القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch65 | TMCTM

 Ch65 | TMCTM | الــ 🪽🌑 ـنـهـايــة 



بعد عام ونصف ——


في منتصف شهر يونيو ، 

أُعلنت نتائج امتحانات القبول الجامعي في أنحاء البلاد، 

وما إن صدرت النتائج حتى عمّ الحماس صفوف الطلاب 

والمعلمين في مدرسة وينهوا الأولى الثانوية، 


إذ خرج من صف الثالث الثانوي هذا العام ــ ولأول مرة في 

تاريخ المدرسة ــ طالبان حصلا على المركز الأول في 

مسابقة العلوم على مستوى المقاطعة


أحدهما —-  لين تشينهي، ممثلًا لهذه المقاطعة ، 

والآخر كان تاو شي من إحدى مقاطعات الجنوب الغربي


وإن أردنا الدقة ، فتاو شي يُعد من طلاب مدرسة 

تشينغشوي الأولى الثانوية ، 

لكنه بعد أن “ابتُعث” للدراسة في مدرسة وينهوا الأولى 

لمدة عامين ، 

في إطار مشروع التعليم عن بُعد عبر البث المباشر ، 

عاد بطبيعة الحال إلى مدرسته الأصلية لتقديم امتحانات القبول الجامعي


وحين ثار الجدل حول أحقية المدرسة في نسب النجاح 

إليه، حسم مدير مدرسة وينهوا الأولى الأمر قائلًا:

“ أليس هو من تلقى تعليمه عندنا في مدرسة وينهوا ؟”


وهكذا ، عُلّقت لافتتان ضخمتان تُعلنان عن المركز الأول 

على بوابة مدرسة وينهوا الأولى، 

وعلى جانبي البوابة وُضعت لوحتان حمراوان كبيرتان 

تتصدرهما صورتا الطالبين



أما في منتصف اللافتة العلوية ، 

فكُتبت عبارة [ إعلان خبر سعيد ] بخط عريض ، 

وقد طُبعت بحرفين باللون الأحمر ، 

مما جعل البعض يعلّق ساخرًا بأن المشهد أشبه بقوس 

بالونات في حفل زفاف ، 

فشعر تاو شي بالحرج وتجنّب الذهاب إلى المدرسة في تلك الفترة


تدافعت وسائل الإعلام ومندوبي مكاتب القبول في 

الجامعات العريقة إلى المدرسة بحثًا عن الطالبين، 

لكنهم لم يعثروا عليهما بعد جهد طويل



وأخيرًا، صرّح المعلم تشو تشيانغ، المشرف على الصف الأحمر الأول ، 

بأن الطالبين المتفوقين قد تقدّما بالفعل للالتحاق بأرقى 

جامعات العالم : أحدهما لدراسة الفنون ، 

والآخر لدراسة الرياضيات ، 

وكلاهما في الساحل الغربي لما وراء البحار


وفي الوقت نفسه ، أقامت عائلة فانغ وليمة كبيرة على 

شرف تاو شي، 

دعوا إليها كل الأقارب والأصدقاء الذين كان لهم صلة بهم على مرّ السنين


كان إعلان نسب تاو شي إلى عائلة فانغ قد تم في حفلة 

خاصة أقيمت العام الماضي، 

وأثار حينها موجة طويلة من النقاش والدهشة


لكن مع مرور الوقت، تقبّله الجميع، 

ولم يعودوا يتحدثون عنه سوى بتحسّر على المشقة التي 

مرت بها العائلة، 

وبالامتنان لأن حفيدهم الذي عاد إلى أحضانهم لم يخذل 

اسم العائلة، بل رفع رأسها عاليًا





في ذلك الوقت ، لم يكن تاو شي يُعير اهتمامًا كبيرًا 

لأحاديث الأقارب الجانبية، 

لكن قصة حياته أثارت في نفس الجد تشياو هنيان كثيرًا من المشاعر 


فقد كانت فانغ سوي، والدة تاو شي، من أكثر طالباته فخرًا، 

والآن أصبح ابنها البيولوجي أيضًا أحد تلاميذه، ولو 

بالمصادفة، فتنهد قائلًا إن الأقدار عجيبة


أما تشياو ييتانغ، فعندما علمت بالأمر، 

لم يعرف أحد أي عِرقٍ تحرّك بداخلها، 

إذ أعلنت فجأة أنها تريد تدوين هذه القصة التي ' تفوق 

مسلسلات الساعة الثامنة مساءً ' 

لكن تاو شي رفض الأمر رفضًا قاطعًا


عند عودته من الوليمة التي امتدت طوال اليوم، 

كان تاو شي قد بلغ حدّ الإرهاق، 

وتجمدت ملامحه من كثرة الابتسام، 

حتى إن لين تشينهي اضطر إلى حمله بنفسه إلى الحمام


قال تاو شي وهو يغلق عينيه، 

و يستند بجبهته إلى كتف لين تشينهي، 

ويترك له مهمة تدليك جسده برغوة الصابون :


“ أحسدك ، لم يكن لديك سوى حفلة عائلية بسيطة ، 

أما أنا فكنت محاطًا بالناس وكأنني معروض في معرض .”


لكنه كان يعلم في قرارة نفسه أن السبب وراء دعوة الجد 

فانغ زوتشينغ لذلك العدد الكبير من الناس، 

لم يكن إلا الخوف من أن يجهل البعض عودة حفيده، 

أو من أن يشعر تاو شي نفسه بأنه غير مقبول في العائلة


نظر لين تشينهي إلى ' المنتج ' المغطى بالرغوة البيضاء أمامه ، 

ورفع يده ليمسح الرغوة عن عظمة الترقوة لدى تاو شي، 

وسأله بصوت مرتفع :


“ هل أكلت شيئًا الليلة ؟”


هزّ تاو شي رأسه وتنهد كالعجائز:

“ لا. بقيت أُستجوب من قِبل الأقارب ، يسألونني كيف أذاكر، 

وهل يمكنهم استعارة دفاتري. 

أشعر أن بإمكاني افتتاح فصل دراسي خصوصي، 

ولو جلبتك معي، وسميّناه فصل المدرّسين الأوائل، سنجني ثروة .”


ضحك لين تشينهي


لم يكن تاو شي يفتقر للمال الآن، 

لكن ربما لأن الفقر كان يرعبه في الماضي، 

كان كلما تحدث عن المال، بالغ في حماسه


قال تاو شي وقد بدت عليه الجديّة :

“ هيه ، أفكر فعلًا في افتتاح واحد !!! .”


