Ch24 | DSYOM
[ ما فُقد ليس بالضرورة يُستعاد ]
مبنى قسم الرياضيات على شكل حرف L،
مبنيًّا من طوب أحمر وسقف أبيض
أمام المبنى امتدّت أرضية من العشب الأخضر ،
وعلى جانبيه سياج بارتفاع يكفي لحجب الطابق الأول
مكتب بيان تشنغ في الطابق الرابع من الجناح الشرقي
المبنى التدريسي قديم العهد ، لا يتجاوز أربع طوابق ،
ولا يوجد مصعد ،
لذا كان يتم تعيين الأساتذة الأصغر سنًّا في الطوابق العليا
الطالب الذي كان قد حدّد موعدًا معه كان بانتظاره عند
الباب ، مطأطئ الرأس منشغلًا بهاتفه ،
وحين سمع وقع الأقدام ، أعاد الهاتف إلى جيبه وحيّا قائلًا:
“ بروفيسور ”
اسم الطالب ' شن ليو تشوان ' أكثر طلاب بيان تشنغ هذه
السنة نباغة وإعجابًا
فتح بيان تشنغ باب المكتب وأدخله ،
المكتب في الداخل يحتوي على مكتبٍ بنيّ فاتح ،
ولوح أبيض كبير على الجدار الأيسر ،
وخزانة على اليمين ممتلئة بالكتب والمسودات ،
جلس شن ليو تشوان على الكرسي المقابل للمكتب
بيان تشنغ:
“ راجعتُ المخطط الذي قدّمته .
تريد أن تستخدم طريقة بيركوفيتش للتحليل غير الكلاسيكي
لإثبات نسخة معدّلة من حدسية بنية فروبنيوس.
لماذا لا تستخدم خوارزمية كونتسيفيتش-سويبلمان؟”
أجاب شن ليو تشوان:
“ من الصعب فهم خوارزمية K-S من منظور هندسي .
لكن وصف بنية فروبنيوس والجبر المتماثل المرآوي من
منظور هندسي يمنح بناءً أكثر وضوحًا،
كما أنه يتجنب الحسابات المعقدة اللازمة لبناء مخططات التبعثر .”
ألقى بيان تشنغ نظرة على مسودة موضوعات أطروحات
التخرج الموجودة على المكتب، غارقًا في التفكير
: “ بروفيسور هل ترى أن هذه الفكرة غير مناسبة؟”
فكر بيان تشنغ للحظة ، ثم ابتسم:
“ لا، على العكس… نادرًا ما أرى طلاب مرحلة البكالوريوس
يجرؤون على اختيار موضوع بهذه الدرجة من التعقيد.”
تنفّس شن ليو تشوان الصعداء وابتسم :
“ استوحيت الفكرة عندما سمعت أحد كبار الزملاء يتحدث
عن اللوغاريتمات الإفراغية في اجتماع المجموعة .”
بيان تشنغ:
“ أنا متطلّع لرؤية النتائج .
إذا كانت جيدة ، قد نتمكن من نشرها في مجلة Journal of Algebraic Geometry.”
ابتسم شن ليو تشوان بتواضع :
“ لم أكن أتجرأ حتى على الأمل بذلك .
للأسف لم أنجزها في وقت أبكر ،
وإلا لكان لديّ ورقة بحثية إضافية باسم أول مؤلف في
طلبات التقديم ”
تذكر بيان تشنغ أن شن ليو تشوان تواصل معه بالأمس
بشأن خطاب توصية ، فسأله :
“ كم جامعة قدّمت لها حتى الآن ؟”
شن ليو تشوان:
“ قدمت لمعظم جامعات رابطة اللبلاب ،
وأيضًا لعددٍ في بريطانيا وألمانيا…
أنشر الشباك على نطاق واسع .”
بيان تشنغ:
“ كولار هو مشرفي في برينستون ، واتجاهه البحثي قريب
جدًا من اهتماماتك .
إن أردت، يمكنني التواصل معه من أجلك .”
ارتسمت على وجه شن ليو تشوان ملامح حرج ، وهو أمر نادر الحدوث
كان كولار واحدًا من أعلام العالم في مجال الهندسة الجبرية ، وهذه فرصة لا تعوّض
كان من الطبيعي أن يبتهج ، لكن لماذا بدا متردّدًا ؟
شن ليو تشوان :
“ أنا أتقدّم لبرامج علوم الحاسوب .”
توقف بيان تشنغ صامتًا لحظة ، ثم قال:
“ فهمت .”
أضاف شن ليو تشوان:
“ أنا أدرس تخصصًا فرعي في علوم الحاسوب .”
ثلث طلاب قسم الرياضيات في جامعة T تقريبًا لديهم
تخصص فرعي في علوم الحاسوب أو المالية ،
وإن لم يكن نصفهم ،
قال شن ليو تشوان :
“ أحد الخريجين الذين قُبِلوا سابقًا قال إنهم هناك يقدّرون
الرياضيات كثيرًا ، وإن خطاب توصيتك سيكون ميزة كبيرة .
لذا أردت أن أسألك إذا كان بإمكانك مساعدتي .”
كان تسعة وتسعون بالمئة من خطابات التوصية من
الأساتذة الصينيين تُكتب في الحقيقة بأقلام الطلاب أنفسهم ،
لكن بيان تشنغ لم يتبع هذه العادة ،
فقد احتفظ بعادته منذ أيامه في برسنستون : خطابات
التوصية يجب أن تُكتب بخط اليد .
لكنه كان يأخذ الأمر على محمل الجد ،
يحرص أن تكون الخطابات مليئة بالمضمون ، دقيقة ،
صادقة ، ومصاغة بشكل شخصي للغاية .
كان يبرز بعناية كل ميزة إيجابية في الطالب .
ولأن سمعته الدولية كانت عالية ، كان الطلاب الواثقون من
قدراتهم ، الجريئون — غالبًا المخاطرون — هم من يلجؤون إليه
بيان تشنغ:
“ لديك موهبة كبيرة في الرياضيات .
ألا تفكر فعلًا في متابعة الدراسات العليا ؟
أيًّا كان البرنامج الذي تريد الانضمام إليه ، سأبذل قصارى
جهدي لمساعدتك .”
عبث شن ليو تشوان برأسه وقال:
“ ما زلت أرغب في تغيير تخصصي .
الرياضيات البحتة ليس لها مستقبل كبير في الصين…”
ثم توقّف قليلًا وأضاف: “ لم أقصد الأمر بهذا الشكل…”
بيان تشنغ بهدوء:
“ أنا أفهم . حين يصل خطاب التوصية فقط أعطني خبرًا "
: “ حسنًا ...” تردد شن ليو تشوان لحظة ثم أضاف:
“ لكنني ما زلت أحب الرياضيات حقًا.”
بيان تشنغ :
“ أعرف .”
في السنوات الأخيرة معظم الطلاب الواعدين الذين كان
يعوّل عليهم انتقلوا جميعًا إلى الإدارة والأعمال ،
أو علوم الحاسوب ، أو دراسات بين-تخصصية .
أما من بين الشباب الذين كانوا ذات يوم في الفريق الوطني
للأولمبياد الدولي للرياضيات ، فلم يبقَ سوى هو متمسكًا
بالبحث في الرياضيات البحتة
شكر شن ليو تشوان أستاذه ، وقف ليغادر ، ثم تذكّر فجأة أمرًا وقال:
“ بروفيسور "
: “ ماذا هناك؟”
: “ ذلك الكوب ...” أشار إلى الكوب الخزفي على المكتب :
“ أليس كوب طوبولوجي؟”
أدار بيان تشنغ الكوب نصف دورة ، حتى واجهت النقوش ناحيته وقال :
“ أعرف .”
ودّعه شن ليو تشوان وغادر إلى الباب،
و صادف أستاذًا مشاركًا، وانغ، الذي كان يدرّس نظرية الزمر
في المكتب المجاور
حيّاه، وبدا أن وانغ تذكره ، فتبادل معه بضع كلمات
بعد أن رحل الطالب ، وقف البروفيسور وانغ عند الباب
وطرق بخفة على الإطار
كان هو وبيان تشنغ من نفس دفعة الكفاءات العائدة من الخارج ،
و بينهما علاقة وثيقة نسبيًا
في قسم الرياضيات كله ، لم يكن هناك من يزور مكتب بيان
تشنغ بانتظام سواه
رفع بيان تشنغ رأسه عن شاشة الحاسوب
بروفيسور وانغ:
“ رحل واحد آخر ؟”
أومأ بيان تشنغ برأسه
تنهد وانغ :
“ هل أصبح قسمنا محطة عبور ؟
تخصص لإرسال المواهب إلى مجالات أخرى ؟
من الذي أوحى لهؤلاء الطلاب أن دراسة الرياضيات مجرد
جسر للانتقال إلى تخصصات أخرى—الآن جميعهم
يندفعون إلى الداخل ثم يخرجون سريعًا .”
بيان تشنغ:
“ البيئة العامة سيئة جدًا ، من الصعب أن نلومهم على ذلك ”
هز بروفيسور وانغ رأسه :
“ أنت أرحم بكثير مع طلابك من رحمتك مع عميد القسم .”
وكان ذلك صحيحًا تمامًا
البحث في الرياضيات البحتة لم يكن يحظى بتقدير في القسم ،
وأي شخص يبقى فيه يُعامل كأنه جوهرة نادرة ،
بروفيسور وانغ:
“ آخر مرة خلال دفاع الترقية للأستاذ المشارك ، كان العميد
تشين قد أعطى إشعارًا مسبقًا ،
لكنك أصريت على التصويت بالرفض ، وحرمت طلابه .
لقد وضعت الجميع في موقف محرج .”
بيان تشنغ :
“ مستوى الباحث المساعد الآخر أفضل .
أما اتجاهه البحثي فلم ينتج سوى أوراق متوسطة المستوى .”
بروفيسور وانغ:
“ المرة الماضية حين تقدّم البروفيسور ليو بطلب لمؤسسة العلوم الطبيعية ،
كانت جلسة ما قبل الدفاع في القسم فوضى كاملة .
قلتَ إن خطواته معقدة ومطوّلة ، حججه بلا أي جمالية ،
ومنطقه متشابك مثل عقدة طوبولوجية .”
رد بيان تشنغ ببرود :
“ ما كتبه كان طويلًا ومملًا .”
ابتسم وانغ بحماس وقال وهو يفرك يديه متخيّلًا المشهد:
“ أنا متشوّق للغاية لرؤية دفاعك للترقية إلى بروفيسور كامل .
أريد أن أرى كيف سيحكم عليك ثلاثة ممتحنين .”
في الجامعة — يوجد مساران: مسار التدريس ومسار البحث .
كلٌّ من “الباحث المشارك” و”الأستاذ المشارك” يعدّان من
المناصب العليا الثانوية ،
بينما “الباحث” و”البروفيسور الكامل” من المناصب العليا الأساسية ،
كل ترقية تتطلّب تصويت جميع أعضاء هيئة التدريس في
قسم الرياضيات، وللحصول على الترقية يجب أن يكون
التصويت بالإجماع — أي من الجميع
بيان تشنغ :
“ حفنة من هياكل زيزان الخريف الفارغة ، لم يخرجوا بأي
نتائج طوال السنوات الماضية ، يتطفّلون على طلابهم لرفع
عوامل التأثير الخاصة بهم ، وكادوا ينسون مبرهنة ريمان-روخ ،
ومع ذلك يملكون الجرأة ليحكموا علي ؟”
بقي بروفيسور وانغ صامتًا لحظة قبل أن يقول :
“ جيد جدًا ، عليك أن تقول هذا حرفيًا خلال دفاعك .”
تجاهل بيان تشنغ حماسه لرؤية المشهد ،
وأعاد انتباهه إلى شاشة الحاسوب
مناصب هيئة التدريس كانت مثل ' الفجل في حفرته ' ،
مع وجود الأساتذة الكبار الحاليين بعيدين عن التقاعد ،
وحتى لو تقاعدوا فلن يحين دوره قريبًا ،
هذا السيناريو ربما يظل بعيد المنال لسنوات طويلة قادمة ،
ثم تذكّر بروفيسور وانغ الطالب الذي خرج لتوّه من مكتب بيان تشنغ وقال :
“ ذلك الطالب الذي كان هنا قبل قليل… أليس شن ليو تشوان ؟”
بيان تشنغ : “ نعم ،
لقد حصل على جائزة خاصة من قسمنا العام الماضي.”
وانغ:
“ يمكنك أن تكتشف من أول نظرة أنه طالب صعب المراس .
كثيرًا ما يطرح عليّ أسئلة معقدة في نظرية الزمر .
هل تعلم أنه أعطاك تقييم (واحد) في تقييم التدريس العام الماضي ؟”
تجمّدت يد بيان تشنغ
في نهاية كل فصل دراسي، كان الطلاب يقيّمون مقرراتهم ويكتبون ملاحظات
أعلى درجة هي سبعة، وأدناها واحد.
إذا حصل المقرر على درجة منخفضة جدًا، فإن مكتب
الشؤون الأكاديمية يوجّه إنذارًا ويستدعي الأستاذ لمقابلة
كان بيان تشنغ يتبع لوائح الجامعة بدقة في التصحيح،
حيث يمنح 10% فقط من الطلاب درجة A.
لم يكن صارمًا ولا متساهلًا
لقد كان يأخذ التدريس بجدية كبيرة ، يعدّ المحاضرات ،
ويضع مسائل ، ويوفّر مراجع بعناية فائقة ،
لأنه كان يرى التدريس جزءًا أساسيًا من تربية جيل جديد
من المواهب في الرياضيات ،
ومع أن الطلاب كانوا يفضّلون المقررات السهلة ،
فإنهم كانوا يشعرون بسهولة ما إذا كان الأستاذ جادًا ومخلصًا ،
صحيح أن مقرره كان صعب ، ولم يكن كثيرون يسجلون فيه ،
لكن لم يحدث قط أن أعطاه أحد تقييم ' واحد '
{ يبدو … أن الطالب الذي كان من أحب طلابي لم يقدّر أسلوبي في التدريس }
بيان تشنغ:
“ أليست تقييمات التدريس مجهولة الهوية ؟”
ابتسم بروفيسور وانغ ابتسامة ذات مغزى وقال:
“ طالما أنك تعرف الشخص المناسب ، يمكنك دائمًا معرفة الحقيقة .”
امتنع بيان تشنغ عن التعليق على مثل هذا السلوك.
فإذا لم يكن مجهولًا، فلن يكون للتقييم أي معنى أصلًا
بروفيسور وانغ بدهشة :
“ بل وطلب منك أن تكتب له خطاب توصية ؟
يملك شجاعة حقًا.”
فكّر بيان تشنغ للحظة ، ثم هز كتفيه :
“ من الصحيح أنه يمتلك موهبة في الرياضيات .”
تنهد بروفيسور وانغ وغادر
بعد أن أنهى بعض الرسائل الإلكترونية ، فتح بيان تشنغ
مقالًا كتبه أحد طلابه قبل أيام حول التنوعات شبه الجبرية
الثابتة ذات الرتبة العالية
في منتصف مراجعته اهتز هاتفه فجأة
ألقى نظرة على الشاشة فرأى رقمًا مألوفًا
تنهد… تنهيدة بدت وكأنها تجمع طول كل جلسات الدفاع
التي خاضها خلال السنوات الماضية
نقر بأصابعه على سطح المكتب بضع مرات ثم أجاب :
“ أبي "
سادت لحظة صمت على الطرف الآخر ثم سأل :
“ هل أنت مشغول ؟”
بيان تشنغ : “ ليس كثيرًا ، هل هناك ما تحتاجه؟”
والده:
“ يوم السبت عندي لقاء خريجي الجامعة ، قريب من جامعة T.
هذه السنة الذكرى الخامسة والثلاثون، فهي محطة مهمة.
كثير من الزملاء القدامى سيحضرون مع أولادهم، وأغلب
الظن أن شياو سونغ سيأتي أيضًا . ( يقصد سونغ يوتشي )
هل لديك وقت ؟ إذا كنت متفرغًا ، عليك أن تمرّ ”
فتح بيان تشنغ جدول مواعيده وقال :
“ دعني أرى… عطلة نهاية الأسبوع هذه مزدحمة قليلًا .”
والده:
“ لا بأس ، القرار لك. إن لم تستطع فعلًا ، فلا مشكلة .”
كانت نبرة الكلمات صادقة جدًا بحيث يصعب رفضها
في السنوات الأخيرة تطوّرت علاقة الأب والابن بينهما
تدريجيًا إلى نمط متكرر : شكرًا ؛ أنا آسف ؛ لا بأس
بيان تشنغ:
“ سأحاول أن آتي "
ساد صمت على الطرف الآخر. بضع ثوانٍ بدت وكأنها تمتد
إلى ما لا نهاية ،
يتضخّم خلالها صوت الرياح وخفقان قلبه ،
أخيرًا رد الأب :
“ حسنًا ...” ثم بعد لحظة أخرى من الصمت، أضاف:
“ ذلك الصغير… ما زال يعيش معك ؟”
: “ بالطبع”
“إن…”
قاطع بيان تشنغ وقال :
“ لا تقلق . لن أحضره إلى اللقاء .”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق