Ch29 | DSYOM
[ الماضي ] ——-
في المساء ،
غمر الأفق المتوهّج قاعة ناسّاو ،
نباتات اللبلاب المتسلّقة على الجدران تتلألأ بلمعة ذهبية ،
وتحت ظلال الأشجار ، الطلاب يتنزهون في مجموعات من ثلاثة أو أربعة ،
بينما جلس بعضهم على العشب يقرأون الكتب أو يتبادلون
الأحاديث بصوت منخفض
تحت السماء الملونة بألوان الغروب ،
يقف برج كنيسة جامعة برينستون القوطيّ ،
ليضفي على الحرم الجامعي الهادئ لمحة من الوقار ،
خرج بيان تشنغ من بوابة قاعة فاين واندسّ بين الحشود
مرّ به بعض طلاب قسم الرياضيات الذين يعرفونه ،
فألقوا التحية عليه ،
فأجابهم بعد ثوانٍ بإمائة خفيفة من رأسه
لكن صدى صرخة والده الغاضب والمرتجف ما زال يرنّ في أذنيه
قبل أن يُصارح عائلته بحقيقته ، كان قد توقّع ردود أفعال
والده : صدمة ، حزن ، إنكار للواقع —كل ذلك كان طبيعيًا
لكنه لم يكن يتخيّل أن ينهار أبوه تمامًا ويدفعه دفعًا نحو
جلسات التعارف والمواعيد المدبرة والزواج القسري
لطالما اعتقد أنّ خلفيته العائلية مثيرة لحسد الآخرين
فأبواه كانا مثقفين وموهوبين، زواجهما سعيد ،
وطريقتهما في التربية منفتحة متساهلة ،
دائمًا سانداه في خياراته ،
ورغم أنّ جيلهما غارق في مناخ يعتبر ' المثلية أمرًا غير
طبيعي ' إلا أنه كان يظن أن والديه سيكونان أكثر تفهّمًا من
أقرانهما إذا تعلق الأمر بخروج ابنهما عن المألوف
لكن النتيجة جاءت صادمة : أبوه الطيّب الودود بدا وكأنه
تحوّل إلى شخص آخر
صار مثل عجائز العشائر في العصور الإقطاعية—عنيد ،
محافظ ، لا يعرف المرونة
كرّر بيان تشنغ مرارًا أنّ الميول الجنسية تتحدد قبل البلوغ
ولا يمكن تغييرها ،
لكن ذلك لم يؤثر إلا في تسريع خطوات أبيه في ترتيب
المواعيد المدبرة ،
وكأنّ السماح له بلقاء النساء والتعامل معهنّ بكثرة قد
يعيده إلى ' الطريق الصحيح ' ،
الأسبوع الماضي ، بما أنّ الفتاة حضرت إلى العشاء كما كان مقرّرًا ،
لم يجد حلاً سوى الذهاب هو أيضًا
انتهى اللقاء على نحو غير سار
وفي اليوم التالي ، أرسل له والده صورة فتاة أخرى
الفتاة كانت تبتسم بعينين لامعتين،
لكن رأسه لم يطق النظر ؛ أصيب بصداع حاد
تدريجيًا ، بدأت الغيوم البرتقالية تخفت ،
وأضيئت أنوار الحرم الجامعي ،
وبينما بيان تشنغ يمرّ عند زاوية شارع ، بدأ هاتفه يهتزّ
توقّف عند إشارة المرور ، وأخرج هاتفه ،
فظهر على الشاشة رقم غريب يبدو من تنسيقه أنه من الصين
لم يكن له أصدقاء أو أقارب كُثر،
وغالبًا يتواصلون معه عبر ويتشات { فمن قد يتصل بي من الصين ؟ }
أجاب:
“ من المتحدث ؟”
جاءه صوت خافت مبحوح :
“ أنا… جيانغ يونرو "
كان بيان تشنغ واثقًا من ذاكرته ، ولم يسبق أن سمع بهذا الاسم
: “ لابد أنكِ أخطأتِ في الرقم "
ساد الصمت للحظة ، ثم ظهر الصوت على الطرف الآخر متردد :
“ ألستَ أنت بيان تشنغ؟ ابن بيان هواييوان؟”
بدأت الأمور تأخذ منحى غريب
: “ نعم . هل تعرفين أبي؟”
ارتفع صوتها مندهش :
“ ألا تعرف من أكون؟
أنا الزوجة الثانية لـ بيان هواييوان—أوه، أقصد… طليقته الآن "
تحوّلت إشارة المرور إلى الأخضر،
واندفع الناس من حوله إلى الأمام،
لكن بيان تشنغ بقي واقفًا في مكانه
{ زوجة ؟ زوجة ثانية ؟ }
قال بدهشة :
“ لا بد أنك تمزحين يااه … أبي لم يتزوّج سوى مرة واحدة "
لكن الطرف الآخر كان مذهولًا بالقدر نفسه، يردد مرارًا:
“ ماذا ؟
كيف يكون هذا ؟”
هي التي بادرت بالاتصال به، لكنها الآن وقفت مترددة،
وكأنها فقدت ثقتها بكلماتها
قالت جيانغ يونرو أخيرًا:
“ لم أكن أتوقع هذا أبدًا .
بيان هواييوان كان يقول دائمًا إنك تكرهني ، لا تريد أن تراني ،
ولا تسمح لي بدخول منزلك…
أأنت فعلًا لا تعرف من أكون ؟”
تماسك بيان تشنغ وأخذ نفسًا عميقًا
كان الأمر صادمًا أكثر مما يحتمل
عقله، بدافع غريزة الدفاع عن النفس، رفض تقبّل الحقيقة:
“ تقولين إنكِ الشريكة القانونية لأبي… ما الدليل لديكِ ؟”
: “ انتظر لحظة ….”
ثم سُمع صوت درج يُفتح ويُغلق ، وبعدها قالت :
“ لقد أرسلت لك صورة عبر الرسائل .”
أبعد بيان تشنغ الهاتف عن أذنه وفتح الرسالة الجديدة
ظهرت على الشاشة صورة عالية الوضوح لوثيقة زواج—
والده مع امرأة أخرى
الدليل قاطع لا يقبل الجدل
وعندما ألقى نظرة على الأسفل، وجد أن تاريخ الزواج كان
بعد عامٍ واحد تمامًا من وفاة والدته
{ عام واحد ! }
تذكّر لحظة الجنازة ، عندما كان أبوه يبكي بحرقة لا تُطاق،
رجل في طول ثمانية أقدام وهو يعانق التابوت ويجهش بالبكاء
كان حزنه يفوق حتى حزن الجدّ الأشيب وهو يدفن ابنته الشابة
وحين ألقى كلمة التأبين ، يحكي بصدقٍ مؤثر رحلة زواجهما
منذ أيام الجامعة ،
حتى إن الأساتذة الحاضرين ذرفوا الدموع
وبعد حرق الجثمان ، احتضن أبوه الجرّة الجنائزية وقال له
ولجدّه الموقّر أنه لن تكون له زوجة ثانية ما دام حيًّا
عام واحد
قال بيان تشنغ بصوت بدا بعيدًا حتى على مسامعه :
“ لم أكن أعلم شيئًا عن هذا… الأمر حقًا… صادم…”
لكن الطرف الآخر كان أكثر انهيارًا منه
“ إذن من الذي كنت أكرهه كل هذه السنين؟”
ظهر صوتها مرتجفاً ، مختلفًا كليًا عن صورتها الشابة
المفعمة بالحيوية في وثيقة الزواج :
“ ماذا يعني هذا… يا إلهي…”
غرق الطرف الآخر في صمتٍ كفراغ،
فسمح هذا لـ بيان تشنغ بلحظة ليلتقط أنفاسه
هذا الظهور المفاجئ لزوجة أب لا يعرفها أيقظ داخله تلقائيًا شعورًا بالعداء
: “ كيف التقيتِ بأبي ؟”
ظهر صوتها متعب متردد ، من الواضح أنها هي الأخرى في دوّامة ذهول :
“ كنتُ نادلة في مطعم جينغوي تشاي، بجانب جامعة التكنولوجيا "
لم يكن بيان تشنغ ينوي المقارنة ، لكن هذه المرأة بدت
مختلفة تمامًا عن والدته
أعاد فتح صورة وثيقة الزواج، كبرّها،
ونظر إلى رقم الهوية المدون عليها
عند زواجها، لم تكن جيانغ يونرو قد تجاوزت العشرين بعد
بعد لحظة طويلة ، ضحكت فجأة ضحكة مريرة:
“ إذن، لقد أخفاني ليس بسببك ، وليس بسبب ابنه وليس
بسبب جدّك ، بل فقط لأنه اعتبرني عارًا .
لولا الطفل ، لما تزوّجني أصلًا ”
{ يا لها من مفاجآت قاسية في يوم واحد
والدي تزوج أخرى و له طفل آخر أيضًا ؟ }
سأل مذهولًا :
“ لديكِ طفل أيضًا ؟”
جيانغ يونرو : “ بالطبع. أنت لا تعرف حتى بوجودي ، فكيف
ستعرف بوجود آ-يو
هو يعتبرني عارًا ، ويرى أن ابني عارٌ أيضًا .
وعندما طلقني ، لم يقاتل حتى من أجل الحضانة .
بل أعطاني مالًا فوراً ،
خوفًا من أن أترك له الطفل .”
شعر بيان تشنغ بصداع حاد يخترق رأسه : “ ماذا ؟”
في ذاكرته كان أبوه يجلس معه ليبنيّا قطع الليغو،
يحلّان السودوكو،
يتسلّقان الصخور، ويلعبان كرة القدم
كان أبًا لا تشوبه شائبة
{ أن يتخلى عن طفل ؟
هذا أمر يتعارض تمامًا مع صورته في ذاكرتي }
كل شيء انقلب رأسًا على عقب،
والعالم الذي عرفه من قبل صار فوضى
قالها بيقين، لكن صوته حمل نبرة شك : “ هذا مستحيل.”
: “ هل تريد أن ترى اتفاق الطلاق بيننا؟” جاء صوت جيانغ يونرو ضعيف
لكنه قاسٍ : “ مكتوب فيه بوضوح : نحن غير
مسموح لنا بالظهور أمامه ،
وغير مسموح لنا أن نخبر الآخرين أنه لديه هذا الابن .
وإلا تُخفض نفقة الطفل إلى النصف .”
رنّ تنبيه الرسائل ، وإذا بصورة للوثيقة تصل إلى هاتفه
ألقى عليها نظرة سريعة ثم أغلقها فورًا
لم يكن قادرًا على تحمّل المزيد من الصدمات
جيانغ يونرو :
“ في الأصل اتصلت لأخبرك أننا قد طلقنا ، حتى لا تبقى
متحفّزًا ضدي… لكن الآن… انسَى الأمر . وداعًا ”
انتهت المكالمة ، وظل بيان تشنغ يحدّق في شاشة هاتفه،
بينما تيار السيارات يعبر أمامه ذهابًا وإيابًا
تحوّلت الإشارة إلى الأخضر مجددًا ، وفي حالة من الشرود ،
عبر الممر وعاد إلى شقته
الليل الصامت هبط على حافة النافذة
جلس على الأريكة واتصل برقم والده
رنّ الهاتف عدة مرات حتى أُجيب الطرف الآخر
صوت بيان هواييوان : “ لماذا لم تردّ على رسائلي؟
تلك الفتاة هي ابنة رئيس قسم ليانغ من وزارة العلوم
والتكنولوجيا، عليك أن تكون أكثر لياقة…”
: “ هل تزوجت؟”
توقف الصوت فجأة
ساد صمت قاتل طويل—
أو ربما لم يكن سوى بضع ثوانٍ، لكنها بدت دهورًا
{ ماذا يفكّر والدي في هذه اللحظة ؟
كيف يصوغ الكلمات؟ أي عذر سيقدّم ؟ }
ثم جاء صوته :
“ هل تلك المرأة هي من أخبرتك ؟”
—- نبرة عتاب
لم يُجب بيان تشنغ
فعدد الذين يعرفون بهذا الأمر ضئيل جدًا
ولا حاجة للتخمين ،
فقال مباشرةً :
“ لماذا أخفيت الأمر عني كل هذا الوقت ؟”
بيان هواييوان:
“ كنت أخشى أن تتضايق ، فلم أخبرك .
على كل حال ، في ذلك الوقت…”
{ إذن هو لا يزال يتذكر ذلك العهد الذي قطعه } بينما بيان تشنغ كان يظنه مجرد كلمات عابرة
الأب: “ كنتَ في الخارج طوال الوقت ، لم تعد حتى في رأس السنة ،
فظننت أنه لا حاجة لأن تعرف…
آووه وكنت أيضًا أخشى أن تُفرط في التفكير.”
ارتجّ صدغ بيان تشنغ وهو يتمتم :
“ أكنت تخشى أن أفرط في التفكير…
أم أن جدي هو من كنت تخشى أن يُفرط في التفكير ؟”
كان صعود والده إلى منصب عميد كلية الهندسة في
جامعة التكنولوجيا نتيجة لدور جده المحوري في ذلك
وبعد أن فقد الجد ابنته الوحيدة ،
كان من الطبيعي أن تُوجَّه موارد العائلة كلها نحو صهرٍ بارّ،
عطوف، ومخلص
{ فهل كان إخفاء الزواج الثاني ووجود ابن ثانٍ مجرد خوفٍ
من ' الإفراط في التفكير ' ؟
أم أن الأمر… أعمق من ذلك…
إذا قد تزوّج وأنجب طفلًا من امرأة أخرى بعد عام واحد
فقط من وفاة زوجته،
فهل كان والداي حقًا بذلك الحب والإخلاص اللذين تخيّلتهما طوال حياتي ؟
وإن كان الأمر منذ البداية … }
لم يستطع أن يُكمل الفكرة،
لأن ما ينتظره تحتها هاوية سحيقة
و أغلق صندوق باندورا دفعة واحدة
بدا واضحًا أن بيان هواييوان قد لمح الشكوك في عينيه،
فشحبت ملامحه وارتجف صوته غضبًا : “ أنت…
ماذا تظن والدك ؟”
أجاب بيان تشنغ بهدوء : “ لا أعلم ،،
فحتى اليوم ، كنت أظن أنني ابنك الوحيد .”
: “ لا تتفوه بالهراء . ذاك الطفل لا يمكن مقارنته بك "
بيان تشنغ : “ ولماذا ؟
لأنه لا يملك جدّ أكاديمي ؟”
{ هل هذا هو السبب ؟
لأنني أنا ابن أستاذة جامعية ، كان والدي يبني معي الليغو
ويحلّ معه السودوكو
أما الطفل الآخر الذي لم يكن له هذا الأصل ،
فلم يكن مصيره سوى أن يُطرد من منزل العائلة ؟ }
هذا الافتراض كان معتمًا لدرجةٍ أفزعت حتى بيان هواييوان نفسه
“ أيّ هراء هذا الذي تقوله؟
هل تلك المرأة هي من أخبرتك؟
لا تستمع إلى افتراءاتها ولا تدعها تزرع الخصومة بيننا !”
بيان تشنغ:
“ لقد أخفيت زواجك عني وقتها لأنك أردت أن تصبح عميدًا،
والآن تُجبرني على الزواج لأنك تريد الترشح لرئاسة الجامعة، أليس كذلك ؟”
انفجر بيان هواييوان غضبًا:
“ كُفّ عن هذا الكلام الفارغ ! أنا أفكر في سعادتك !
أنا والدك ، ويجب أن أضع مستقبلك في الحسبان !”
بيان تشنغ ببرود:
“ مستقبلي لا يحتاج إلى تدخلك .
أنت تزوجت كما أردت ، فلماذا تتحكم في حياتي ؟
حتى لو تزوجتُ رجلًا ، فما شأنك أنت ؟”
: “ ماذا تعني؟” ارتجف صوت بيان هواييوان وانكمشت
ملامحه توترًا : “ لقد طلّقتها منذ زمن، كل ذلك من الماضي .
هل تنقلب على والدك من أجل امرأة تافهة ؟”
توقف بيان تشنغ لحظة ، ثم قال ببطء :
“ على أي حال ، لديك أكثر من ابن واحد "
وقبل أن يصرخ والده مجددًا ، أغلق الهاتف ،
وأسند رأسه على ظهر الأريكة ،
وأغمض عينيه
{ متى صار الحال إلى هذا ؟
أين ذهب الأب الذي كان يمسك بيدي حين ترتفع حرارتي ،
ويهتف باسمي في مقاعد الجمهور لتشجيعي ؟ }
أحسّ بصداع ممزق ،
وبينما هو على هذه الحال ،
اهتز هاتفه مرتين
لعلها رسائل أخرى من والده ، لكنه لم يعد يحتمل قراءتها
لكن الاهتزاز لم يتوقف، بل تلاه رنين مستمر بلا كلل
ضاق صدره من الإزعاج ، فأخذ الهاتف ونظر ،
فإذا به يتلقى مكالمة من صديقه الوحيد المتبقي
صرخ سونغ يوتشي عبر الهاتف : “ أنا في أمريكا !
اخرج معي لنلهو قليلًا !”
: “ أنا مشغول.”
سونغ يوتشي : “ لم تبدأ الدراسة بعد أليس كذلك؟
ألا تستطيع أن تقتطع يومين ؟
أنت تعيش حياة مملة لدرجة أنك ستُمرض نفسك.
هيا ! إلى لاس فيغاس ! الحانات ! الكازينوهات !”
: “ هل يعرف العم سونغ؟”
سونغ يوتشي : “ لا تُفسد عليّ فرحتي .
أنا على وشك أن أجنّ من ضغط دراسة الدكتوراه ، وأخيرًا
استطعت التسلّل ليومين .
أليس من المفترض أن أحتفل ؟
لقد وجدت بارًا للمثليين رائع جدًا ،
تعال واقضِ الوقت معي .
حتى أنني حجزت لك الفندق !”
الطلاب المتفوقون الذين كبتوا أنفسهم طويلًا يصبحون
مخيفين بالفعل
فإذا ما أطلقوا العنان لأنفسهم، انتقلوا مباشرةً من المختبر إلى البار
أغلق بيان تشنغ الهاتف ، فتح عينيه ، ونظر إلى الغرفة الفارغة
شقته مُصمَّمة على مبدأ ' فارغ عند الدخول ، فارغ عند
الخروج ' فيها فقط الأثاث الأساسي
يتدلّى على جدار غرفة المعيشة لوح أبيض،
لا يحمل سوى خط واحد من المعادلات
عادةً يحب هذا النوع من المساحة الهادئة الخالية ،
لكن الآن ، بدا الفراغ وكأنه يتضاعف في رأسه ،
يدفعه نحو حافة الانهيار
كان بحاجة لأن يملأ هذا الفراغ بشيء آخر
فأخذ محفظته ، وحجز أول رحلة متاحة إلى لاس فيغاس ،
واتجه مباشرةً إلى المطار
—————
عندما التقى بـ سونغ يوتشي، كان الوقت قد اقترب من منتصف الليل
وما إن وضع حقيبته في الفندق،
حتى سُحب فورًا إلى سيارة أجرة
أعطى سونغ يوتشي السائق اسم بار معيّن ،
ثم ضرب المقعد الأمامي بحماس
وحين وصلا ، شاهدا طابورًا طويلًا من الناس ينتظرون أمام الباب
دفعا بعض الإكرامية ليتجاوزا الصف ،
وما إن عبرا العتبة حتى انكشفت أمامهما مقاعد مخملية
ملوّنة ،
ولوحات فن حديث معلّقة على الجدران
من السقف تدلّت ثريات على شكل ندف ثلج كريستالية ،
بينما انسابت في الأجواء أغانٍ عاطفية رقيقة ،
ترسم مشهدًا مختلفًا تمامًا عن الضوضاء في الخارج
جلسا عند البار ، فربت سونغ يوتشي على كتف بيان تشنغ بجدية وقال:
“ لقد قمتُ بواجبي جيدًا . أنت تحب الطابع الشرقي ، صحيح؟
هنا يوجد الكثير من الآسيويين ، لا بد أنك ستجد…”
وقبل أن يُكمل كلامه ، أشار فجأة وقال بحماس :
“ انظر هناك ، عند العاشرة… كم من الأزهار البيضاء
الصغيرة… هءهءهءهءهءءه إنهم يتجهون نحوك.”
رفع بيان تشنغ رأسه، فرأى شابًا يشق طريقه عبر الحشد متوجهًا إليه
كان وجه الشاب ناصع البياض،
يرتدي تيشيرت وبنطال جينز بلون أزرق فاتح
بدا مظهره نقيًا ، لكن ثيابه أوحت بأنها غُسلت مرات كثيرة
حتى فقدت لونها الأصلي
أما سونغ يوتشي فقد اختفى بهدوء
تابع بيان تشنغ الشاب وهو يقترب، مترددًا في الكلام،
كمن لم يعتد على المغازلة
وبعد لحظة، رفع الشاب رأسه وحدّق في عينيه مباشرةً
قال الشاب : “ قزحيتك فيهما لمسة من الرمادي الفاتح ..
يا له من تحوّر جميل في جيني HEAC2 و OCA2.”
نظر إليه بيان تشنغ قليلًا قبل أن يرد :
“ إنه HERC2 ”
بدا الشاب عندها مثل طالب استدعاه الأستاذ فجأة ليلقي نصًا أمام الصف ،
وما إن قاطعه أحد حتى فقد تسلسل أفكاره وبقي يحدّق في
فراغ ، عاجزًا عن الكلام
تابع بيان تشنغ :
“ HERC2. بروتين منظم للبشر يُسمّى Human EpiRegulin Containing Protein 2.”
احمرّ وجه الشاب من الخجل ،
أو لعلها كانت إضاءة ساحة الرقص
تمتم بغضب وهو يلتفت إلى زاوية ما:
“ يا لها من فكرة سيئة !
كنت أعلم أن استخدام علم الأحياء كجملة تعارف سيكون
فكرة كارثية لشخص من تخصص الآداب !”
( صحيح هذا وين دي ~ )
يتبع
الجينات HERC2: جين على الكروموسوم 15 يؤثر على لون العين عبر التحكم بجين OCA2.
الجينات OCA2: جين مسؤول عن إنتاج الميلانين الذي يحدد لون العينين والشعر والجلد .
تعليقات: (0) إضافة تعليق