ردّ عليه لين تشينهي بنبرة مهيبة :

“ أنا لا أدرّس الآخرين .”


ابتسم تاو شي وعيناه مغمضتان:

“ أوه صحيح ، الأستاذ لين لا يُعلّم إلا طالبًا واحدًا فقط — أنا "


وبعد الاستحمام ، 

التفّ تاو شي بمنشفة ، 

بينما لين تشينهي يُجفف له جسده


فجأة، شعر تاو شي بشيء غير طبيعي، 

فأمسك بيد لين تشينهي على عجل، وهزّ رأسه :

“ أنا مرهق جدًا اليوم ، لم يبقَ لديّ أي طاقة .”


رفع لين تشينهي حاجبه وسأله بنبرة ذات مغزى :

“ وهل تحتاج طاقة ؟”


لم يجد تاو شي ما يردّ به، فاحمرّ وجهه وقال محرجًا :

“ غدًا سأخرج ، ولم أجهّز أمتعتي بعد .”


في النهاية ، اكتفى لين تشينهي بتركه يرتدي ملابس النوم ، 

لكنه عضّ شفتيه بقوة


عندما دخل تاو شي إلى غرفة النوم

فتح درج المنضدة الجانبية، 

فرأى المزلق الجديد الذي اشترياه مؤخرًا، 

فامتدت الحمرة من وجهه حتى عنقه


في تلك اللحظة، تذكّر أول مرة كانت له مع لين تشينهي — 

في عيد ميلاده الثامن عشر، 

حين أُقيمت له حفلة فخمة في منزل جده


تلك الليلة، غيّرت نظرته إلى الحياة بالكامل ——-


حسنًا، رغم أنه كان يحمل بعض الميول، 

إلا أن الوقت كان حرجًا كونهما في السنة الأخيرة من الثانوية، 

لذا تمالك هو ولين تشينهي نفسيهما، ولم يتجاوزا الحد


هز تاو شي رأسه ، طرد الصور من ذهنه، 

وسارع إلى توضيب أمتعته مع لين تشينهي


فغدًا سيتوجهان إلى مقاطعة تشينغشوي


فوز تاو شي بالمركز الأول على مستوى المقاطعة لم يُسعد 

مدرسة وينهوا الثانوية الأولى فحسب، 

بل أسعد مدرسة تشينغشوي الأولى أكثر من ذلك بكثير


فقد أشعل المدير الألعاب النارية أمام بوابة المدرسة طوال اليوم، 

وكان المشهد على الأرجح أكثر صخبًا من احتفال مدرسة وينهوا نفسها


وقد تزامن هذا مع الذكرى السنوية الثانية لمشروع البث المباشر عن بُعد


تاو شي كان أول طالب خريج من الصف الثالث الثانوي منذ 

تطبيق صفوف البث المباشر في مدرسة تشينغشوي الأولى


وتردّد أن العديد من طلاب هذه الدفعة التحقوا بجامعات 

من الدرجة الأولى، وبعضهم قُبل في جامعات مرموقة، مما 

أضفى إشراقة على وجوه قادة حكومة المقاطعة، وكان 

المشروع على وشك أن يُروَّج له كنموذج تعليمي ناجح 

ضمن جهود التخفيف من حدة الفقر في المقاطعة


وبالإضافة إلى هذه الفعاليات

كان على تاو شي أيضًا أن يتعامل مع مسألة نقل قيد الإقامة الخاص به

( قيد الإقامة = يصير اسمه يحمل اسم العائلة ' فانغ ' )


إذ كان منشغلاً بالدراسة من قبل، 

ولم يجد الوقت لإتمام إجراءات النقل


لم يُعلّق يانغ تشنغمينغ على تغيير تاو شي لقيده إلى عائلة فانغ ، 

واكتفى بالقول إنّ نقله إلى موطنه الأصلي أمر جيد


عند الساعة العاشرة مساءً فقط، 

انتهى الاثنان من توضيب الحقائب


ذهب تاو شي لفتح الهدايا التي قدمها له جديه ويانغ تشنغمينغ

 بمناسبة مواصلة دراسته


فقد أهداه جداه لوحة كان يرغب بها منذ زمن طويل، 

وهي لفنان أجنبي شهير في رسم المناظر الطبيعية، 

ولم يكن الحصول عليها أمرًا سهلاً


أما يانغ تشنغمينغ، فقد أهداه سيارة رياضية


حدّق تاو شي في مجموعة المفاتيح بدهشة لا تخلو من الحيرة


لم يكن يملك رخصة قيادة أصلًا ، وكان يستعد للسفر 

للدراسة في الخارج، فهل ستُركن السيارة لتجمع الغبار ؟ 


تذكّر أنّ يانغ تشنغمينغ أهداه في عيد ميلاده الثامن عشر 

في العام الماضي شقة وكتاب بعنوان [ كيف توازن بين 

الحب المبكر والدراسة ] ~ ولم يكن قد فتحه بعد


{ هل أحتاج فعلًا إلى الموازنة ؟ 

أنا أرغب في الدراسة… والوقوع في الحب أيضًا }


تفاجأ تاو شي بوجود كتاب آخر في صندوق هدية يانغ تشنغمينغ


كان عنوان الكتاب : [ أشياء يجب أن يعرفها الكبار ] ~

ومن الغلاف ، كان واضحًا أنه يتناول الموضوع ذاته



احمرّ وجهه من شدة الإحراج، 

فرمى الكتاب بعيدًا، 

لكن لين تشينهي التقطه، وفتحه بغير اكتراث، 

وتصفّحه قليلاً وهو يقول بهدوء:

“ العم يانغ أعطاني كتابًا أيضًا العام الماضي "


سأله تاو شي مذهولًا: “ أي كتاب؟”


كان في تعبير وجه لين تشينهي ما لا يمكن شرحه بسهولة، 

وقال بصوت هادئ:

“ كيف تصبح رجلًا مسؤولًا ”


“…”


سارع تاو شي إلى تغيير الموضوع وسأله:

“ متى ستعود الأم لوو إلى الصين ؟”


وضع لين تشينهي الكتاب غير المناسب للأطفال جانبًا، وقال :

“ الرحلة يوم الثلاثاء القادم .”


لوو تشنغيين كانت قد بدأت تتعافى تدريجيًا من القيود التي 

فرضتها على نفسها


تطلّقت من لين زيشي ، وعادت لتكون عازفة البيانو 

الموهوبة كما كانت من قبل


وعلى مدار الأشهر الستة الماضية ، كانت تُقيم حفلات 

موسيقية في أنحاء العالم، 

وفي كل مدينة تزورها، كانت ترسل بطاقتين بريديتين؛ 

واحدة لتاو شي وأخرى للين تشينهي، 

تخبرهما فيها عن مشاهد المدينة، 

لعلّهما يتمكنان من زيارتها يومًا ما


قال تاو شي بابتسامة:

“ هذا يتزامن مع عودتنا أيضًا ، يمكننا أن نتناول الطعام معها .”


أجابه لين تشينهي بهزة رأس خفيفة : “هممم.”


ثم قال تاو شي بأسف:

“ من المؤسف أن أختي ستجري امتحان دخول الثانوية ولا 

تستطيع الخروج معي .”


قال لين تشينهي وهو يساعده على توضيب الهدايا:

“ حين تنتهي من امتحاناتها ، يمكننا أن نأخذها في رحلة معنا .”


كان تاو شي يفكر في شيء، وارتسمت على شفتيه ابتسامة 

لم يستطع إخفاءها وهو يهز رأسه :

“ تقول إنها لا تريد أن تكون عجلة ثالثة ، 

وتخطط للذهاب إلى معسكر صيفي مع زميلاتها .”


تاو لي قد انتقلت إلى مدرسة داخلية منذ عامها الثاني في 

المرحلة الإعدادية ، 

وكانت تعود لتقيم معهم خلال العطل


الفتاة الصغيرة التي جاءت إلى المدينة الكبيرة ، 

بدأت تكتشف العالم من جديد


وفي أحد الأيام، سألت تاو شي ببراءة :

“ أخي ، هل تشينهي هو زوجة أخي ؟”


ضحك تاو شي من قلبه ، 

وأخبر لين تشينهي بذلك عدة مرات ، 

وكانت النتيجة أنه تلقى “درسًا” طويلًا في السرير من ' زوجة الأخ ' تلك الليلة ~~~


بعد أن انتهى من توضيب أمتعته وتأمّل الهدايا، 

قفز تاو شي على لين تشينهي، فالتقطه الأخير بسهولة بين ذراعيه


أسند تاو شي رأسه على كتف لين تشينهي وتثاءب قائلًا:

“ لننم، يجب أن نستيقظ باكرًا غدًا .”


حمل لين تشينهي تاو شي إلى غرفة النوم


فجأة تذكّر تاو شي شيئًا، فسأله بسرعة:

“ بالمناسبة ، عندما ذهبت إلى عشاء العائلة لين هذه المرة …..

جدك لم يقل لك شيء ، صحيح ؟”


أجابه لين تشينهي وهو يضعه على السرير:

“ لا. قال إنك يجب أن تحضر العشاء القادم مع العائلة .”


جلس تاو شي فجأة على السرير ، وامتلأت عيناه بالدهشة والفرح :

“ الجد لين لم يعد يعارض علاقتنا !!!!؟”


ابتسم لين تشينهي ابتسامة فيها شيء من العجز وقال:

“ الجد لا يعارض .”


قال تاو شي بحماس وهو يرتمي في حضن لين تشينهي ويعانق عنقه بذراعيه :

“ يعني هذا موافقة تامة ؟”


تمدّد لين تشينهي على السرير ولفّ ذراعيه حول خصر تاو شي، وقال مبتسمًا:

“ هممم.”


كانت عائلتاهما قد عرفتا بأمر علاقتهما في الفصل الثاني 

من سنتهم الأخيرة في الثانوية، 

رغم أنه كان من الصعب ألا يعرف أحد، فهما يعيشان معًا 

ويذهبان ويعودان سويًا كل يوم


أول من عرف بالأمر كان الجد والجدة من عائلة فانغ


في البداية ، كانت رد فعل فانغ زوتشينغ شديد بعض الشيء، 

ليس لأن لين تشينهي لم يكن جيدًا، 

بل لأن تاو شي لا يزال صغيرًا ولا يجب أن يسلك طريقًا شاقًا 

كهذا في هذا العمر المبكر ،

لكن سرعان ما بكت الجدة يي يورونغ وقالت :

“ هل تريد أن تراه يكرر طريق ابنتنا مرة أخرى ؟”


عندها ، التزم فانغ زوتشينغ الصمت تمامًا


أما جدّ لين تشينهي، لين ويليانغ، فكان أيضًا قد عرف بالأمر


الرجل العجوز الذي اعتاد على المناصب العليا كان محافظًا 

ولم يكن من السهل إقناعه

و اشتعل غضبًا وهدّد بنقل لين تشينهي إلى مدرسة أخرى


وحين بدا أن الجد لين ويليانغ غير موافق ، 

لم يستطع الجد فانغ زوتشينغ، الذي لطالما كان يحمي 

حفيده، أن يقف متفرجًا، 

وشعر أن حفيده يُحتقر ، فتوجّه مباشرةً إلى عائلة لين 

ليُجادل صديقه القديم ~~~


أما والد لين تشينهي، لين زيشي ، فحاول بدوره أن يُقنع 

والده قائلًا إنه لم يحقق شيئًا يُذكر في حياته ، 

ولا يريد أن يرى ابنه يسير على نفس الطريق


لكن في النهاية ، ذهب لين تشينهي بنفسه إلى منزل جده ، 

وتحادث معه طوال الليل


لا أحد يعرف ماذا قال له، لكن موقف العجوز أصبح أكثر لينًا، 

ولم يطلب منه الانتقال إلى مدرسة أخرى ، 

بل بدأ يتجاهل حقيقة أنهما يعيشان معًا


هذه المرة، هو من بادر بدعوة تاو شي لحضور مأدبة عائلة لين، 

مما يعني على ما يبدو أنه قد وافق فعلًا على علاقتهما


بهذا الخبر السعيد ، 

لم يعد لدى تاو شي أي رغبة في النوم


جلس على ساقي لين تشينهي وكان على وشك أن يبدأ في مناقشة تفاصيل المأدبة، 

لكنه لم يتمكن من قول شيء، إذ قام لين تشينهي بطرحه على السرير


أمسك لين تشينهي بيده وانحنى فوقه، 

ينظر إليه من مسافة قريبة جدًا، أنفاسه الدافئة تتسلل بينهما، وصوته منخفض مبحوح قليلًا:

“ حقًا لن نفعل شيئًا الليلة ؟”


ردّ تاو شي برفع عنقه وقبّل شفتي لين تشينهي قبلة خفيفة، مجيبًا على سؤاله


وقد جاء وقت استخدام الغرض الجديد الذي وضعاه في 

درج الطاولة الجانبية ——



في صباح اليوم التالي، 

توجها معًا إلى المطار


وبعد وصولهما إلى وجهتهما، استقلّا حافلة لمسافة طويلة 

حتى وصلا في المساء تقريبًا إلى مقاطعة تشينغشوي


توقفا أولًا عند مدرسة تشينغشوي الأولى الثانوية، 

لكنهما لم يزعجا أيًّا من المعلمين


كان الشريط القماشي الأحمر الذي كُتب عليه اسم الطالب 

المتفوّق على مستوى المقاطعة ما زال يرفرف عند بوابة المدرسة


تاو شي، الذي يعرف المكان جيدًا، 

قاد لين تشينهي إلى داخل الحرم المدرسي ، 

لكن الإجازة الصيفية لم تكن قد بدأت بعد، 

فكل الصفوف ممتلئة بالطلاب، 

وكان صوت القراءة والاستماع للإنجليزية يتسلل من النوافذ


وقف الاثنان بهدوء وسط أضواء المغيب خارج مبنى الصفوف


أشار تاو شي إلى صف في الطابق الأول وقال:

“ كنت أدرس في هذا الصف في السنة الأولى من الثانوية. 

كانت الشمس تغرب من الجهة الغربية، ولا يوجد تكييف، 

وكان الحر لا يُطاق كل يوم.”


رفع لين تشينهي رأسه ينظر إلى الصف، 

فرأى الغيوم الملتهبة تنعكس على زجاج النوافذ كأنها لوحات زيتية


منذ عامين، قضى تاو شي صيفًا لاهبًا وشتاءً قارصًا في ذلك الصف، 

وكتب عنه رسالة إلى لين تشينهي


قال لين تشينهي:

“ جميع الصفوف ستُجهّز بتكييف هذا الصيف . 

مدرسة تشينغشوي حصلت على تمويل من الحكومة، 

بالإضافة إلى دعم من شركات عائلة لين .”


تنهد تاو شي بحسد :

“ رائع… كم أتمنى لو عشت تلك الأيام من جديد .”



……


باتا الليلة في فندق صغير في المقاطعة، 

وفي اليوم التالي، 

أخذ تاو شي لين تشينهي إلى مسقط رأسه: خليج تاوشي


كان الموسم مزدحمًا، 

إذ انشغل القرويون بزراعة الأرز في الحقول الممتدة بين التلال الجبلية


وبينما تاو شي يسير على حافة إحدى الحقول، 

تعرّفت عليه امرأة مسنّة كانت تغرس شتلات الأرز


فقد كانت أخبار الطفل الذي جرى تبادله بالخطأ في عائلة تاو 

قد انتشرت في القرية، 

لكنها، وقد رأت تاو شي يكبر أمام عينيها، 

سألته عنه كما تسأل أي عجوز محبة، ثم مدحته على 

نجاحه، وقالت إنه شرف لخليج تاوشي


بعد أن تبادل معها بعض الكلمات، صعد تاو شي برفقة لين تشينهي إلى 

أعلى التلة، مشيرًا إلى الجداول الصغيرة التي تنحدر من الجبال، 

وأصوات الحشرات في الغابة، 

والدخان المتصاعد من أسطح المنازل… 

وبدأ يحكي ذكريات طفولته بالتفصيل، 

بينما لين تشينهي يصغي باهتمام، يسير معه في كل مكان سبق أن سكنه تاو شي


كانت مشاعر تاو شي قد تغيّرت كليًا عند عودته إلى خليج تاوشي


هذا المكان، الذي اعتبره في السابق وطنًا، 

كانت التلال فيه مليئة بآثار فرحه الطفولي الساذج


ثم تحوّل إلى سجن، تحولت فيه الجبال المترامية إلى أسوار 

شائكة لا يمكن تجاوزها


أما الآن، فلم يعد أكثر من جملة صغيرة في سيرة حياته الطويلة، 

كقارب غارق بين آلاف الأشرعة التي أبحر بها وتجاوزها إلى الأبد


تمامًا كاسمه الذي لم يرغب في تغييره، 

كان علامة حاسمة لا تُمحى في حياته، 


كفنجان شاي مرير دمره وغذّاه ، وبعد المرارة الأولية ، 

لم يبقَ سوى مذاق حلو طويل


بدأ الاثنان يتجولان بلا هدف في الجبال، وفي طريق العودة، 

مرّا بمنزل ريفي في منتصف الجبل، 


جدرانه بيضاء وسقفه مغطّى بالبلاط الأسود، 

بدا وكأنه مهجور منذ وقت طويل


بابه الخشبي المتداعي مغلق ، والفناء مكسوّ بالأعشاب البرية ، 

وخيوط عنكبوت ممزقة تتدلّى من السقف


توقّف تاو شي ونظر نحو المنزل، 

وكان لين تشينهي يعلم أن هذا لا بدّ أن يكون المكان الذي 

عاش فيه تاو شي من قبل


قال تاو شي وهو يشير إلى فناء الدوچو التي نمت فيها الأعشاب:

“ كنت أفرش أوراق الشاي هنا لتجف تحت الشمس في مثل 

هذا الوقت من السنة ،  

ثم أعيدها إلى الداخل عند المساء ، 

وفي اليوم التالي أفرشها من جديد .”


لم يكن لين تشينهي ملمًّا كثيرًا بهذه الأمور ، فسأله فقط:

“ هل سبق وشربت من الشاي الذي جففته بنفسك ؟”


ضحك تاو شي :

“ لا تعرف هذه المعلومة أليس كذلك؟ لا يمكن تحضير 

الشاي مباشرة بعد تجفيفه تحت الشمس، يجب أن يُرسل 

إلى المصنع ليُعالَج أولًا .”


رفع لين تشينهي حاجبيه دون أن يعلق


استدار الاثنان ليغادرا المنزل المهجور، 

لكن تاو شي فجأة أمسك بذراع لين تشينهي وهزّها برقة، قائلًا:

“ ما العمل ، لا أستطيع السير بعد الآن .”


نظر لين تشينهي إلى يد تاو شي، وابتسامة خفيفة تلوح في 

طرف حاجبيه، وقال ساخرًا:

“ ألم تقل إنك تتسلق الجبال ببراعة ؟”


ومع ذلك، انحنى لين تشينهي قليلًا ، 

أمسك بساق تاو شي، وحمله على ظهره، 

ثم واصل نزوله من الجبل بخطوات ثابتة


شمس الجبل معتدلة ، والنسيم هادئ 


أمسك تاو شي في يده بعشب ذيل الكلب، 

وأسند ذقنه على كتف لين تشينهي، 

ثم أخذ يداعبه بالعشب بخفة، 

إلى أن تلقى قرصة قوية في فخذه جعلته يتراجع ضاحكًا


في الحقيقة ، لم يكن متعبًا ، لكنه تذكّر فجأة أنه منذ زمن بعيد ، 

كان قد تمنّى لو أن هناك ظهرًا عريضًا يحمله عبر الجبل ، 

يعبر به النهر، ويأخذه إلى الجهة الأخرى من الجبل


لذا ، تصرّف الآن ببساطة وسذاجة


وفي اليوم الثالث ، لم يعد بإمكانهما التجول بعد الآن، 

إذ من المقرر في ذلك الصباح إقامة الاحتفال بالذكرى 

السنوية الثانية لمشروع الفصول الدراسية عن بُعد في 

مدرسة تشينغشوي الأولى الثانوية، إلى جانب حفل تكريم متميّز


لم يكن هذا الاحتفال بسيط ، فقد حضره قادة من المدينة، 

ومدراء من مدرسة وينهوا الأولى، 

وممثّلون عن شركات لين، المؤسسة الراعية للمشروع


وبالطبع ، كان حاضرًا أيضًا تاو شي، أول طالب يحرز المركز 

الأول على مستوى المقاطعة بل والمدينة كلها في تاريخ تشينغشوي


في الصباح الباكر ، 

توجّه تاو شي برفقة لين تشينهي، ممثل عائلة الطالب 

المتفوّق، إلى مدرسة تشينغشوي الأولى لتسجيل الحضور، 

واستُقبل بحفاوة بالغة من قِبل الأساتذة والطلاب 

المتحمّسين في مدرسته السابقة


شعر تاو شي وكأنه يمتطي جوادًا مزينًا بوردة حمراء ضخمة على صدره


رأى معلمه الذي غاب عنه طويلًا—فنغ يوان، مشرف الصف 

الذي سهر الليل كلّه في القطار ليأخذه إلى مدرسة وينهوا الأولى


كان سعيداً برؤية تاو شي، لكن عينيه احمرّت


ربت على كتفه بقوة، وامتدحه لأنه أصبح أكثر ثقة ومرحًا، 

ونصحه بأن يستمر في الدراسة بجد، وألا يعود إلى الجبال مرة أخرى


عندما التقى المعلم بالطالب، لم يستطع تاو شي كبح شعور 

غريب تسلل إلى أنفه، وكاد أن يدمع


وبعد أن تبادل الحديث مع معلمه لبعض الوقت، 

تبعه إلى قاعة المحاضرات لحضور الحفل


ونظرًا لأنه كان عليه أن يلقي كلمة لاحقًا، 

تم ترتيب مقعده على جانب المنصة في قاعة المحاضرات، 

بينما جلس لين تشينهي بين الحضور أسفل المسرح


ومع ذلك، وبسبب وسامته اللافتة، لاحظ تاو شي أن الفتيات 

على المنصة كنّ يمددن أعناقهن لمشاهدته


إلى جوار تاو شي جلست إحدى المعارف — السكرتيرة سو يون سكرتيرة عائلة لين


كانت قد أشرفت من قبل على مشروع الفصل الدراسي عن بُعد، 

وجاءت للمشاركة في الحفل هذه المرة بصفتها ممثلة عن شركات لين


تبادل الاثنان التحية ، ثم بدأ الحفل بخطاب مدير مدرسة تشينغشوي الأولى الثانوية


بدأ القادة والممثلون يتعاقبون على المسرح، 

كلٌّ منهم يلقي خطابه الحماسي


شعر تاو شي ببعض الملل، ففتح هاتفه وبدأ يدردش مع لين تشينهي بهدوء


لكن سرعان ما حان دوره لإلقاء كلمته

وعندما قال المقدم:

“ والآن، لنرحب بالطالب الذي احتل المركز الأول في قسم 

العلوم على مستوى المقاطعة هذا العام ، 

وأحد طلاب برنامج البث المباشر بمدرسة تشينغشوي الأولى الثانوية —— تاو شي، ليلقي كلمته ”


انفجرت قاعة المحاضرات كلها بتصفيق مدوٍّ كأمواج عاتية


بل إن كثيرًا من الطلاب وقفوا وصفّقوا وهم يهللون بصوتٍ عالٍ


شعر تاو شي بالإطراء، لم يكن يتوقّع أن يكون بهذه الشعبية


نهض وسار إلى وسط المنصة وسط تصفيق كالرعد، 

ثبّت الميكروفون، ثم نظر إلى الطلاب الذين بدأوا يهدؤون تدريجيًا


كانوا ينظرون إليه بعيونٍ ملؤها الترقّب والإعجاب


وفي تلك اللحظة، تذكّر نفسه قبل عامين، 

جالسًا في الصف المهترئ بمدرسة تشينغشوي الأولى


حينها، كان ينظر إلى لين تشينهي، البعيد آلاف الأميال على 

الشاشة، بنفس النظرات المتقدة، اللامعة، الممتلئة بالأمل


أما الآن، فكان لين تشينهي يجلس بين الحضور في القاعة، 

ينظر إليه بنظرة دافئة وهادئة


شعر بحرارة في عينيه ، فاستنشق نفسًا عميقًا، 

وبدأ بإلقاء الكلمة التي أعدّها منذ فترة


لم يستخدم عبارات منمّقة ولا اقتباسات شهيرة، 

بل روى تجربته ببساطة، 

وأخبر هؤلاء الطلاب الذين كانوا في مثل عمره سابقًا، بأنه 

هو أيضًا قد مرّ بالارتباك والضياع، 

لكنه طالما حافظ على شيء ثابت في قلبه، 

استطاع أن يرى الطريق أمامه، ويُبحر مع الرياح 


وفي ختام كلمته ، أهدى تمنياته لطلاب مدرسة تشينغشوي الأولى قائلًا :


“ أتمنى ألّا تنسوا النظر إلى القمر في السماء ، 

وأنتم تُطأطئون رؤوسكم للدراسة .

أتمنى أن تجدوا ، مثلي ، قمركم الخاص ، وتكتشفوا أنكم 

أنتم أيضًا تستطيعون أن تتألقوا وأنتم تجرون نحوه .”


عاد تاو شي إلى مقعده وسط تصفيق أشد حرارة


وبعد أن جلس ، ظل متأثرًا قليلًا ، 

فقالت له سو يون مبتسمة وهي تصفق :

“ لقد تحدثتَ ببراعة . حتى أنا، وقد عملتُ لسنوات طويلة ، 

شعرت وكأنني عدتُ إلى سنتي الأخيرة في الثانوية ، 

وأردت أن أدرس بجدٍّ من جديد .”


فاكتفى تاو شي بابتسامة هادئة


بعد الكلمة ، جاء دور فقرة التكريم


واعتبارًا من هذا العام، سيُمنح الثلاثة الأوائل في امتحانات 

نهاية العام الدراسي على مستوى مقاطعة تشينغشوي 

مكافأة بالدراسة في مدرسة وينهوا الأولى


وفي هذه اللحظة ، صعد الطلاب الثلاثة المكرمون إلى 

المنصة واحدًا تلو الآخر لإلقاء كلماتهم، وقد بدا الحماس 

جليًا في وجوههم


نظر تاو شي إلى الطلاب على المنصة، وهمس إلى سو يون بجانبه :

“ هؤلاء محظوظون حقًا، مثلما كنت أنا، حين وقعتُ صدفة 

على مشروع رائع كهذا، وحصلت على فرصة نادرة .”


كل ما يتطلّبه الأمر هو أن تُلقى حبلًا في بئر عميق ، 

ليتمكن من في القاع من التسلّق إلى الأعلى



وهؤلاء الطلاب القلائل من الجبال، 

سيكونون مثله في الماضي، 

يمسكون بهذا الحبل ليصلوا إلى مدرسة وينهوا الأولى. 

وربما… يغيّرون مصيرهم بالكامل


ابتسمت سو يون وقالت:

“ هم محظوظون لأنك كنت سببًا في حظهم .”


تجمّد تاو شي في مكانه لثانيتين ، 

ولم يفهم ما تعنيه سو يون، فسألها :  

" لكن هذا الترتيب حققوه هم بأنفسهم ، بجهدهم وتعبهم، 

لماذا عليهم أن يشكروني ؟"  


نظرت إليه سو يون بدهشة وقالت :  

" ألا تعرف ؟"  


: " أعرف ماذا ؟" ارتبكت عيناه قليلاً


بدا أن سو يون شعرت بأنها قد قالت شيئًا لا ينبغي قوله


لم تستطع إلا أن تلقي نظرة نحو الحضور ، 

ورغم الازدحام في القاعة ، إلا أنها وجدت لين تشينهي بسهولة ، 

وكان المدرّس الجالس بجانبه يتحدث إليه


لم تكن تنوي البوح بالأمر ، لكن تاو شي أصرّ وسألها :  

" ماذا تعرفين ؟"  


فكرت سو يون مجددًا أن الأمر ربما لا بأس به

فتمتمت بصوت منخفض :  

" لو لم تكن أنت ، لما كانت شركاتنا لتضع نظام الجائزة 

هذه لإرسال الأوائل من مقاطعة تشينغشوي للدراسة في 

مدرسة وينهوا الأولى . 

أنت كنت الأول ، وبفضلك استمرت الخطة ."  


وكأنّه كان يتوقع شيئًا ما، 

شعر تاو شي بقلبه يخفق بعنف في تلك اللحظة، 

وظل وجهه مشوشًا:  

" ماذا تقصدين بـ'لو لم أكن أنا'؟"  


{ ألم تكن هذه خطة التعليم الخيري التي وضعتها عائلة لين منذ البداية ؟  }


قبل عام، كان تاو شي قد عرف من جدّه أن مشروع الفصل 

الدراسي عن بُعد الذي أتاح له فرصة الدراسة في مدرسة 

وينهوا الأولى كان من تأسيس والد لين تشينهي السيد لين زيشي


ولردّ الجميل، قال له جدّه إنه اقترح أن يتّخذ تاو شي السيد 

لين زيشي أبًا روحيًّا 


لكن لين زيشي ضحك وقال: لا حاجة لذلك، فتاو شي 

سيكون ابني يومًا ما، وهو ما حيّر الجد الذي لم يكن يعلم شيئًا حينها


في ذلك الوقت، كان تاو شي قد صُدم وامتلأ قلبه بالامتنان حين عرف الحقيقة


فقد ظنّ دائمًا أن الداعم المجهول العجوز ذو الشعر الأبيض ما هو إلا والد لين تشينهي زيشي ، 

وقال وقتها للين تشينهي وهو يغصّ بعاطفته : " أرأيت،  

حتى القدر وأباك يريدان أن نكون معًا "


فأجابه لين تشينهي بهدوء : " محظوظ "


وردّ عليه تاو شي: " طبعًا ، فلو كنت منحوسًا، ما وصلت إلى هنا."  


لكن في هذه اللحظة ، وسط دويّ القاعة وضربات قلبه المتسارعة ، سمع سو يون تقول:  

" هذه الجائزة التي أرسلت الأول إلى مدرسة وينهوا الأولى، 

أوكلها إليّ تشينهي بنفسه . 

لم أكن أعلم قصده حينها ، لكنه ظل يطلب مني أن أُرسل 

له نتائج اختباراتك الشهرية في مقاطعة تشينغشوي

حتى أدركت أن هذه الجائزة خُلقت لأجلك أنت ."  


ثم تابعت مبتسمة:  

" لكنك أيضًا كنت ذكيًا بما فيه الكفاية ، وعملت بجد ، 

واستحققت المركز الأول فعلاً ، ولم تخيّبه .


ومصروفك أيضًا، يجب أنك لا تزال تتذكر أنه خلال اختبارات 

منتصف الفصل، المدرسة أعطتك مصروفًا، أليس كذلك؟ 

كان من تشينهي ، من ماله الخاص .”



“…”


الطلاب على المسرح لا يزالون يُعبرون عن امتنانهم بإعجاب، 

يشكرون معلميهم، ويشكرون مدرسة وينهوا الأولى على دعمها، 

ويقسمون بأنهم سيجتهدون في المستقبل، 

تمامًا كما فعل تاو شي قبل عامين


في تلك اللحظة، لم يعد تاو شي قادرًا على الاستماع لأي شيء


كان غارقًا في فراغ هائل ونبض قلب متسارع، 

كأنه يسير وسط الغيوم في حلم، 

وفي تلك اللحظة التي انعدمت فيها جاذبيته، 

كان يُبهره ضوء القمر الساطع والألق الممتد لأميال فوق السحاب


ومع التصفيق الأخير، 

انتهى الاجتماع الطويل أخيرًا


وبدأ الطلاب في قاعة المحاضرات يتدفقون ببطء نحو الأبواب كمدٍّ بشري


نزل تاو شي بسرعة من على المنصة، 

محاولًا أن يشق طريقه عبر الزحام ليعثر على لين تشينهي بين الحضور


لكن ما إن قفز من على المسرح حتى التفّت حوله مجموعة 

من الطلاب الأصغر سنًّا وفتيات صغار ، 

جميعهم بوجوه شابة بريئة ينظرون إليه مبتسمين ، 

وبدؤوا يطرحون عليه الأسئلة بحماس


أحد الأولاد الطويلين اندفع إليه أولًا وقال بحماس :

“ سينباي تاو شي رغم أني شكرتك في كلمتي قبل قليل، 

لكني أردت أن أشكرك شخصيًا .”


نظر إليه تاو شي بذهول ، وتعرّف عليه بشكل غامض على 

أنه الطالب الذي ألقى كلمته على المنصة سابقًا، 

لكنه لم يكن قد أنصت إليها جيدًا


احمرّ وجه الفتى، وبدا عليه الحرج الشديد، وقال بتردد وأمل :

“ هل تذكرني يا سينباي؟ 

كنتُ في نفس المدرسة الإعدادية معك، وقد أنقذتني ذات 

مرة عندما كنت أتعرض للتنمر .”


ازداد ارتباك تاو شي، فقد كانت “بطولاته” في المرحلة 

الإعدادية شيئًا تعمّد نسيانه، 

ولم يكن لديه أي انطباع عن الشخص الواقف أمامه


: “ لا بأس إن لم تتذكر!” سارع الفتى بالقول : “ أنا أتذكرك دائمًا سينباي. 

كنت أحصل على درجات سيئة، 

وكنت أظن أن لا فائدة من الدراسة، لكن حين شاهدتك على 

الشاشة في البث المباشر بعد أن التحقتُ بالثانوية، 

ورأيت أنك أصبحت طالبًا متفوقًا في مدرسة وينهوا الأولى، 

قررت أن أجتهد وألتحق بها مثلك. 

وها أنا ذا حققت حلمي، فظننت أنه ينبغي علي شكرك بنفسي !”


وأثناء تلعثمه بالكلمات، ضحك الطلاب المحيطون به 

بلطف، مما جعله يحمر خجلًا أكثر


ضحك تاو شي بدوره، وتحول إلى مثال يُحتذى به، 

ووضع يده على كتف الفتى، وقال بتشجيع:

“ احرص على اغتنام الفرصة التي منحتها لك مدرسة وينهوا الأولى، 

ولا تنسَ أن ترد الجميل لمدرستك لاحقاً .”


أومأ الفتى رأسه بحماس ، وقبض بيده بحزم :

“ سأفعل !”


بدأ الحشد يتفرق تدريجيًا ويغادر ، 

فأصبح تاو شي أخيرًا حرًّا


و استدار في قاعة المحاضرات، 

فرأى ضوء النهار الصافي يتسلل من النوافذ الطويلة المائلة، 

قاطعًا القاعة القديمة إلى شكل هندسي مشرق


وفي تلك البقعة المضيئة، كان لين تشينهي واقفًا وقد شبك ذراعيه، 

متكئًا بخفة إلى أحد المقاعد، وعيناه مثبتتان عليه، 

وفي نظراته بريق ابتسامة هادئة


تنفس تاو شي بعمق وسار ببطء نحو لين تشينهي


أنزل لين تشينهي نظراته قليلًا ، فرأى أن عيني تاو شي كانتا مبللتين بالدموع، 

كما لو أنه بكى قبل لحظات، فرفع حاجبيه وسأله :


“ سعيد إلى هذا الحد لأن أحدهم شكرك ؟”


كان من الواضح أن مشهد امتنان الطالب وحماسته لم يغب عن لين تشينهي


كبح تاو شي في صدره مدّ المشاعر الذي اجتاحه، 

وابتسم :


“ هناك من يجتهد في الدراسة لأجلي ، فبالطبع أشعر بالسعادة …..”


ثم توقف لحظة ، وازدادت ابتسامته عمقًا :


“ أليس هذا مثلما كنت أنا أجتهد لأجلك ؟”


أجابه لين تشينهي بحزم : “ ليس الأمر نفسه "


: “ وأين الفرق؟”


رفع لين تشينهي حاجبيه وأمال ذقنه قليلًا وقال:

“ هو لن يتمكن من اللحاق بك.” وكان في تعبيره شيء من الاعتزاز


ضحك تاو شي وقال مبتسمًا:

“ ذلك الطالب لم يكن يحاول اللحاق بي يااه .”


{ صحيح ،،،،، لم يكن الأمر نفسه


فلا أحد كان محظوظًا مثلي ، 


محظوظ إلى حد أن ثمة من كان على استعداد لصنع الحظ لي سرّاً }


سار الاثنان جنبًا إلى جنب خارج قاعة المحاضرات، 

وعلى طول الطريق، كانت هناك مجموعات متفرقة من 

الطلاب يرمقونهما بنظرات صامتة، 

فيما كانت بعض الفتيات الجريئات يصرخن “ مرحبًا تشيووووشين !” ثم يهربن مسرعات


————


وعند الظهيرة ، 

تناولا غداءً طويلًا ومملًا مع المسؤولين المحليين، 

ثم جُرّا لالتقاط صور متعددة


وحين خرجا، كانت معظم ساعات الظهيرة قد انقضت


أسرع تاو شي برفقة لين تشينهي لإتمام آخر أمر تبقّى له في 

مقاطعة تشينغشوي، وهو نقل قيد الإقامة 


ولأن المسألة تتعلق بنقل القيد بين منطقتين مختلفتين تمامًا، 

فقد كانت أكثر تعقيدًا مما تصوّر تاو شي، 

واضطر لقضاء وقت طويل في إعداد الوثائق اللازمة


كان مركز الشرطة نظيفًا وهادئًا، شبه خالٍ من الناس


طلب لين تشينهي من تاو شي أن يجلس على أحد المقاعد أمام النافذة، بينما وقف هو إلى جانبه 


أما الموظف، فقد رتب جميع الوثائق بجوار الحاسوب، 

وبدأ يتفحصها بدقة وعناية


نظر تاو شي إلى ملفه الشخصي بين يدي الموظف، 

وكأنه كتاب قيّده القدر ، تُقلّب صفحاته على عجل، 

وعندها أدرك فجأة أن لا شيء يربطه بهذا المكان حقًا


مرت أمام عينيه ذكريات السنوات العشر الماضية كلمح البرق، 

ضبابية كضباب الصباح فوق المحيط، 

لكنه تذكّر أوضح الصور وسط ذلك الضباب


تذكّر خليج تاوشي حيث نشأ، 

وأشجار الخوخ المتفتحة على ضفتي نهر تشينغشي، 


والبلشونات التي تحلّق فوق حقول الأرز المتعرجة الخضراء والبيضاء ،


تذكّر كيف كان يختبئ في مخزن الحطب ليرسم ، 


وكيف اكتشف مصيره ذات يوم على هيئة مزحة قاسية ، 


ومنذ ذلك الحين وهو يتخبط في الجبال بلا هدف ،


تذكّر فصول المدرسة المتهالكة في السنة الأولى من الثانوية ، 


وحر الصيف الذي كان كالحشائش البرية تندلع فيها النار بلا نهاية ،


رأى لين تشينهي لأول مرة عبر شاشة العرض ، 


ومنذ تلك اللحظة ، أضاء قمر مشرق برية قلبه الخالي ،


تذكّر قاعة الحفلات الفارغة والضخمة ، 


وغروب الشمس المائل يتدحرج بعنف على الأفق ، 


ووهج الشفق الأحمر الذهبي الذي كان يتسلل من النوافذ الطويلة ، 


يكسو البيانو الأسود ويلامس وجهيهما


تذكّر ليلة عيد الميلاد ، 


ليلة عيد ميلاده السابع عشر ، حين وقفا جنبًا إلى جنب أمام 

النوافذ الممتدة ، 


يتأملان الأضواء النيون الساطعة والثلوج المتساقطة في الخارج ، 


حينها قبّل لين تشينهي دموعه المتجمّعة عند زاويتي عينيه وقال له:

“ تاو شي .. سأعيدك منزل العائلة حسناً ؟”


حلّ المساء تقريبًا حين حصلا على شهادة نقل القيد


خرج مع لين تشينهي من مركز الشرطة، 

دافعين باب الزجاج المكسوّ ببخار الماء، 

فانسكب عليهما دفء المغيب وثقله


اشتريا زجاجتين من الصودا المثلّجة، 

وسارا جنبًا إلى جنب في شوارع المقاطعة الصغيرة الصامتة ، 

بلا وجهة ——


الشمس المائلة تشبه مشبكًا من المرجان يربط أطراف السماء والجبال، 


وانعكس الغروب على أرضيات الحجارة الزرقاء أوراقَ 

القيقب المتساقطة من خريف متأخر، 


وظلالهما الطويلة تتمايل متقاربة عند الأقدام


نظر تاو شي إلى الغروب عند نهاية الزقاق ، 

ثم قال لمن يسير بجانبه :


“ كنت أظن أنني شخص تعيس ، لكن لاحقًا شعرت بأنني محظوظ جدًا . 

هناك ثلاث أمور أعتبرها أعظم حظّي ، هل تعرف ما هي؟”


: “ ما هي؟” سأله لين تشينهي بهدوء


قال تاو شي:


“ أولها أنني التقيت بك، 

والثانية أنني حصلت على فرصة الدراسة في مدرسة وينهوا الأولى ، 

والثالثة أنني أصبحت تلميذًا للجد تشياو ”



توقف تاو شي للحظة ، ثم أدار رأسه لينظر إلى لين تشينهي ، 

ولعله بسبب مواجهتهما للشمس الغاربة ، 

انعكست هالة الغروب في زاوية عينيه من دون قصد، فقال:


“ الآن أدرك أن كل حظي الجيد بدأ من أول أمر "


{ رؤيتك ، لقاؤك ، الذهاب إلى مدرسة وينهوا الأولى ، 


أن أكون تلميذًا لتشياو هنيان، 

والعودة إلى العائلة التي افترقت عنها سبعة عشر عامًا — 

كل ذلك كان بفضلك … }


أنزل لين تشينهي عينيه نحوه ، ورفع يده ليمسح بإبهامه 

على عيني تاو شي المحمرّتين، 

مرت رموشه الطويلة بخفة على أطراف أصابعه ، ثم سأل:


“ وهل تعرف ما هو أعظم حظ في حياتي أنا ؟”


“ ما هو؟”


رد لين تشينهي وهو يتوقف لحظة ، 

ثم ابتسم ابتسامة خفيفة :


“ أنني فتحت تلك الرسالة التي كتبتها لي. 


ففي النهاية، لم أرمِ تلك الرسالة المتكلفة . 

كان يلزمني كثير من الحظ لأفعل ذلك .”


ضحك تاو شي


في معطف نسيم الصيف ، وتحت رداء الغروب ، 

ارتفعت اليد التي لامست وجهه لترفع ذقنه ، 

فأغمض عينيه بهدوء،  منتظرًا قبلة من الشخص الواقف أمامه


لقد كان يومًا في قاع بئر ، 


ينظر إلى القمر في الأعالي ، 


ولم يستطع الخروج إلا حين تدلى أمامه حبل من المصادفة ، 


فتسلقه وسار وحده نحو القمر ، 

دون أن يتردد ولو لآلاف الأميال


{ واتضح في النهاية ، أن ذلك الحبل لم يكن مجرد حظ عابر


واتضح ، أنني حين كنت أركض نحو القمر…


كان القمر يركض نحوي أيضًا … }


الــ 🪽🌑 ـنـهـايــة 















  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • عادي
  • متطور
  • ترتيب حسب الاحدث
    عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق


  1. ماني مصدقة خلصت الرواية وراضية جدا عن النهاية واهم شي تاو شي حبيبي اخذ الي يستحقه 🥺💖💖✨

    ردحذف

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي