل تمويل من عائلة لين


وكانوا يعرفون أيضًا أنه ورث موهبة والدته في الرسم، 

وأنّه رغم التأخير الذي حدث خلال سنوات ماضية، 

فقد تمكن من التأهل للمسابقات الوطنية الكبرى


طفل أراد أن يعيش حياة جيدة لا يمكن أن ينمو إلا بجهد أبويه


لقد سلك طريقًا وعراً وشاقًا، 

وارتقى جبالًا ومرّ بوعورة الطريق، 

حتى وصل إلى منزله، لكنّهم شهدوا هو نفسه يكاد يقطع مستقبله المشرق


بل دفعوه إلى توقيع رسالة تفاهم تحت ثقل ضغط بالغ


وكانت بنود التعويض التي ظنّوا أنها مليئة بالنية الحسنة في 

واقع الأمر تبدو سخيفة للغاية، 

لأن ما طالبوا به كان من حقه منذ ولادته، 

لكنهم جعلوا من ذلك شرطًا للتسوية، وهو أمر عبثي ومُهين


كانوا يكرهون قوه بينغ بقدر كراهيتهم لأنفسهم


و حفيدهما هذا .. لا زال على استعداد لأن يزورهما مبادرًا ، 

ويطمئنهما بأنه بخير


ابتعدت يي يورونغ عن الأنظار، 

ولم تَتحمل المزيد من الأسئلة، 

بينما غطى وجه فانغ زوتشينغ الشاحب المليء بالتجاعيد لونٌ مزرق، 

وتجمّعت في عينيه الغامضتين مشاعر الحزن والندم، 

ومدَّ يده المرتجفة التي تحمل الإبرة نحو تاو شي


تردد تاو شي للحظة ، ثم أمسك بيد فانغ زوتشينغ بهدوء


سمع صوت الرجل العجوز الأبيض الشعر وهو يقول له بصوت مبحوح ثقيل :

“ يا بني ، الجد يعتذر لك، يمكنك أن تلومني وتكرهني . 

أنا آسف على ابنتي وحفيدي. 

وعدتها أن أربي طفلها جيدًا ، وأجعله ينمو صحيًا وسعيدًا، 

لكنني تركته يعاني وحيدًا خارج البيت طوال هذه السنين. 

وبعد أن عاد أخيرًا إلى عتبة الباب، لا يزال يعاني من الأوجاع…”


ابتدأ بالبكاء أثناء حديثه


هذا الأستاذ العجوز، الذي لم يسبق له أن ابتسم كثيرًا، 

لم يبكِ هكذا إلا بعد وفاة ابنته


قبض على يد تاو شي بإحكام، وانحنى وكأنه يعتذر بصدق


شعر تاو شي بهزة اليد العجوز التي لا يمكن السيطرة عليها، 

وتملكه شعور بالخجل ثقل عليه كثيرًا، 

حتى أضناه وأثقل أنفاسه


أخذ نفسًا عميقًا وحاول أن يقول له بهدوء:

“ ليس عليك أن تعتذر لي، لن ألومك ولا أكرهك، 

حقًا، لقد عشت حياة جيدة طوال هذه السنين .”


لكن العجوزين ما زالا في حالة انفعالية كبيرة، 

فلم تعد يي يورونغ قادرة على الصبر، 

فمدت يديها بحذر وعانقت المراهق أمامها


لم يقاومها تاو شي، لكنه انحنى متصلبًا في ذراعي يي يورونغ


لم يسبق أن عانقته جدته من قبل، 

وكان في هذه اللحظة عاجزًا كطفل يُحضن لأول مرة من 

قبل شخص بالغ، وأصابعه وأقدامه متشنجة


ربتت يي يورونغ بلطف على ظهره المتصلب، 

كما كانت تفعل 'جدته ' مع أخته تاو لي


سمع تاو شي جدته تبكي وتقول له:

“ أنا آسفة، إن خطأ الجدة أنها لم تأخذ حفيدها إلى البيت 

في وقت أبكر ، 

حفيدي كان يريد العودة للمنزل ، ولم أعلم ، 

تركته وحيدًا كل هذه المدة…”


تحركت تفاحة آدم فجأة ، أغمض عينيه بشدة ، 

والدموع التي تراكمت في عينيه بللت رداء جدته بصمت


نظر يانغ تشنغمينغ إلى الثلاثة، 

ولم يستطع كبح دموعه التي انهمرت من عينيه المحمرتين


كم من سبعة عشر عامًا مرت في الحياة ؟ 


هل يمكن للعجوز أن يظل له سبعة عشر عامًا أخرى ؟


لقد جعل القدر من هذا الأمر مزحة قاسية ، تلك السنوات لن تعود أبدًا


لم يعلم تاو شي كم من الوقت عانقته جدته وبكت عليه، 

وأخيرًا هدأ هو ويانغ تشنغمينغ العجوزين معًا


مسحت يي يورونغ دموعها، وأمسكت يده، 

وبدأت تسأله كثيرًا، عن طفولته، 

هل كان مريضًا، هل كان يأكل جيدًا، هل تعرض للتنمر في المدرسة…


في الواقع، لم تكن الأحداث الماضية ذات مغزى عميق بالنظر إلى ما يحدث الآن


اختار تاو شي أن يجيب ببساطة على بعض الأسئلة غير 

المعتادة التي طرحها عليه الكبار


لم يذكروا قوه بينغ، ولا يانغ داولي 


الأولى كانت سببًا في كراهيتهم الشديدة ، 


والثاني، وهو طفل ربّوه بأنفسهم، 


كان لا يزال في حالة عاطفية مرتبكة ولا يعرف كيف يتصرف


لاحظ تاو شي تجنبهم للحديث عن الأمر ولم يُثر الموضوع


بعد أن تحدث مع العجوزين ورأى فانغ زوتشينغ يبدو عليه التعب، قرر أن يودعهما


وبينما يقف، سمع فجأة صوت الباب يُفتح


استدار ورأى يانغ داولي واقفًا عند الباب، واصطدمت عيناه بعينيه


حدق يانغ داولي في تاو شي لمدة ثانيتين، 

ثم مرّت عيناه على الثلاثة الآخرين في الغرفة بلا تعبير على 

وجهه، ثم استدار ومشى مبتعدًا


صرخ فانغ زوتشينغ من على سرير المستشفى بحدة

ثم أصابه السعال الشديد بعد صراخه :

“ يانغ داولي !”


توقف يانغ داولي للحظة ، لكنه لم ينظر خلفه


كانت يي يورونغ على وشك أن تتقدم لتمسك به، 

لكنها عندما رأت فانغ زوتشينغ يسعل اضطرت للانحناء 

لتساعده على التنفس بشكل أفضل


لكن يانغ تشنغمينغ تقدم سريعًا وأمسك بذراع يانغ داولي ببرود وقال :

“ إلى متى تريد أن تختبئ ؟”


كان يقصد أن يسأله حتى متى سيتجنب الاعتراف بخطئه، 

لكن يانغ داولي فهم كلامه بشكل خاطئ


ابعد قبضة يانغ تشنغمينغ بعنف ونظر إليه بسخرية قائلاً:

“ أليس ابنك هنا ؟ أم أنك تريد إقامة مراسم للاعتراف 

بالأقارب وتدعوني خصيصًا لتسليم هوية ابنك له ؟”


احتقن وجه يانغ تشنغمينغ بالغضب الشديد


لقد تمكن من التواصل مع يانغ داولي بالأمس فقط، 

وأخبره بأن فانغ زوتشينغ مرض وطلب منه الحضور إلى المستشفى، لكنه رفض


ولم يكن يتوقع أن يانغ داولي سيأتي اليوم ويصادف وجود تاو شي هنا


كبح غضبه وقال له بجدية :

“ دعنا نترك هذا الموضوع جانبًا ، هيا تحدث عن الأمور 

الجيدة التي فعلتها بنفسك ، 

كيف تشوه سمعة تاو شي بالسرقة الإبداعية وكدت تدمر 

منافسة الآخرين . 

أليس من المفروض أن تعتذر له؟!”


توقف فانغ زوتشينغ عن السعال أخيرًا ، 

كان الرجل العجوز غاضبًا بشدة بعد حزن كبير ، 

وبدا وجهه شاحبًا جدًا ، 

ومدَّ أصابعه المرتجفة نحو يانغ داولي وهو يصرخ :

“ عجل واعتذر !”


كان العجوز غاضبًا حقًا، 

فقد اكتشف أن يانغ داولي على ما يبدو كان يعرف الحقيقة بشأن ميلاد تاو شي


كان يتساءل لماذا اتهم يانغ داولي زميلًا في الصف لا علاقة له بالأمر


والآن بعد أن تبيّن كل شيء ، زاد غضبه أكثر


في مواجهة جده الذي أحبه منذ الصغر، لم يسخر يانغ داولي بعد، 

بل عض شفتيه بإحكام، وحدق في الأرض بعينيه الداكنتين، 

لكنه بقي جامدًا بلا حراك


رغم محاولات يي يورونغ التي لم تعد تحتمل، 

بكت ونادت مستنجدة: “ لي لي عليك أن تعترف بخطئك وتعتذر ، 

لقد ارتكبت خطأً كبيرًا ، يجب أن تعتذر لتاو شي بشكل لائق .”


واقفًا في الغرفة ، كان تاو شي يراقب المشهد ببرود ، 

وضع يده في جيبه ولمس هاتفه ، 

نادمًا على أنه لم يغادر في وقتٍ أبكر


هدأ يانغ تشنغمينغ وتوقف عن الكلام، 

بينما واصلت يي يورونغ محاولة إقناع يانغ داولي


وبعد نحو ثلاث دقائق ، رفع يانغ داولي رأسه أخيرًا ونظر إلى 

تاو شي، ثم تقدم ببطء واقفًا على بعد خطوة منه


حدّق تاو شي بهدوء في هذا الشخص الشاحب أمامه، 

الذي كان يخشاه في السابق، 


إذ كان يخشى أن يكشف نظره في عينيه عن استيائه وسخريته


لكن في هذه اللحظة، رأى في عينيه شبهًا كبيرًا لعيون قوه بينغ، 

عيونه التي كانت يومًا مليئة بالضغينة الشديدة


قال يانغ داولي بصوت منخفض، لكن واضح للجميع : 

“ لقد فعلتها عن قصد أليس كذلك ؟”


عبس تاو شي ونظر إليه ببرود دون كلمة


صرخ فانغ زوتشينغ متهالكًا من الألم : “ يانغ داولي !”، 

و عيناه تكاد تدمع من الحزن ، 

وتنهدت يي يورونغ تنهيدة قلقة


فهذا الطفل الذي ربوه منذ نعومة أظفاره ، 

مهما أصابهم من خيبة أمل وغضب ، لا يمكن لعلاقة سبعة 

عشر عامًا أن تنتهي بين ليلة وضحاها


كانوا لا يريدون إيذاء تاو شي أكثر ، 

ولا يرغبون في أن يزداد يانغ داولي ضلالًا في طريقه الخطأ، 

مما يؤدي إلى صراع لا يُصلح مع تاو شي


و وضعهم لم يعد يسمح لهم بالدفاع عن يانغ داولي


لكن يانغ داولي تجاهل تحذيرات العجوزين ببرود ، 

وكأنه يتذكر شيئًا ما، حدق في تاو شي وقال بثقة:

“ لقد عرفت الأمر منذ وقت طويل . 

منذ اليوم الأول الذي جئت فيه إلى مدرسة وينهوا الأولى والتقيت بي "


توقف قليلًا، ثم ارتسم على شفتيه ابتسامة، وتابع:

“ لقد تملقت لين تشينهي عن قصد ، 

واقتربت من يانغ تشنغمينغ عمدًا ، 

وذكرت للأم لوو أمامي أنك تريد المشاركة في مسابقة الفن. 


و أنك تلميذ تشياو هينان ، لأنك تعرف أن هذه الأمور تثيرني أكثر شيء . 

لقد رسمت لوحة المسابقة أمام شو تسيتشي في السكن، 

لأنك سمعت ما قلته لغوان فانيوان تلك الليلة

أليس كذلك ؟!”


تسارع كلام يانغ داولي ، حتى بدأ صدره يرتفع وينخفض 

بشدة، ونظر في عيني تاو شي كأنه يريد انتزاع لحمه


صرخ يانغ تشنغمينغ بغضب، وبرزت عروقه في جبينه:

“ بماذا تهذي !”، 


ثم تقدم وأمسك بذراع يانغ داولي وسحبه للخلف ، 

لكنه قاوم مرة أخرى وانفلت منه


ظلَّ يانغ داولي يحدِّق في تاو شي، 

وعيناه تغمران بالدم، ثم واصل الصراخ بجنون :


“ كل هذا الوقت ، وكل تلك الفرص أمامك ، لم تخبرهم 

بالحقيقة ، ليس لأنك لا تريد ! بل لأنك خائف ! 

خائف أنهم حتى لو اعترفوا بك، فلن يطردوني! 

ولهذا تخطط للانتقام مني أليس كذلك ؟!”


سعل الجد فانغ زوتشينغ بشدة حين سمع هذا الكلام الفارغ، 

بينما استبد الغضب والقلق بالجدة يي يورونغ

لم تكن قد وبخت يانغ داولي يومًا بجدية، 

لكنها في تلك اللحظة لم تستطع تمالك نفسها، 

فصرخت فيه وقد بلغ بها الخذلان أقصاه:


“ لي لي! لم نربّك على هذا النحو حين كنت صغيرًا ، 

لماذا تلقي اللوم على الآخرين بسبب أخطائك ؟ 

لا أحد أجبرك على ارتكابها .”


لكن يانغ داولي لم يكن يسمع شيئ


كان قد اقتنع تمامًا بأن تاو شي يتعمّد الانتقام منه، 

وظل يحدق إليه بعينين جامدتين، 

وكأن عليه أن يعترف بذلك


غير أن تاو شي ظل هادئًا طوال الوقت


لم يُجب على أسئلة يانغ داولي المتكررة، وقال فقط:


“ يانغ داولي عليك أن تذهب لرؤية والدتك البيولوجية .”


اتسعت حدقتا يانغ داولي فجأة، كما لو أنه سمع شيئًا يثير 

فيه اشمئزازًا ورعبًا بالغين



زمّ شفتيه وقال من بين أسنانه :

“هل أرسلك تاو جيان لتقنعني؟ 

أخبرها أنني لن أنظر في وجهها حتى لو كانت تحتضر !”


نظر تاو شي إلى نظرة يانغ داولي المليئة بالنفور وكأنه 

يتهرّب من الأفاعي والعقارب، 

وخطر بباله وجه تلك المرأة المستلقية على سرير 

المستشفى، ما زالت تنتظر رؤية ابنها، فغمره شعور عبثي بالحزن 


قال بهدوء :

“ أنا فقط أشعر بالأسف تجاه والدتك ، التي سرقت اسمي 

لتمنحه لك، وجعلتك تأخذ مكان سبعة عشر عامًا من حياتي ، 

ثم ها أنت عالق في هذه الحياة السخيفة .”


: “ هل حياتي سخيفة ؟!” بدا أن كلماته قد أثارت حنق يانغ داولي ، فصرخ بهستيرية :

“ أتظن أنني أردت هذا الاسم ؟ أو هذه الحياة ؟!”


ثم نظر إلى وجوه البالغين الثلاثة الواقفين ، وابتسم فجأة ابتسامة حادة وقال:

“ لطالما كنتم تبحثون عن ظل ميتٍ في وجهي . 

لقد سئمت هذه الحياة !”


تبدلت ملامح الكبار الثلاثة فور سماعهم تلك الكلمات


يانغ تشنغمينغ ببرود ، وقد عقد حاجبيه :

“ يانغ داولي هل تعي ما الذي تقوله ؟!”


فأجابه يانغ داولي بنظرات حادّة :

“ أليس كذلك؟ 

أما زلت غير خائب الأمل لأنني لا أشبهها ؟”



كان يانغ داولي يبدو كمن ظلّ مكبوتًا لسنوات ، 

و وجد أخيرًا الفرصة لينفجر ، 



ابتسم بمرارة وتابع :


“ نعم ، لا أشبهها ، ولا أستطيع الرسم ، تشياو هنيان رفض 

أن يأخذني كطالب… لكن ماذا بوسعي أن أفعل؟ 

ماذا يمكنني أن أفعل؟ 

لقد حاولت أن أتعلم طويلاً ، طويلاً جدًا ، لكنني لم أنجح . 

تقولون لي إن الأمر لا يهم ، لكنكم لا تستطيعون إخفاء 

الخيبة في وجوهكم !”


كان صدر يانغ داولي يعلو ويهبط بعنف، 

وعيناه محمرّتان، ووجهه الشاحب غارق بالدموع


قالت يي يورونغ بذهول، تنظر إلى الطفل الذي دلّلته وربّته 

أمامها، ولم تكن تدري أنه يحمل في قلبه كل هذا الحقد :

“ لي لي، نحن لم…”


لكن يانغ داولي لم يكن قد انتهى من صبّ غضبه بعد


كان يبكي حتى بدت ملامحه مشوّهة بعض الشيء ، 

وصاح بانفعال:


“ أقاربي كانوا يمزحون من خلفي ، يقولون إني لست ابنكم 

الحقيقي، وإنكم تبادلتم الطفل عن طريق الخطأ… 

أنتم قلتم لي إنها مزحة ، وطلبتم ألا أضعها في قلبي ، 

لكن من منكم يعلم أنني خفت ؟!


في كل مرة أذهب فيها للمستشفى ويسحبون دمي ، كنت 

أخاف أن تذهبوا سرًّا وتجروْا فحص أبوة. 

وفي كل كابوس كنت أحلم أنني مزيف، وأنكم ما إن تكتشفوا 

الحقيقة، ستتخلّون عني فورًا !”


رفع يانغ داولي يده وأشار إلى تاو شي

ثم ابتسم ابتسامة مشوّهة وقال:


“والآن، يانغ داولي الحقيقي قد عاد. 

لقد حصلتم على ما تريدون، ولم تعودوا بحاجة إلى الشعور 

بخيبة الأمل. أليس هذا رائعًا ؟”


نظر الشيخان إلى يانغ داولي وعيونهما محمرّة بالدموع، 

وقد بدت على وجهيهما صدمة شديدة


فتحا فميهما، لكن لم يعرفا بماذا يردّان


أما يانغ تشنغمينغ، فقد عقد حاجبيه ولم ينبس بكلمة


كانت يي يورونغ ما تزال غارقة في ألمها، 

تمسك بمنديل وتمسح دموعها 


حينها سُمِع صوت تاو شي فجأة 

الذي ظلّ صامتًا طوال الوقت


“ هل تحاول أن تجعلهم يشعرون بالذنب تجاهك ، بأن تضع 

كل اللوم على الآخرين وتنزعه عن نفسك ، وكأن العالم بأسره ظلمك ؟”


توقفت شهقات يانغ داولي فجأة


نظر إليه تاو شي ببرود ، كما لو أنه ينظر إلى طفل لا يعرف 

سوى البكاء ، ثم قال بسخرية :


“ أنت تعرف في قرارة نفسك كيف عاملوك طوال السنوات 

العشر الماضية . 

هل تجرؤ أن تقول لجديك ، الذين كنت تناديهم طوال هذه 

السنوات، أنهم ظلموك يومًا ؟”


عضّ يانغ داولي شفتيه ولم يرد


تنهد الجد فانغ زوتشينغ، وأبعدت الجدة يي يورونغ بوجهها وهي تمسح دموعها


كلمات يانغ داولي كانت قد جرحتهم بالفعل


تابع تاو شي بنبرة هادئة لكنها حادة :


“ لقد عشت معهم لسنوات ، حتى بعد أن عرفوا أنك لست 

ابنهم ، لم يفكروا بالتخلي عنك . أنت تعلم هذا جيدًا . 

لكنك فقط لا تشعر بالاكتفاء ، وترفض أن أشاركك ولو بجزء 

صغير، أليس كذلك ؟”


نظر تاو شي مباشرة إلى يانغ داولي

لكن الأخير ظل صامتًا ولم ينطق بكلمة


اقترب تاو شي منه خطوة ، وحدّق في ملامح الحقد 

المرسومة على وجهه، ثم قال ببرود:


“ يانغ داولي .. ما خيّب أملهم لم يكن أنك لا تشبه والدتي، 

بل أنهم ربّوك بعناية ، ومنحوك كل ذلك الحب ، 

وفي النهاية لم تتعلّم سوى الأنانية والحقد . 

تقول إنني أنا الحاقد ؟ على ماذا أحقِدُ لك؟”


رفع يانغ داولي عينيه فجأة ونظر إليه


لكن تاو شي تجاهل نظراته المليئة بالكراهية، 

وكان قد سئم تمامًا من هذه المسرحية الهزلية


فودّع العجوزين ببساطة ، وغادر غرفة المستشفى


لم يبتعد كثيرًا حتى سمع خطوات خلفه، 

وإذا بيانغ تشنغمينغ يلحق به، أمسك بذراعه للحظة ثم تركه بسرعة


توقف تاو شي ونظر إليه، وسأله بأدب:

“ هل هناك أمر آخر ؟”


نظر يانغ تشنغمينغ إلى عينيه الباردتين، 

وشعر في قلبه بمزيج معقد من المشاعر


ثم قال بنبرة فيها شيء من التودّد:

“ عد لتسكن معنا ، جدّاك وأنا نأمل أن تعود . 

الغرفة في المنزل بدأ تجهيزها بالفعل .”


وصل إلى أذنيه صوت بكاء خافت من داخل غرفة المستشفى، 

لكن تاو شي ظل صامتًا ولم يُجب


وعندما رأى أن تاو شي لم يتكلم ، أضاف :


“ إن لم تكن مرتاحًا في منزل العائلة ، لدي بيت آخر أيضًا . 

فقط أخبرني بما تحتاجه ، وسأجهزه كما تريد ، 

طالما أنك مستعد للعودة والعيش هنا .”


كان هذا هو مخططهم منذ البداية


فابنهم لا يوجد سبب يجعله يعيش بعيدًا عنهم


أرادوا أولًا أن يعود تاو شي ليسكن في منزل عائلة فانغ، 

وإن لم يتأقلم ، فكان يانغ تشنغمينغ مستعدًا لأن ينتقل 

للعيش في المنزل الجديد الذي اشتراه مؤخرًا ، 

والذي من الطبيعي أن يُسجّل باسم تاو شي لاحقاً 


كان يانغ تشنغمينغ يتوقع من تاو شي أن يوافق ، 

لكن الأخير اتجهت نظرته إلى نهاية الممر


في تلك اللحظة ، لمع بريق في عينيه ، 

أشبه بنجوم المساء حين تتوهّج فجأة ، 


مما جعل يانغ تشنغمينغ يشعر بالذهول للحظة


لقد كانت فانغ سوي تنظر إليه يومًا بذلك البريق ذاته في عينيها


ثم سمعه يقول بصوت خافت ، وهو لا يزال في غفلته 


: “ شكرًا لك، لكن لا داعي للعناء "


قالها تاو شي مودّعًا ، ثم استدار سريعًا ومضى نحو الطرف الآخر من الممر


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • عادي
  • متطور
  • ترتيب حسب الاحدث
    عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق
  1. احاول افهم يعني هما شكو انو مو ابن بنتهم الحقيقي وبرضو مافكرو يحققو في الموضوع 🌝 يعني معرف ايش اقول ماينلام تاو شي ساحب على هيك عيلة

    ردحذف

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي