Ch21 | IOWY
بفضل وجود شيه يون تشي، لم يلاحظ الآخرون في غرفة الاجتماعات ما حدث
وبعد أن أنهى بيان شيانيانغ حديثه ، عاد بهدوء إلى الصف
الخلفي ، ولم يكن أحد يعرف ما فعله للتو سوى يانغ
شياولي ويان لان
في طريق العودة إلى كلية الفنون في الجامعة ، كان يانغ
شياولي يحتضن لافتة الدعم التي تحمل توقيع بيان شيانيانغ
بسعادة ، و يضحك بمرح ويقول:
“ وااااااه !! ، هذه الرحلة كانت تستحق العناء تمامًا !”
كان شيه يون تشي يحدّق في هاتفه دون أن يرفع رأسه،
ثم ناول الألبوم الذي يحمل توقيع جميع أعضاء الفرقة إلى
يان لان الجالس إلى جانبه
أخذه يان لان متسائلًا للحظة ، ثم سلّمه إلى يانغ شياولي
: “ هم؟” قالها يانغ شياولي بدهشة وهو يتلقّى الألبوم :
“ أتعطيني إيّاه ؟”
أومأ يان لان برأسه ، ثم كتب على هاتفه :
[ في النهاية ، أنت المعجب الوحيد في هذه السيارة ]
لمعت عينا يانغ شياولي سعادة :
“ سآخذه بلا تردد إذًا !”
ابتسم يان لان، وناول صديقه الحقيبة القماشية التي كان
يحملها، وقد امتلأت بالبضائع التذكارية التي جلبها
وبعد نصف ساعة، توقفت السيارة أمام البوابة الجنوبية لكلية الفنون
كان يانغ شياولي يجلس بجانب الباب ، ففتحَه أولًا ونزل ، تبعه يان لان
أما شيه يون تشي، فبقي جالسًا في السيارة، يراقب الاثنين
من خلال النافذة بصمت
أمال يان لان رأسه ونظر من خلال النافذة المنخفضة
ولوّح له بيده ملوّحًا بتحية “تصبح على خير” بلغة الإشارة
أومأ شيه يون تشي بدوره ، وردّ التحية بلغة الإشارة أيضًا
في هذا الوقت المتأخر من الليل ،
خيّم الهدوء على مبنى السكن الجامعي،
وكذلك على الحرم الجامعي بأكمله
كان يان لان يسير خلف يانغ شياولي،
يراقبه وهو يخطو بخفة مفعمة بالحماسة
شعر بالسعادة من أجله ، لكن في الوقت نفسه ،
راوده قلقٌ خفيف، كظلّ لا يزول
تحت الأضواء الخافتة التي تنبعث من أعمدة الإنارة في حرم الأكاديمية،
توقّف يانغ شياولي في منتصف الطريق الخالي،
والحقيبة القماشية بيده
أشجار الجاكاراندا الزرقاء على جانبي الطريق قد تجاوزت موسم تفتّحها،
ولم يتبقّى منها سوى الأوراق الخضراء
وبينما يمرّ تحت إحدى الأشجار ، توقف فجأة ،
ورفع رأسه لينظر إلى الأغصان الكثيفة المورقة فوقه
لقد مشى في هذا الطريق ذهابًا وإيابًا طوال أربع أو خمس سنوات ،
رأى فيها هذه الأزهار تتفتّح وتذبل بالمقدار نفسه
ورغم أنه لم يكن من المهتمين أو العارفين بمعاني الأزهار،
إلا أنه سمع من بعض الفتيات في الجامعة أن زراعة أشجار
الجاكاراندا الزرقاء في الأكاديمية تُعدّ أمرًا رومانسيًا ،
فهي ترمز إلى الهدوء… وانتظار الحب في اليأس
لم يكن يان لان قد فكّر كثيرًا من قبل في “لغة الأزهار”،
لكنه في تلك اللحظة، شعر فجأة أن هذا المعنى يعبّر بدقة
عن نصف ما يعيشه الآن
رغم انشغاله بالعمل، شعر يان لان، مقارنةً بشيه يون تشي
الذي كان يبادر دومًا للبحث عن الفرص لقضاء الوقت معه،
بأنه لم يفعل شيئًا يُذكر سوى الانتظار
كان تمامًا مثل رمزية زهرة الجاكاراندا الزرقاء : انتظار
للحب ، وانتظار لشيه يون تشي
لكن، في أعماقه، كان يعلم أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر
لقد منح شيه يون تشي وقتًا كافيًا للتفكير ،
و للتأمل فيما إذا كانت هناك إمكانية لأن تتجاوز علاقتهما حدود الصداقة
{ فبعد أن يعبّر شيه يون تشي بوضوح عن أنه ليس مثليًّا ،
فهل سيكون قادرًا حقًا …. وهو في كامل وعيه …. على تقبّل
أن يصبح كذلك ؟ وأن يحتضن رجلًا حقيقيًّا ؟
هل الغِيرة شعور مؤقت ؟
وحتى إن امتلكني ، هل سيظل يخشى فقداني ؟
وإن اجتمعا معًا حقًا …. هل سيأتي يوم يشعر فيه شيه يون
تشي فجأة بأن المرأة خيارٌ أفضل ؟
أو ربما ….…. هل سيرغب يومًا في إنجاب طفل من صلبه ؟ }
تلك الأسئلة التي لم يشارك بها أحدًا قط، بقيت تهمس في ذهن يان لان
فهو شخص مستقلّ وعقلاني ،
لا يندفع إلى التفاؤل الأعمى ،
ولا يستسلم بسهولة للتشاؤم
بل إنه يتعامل مع مثل هذه الأسئلة كما لو أنه يستعد لاختبار ؛
لا بهدف إيجاد إجابة نهائية ،
بل لأن التفكير بحد ذاته أمر طبيعي ….
…………………………
في اليوم التالي ،
خرج يان لان من بوابة الكلية الهادئة ،
وركب الحافلة بسلاسة
جلس في مقعده ، وبدأ يبحث بجدّية في موقع بايدو عمّا
يمكنه فعله من أجل شيه يون تشي إلى جانب شراء الزهور له اليوم
وعندما وصل إلى منزل عائلة شيه ،
استقبلته الخادمة التي فتحت الباب بابتسامة ودودة وقالت :
“ أهلاً بك أستاذ يان …. تفضل بالدخول ،
السيد شيه قال إنك ستأتي في الصباح ،
وطلب مني أن أعدّ الفطور لك.
حساء الدجاج ما زال دافئًا ، وسأقوم بطهي الزلابية لك حالًا .”
ابتسم يان لان لها، وعبّر عن شكره بلغة الإشارة ،
ثم وجّه نظره نحو الدرج
فهمت الخادمة ما يجول في خاطره ، وقالت:
“ تيانتيان ما زال نائمًا ولم يستيقظ بعد .
السيد شيه منحه عطلة خلال أيام العيد الوطني ،
فلا توجد دروس هذه الأيام ، لذا ينام حتى يستيقظ من
تلقاء نفسه كل صباح .”
أومأ يان لان برأسه تعبيرًا عن الفهم
ثم توجهت الخادمة إلى المطبخ ، وبعد وقت قصير ،
خرجت وهي تحمل طبقًا ساخنًا من الزلابية بحساء الدجاج،
وجلست أمام يان لان وبدأت بانتقاء الخضار وهي تبتسم :
“ أستاذ يان هل تصدق ؟ السيد شيه هو من جعل
تيانتيان ينام البارحة .”
لم يُفاجأ يان لان كثيرًا ، لكنه أراد معرفة التفاصيل ، فأشار لها أن تُكمل
قالت الخادمة :
“ عاد السيد شيه إلى المنزل متأخرًا بعض الشيء ليلة البارحة ،،،
وعندما وصل ، كان تيانتيان لا يزال يلهو في غرفة الألعاب
ويرفض الذهاب للنوم .
حاولتُ إقناعه عدة مرات لكنه لم يستجب .
وعندما عاد السيد شيه ، أخبرته بالأمر ، فتوجّه مباشرة
إلى غرفة الألعاب، وأخرجه من بيت اللعب الصغير المصنوع من المكعبات .
كنت أظن أنه سيوبّخه كما كان يفعل في السابق
لكنه لم يفعل.
بل حمله بين ذراعيه، تمامًا كما تفعل أنت عندما تحاول
تهدئته لينام .
و بقي تيانتيان في حضنه حتى غلبه النعاس .”
تنهدت الخادمة بعد أن أنهت حديثها ، وقالت بنبرة فيها شيء من التأمل:
“ في الحقيقة ، كانت رابطة العمّ وابن الأخ موجودة في
قلبيهما منذ البداية ، لكن بسبب ظروف كثيرة ،
ظلّت هناك مسافة بينهما …..
الفضل يعود لك أستاذ يان .
لقد جعلتَ السيد شيه يدرك أن تيانتيان بحاجة إليه ،
وأنه هو الآخر بحاجة لتيانتيان.”
نظر يان لان إلى الخادمة بنظرة حملت من المعاني أكثر مما يُقال بالكلمات
أما هي، فاكتفت بابتسامة هادئة،
تتابع تقليب الخضار بخفة يد،
بينما تُلقي إليه بنظرة عابرة بين الحين والآخر
كلماتها، وكأنها قالت كل شيء، وفي الوقت نفسه لم تقل شيئًا على الإطلاق
وبعد أن استوعب معناها ، احمرّت أذنا يان لان خجلًا ،
فأخفض رأسه سريعًا وأكمل تناول الزلابية
وبعد أن أنهى فطوره، صعد إلى الطابق العلوي بحثًا عن تيانتيان
وعندما دفع باب غرفة النوم ليفتحه ، فوجئ بأن الصغير ،
الذي كان يفترض به أن يكون نائمًا ، قد استيقظ من فترة ،
وجلس على سجاد الغرفة يلعب بهدوء بألعابه
وما إن رأى تيانتيان يان لان يدخل ، حتى مدّ إصبعه الصغير
القصير نحوه ، مشيرًا إليه بإيماءة : ' تعال '
أغلق يان لان باب الغرفة خلفه ، وتقدّم نحوه ،
ثم جلس أرضًا متربعًا بجانبه
وسأله بلغة الإشارة :
“ هل تريد أن ألعب معك ؟”
أومأ تيانتيان رأسه بالإيجاب ، وناول يان لان بعض الألعاب
لكن يان لان أخذ الألعاب بلطف ، ووضعها جانبًا ،
ثم أشار له بلغة الإشارة مجددًا :
“ عليك أولًا أن تغسل وجهك ، وتفرش أسنانك ، ثم
تتناول الفطور . بعدها ، سأجلس وألعب معك .”
ثم مدّ يده ليمررها برفق على خدّ تيانتيان المتورد بعد الاستيقاظ ، وحمله باتجاه الحمّام
⸻
عاد شيه يون تشي إلى المنزل قرابة الظهيرة من دون سكرتيره أو مساعده
وعندما نزل من السيارة ودخل ، كانت غرفة المعيشة خالية
خرجت الخادمة من المطبخ فور سماعها صوت الباب، وقالت:
“ السيد شيه …. أستاذ يان وتيانتيان في غرفة الألعاب .”
أومأ شيه يون تشي برأسه ، وبدّل حذاءه ،
ثم صعد إلى الطابق العلوي
لكنه لم يكن يتوقع أنه، حين يفتح باب غرفة الألعاب،
سيرى ' مشهد خيانة ' من نوع مختلف
ذلك الشخص ، الذي كان دومًا باردًا ومتحفظًا ،
كان قد وجد بطريقة ما قفازات دمى لويني ذا بو و تيغر من
أحد زوايا غرفة اللعب وكان يستخدمها ليُداعب بها بطن تيانتيان الصغير
كان تيانتيان مستلقيًا على السجاد ، يحاول الهروب، لكنه لم يكن ينجح
ضحكته كانت صافية وعالية ، وساقاه تتقلبان من شدّة السعادة
لكنه كان يضمّ قدميه بعناية كي لا يركل يان لان عن غير قصد
حين سمع يان لان صوت دخول أحدهم ، توقف عن الحركة ، واستدار برأسه
وعلى وجهه، الذي اعتاد الجمود، ظلّت ابتسامة رقيقة لم تختفِ بعد
ابتسامة دافئة ونقيّة، أشبه بزهرة الغاردينيا البيضاء
وحين رآه جالسًا هناك ، بتلك النظرة اللطيفة في عينيه
الصافيتين ، أدرك شيه يون تشي فجأة سبب عجزه عن ترك هذا الشخص
ظلّت ملامح يان لان الهادئة التي رآها تلك الليلة وهو في
سُكرٍ خفيف ، تتردّد في ذهنه مرارًا
أدرك حينها أنه لا يريد سوى أن يراه… فقط يراه ، هو وحده ….
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق