القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch62 | TMCTM

 Ch62 | TMCTM



في الصباح الباكر من أول يوم في السنة الجديدة ، 

جاء يانغ تشنغمينغ ليصطحب تاو شي بسيارته ، 

متجهَين إلى مقبرة تقع في ضواحي المدينة ——-


كان تاو شي قد أخبره الليلة الماضية برغبته في زيارة قبر فانغ سوي


المقبرة تقع وسط الجبال والأنهار، 

ولم يكن الصباح قد انبلج تمامًا بعد، 

و الضباب الأبيض ما يزال يلفّ المكان الساكن الخالي من الزوار



سار تاو شي خلف يانغ تشنغمينغ مسافة طويلة ، 

حتى وصلا أخيرًا إلى قبر فانغ سوي


هذه المرة الأولى التي يرى فيها تاو شي والدته — من خلف قبر


وبعد أن ألقَى نظرة على فانغ سوي، 

ابتعد يانغ تشنغمينغ خطوات قليلة، 

تاركًا لتاو شي المجال كي ينفرد بالحديث معها


وضع تاو شي باقة من الورد الأبيض أمام شاهد القبر؛ 

كانت بتلات الورد الناصعة ما تزال مرشوشة بندى الصباح


ثم جلس القرفصاء أمام الشاهد ، 

وبدأ يتأمل كلماته المحفورة ، وقد مدّ يده ليلمسه ، 

كأنه يطلب دفئًا من برودة الحجر


صورة فانغ سوي على الشاهد قد تمّ استبدالها منذ فترة 

قصيرة — عيناها الجميلتان في الصورة تحدّقان بعذوبة 

نحو كل من يأتي لرؤيتها


الزائرون كانوا يشيخون عامًا بعد عام ، أما صاحبة الصورة ، 

فقد توقّف بها الزمن عند تلك السنّ المزهرة


ظلّ تاو شي يتأمل الصورة طويلاً ، 

وكأنه ينظر إلى والدته فعلًا ، ثم همس بهدوء :

“ أمي، جئتُ لأراكِ… هل ترينني ؟”


لم يكن في الأرجاء سوى صوت الرياح وزقزقة الطيور البعيدة


وبعد لحظة طويلة ، تابع تاو شي حديثه إلى الشاهد :


“ أمي… لقد عدتُ إلى المنزل ….


الجد والجدة طيبان معي جدًا . 

تناولت العشاء معهما ليلة أمس ، 

وجدتي أعدّت الكثير من الأطباق من أجلي .


قالت جدتي إنني أحب نبيذ الأرز الذي تعدّه بقدر ما كنتِ تحبينه أنتِ…

 فشربتُ منه وعاءً إضافيًا . 

لو أنكِ كنتِ هنا لتتذوقيه أيضًا .


أنا بخير الآن . لديّ شخص أحبه كثيرًا ، وهو يحبني جدًا أيضًا . 

أتيتُ إلى هنا بسببه ، وهو الذي أعادني إلى المنزل .


أتعلم الرسم الآن على يد الجد تشياو .. ودائمًا يقول إن لديه 

تلميذة بارعة جدًا ،،،،، أعلم أنه كان يقصدكِ. 

وسأجتهد كي أجعله يفتخر بي كما فَخِرَ بكِ من قبل .


أمي… شكرًا لأنكِ تباركينني دومًا من السماء .


أفتقدكِ كثيرًا ، وأتمنى لكِ السعادة والسكينة هناك .”


بدأ الضباب يتبدد شيئًا فشيئًا ، 

وأشرقت أشعة الشمس الذهبية الخفيفة عبر الضباب 

الأبيض


وقف تاو شي أمام القبر ، ثم انحنى ببطء احترامًا وحنينًا أمام الشاهد


في طريق العودة ، ساد صمت ثقيل بين الأب وابنه


قاد يانغ تشنغمينغ السيارة دون أن يُشغّل الموسيقى هذه المرة ، 

أما تاو شي فظلّ يحدّق في النافذة مطولًا ، صامتًا ، 

حتى قطع السكون فجأة وسأل :


“ لماذا خليج تاوشي؟”


كان قد عرف خلال الطريق السبب الذي دفع فانغ سوي إلى 

مغادرة عائلتها في الماضي


ذلك الماضي البعيد ، لم يكن ليُروى بكلمات قليلة


كل ما عرفه هو أن يانغ تشنغمينغ، قبل سنوات طويلة ، 

كان التلميذ المفضل للجد فانغ زوتشينغ ، وأنه بسبب يتمه 

المبكر ، تولّى المعلّم رعايته


ثم نشأت بينه وبين ابنة المعلّم مشاعر خفية


كان يمكن لتلك القصة أن تكون سعيدة … لكنها انتهت على هذا النحو 



لم يكن هناك كراهية ، ولا خيانة ، بل مجرد شرخٍ مؤلم 

باسم الحب ، دفع بفانغ سوي، الواقعة في قلب الدوامة، إلى اليأس


كانت حُبلى بابن حبيبها ، عازمة على منحه الحياة ، 

لكن عائلتها رفضوا ذلك


حتى أقرب صديقاتها صدّتها حين طلبت العون ، وفي 

النهاية ، اختار حبيبها التراجع… والهرب


لكن لماذا خليج تاوشي؟


طرح تاو شي هذا السؤال على يانغ تشنغمينغ

وكانت السيارة قد بدأت تهدأ تدريجيًا حتى توقفت على جانب الطريق


رأى تاو شي يانغ تشنغمينغ مطأطئ الرأس، 

وقد قبض بأصابعه بإحكام على عجلة القيادة، 

وكانت عروق يده نافرة بلونٍ مزرقّ، 

وكأنه كان يكبح ألمًا عظيمًا وندمًا لا يُحتمل


وبعد صمتٍ طويل ، تكلم أخيرًا بصوتٍ ثقيل :

“ كنتُ أحب التصوير ، والتقطتُ صورًا للكثير من الأماكن… 

هي… كانت تحب أزهار الخوخ في خليج تاوشي أكثر من أي 

مكان ، ووعدتُها أن نذهب معًا لنرسم هناك ذات يوم .”


تلك الصور الفوتوغرافية هي التي جذبت الانتباه إلى خليج تاوشي لبعض الوقت ، 

وكانت أكثر ما يشعر نحوه بالفخر


لاحقًا — حين كانوا يبحثون بيأس عن فانغ سوي، 

فتّشوا كل الأماكن التي قد تذهب إليها، إلا هذا المكان


نسيَ نظرة الشوق في عينيها ، ونسِي وعوده السطحية آنذاك


ظلّ تاو شي صامتًا بعد أن استمع إليه


فكّر في والدته ، تلك التي كانت وحدها في خليج تاوشي


{ لا شكّ أنها كانت تنتظر أن يأتي يانغ تشنغمينغ إليها ..


لكن حتى لحظة وفاتها ، لم ترَى الشخص الذي وعدها أن 

يأخذها إلى منزل يخصهما }


: “ أنا آسف…” قالها يانغ تشنغمينغ فجأة ، 

وعيناه محمرّتان وهو ينظر إلى تاو شي : “ لم أذهب إلى 

خليج تاوشي لأبحث عنها… ولم أذهب إلى خليج تاوشي 

لأبحث عنك لاحقًا أيضًا .”


لم يرد تاو شي على كلماته


فتح نافذة السيارة ونظر إلى الخارج، 

فالنسيم البارد القادم من الجبال اندفع إلى الداخل، 

لكن صدره ظلّ مشدودًا، وكأن شيئًا ثقيلًا يسكنه، يخنقه ويؤلمه


لقد سمع الكثير من كلمات الاعتذار، لكنها لم تُعد له أمّه، 

ولم تُعد له السنوات السبع عشرة التي حُرم منها


و ' تاو شي ' — الاسم الذي أطلقته عليه قوه بينغ بلا مبالاة 

— بدا وكأنه نبوءة… أو لعلّه وصمة قدَر ، 

طبعتها عليه سخرية القدر نفسها ….



في الطريق إلى المنزل ، لم يتبادل الأب والابن أي كلمة


عاد تاو شي إلى البيت وحده ، 

ليجد لين تشينهي واقفًا بجوار أريكة غرفة الجلوس، 

يرتدي سترة صوفية بلون رمادي مزرقة ، وفي يده كتاب


من الواضح أنه كان يقرأ وهو ينتظره


بدّل تاو شي حذاءه ، ثم سار ببطء نحو لين تشينهي دون أن يقول شيئ ، 

ولم يسأله لين تشينهي عن شيء ، 

بل اكتفى بأن مدّ ذراعيه وعانقه إلى صدره


دفن تاو شي وجهه في الكتف الدافئ المغطّى بالصوف الناعم ، 

وأرخى جسده كله في أحضان لين تشينهي



تنفّس بعمق، وكأنه طائر عاد إلى عشه بعد عاصفة طويلة، 

فشعر أن الضيق في صدره قد انفرج قليلًا


: “ هل ترغب في جولة على الدراجة بعد الظهر؟” سأل لين تشينهي


أومأ تاو شي برأسه ، 

فقد كان بالفعل لا يريد البقاء في المنزل



يوم جميل ، أشرقت فيه شمس الشتاء النادرة


و قاد كلٌّ من تاو شي ولين تشينهي دراجتيهما في أرجاء 

مدينة وينهوا ، وزارا أماكن كثيرة



أخذه لين تشينهي إلى المدرسة الابتدائية والمتوسطة التي 

كان يدرس فيها، 

بل وحتى إلى الروضة التي التحق بها صغيرًا


وعندما وصلا إلى الروضة ، صادف ذلك وقت انصراف الأطفال



وقف تاو شي ولين تشينهي عند البوابة، 

وكان عدد من أولياء الأمور يقفون حولهما بانتظار أطفالهم، 

ينظرون إليهما بين الحين والآخر، فهما شابان لافتان للأنظار


وقفت امرأة مسنّة إلى جوار تاو شي وسألته :

“ هل جئت لتُحضِر أخاك الصغير أم أختك الصغيرة ؟”


فأجاب تلقائيًا :

“ جئت لأصطحب أخي الصغير ، من الصف الكبير في

الروضة ( 5 سنوات / مرحلة KG3 ) ”


فرحت الجدة وقالت إن حفيدتها أيضًا في الصف الكبير، 

واسمها يُنيون، ثم أبدت إعجابها بوسامة تاو شي، 

وقالت إن أخاه لا بد أن يكون جميلًا أيضًا، 

وسألته عن اسمه، فقد يكونان يعرفان بعضهما


فكر تاو شي قليلًا ، ثم ابتسم وقال:

“ اسمه لين تشينهي، هل ذكرته حفيدتك من قبل ؟”


كان لين تشينهي جالسًا على دراجته إلى الجانب، فاستدار ونظر إلى تاو شي


قالت الجدة بإعجاب:

“ الاسم جميل جدًا ! 

لكنني لم أسمع حفيدتي تتحدث عن طفل بهذا الاسم ...”

ثم التفتت إلى لين تشينهي وسألته :

“ وأنت يا بني، هل جئت أيضًا لأخذ أخيك الصغير ؟”


أومأ لين تشينهي دون أن يُظهر أي انفعال ، وقال:

“ جئت لأصطحب أخي الصغير .”

ثم تابع بجدية قبل أن تُواصل الحديث:

“ من الصف الكبير في الروضة ، اسمه تاو شي ”


ابتسم تاو شي للجدة وقال:

“ إخواننا في الصف نفسه .”


قالت الجدة بإعجاب:

“ هذا رائع ! الإخوة الكبار على علاقة جيدة ، والصغار يكبرون 

معًا ويرافق بعضهم بعضًا .”

ثم فجأة سمعت حفيدتها تناديها، فسارعت لملاقاتها


استغل تاو شي ولين تشينهي الفرصة وركبا دراجتيهما وغادرا بسرعة


وفي الطريق، لم يستطع تاو شي التوقف عن الضحك

حتى إن لين تشينهي التفت إليه عدة مرات

ثم قفز ذهن تاو شي إلى موضوع آخر فجأة، فسأل:


“ أنت ذكي جدًا ، لماذا لم تتجاوز الصفوف ؟”


كان يرى أن بمقدور لين تشينهي، بما يمتلكه من ذكاء، 

أن يقفز أربع أو خمس مراحل دراسية بسهولة


لكن لين تشينهي لم يواكب هذه القفزة الذهنية المفاجئة، فأجابه :

“ أحد المعلمين اقترح ذلك في المرحلة الابتدائية ، لكن 

والدتي لم توافق .”


قال تاو شي وهو يضغط شفتيه بإعجاب مصطنع:

“ لحسن الحظ أنك لم تتجاوز ….”

ثم نظر إليه مبتسمًا بعينين متألقتين وقال:

“ وإلا فكيف كنت سأدخل الصف الكبير في الروضة معك ؟”


ابتسم لين تشينهي لدى سماعه ذلك، 

وفكّر في أنه من حسن الحظ أن تاو شي لم يُواصل السؤال عن سبب رفض لوو تشنغيين


لكن في اللحظة التالية، بدا على تاو شي الجديّة فجأة، وقال:

“ بعد فترة ، عندما تتحسن حالة والدتك ، سأذهب لزيارتها .”


كان يعلم أن لوو تشنغيين تُعالج في مصحّة للاستشفاء ، 

ويعلم أيضًا أن انتكاستها كانت على الأرجح بسبب معرفتها بأصله


تشنجت أصابع لين تشينهي على مقود دراجته، 

إذ لم يكن يتوقع أن يبادر تاو شي من تلقاء نفسه بطلب زيارة والدته

وبعد صمت قصير، قال أخيرًا :

“ حسنًا… هي أيضًا تودّ أن تراك "


عند الغروب ، بدآ الشابان يركبان دراجتيهما ببطء على طول 

الممر الأخضر المحاذي للنهر ، عائدين إلى المنزل



تاو شي قد تعب تمامًا، يداه تدفعان البدّالتين بصعوبة، 

في حين رأى أن لين تشينهي ما زال يركب بهدوء وسلاسة



شعر تاو شي بشيء من التحدي، فزاد من سرعة دواسته قليلاً، لحق به وهو يلهث وقال:

“ سآخذك لاحقًا إلى خليج تاوشي لتتسلّق الجبل ، 

وقتها لن تكون أفضل مني قطعًا .”


نظر لين تشينهي إلى وجهه الذي احمر قليلاً من العرق، 

وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه ، ثم قال:

“ القدرة البدنية لا تتغير بتغيّر المكان .”


توقّف تاو شي عن القيادة ، وسند إحدى قدميه على الأرض ، 

وقد شعر بأن لين تشينهي يقصد شيئًا آخر بكلامه ، 

لكنه لم يتمكّن في تلك اللحظة من إدراك ما يرمي إليه


في هذه الأثناء ، كان لين تشينهي قد تقدم لمسافة أمامه، 

ثم توقف وأدار دراجته، ناظرًا نحوه، 

بينما يقف وخلفه نهر يتلألأ بأضواء الشفق


تأمل تاو شي ذلك المشهد لبضع ثوانٍ، 

ثم شدّ على دواسة دراجته بقوة، ولحق به



مع نهاية عطلة رأس السنة ، 

لم تعد هناك عطلات طويلة قبل الامتحانات النهائية، 


التي ستليها مرة أخرى ترتيبات التصنيف وتوزيع الفصول


حتى طلاب الفصل الأول في مدرسة وينهوا الثانوية لم يسلموا من التوتر ، 

ولذلك، انكبّ تاو شي أيضًا على التحضير الجاد للامتحانات


وفي أثناء ذلك ، أسرّ بي تشنغفي إلى تاو شي بخبر حصري: 

قال إن شو تسيشي ويانغ داولي من الفصل الثاني قد 

انسحبا من المدرسة . 

ووفقًا لما سمعه من عمته المعلمة بي آوشوي، فقد تم 

تدوين ملاحظة في سجلاتهما، 

ومن المرجح أن تلاحقهما مدى الحياة، 

ويُقال إن للأمر علاقة بمسابقة CAC


اكتفى تاو شي بالقول إنه لا يعلم شيئ ، 

لكن بي تشنغفي كان فضوليًا ، 

فقد رأى بأم عينه والد يانغ داولي يأتي ويسلم شيئًا لتاو شي 

عدّة مرات ، 

{ لكن … هل في النهاية لم يُسوِّي المسألة معه ؟ }


ولم تمضِ فترة طويلة حتى صدرت النتائج النهائية لمسابقة CAC، 

وقد حقق تاو شي توقعات الجميع … ، 

إذ فاز بالجائزة الأولى على مستوى البلاد ، 

وكان هذا أفضل إنجاز له بعد كل ما مر به


فاستغل جائزة المسابقة ليدعو زملاءه إلى عشاء نهاية الأسبوع ، شاكراً لهم على دعمهم


انطلق أولئك الطلاب ، الذين أنهكتهم المراجعة ، 

يأكلون ويشربون بسعادة ، ثم أمضوا الليل في كارايوكي



وبعيدًا عن رقابة الأهل والمعلمين، 

طلب الفتية وحدهم أكثر من ثلاثين زجاجة بيرة



أراد تاو شي أن يشرب هو الآخر ، لكن لين تشينهي منعه ، 

ودفع إليه بزجاجة مشروب غازي بنكهة الخوخ، جعلته يتنهّد بحسرة


الغرفة الخاصة دافئة ، وقد شغّل أحدهم الأضواء الدوّارة الملونة ، 

فانتشرت هالات ضوئية باهرة، 

واختلط الهواء المفعم بالحيوية برائحة البيرة والعصير، 

وكان ضحك المراهقين الصاخب يعجّ بالحياة والبهجة


كان تاو شي شارد الذهن وسط هذا المشهد الصاخب، 

متذكّرًا أنّه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، 

كان على الأرجح يرتدي معطفًا قطنيًا باليًا لم يعد فيه قطن، 

جالسًا في ممر النوم الجماعي ذو العشرة أشخاص، 

يُمسك بمصباح يدوي ويداه ترتجفان من البرد، 

يحاول اللحاق بواجبات البث المباشر من مدرسة وينهوا الأولى الثانوية


الفكرة الوحيدة التي كانت تدعمه حينها كانت بسيطة :  

القمر الذي يظهر على الشاشة المباشرة القادمة من آلاف الأميال …..


أما الآن ، فإنه ينظر إلى زملائه في مدرسة وينهوا الأولى وهم يرقصون أمامه ، 

وإلى الشاب الوسيم الجالس إلى جواره ، واضعًا سماعات 

لاسلكية ، يطأطئ رأسه وهو يكتب شيئًا على جهازه اللوحي 

وسط الضجيج والأنوار المتلألئة



أصابعه الطويلة تنساب فوق الشاشة وكأنه جالس في 

مكتبة، وليس في غرفة كاريوكي


لم يتمالك تاو شي نفسه فأمال رأسه ليرى ما يكتبه، 

فإذا به يجد مقالة التوفل التي أُجبر على كتابتها الليلة 

الماضية بأمر من لين تشينهي


و بجانبها ملاحظات تصحيح حمراء كثيفة ، 

تكاد كلماتها تعادل نص المقال نفسه


قال تاو شي بمرارة :

“ الأستاذ لين … لما لا تكتب لي مقالًا جديدًا فحسب ؟”


كان لين تشينهي محجوب الرؤية برأس تاو شي، 

فرفع يده برفق وأمسك بذقنه ودفعه قليلًا إلى الجانب، 

ثم واصل كتابة ملاحظته الأخيرة بنبرة فيها بعض الجدية :

“ لقد كتبت لك نموذج ، يمكنك الاستفادة منه .”


كان تاو شي على وشك أن يرد عليه، 

حين رُفع فجأة من على الأريكة إلى أمام البار على يد بي 

تشنغفي ورئيس الصف، 

ووُضع في يده ميكروفون — بي تشنغفي قد ناوله إياه لتوّه، 

وبدأ بقية الطلاب يصرخون بحماس :

“ غنِّ لنا ! غنِّ!”


كان تاو شي في مزاجٍ جيد، 

فاختار أغنية إنجليزية قديمة لطالما أحبّها، 

اسمها Fly Me to the Moon، 

كان قد سمعها في السابق وأُعجب بها لدرجة أنه دوّنها


غنّاها بخفة واستهتار ، 

معتمدًا على لحنها الجميل والبسيط


لم يطلق أحد عليه صيحات استهجان ، مما جعله يشعر بالرضا التام


أما لين تشينهي، فقد توقّف أخيرًا عن تصحيح المقال، 

وجهه البارد عادةً بدا نصف مخفي في الظلال الخافتة، 

ونظرته مركّزة على تاو شي، هادئة، وناعمة


بعد انتهاء الأغنية ، عاد تاو شي وجلس بجانب لين تشينهي


كان على وشك سؤاله كيف كانت أغنيته ، 

لكنه رأى أن لين لا يزال يكتب على الجهاز اللوحي


قال مهدّدًا وهو يتظاهر بالغضب:

“ الأستاذ لين إن واصلت تصحيح الواجب في حفلاتي ، 

فسأصادر جهازك اللوحي !”


مال مجددًا ليرى ما يكتبه ، 

فإذا بالشاشة لا تعرض مقالته المكسّرة ، 

بل مستند جديد ، مكتوبًا عليه بخط يد جميل بالإنجليزية :


[ You are all I long for. All I worship and adore ]


[ أنت كل ما أشتاق إليه . كل ما أعبده وأعشقه ]


كانت كلمات الأغنية التي غنّاها لتوّه ، أما السطر التالي فكان…


ناول لين تشينهي الجهاز اللوحي التابلت لتاو شي

ونظر إليه من طرف عينه وقال بنبرة عابرة :

— " كنت أفكر أن أُهديه لك "


أخذ تاو شي الجهاز ونظر إلى كلمات الأغنية المكتوبة عليه بالإنجليزية ،

 واحمرّ وجهه قليلًا


بعد ليلة طويلة من الضجيج والسهر ، 

ومن إرسال مجموعة السكارى إلى سياراتهم، 

عاد تاو شي مع لين تشينهي إلى المنزل


كان لا يزال متحمّسًا، يُدندن بأغنية "Fly Me to the Moon" التي غناها، 

ولم يتوقف حتى بعدما استحمّ وزحف إلى السرير، 

متكوّرًا في حضن لين تشينهي، وهو يخرج هاتفه ليحسب مبلغ الجائزة


كانت الجائزة المالية للمركز الأول سخية ، 

وكان لا يزال يتبقى منها الكثير


أخذ تاو شي يروي بالتفصيل ما ينوي شراءه لعائلته وللين تشينهي، 

وما سيشتريه لجده وجدته، وما سيُحضره لمعلمه تشياو هنيان...


كان لين تشينهي يحتضنه بيد، 

ويقلّب صفحات كتاب باليد الأخرى، 

يرد عليه بين الحين والآخر ببضع كلمات مختصرة 


وبعد أن أنهى الحساب ، خفت صوت تاو شي فجأة ، 

وكأنه غرق في تفكير عميق


لاحظ لين تشينهي سكوته، فخفض رأسه ونظر إلى شاشة هاتفه، 

ليجد أنه كان يُحدق بشرود في حالة الطقس لمدينة وينهوا، 

والتي تشير إلى اقتراب موجة برد شديدة خلال الأيام القادمة، مع تساقط للثلوج


رفع لين يده بلطف، وقرص أذن تاو شي وسأله:

" بمَ تفكر ؟"


عاد تاو شي إلى وعيه ، واستدار ليجلس على ساقي لين تشينهي، وقال:

" كنت أفكر في أختي... لا أدري إن كانت قد استلمت الأشياء 

التي أرسلتها لها في المرة الماضية ."


في المرة السابقة ، حين اجتاحت موجة برد أخرى ، 

كان قد اشترى مجموعة من المستلزمات الشتوية وأرسلها 

إلى قوه بينغ ، موجهة لها ولتاو لي معًا


لم يكن يعلم حينها أن قوه بينغ كانت مريضة


كان لين تشينهي يعلم أن تفكير تاو شي لم يكن متعلقًا بتاو لي وحدها


مدّ ذراعه ليعانقه من خصره ، وجذبه قليلًا إلى أحضانه ، وسأله بنبرة مترددة :

" هل تريد الذهاب إلى مستشفى هاننان؟"


في المرة الأخيرة التي قابل فيها تاو جيان في المستشفى، 

كان الأخير قد طلب من تاو شي أن يزور قوه بينغ يومًا ما


لم يفعل تاو شي ذلك أبدًا، 

لكن لين تشينهي كان يعلم أن الأمر ظلّ عالقًا في قلبه طوال الوقت


أسند تاو شي جبينه إلى كتف لين تشينهي، وأصابع يده 

تعبث بطرف بيجامته، ثم بعد صمت خافت قال:

" لا أريد أن أراها... فقط أشعر أن هناك أمورًا تحتاج إلى نهاية ."


أحاط لين تشينهي أصابع تاو شي المتشبثة بملابسه بكف يده ، وقال له بهدوء :

" اذهب وواجهها ."


فلا يهم كم كان الطريق طويلًا إلى الأمام ، 

لم تعد هناك حاجة للالتفات إلى الوراء ….


يتبع 

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي