Ch27 | DSYOM
[ ما مضى ليس إلا مقدّمة ]
الموقع الذي أرسله هيي ونشوان مطعمًا على الطريق
الدائري الشمالي الثاني
تلك المنطقة مقرّ لمكاتب المقاطعات والبلديات في بكين،
مثل مبنى فوجيان، مبنى قوانغشي، ومبنى شاندونغ
في كل مبنى منها مطعم يقدّم أطباقًا محلية،
لتسهيل الأمر على المسؤولين الذين يفتقدون نكهة مسقط رأسهم
أمّا عن مدى أصالتها فذلك أمر قابل للنقاش،
لكن أسعارها بالتأكيد أغلى قليلًا من المطاعم الخارجية
قبل عامين، نُقل والدا أحد زملائهم إلى مكتب بكين،
فدعاهم يومًا إلى غرفة خاصة في مطعم من تلك المباني
وقبل أن ينطلق وين دي، لم يستطع إلا أن يتذمّر في نفسه:
{ الطريق الدائري الشمالي الثاني بعيد جدًّا عن جامعة T…
من أجل تمثيل مسرحية صغيرة لا بدّ من صرف الوقت والجهد
لحسن الحظ أن البروفيسور يملك سيارة }
تذكّر ذلك وألقى نظرة متوترة على بيان تشنغ الجالس خلف المقود
بدأ يتمتم في قلبه { الكلمات رتّبت بعناية ،
وذاكرة البروفيسور دقيقة لا تشوبها شائبة ،
لا شك في ذلك… }
لكن القلق ظل يساوره —-
{ أين يمكن أن يختبئ الخلل ؟ }
دخلت السيارة إلى الموقف ، ثم صعد مع بيان تشنغ
وفي المصعد ، تردّد أن يذكّره بشيء ، لكنه شعر أن ذلك
سيبدو وكأنه لا يثق برفيقه
وبينما يتخبّط في تردده ، وصلا إلى الغرفة الخاصة ،
فما كان منه إلا أن يتصلّب قليلًا ويدخل
ولحسن الحظ كان أول شخص يراه هو جيانغ نانزي
قال جيانغ: “ لقد جئتما .” وأشار إلى المقعد الفارغ بجانبه.
تنهد وين دي بارتياح ، وأخذ بيان تشنغ وجلسا هناك
ما إن جلس ، حتى بادره جيانغ بالسؤال عن أمر كان يشغله منذ أيام :
“ هيه هل اجتزت المقابلة في مدرسة شينغتشنغ الثانوية؟”
أجاب وين دي: “ اجتزتها .
أظنهم لم يستمعوا حتى لمحاضرتي التجريبية ، بل اتخذوا
القرار بمجرد النظر إلى سيرتي الذاتية .”
ابتسم جيانغ: “ هذه فائدة النجاح في نظام التعليم الامتحاني .
لاحقًا حين ينشرون مؤهلات المتقدّمين ، ستبدو سيرتك
لامعة ومرموقة . متى ستبدأ العمل ؟”
: “ بعد رأس السنة .” قالها وين دي بخفّة، بينما انتباهه
منصرفًا إلى الخارج—فهيي ونشوان لم يصل بعد
وبينما هو شارد ، لمح جيانغ من طرف عينه بيان تشنغ،
فانحنى قليلًا وبدأ يتفحّصه علنًا، ثم مدّ يده قائلًا:
“ لقد سمعت عنك كثيرًا "
تبادلا المصافحة عبر وساطة وين دي
عندها أدرك وين دي أن ثمة قنبلة موقوتة ثانية—ففي
الفترة التي كان يكنّ فيها إعجابًا سرّيًا ببيان تشنغ، لم يتوقف
عن إزعاج جيانغ نانزي بالأسئلة محاولًا فهم مفهوم ' الطوبولوجيا الزاريـسكية ' فقط ليجد ما يفتح به حديثًا
لو كشف جيانغ نانزي حينها مقدار افتتانه،
وأخبر بيان تشنغ أنه كان يطمع به منذ زمن—مع أنها
الحقيقة—لكان الموقف محرجًا اجتماعيًّا إلى حد لا يُحتمل
لكن، ولحسن الحظ، كان ذكاء صديقه الاجتماعي في أعلى مستوياته
فبعد المصافحة، لم ينبس بكلمة،
واكتفى بأن يرفع حاجبيه إليه بمعنى يعرفه هو وحده
ما إن تنفّس وين دي الصعداء،
حتى ظهر هيي ونشوان بنظارته ذات الإطار الذهبي المتكلّفة
لمح وين دي على الفور ، فتوجّه نحوه مباشرةً وقال :
“ مرّ وقت طويل منذ آخر لقاء "
{ ألم نلتقي قبل فترة في مصعد الفندق؟ } اكتفى وين دي
بإيماء رأسه ببرود ،
ثم وضع يده على كتف بيان تشنغ قائلًا:
“ هذا حبيبي "
مدّ هيي ونشوان يده قائلًا: “ مرحبًا ، أنا زميل وين دي من أيام الثانوية .”
تأمل بيان تشنغ وجهه لحظة ، ثم استدار نحو وين دي وسأله :
“ أليس هذا حبيبك السابق ؟”
: “… صحيح .” أجاب وين دي
لم يبدُ على هيي ونشوان أي ارتباك،
فأُعجب وين دي بقدرته على التحكم بتعابير وجهه ،
وأثناء المصافحة ، كان تدقيقه خفيًا ،
لكن وين دي كان واثقًا بأنه أحصى ثمن كل قطعة يرتديها بيان تشنغ
قال الزميل الذي تولّى ترتيب اللقاء : “ الطلبات جاهزة ،
حين يصل الجميع ستُقدَّم الأطباق .”
وبعد أن جلسوا وبدأ الطعام يُقدَّم ،
كان أول ما فعله أبناء العائلات الثرية هو التفاخر بالمناصب
التي يشغلونها في شركات عائلاتهم،
والصفقات الكبيرة التي أبرموها مؤخرًا
أمّا الموضوع الثاني فكان ' إدارة الأموال '
يتحدثون عن الشركات التي حصلوا على معلومات داخلية عنها ،
والأسهم التي اقتنوها قبل طرحها في السوق
بدأ بصر بيان تشنغ يسرح من جديد
عرف وين دي على الفور أنه يفكّر أي فصل من أطروحته
يجب أن يعمل عليه لاحقًا
وفجأة، وسط ضجيج الأحاديث، قال أحدهم:
“العِلم والتكنولوجيا هما القوى الإنتاجية الأساسية.
على الأقل معنا هنا طالبان دكتوراه.”
فتحول الضوء فجأة إلى وين دي وجيانغ نانزي
وين دي { ها هو قد بدأ… لا أدري إن كانت النتيجة ستكون
ألعابًا نارية أم انفجارًا نوويًا }
لكن، على غير المتوقع، وُجّهت الجولة الأولى من النيران نحو جيانغ نانزي
سأل أحد زملائهم الجالسين في الجهة المقابلة:
“ إذن ما الذي يبحث فيه نابغة برنستون في الآونة الأخيرة ؟”
وين دي { ما بال هؤلاء ؟
ألم يكونوا يعلمون أنّ جيانغ نانزي قد انسحب من الجامعة ؟ }
قال جيانغ نانزي ببساطة : “ انسحبت "
سارع أحدهم بالسؤال : “ لماذا ؟
ألم تنشر بعض البحوث من قبل ؟
أهو بسبب والدك ؟
سمعت أن أعمال عائلتك لم تَسر على ما يرام .”
قاطعهم هيي ونشوان: “ لا تُبالغوا .
شقيقه ذهب يدرس في بريطانيا منذ فترة .”
فسأله آخر: “ أي شقيق؟”
: “ الذي يسكن في يوفو تيانتشنغ.”
: “ آه…” بدا الزميل مرتبكًا قليلًا :“ أليس هذا ابن المرأة التي
رفعت لافتة عند بوابة المدرسة الابتدائية ؟”
: “ لا، بل ذاك الذي تسببت والدته بفضيحة عند باب صفّنا
في المرحلة المتوسطة .”
: “ أوه ؟ لم أعد أتذكر بالضبط .”
فقاطعهم جيانغ نانزي وقد ضاق ذرعًا بتفاصيل شجرة العائلة :
“ لا علاقة للموضوع بعائلتي ، السبب أنّني لم أكن كفؤًا بما يكفي .”
ظنّ أن هذا سيُنهي الحديث ، لكن ما إن سكت واحد حتى بدأ آخر :
“ إذن أنت الآن صاحب ماجستير ؟”
وضع جيانغ نانزي عيدانه جانبًا—بات من المستحيل الاستمرار في تناول الطعام:
“ بكالوريوس .”
قال أحدهم: “ الانتقال من الدكتوراه إلى الماجستير أمر سهل .
ألم تكن علاقتك بمشرفك جيدة ؟” ثم فكّر قليلًا وأضاف بازدراء :
“ حسنًا ، لا غرابة… لقد كنت دائمًا هكذا .”
تذكّر أحد الزملاء الجالسين بجانب جيانغ نانزي فجأة وقال:
“أه، السنة الماضية، عندما قفزت إلى ذلك المسبح…
هل كان بسبب هذا الأمر؟”
نظر جيانغ نانزي إليه بهدوء دون أن يجيب ، ثم قال:
“ سأذهب إلى دورة المياه "
نهض، وألقى بشعره الطويل إلى الخلف،
ودار حول وين دي، متجهًا نحو الخارج
في ذهن وين دي ظهرت أمامه خياران :
الأول أن يرشّ من أمامه بالرصاص كأنه يحمل رشاش ،
والثاني أن يلحق بزميله القديم ليتفقد حاله ،
وبعد تفكير طويل ، اختار الخيار الثاني
وقبل أن يخرج ، ربت على كتف بيان تشنغ وقال إنه سيغسل يديه
ترك بيان تشنغ وسط مجموعة من الغرباء ذوي النوايا
الخبيثة ، لكن بيان تشنغ لم يُبدُ أي امتعاض—بل ربما لم
يسمع شيئًا أصلًا ،
إذ لم يتحرك بعد كلام وين دي،
وكأنه ما يزال عالقًا في عقدة ما بأطروحته
……..
دخل وين دي دورة المياه ،
ولاحظ أنّ أقفال أبواب الكبائن كلّها خضراء ،
أي أنها غير مشغولة ،
فتح أول باب يسارًا ، فوجد جيانغ نانزي مستندًا على الجدار ،
يتمتم لنفسه… أو ربما يتحدث مع ' توماس '
عقد وين دي ذراعيه ونظر إليه:
“ لو وجّهت نصف عدوانيتك ضد الآخرين بدلًا من نفسك،
لكان هؤلاء قد صمتوا منذ زمن .”
توقفت شفتا جيانغ نانزي عن الحركة، ورفع بصره إليه:
“ أنا أيضًا أريد قلب الطاولة .”
: “ لماذا لا تفعل؟”
: “ لأن أبي—الذي تعثرت أعماله—ما زال يزاول التجارة
معهم . لماذا أُعاديهم ؟” رفع كتفيه باستخفاف وأضاف : “ وأيضاً قد أحتاج مساعدتهم يومًا ما "
ارتفع شعور مرير في صدر وين دي
كان جيانغ نانزي هو الآخر ابن عائلة ثرية،
لكن الفرق كبير بين أن تكون من عائلة كبيرة ذات والدين
غائبين وأشقاء كُثر ، وبين أن تكون الابن الوحيد ،
سأله : “ لماذا جئت اليوم أصلًا ؟
أنت تعلم أنّ هذه الجماعة تستمتع برؤية الناس يسقطون في الحرج .”
اعتدل جيانغ نانزي :
“ من أجل المظهر .
عليّ أن أتظاهر بأني غير مكترث بالانسحاب .
طالما أنه ليس نقطة ضعفي ، فلن يجدوا ما يستخدمونه ضدي .”
بإمكان وين دي أن يتفهم هذا المنطق—فهو أيضًا جاء ومعه ' حبيب مزيف ' اليوم ،
نظر إلى زميله القديم بنظرة يختلط فيها الأسى بالشفقة ،
ثم فتح ذراعيه :
“ دعني أعانقك .”
لكن جيانغ نانزي لم يبادل حماسه، بل نظر إليه بهدوء،
كأنه شارد في فكرة أخرى.
وبعد صمت طويل، ابتسم فجأة :
“ هل تعرف لماذا صرت صديقك في ذلك الوقت ؟”
اعتدل وين دي فجأة وقال بحماس :
“ يا إلهي ، أخيرًا ستقولها ؟”
أجاب:
“ لأننا نحن الاثنين… المنبوذون في هذه الدائرة .”
أنزل وين دي نظره إلى ملابسه ،
لقد ارتدى اليوم أغلى ما يملك من ملابس ،
وشقّ طريقه في البرد القارس ليصل إلى هنا ،
جيانغ نانزي:
“ ليس هذا ما أعنيه . هل تعرف طائر 'الـ ruff '؟”
رد وين دي بخفة : “ أنا أعرف 'اليَشْم اللازوردي '.”
تجاهل جيانغ نانزي خطأه وقال:
“ الـ ruff طائر مائي فريد .
ذكوره ينقسمون إلى ثلاثة أنواع : السود ، وهم الطبقة الحاكمة .
البيض ، وهم المنبوذون .
أما البقية فهم ‘المتنكرون’.
لديهم هرمية صارمة—الإناث والموارد دائمًا من نصيب
الطبقة الحاكمة ،
بينما المنبوذون لا يفعلون سوى اتباعها والتقاط الفتات .”
سأله وين دي: “ وماذا عن المتنكرين ؟”
: “ يتظاهرون بأنهم إناث ، ويتسللون إلى حريم الطبقة
الحاكمة ، ثم يغتنمون فرصة غفلة ‘الأخوات’، لينقضّوا
سريعًا ويتركوا نسلًا .”
فكر وين دي مليًا ، فوجد التشبيه غير مناسب إطلاقًا
لم يكن يرغب أن يكون طائرًا ، ولم يُعجبه أي من الطبقات الثلاث
لكن جيانغ نانزي كان على صلة بآبائهم ،
على عكس وين دي الذي كان أسهل عليه أن يقطع تلك الروابط ،
لم يستطع إلا أن يُعجب به قليلًا وسأله :
“ كيف تمكنت من كبح نفسك عن ارتكاب الجرائم طوال هذه السنين ؟”
أشار جيانغ نانزي إلى رأسه الذهبي:
“ هنا في الداخل… قد رميتهم جميعًا في حوض قناديل البحر منذ زمن .”
وبعد أن غسلا أيديهما ، عادا إلى الغرفة الخاصة
باب القاعة الخاصة نصف مفتوح ،
وسمع وين دي بأذنيه الحادتين تحليلًا مرتبًا بوضوح قبل أن
يدفعه ليفتح الباب
“ الأمر في الحقيقة سهل الفهم .
الأشخاص غير المستقرين نفسيًا لا بد أن ينهاروا عاجلًا أم
آجلًا في بيئة ضاغطة مثل البحث العلمي .”
ارتد في ذهن وين دي صوت شخص يسقط في المسبح
كم كان يتمنى أن يُلقي بعض التعليقات على أقوالهم ،
وعلى أشكالهم ، وعلى وجوههم المستفزة التي تستحق الصفعات
ولعله أحسّ أن دعاءه الصامت قد استُجاب ،،
فسرعان ما تحوّل محور الحديث نحوه بعد أن جلس —-
قال أحد الزملاء :
“ سام هل تخطط للعمل في المجال الأكاديمي ؟”
: “ نعم .” أجاب وين دي بكلمة مختصرة ،
متعمدًا أن لا يُسرف في الكلام مع هذه المجموعة
قال زميل آخر : “ الأكاديمية ليست سهلة لكسب الرزق ،
رأيت لتوّي تقريرًا من الجمعية الصينية للعلوم
والتكنولوجيا، يقول إن الرواتب انخفضت مجددًا في السنتين الأخيرتين .”
قال زميل آخر : " مؤسف حقًا ،
خصوصًا مع أسعار العقارات في هايديان.”
: “ أليس هناك سياسة دعم سكنية؟”
: “ لم تعد كما كانت قبل عقد.
حتى جامعة T نفسها لم تعد تملك حصصًا كافية من
الوحدات السكنية،
فما بالك بالجامعات الأخرى ...” ثم التفت أحدهم إلى وين
دي قائلًا: “ إذن هل فكرت في ما ستفعله؟”
لم يعرف وين دي ماذا يجيب—فهو حقًا لم يُقرر بعد
لم يكن يعرف أي جامعة سترضى بقبوله
ولو انتهى به الأمر في مدينة بإيجارات فلكية،
سيظل عالقًا في سكن الطلبة طيلة حياته
ليس مثلهم، بالكاد خطوا أولى خطواتهم في سوق العمل،
ومع ذلك يمتلكون منازل في أفضل مناطق المدارس
حفلة لمّ الشمل هذه كانت أشد وطأة من عشرة عشاءات رأس سنة
عندها فتح هيي ونشوان فمه ،، ولسوء الحظ أو لحسن
الحظ ، تحوّل التركيز أخيرًا نحو بيان تشنغ:
“ ألن تُعرّفنا بعائلتك ؟”
رفع وين دي رأسه والتقت عيناه بعينيه
{ صحيح … العرض الحقيقي لم يبدأ بعد }
قال: “هذا بيان تشنغ، هو…”
بيان تشنغ : “ موظف استقبال فندق "
توقف يد وين دي في منتصف الطريق،
وكادت عيناه تبرزان من مكانهما
أما جيانغ نانزي فقد قذف رشفة الماء من فمه،
مبعثرًا إياها فوق طبق زميل يجلس بجواره
سادت القاعة لحظة صمت تام
ولو كان للنظرات ثقل مادي ، لشعر وين دي أن الوزن الذي
كان واقعًا عليه وعلى جيانغ نانزي قد اختفى فجأة ،
ثم مال قليلًا بزاوية ضئيلة ، و—بصفقة واحدة—انقضّ كله على بيان تشنغ
{ هذا مختلف عمّا اتفقنا عليه !؟ }
حدّق به هيي ونشوان بنظرة هادئة :
“ أي فندق هذا الذي يمنح موظفيه امتيازات تسمح لهم بشراء أرماني ؟”
أجاب بيان تشنغ بكل بساطة : “ مُستَأجر ،،
بما أن اليوم مناسبة كبيرة ، أردت أن أبدو أكثر رسمية .”
كانت قوة النظرات في الغرفة على وشك أن تُحدث ثقبًا
أسود يبتلع الضوء بأكمله
بينما عقل وين دي يدور بأشكال هندسية مبعثرة
{ أليس هذا الرجل من المفترض أن يكون “مستقيمًا” في تصرفاته ؟
كيف يكذب بهذه السهولة !
إنه كممثل يمزّق نص المسرحية في آخر لحظة من دون أن
يُخبر المخرج—كيف يُمكن للعرض أن يستمر !!! }
هيي ونشوان : “ آوووه .. ظننت أن السيد بيان من عائلة ثرية .”
رد بيان تشنغ : “ ليس تمامًا،
أبي يُصلح الأجهزة المنزلية ، وأمي تعمل في التنظيف .”
ابتسم هيي ونشوان قائلًا :
“ يا لها من صدفة ، عائلة كاملة تعمل في سلسلة خدمات الفنادق .”
تسارعت الرموز في ذهن وين دي أكثر فأكثر ،
ثم تحولت في النهاية إلى عاصفة حطّمت عقله إربًا ،
{ هل يستطيع أحد أن يخبرني بما يحدث هنا ؟! }
في هذه اللحظة ، استعاد زملاؤهم الجالسين في الجهة
المقابلة وعيهم أخيرًا ، وتبادلوا نظرات ذات مغزى
قال أحدهم: “ اهااا … لا عجب أنك بدوت مشوشًا حين كنا
نتحدث قبل قليل .”
لكن بيان تشنغ كان فعلًا مشوشًا،
لأنه لم يكن يستمع أصلًا : “ عن ماذا كنتم تتحدثون للتو؟”
: “ عن السندات المالية…” لوّح الرجل بيده وكأنه لا يرغب
في التعمق، متظاهرًا بأنه يراعي مستوى استيعاب الآخر :
“ يا للأسف لو كنت تفهم هذه الصناعة لكان بإمكانك أن
تربح في صفقة واحدة ما يساوي راتب عشر سنوات .”
كان هيي ونشوان يحدّق في وين دي طوال الوقت،
وعند هذه النقطة فجأة قال بنبرة مبطنة: “ لم أرَك منذ
سنوات… لكن يبدو أن نظرة سام قد تغيّرت كثيرًا.”
هذا التعليق كان كفتيل خفي أُشعل فجأة ——
التفت بيان تشنغ وحدّق فيه: “ما الذي تقصده؟”
أجاب هيي ونشوان ببراءة متصنّعة: “ هل قلت شيئ ؟”
بيان تشنغ: “كلماتك لا بأس بها، لكن نبرتك ليست كذلك.
هل لديك مشكلة معي أنا أم مع والديّ ؟”
ضحك الآخر ساخرًا : “ أنت شخص غريب…”
فرد بيان تشنغ ببرود : “ أترى أن ' المعلومات الداخلية '
أرقى من تصليح المكيّفات ؟
على الأقل إصلاح المكيّف يمكن أن يحسّن من جودة حياة عائلة ما.
أما أنتم، ألستم سوى مفسدين للنظام المالي ؟”
تجمدت وجوه الجالسين في الجهة الأخرى،
كأنهم في سباق من سيعبس أكثر ——
: “ ما الذي تقوله ؟!”
بيان تشنغ : “ هل جرّبتم يومًا مسح الأرض أو تنظيف المراحيض؟”
كان جيانغ نانزي الجالس بجواره قد مدّ يده نحو الحلوى،
لكنه حين سمع كلمة ' مرحاض ' ، سحب يده بهدوء
واصل بيان تشنغ قائلاً : “ أتظنون أن المراحيض النظيفة
تظهر من تلقاء نفسها ؟
إذا كنتم تحتقرون أعمال النظافة إلى هذا الحد ، فأنصحكم
ألّا تدخلوا المرحاض مستقبلًا .”
هزّ أحد زملائهم رأسه ساخرًا ، وكأنه يرى أن التواصل معهم
أصبح بلا جدوى،
ثم التفت نحو هيي ونشوان: “ لم أتوقع أبدًا أن أصادف مثل
هذا النوع من الناس في لقائنا اليوم .”
لكن بيان تشنغ تجاهله تمامًا وقال ببرود: “ في بكين يوجد
الكثير من المسؤولين رفيعي المستوى،
ألتقي يوميًا بمئات منهم، حتى من هم في مستوى وزاري
أو أعلى ،
ومع ذلك لم أرَ أحدًا متصنّعًا ومتكبرًا مثلكم .”
غضب أحد الجالسين وألقى بنظرة نحو وين دي المذهول: “ ما خطب حبيبك هذا ؟”
عندها توقف الطنين في رأس وين دي
وبعد أن رتّب صورة ' الهوية الجديدة ' لبيان تشنغ ،
سارع إلى تشكيل جبهة موحّدة ،
فابتسم وقال: “ آسف، إنه صريح جدًا…
يقول ما يراه مباشرةً .
فلا تأخذوا كلامه على محمل الجد .”
لكن الجو على الطاولة صار باردًا كجليد القطب الجنوبي،
ولم تكن هناك أي بادرة لذوبانه قريبًا
أما بيان تشنغ، فظل يأكل بهدوء، وكأنه لا يبالي أبدًا أنه يثير
عاصفة على أرضٍ ليست أرضه
صحيح أن الانتقام بالكلام كان شعورًا رائعًا،
لكن مواجهة خمسة عشر شخصًا دفعة واحدة لم تكن في صالحه
شعر وين دي أن من الضروري تهدئة الوضع من الجانبين،
فوقف فجأة ليقطع الموقف:
“ سأذهب إلى دورة المياه .”
دخل الحمام وغسل وجهه بالماء البارد،
حتى انقشعت الغشاوة من حوله وصارت الرؤية أوضح
اتكأ على المغسلة، مفكرًا كيف وصلت الأمور إلى هذه المرحلة
لكن قبل أن يجد إجابة ، سمع وقع خطوات تقترب
رفع رأسه فرأى حبيبه السابق، هيي ونشوان، يعقد ذراعيه بوجه عابس:
“ بذلت جهدًا كبيرًا لأرتّب هذا العشاء ، لكن حبيبك جاء
ليخرب كل شيء ؟”
تنهّد ببرود وتابع : “ لا بأس إن لم يكن متعلمًا ، لكن ألا
يعرف حتى كيف يتصرّف كبشر ؟”
سخر وين دي قائلاً:
“ هل هذا مجرد عشاء ؟ هذا حصار أكثر من حفلة .
وما حقك أنت لتقييم الآخرين ؟
هو أكثر إنسانية منك .”
هيي ونشوان: “ لم أتوقع أن يتدهور ذوقك إلى هذا الحد…
من المحيّر كيف خسرت أمام شخص مثله .”
ابتسم وين دي ساخرًا : “ الغلو في تقدير النفس مرض .
ظننت أن الأمور ستتحسن بعد كل هذه السنوات ،
لكن تبين أنها مرض مزمن لا شفاء منه .
وبالمناسبة، لماذا تحتاج لكل تلك الخلفيات العائلية
الفاخرة والوظائف عندما تكون في علاقة ؟
الأهم هو أن يتحلى الشخص بحسن الخلق .”
بدت ملامح هيي ونشوان مزيجًا من الاحتقار والحزن
عبس وحدّق في وين دي، كأنه وقع في تضارب معرفي منذ تركه
لم يستطع وين دي حتى الغضب
فحديثهما كان أشبه بدجاجة تتحدث إلى بطة
في منظور هيي ونشوان، الفوز في المكانة الاجتماعية يعني الفوز في كل شيء
أما حسن الخلق ؟ فكان مجرد قناع يُرتدى بعد الفشل في
المنافسة على الصعيد المادي
هذا النرجسية الصلبة لم تكن مجرد عيب شخصي ؛
بل كانت عرضًا فنيًا متقنًا
و بينما يتردد في الكشف عن هوية بيان تشنغ الحقيقية لإسكاته ، قال هيي ونشوان فجأة :
“ لكن لحسن الحظ لم تصبح أنت من هذا النوع من الناس .”
راقب وين دي بحذر ، مستعدًا لأي هجوم آخر :
“ أي نوع من الناس ؟”
هيي ونشوان: “ أولئك الذين لا يملكون أي قدرات شخصية،
ولا يعرفون سوى التفاخر بإنجازات شريكهم…
هؤلاء هم الأقل فهمًا بالنسبة لي في هذا العالم .
رغم أن ذوقك قد تدهور ، إلا أن حكمتي ما زالت صائبة .”
صمت وين دي للحظة، ثم قال ساخرًا: “ تسك
نادرًا تقول شيئًا معقولًا .
هذا يجعل الناس يغضبون أكثر .”
عبس هيي ونشوان كأنه يجد كلامه غير منطقي :
“ لماذا تثار بسهولة هكذا الآن ؟ هل تأثير ذلك الرجل ؟”
{ هذا الحوار يدور في دائرة مغلقة !
مهما قلت سيظل هيي ونشوان يدور حول نقطة واحدة :
لم تكن لديّ الرؤية لاختيار الأشخاص ،
وترك شخص ممتاز مثله جعلني أتغير سلبًا }
سأل هيي ونشوان بدهشة : “ لكن الغريب حقًا كيف
التقيتما ؟ أنت لا تقيم عادة في الفنادق .”
تفاجأ وين دي —- فلم يكن مستعدًا لخلفية ' موظف مكتب الفندق '
سمع صوتًا خلف هيي ونشوان: “ التقينا أثناء السفر في الخارج "
تحرك وين دي حول هيي ونشوان ورأى بيان تشنغ يقترب
منه—ربما بدافع الفضول لمعرفة سبب غيابه الطويل،
أو لأنه إذا لم يقترب سريعًا،
سيكون هدف لهجوم عشرات من أبناء الأثرياء
استمع إلى شرح بيان تشنغ، وتدحرجت عينيه داخليًا
{ لنقل إن هذا الشخص لم يكن بارعًا في الكذب —
ألم يكن من المفترض أنه فقير ؟
فكيف انتهى به المطاف في رحلة خارجية ؟ }
واصل بيان تشنغ: “ كانت رحلة اقتصادية ،
واجهت بعض المشاكل على الطريق ،
وانتهى بي المطاف بلا مال ،
واضطررت للتجول في الشوارع .
في تلك الليلة، التقيت به،
وأعطاني كل ما يملك من سبعمائة دولار .
ثم دخلنا البرية معًا وشاهدنا شروق الشمس على طرف العالم .”
بدت هذه المواجهة كمشهد سينمائي،
وأظهر وجه هيي ونشوان بوضوح عدم تصديقه
التفت بيان تشنغ إلى وين دي، وكأنه يطلب تأكيده
لم يرد وين دي
انفجرت الكلمات في ذهنه ، ولحظةً شعر أن كل ما حوله بالفراغ
تحررت الذكريات المبعثرة والفوضوية من قيودها،
وارتفعت واحدة تلو الأخرى في بحر وعيه، مثيرة دوامة عارمة
نظر حوله مذهولًا ، كأنه صُدم مباشرة بمطرقة ثقيلة ،
لا يعرف ماذا يفعل
لقد تركه هذا الواقع مذهولًا
اندفع فجأة إلى الأمام وأمسك بيان تشنغ من ياقة قميصه: “ إذن ذلك الشخص كان أنت ؟!”
بعد لحظة من الدهشة ، أمسك بيان تشنغ بيد وين دي،
مزيج من الصدمة والإحباط في عينيه : “ أنت تتذكره الآن فقط ؟”
صاح وين دي غير مصدق : “هل… هل تزوجنا ؟!”
رد بيان تشنغ بدهشة مماثلة : “ إذاً المُحفّز هو سبعمائة دولار فقط ؟!”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق