Ch31 | DSYOM
[ الماضي ] ——-
للحظةٍ ، خلى ذهن وين دي تماماً،
وكأن وعيه قد انفصل عن جسده،
يطفو عالياً ليراقب المشهد العبثي من فوق—الليل قد هبط،
أضواء النيون تتراقص في الشوارع البعيدة،
وفي الزقاق المعتم، الجدران مغطاة بالرسومات الجرافيتية،
تتخللها بين حين وآخر أصوات مكتومة من موسيقى
البار وأصوات آلات اللعب في الكازينو ،
والهواء مشبع برائحة دخانٍ خفيفة
في الظلال وقفا رجلان يلبسان قبعات بيسبول ،
أحدهما يمسك بسكين قابل للطي ،
والآخر بمسدس يلمع بوهجٍ فضي مريب
المسلح يوجه أمره لهما بإنجليزية مشوبة بلكنة أجنبية أن
يسلّما المال الذي بحوزتهما
شعر وين دي بعرقٍ بارد يتصبب من ظهره
لقد سمع عن مثل هذه المشاهد في الأفلام، أو الأخبار،
أو حكاياتٍ متناقلة،
لكنه لم يتخيل يوماً أنها ستقع له شخصياً
{ لقد كنت متهوراً—لم أتفقد الوضع الأمني في الحي
القريب ، فقط مشيت عشوائياً إلى زقاقٍ في الليل…
هذا ليس بلدي ! }
لوّح اللص بمسدسه مجدداً ، ورأسه يلتفت سريعاً إلى الجانبين ،
يراقب الحركة من حوله :
“ هيا بسرعة !”
ارتجف وين دي وهو يخرج محفظته التي لم يكن فيها سوى
بعض القطع النقدية والأوراق
أمره اللص أن يرميها أرضاً ، فأطاعه فوراً
ثم صرخ موجهاً سلاحه إلى الرجل الواقف بجواره :
“ أنت ! أرمي محفظتك أيضاً !”
نظر وين دي إلى الرجل بقلق ، خائف من أن يقدم على
تصرف متهور يودي بحياتهما في أرضٍ غريبة
تردد بيان تشنغ للحظة ، ثم أخرج محفظته ورماها أيضاً
عندها تنفّس وين دي الصعداء
ظل اللص ممسكاً بمسدسه موجهاً نحوهما ،
بيننا أعطى أمراً لمرافقه بأن يلتقط المحافظ
التقط المرافق المحفظتين ، أخرج المال وعدّه ،
ثم تمتم بكلمات بلغة لم يفهمها وين دي
فجأة، انفجر اللص المسلح غضباً :
“ هل هذا كل المال ؟!”
شعر وين دي بصداعٍ نابض في صدغيه،
وقطرات العرق البارد تتساقط من جبينه
كان في معطفه جيبٌ داخلي مخفي،
وحين خرج كان حذراً فوضع فيه الأوراق الكبيرة،
تاركاً الأوراق الصغيرة في المحفظة—حيلة اعتاد والديه
استخدامها للوقاية من السرقة
حياته أهم، نعم، لكن تلك المنحة المالية أهم أيضاً؛ كان
يعتمد عليها لدفع الإيجار
لكن الغضب الذي في صوت اللص لم يكن موجهاً له بقدر
ما كان موجهاً للرجل بجانبه :
“ ترتدي ثياباً فاخرة ، كيف لا يكون معك سوى هذا المبلغ التافه ؟!”
كان بيان تشنغ بالفعل يرتدي قميص وبنطال عالي الجودة ،
يبدوان غاليين من أول نظرة
قال اللصان كلاماً مبهماً، معناه تقريباً أنهم يعرفون أن
السياح الصينيين اعتادوا حمل مبالغ كبيرة من المال نقداً
حين يخرجون للترفيه
وإن لم يسلموا كل ما بحوزتهم ، فقد ينتهي الأمر بثقب في أجسادهم
حاول بيان تشنغ أن يشرح بأنهما ليسا سائحين ، لكن اللص لم يصدق
ألقى وين دي نظرة على الرجل بجواره ،
آملاً أن يسلم المال—فهو يبدو فقيراً بما يكفي كي لا يتوقع
اللصوص منه الكثير
لكن بيان تشنغ تحدث بثبات :
“ خرجت على عجل ولم أحمل معي نقوداً نقدية .
أنا أستخدم البطاقات الائتمانية عادةً .”
بطاقات ائتمانية ؟ ما الفائدة منها الآن ؟
أليس تمرير البطاقة يعني انتظار الشرطة حتى تأتي وتقبض عليهم ؟
انفجر اللص غاضباً ، و يطلق وابلاً من الشتائم بلغة لم يفهمها وين دي
لقد قضوا الليل كله في التربص بهذا الزقاق ،
يخاطرون بأنفسهم ، والآن بعدما اصطادوا “سمكة كبيرة”،
لم يجنوا سوى فتات
شريكُه الذي يحمل السكين بدا ساخطاً ،
وضغط النصل بخطورة على بطن بيان تشنغ
قال وين دي فجأة : “ انتظروا ! لدي مال "
التفت اللصوص نحوه
أخرج يده المرتجفة من معطفه،
وأخرج رزمة أوراق نقدية مطوية،
يلمع فيها رأس جورج واشنطن تحت الضوء الباهت
خطف المرافق الأوراق النقدية بسرعة، عدّها،
ثم بدا مرتاحاً بعض الشيء
ظل المسلح يراقب حتى انتهى، ثم أمر الاثنين ببرود:
“ الهواتف "
عض وين دي شفته ووضع هاتفه أرضاً،
ثم دفعه بقدمه نحوهم. فعل بيان تشنغ مثله
تبادل اللصان نظرة سريعة، ثم انحنيا لالتقاط الهواتف،
وفي لحظةٍ خاطفة استدارا وركضا مسرعين نحو عمق الزقاق
ومع تلاشي وقع أقدامهما، جلس وين دي القرفصاء،
يسند نفسه بيديه على الجدار المتآكل، يلهث بأنفاس متقطعة
أما الرجل فنظر إلى كتفيه النحيلتين المرتجفتين
تحت ضوء القمر ، بدت عروق عنقه الباهتة جلية عبر بشرته
الفاتحة ، وكأنه هشّ لا يحتمل
مد يده، وتردد قليلاً ثم وضع أصابعه على كتفه هامساً:
“ لا تخف ، لقد رحلوا… كل شيء بخير "
لكن ما إن لامست أنامله لبسه ،
حتى انتفض وين دي فجأة كما لو صُعق بالكهرباء ،
أبعد يده عنه ، وحدّق فيه بغضب :
“ من قال لك أنني خائف ؟ أنا أنوح على مالي !”
تجمد الرجل في مكانه
نظر وين دي إليه بنظرة تكاد تشتعل ناراً :
“ هل تدرك كم خسرت الآن ؟!”
فكر بيان تشنغ قليلاً ثم قال :
“ سبعمائة دولار؟”
: “ سبعمائة !” كادت الدموع تنساب من عيني وين دي :
“ كنت أعتمد عليها لأكمل هذا الشهر !”
صمت الرجل لحظة ، ثم سأل بنبرة مشككة :
“ أين تعيش؟”
: “ في بوسطن "
: “ كيف يعقل أن يكفيك هذا المبلغ حتى نهاية الشهر في بوسطن ؟”
كان الواقع بائساً أكثر من أن يُحتمل
فهو ينام على أريكة في غرفة المعيشة بلا باب،
لا يأكل خارج البيت أبداً،
ولا يشتري سوى الخضروات والسلع المخفضة من المتاجر
الكبرى مثل ' تارغِت ' وها هو الآن يُسأل وكأنه يدّعي الفقر
توالت أسئلة بيان تشنغ بلا توقف :
“ ولماذا تحمل معك كل هذا المبلغ نقداً ؟”
صرخ وين دي بمرارة :
“ أنا أعيش في غرفة المعيشة بلا باب !
إن لم أحمل المال معي ، ثم ضاع في غيابي ، فكيف سأبرر ذلك ؟!”
بيان تشنغ بهدوء:
“ لكن حمله معك أيضاً خطر "
صرخ وين دي بغضب وهو يشير نحوه :
“ ألا تملك ذرة ضمير !
المال الذي أخرجته كان من أجلك ، وأنت واقف هنا تُقلل من شأني !
لقد كان هذا كل ما تبقى لي من منحة دراسية .
كيف سأكمل هذا الشهر…”
وبينما يتكلم شعر بدوار جديد ،
وكأن الأوراق السبعة تطفو أمام عينيه ،
بينما قلبه ينبض بألم شديد ،
سكت بيان تشنغ قليلاً ثم قال:
“ سأعوضك "
عبس وين دي بحاجبيه وحدّق فيه
بيان تشنغ : “ بما أنك خسرت المال بسببي ، فسأعيده لك "
رمش وين دي بذهول،
ثم قفز فجأة وأمسك بكتفيه بعينين تلمعان أكثر من أضواء
النيون عند مدخل الحانة :
“ هل تتكلم بجدية ؟!”
لم يتوقع الرجل انفعاله المفاجئ، لكنه أكد بعد لحظة:
“ بالطبع .”
كان كلامه مباشراً جداً لدرجة جعلت وين دي يشعر ببعض الإحراج:
“ لكن المال ضاع بسبب هذين الوغدين…
أن أطلبه منك هكذا… يعني…
هو أيضاً كارثة غير متوقعة بالنسبة لك…”
قاطعه بيان تشنغ ببرود :
“ هل تريد المال أم لا؟”
: “ أريده !”
عندها أبعد بيان تشنغ يده عن كتفيه وقال :
“ هيا بنا "
لكن الغريب أن وين دي لم يتحرك
بيان تشنغ { لقد كاد يطلق أشعة ليزر من عينيه حين سمع
عن المال قبل قليل ، فلماذا بدا خاملاً الآن ؟ }
ثم رآى الشاب ( وين دي ) ينحني فجأة ،
ويُخرج بخفة من شقٍ بين الطوب قطعة نقدية صغيرة
قال وين دي بشيء من الفخر :
“ رأيت شيئاً يلمع للتو… إنها نقود فعلاً ! "
حدّق به بيان تشنغ بلا كلام
{ خمسون سنتاً… ماذا سيفعل بها؟ يشتري علكة ؟ }
بيان تشنغ : “ هل تعيش قريباً ؟
هل تستطيع العودة بنفسك ؟”
هز وين دي رأسه مرتبكاً
لقد رماه جيانغ نانزي في سيارة أجرة ولم يعرف كم يبعد الفندق عن هنا
وبدون هاتفه، لم يعد بإمكانه العثور على الطريق أبداً
فسأل : “ وأنت؟ هل تعيش قريباً ؟”
بيان تشنغ : “ ليس قريباً ، لكني راقبت الطريق عند قدومي ، لذا أتذكره تقريباً ،،
يمكنك أن تذهب معي أولاً "
نظر وين دي إليه بريبة:
“ راقبت الطريق وتذكرته ؟
هل تملك ذاكرة فوتوغرافية أم ماذا ؟”
أجابه بيان تشنغ بهدوء :
“ لأكون دقيقاً ، هذا يُسمى ذاكرة بصرية . ستأتي معي ؟”
تردد وين دي لحظة ، ثم أعاد محفظته البالية إلى جيبه، ومشى نحوه قائلاً :
“ بالطبع . لا أعرف حتى وسيلة للتواصل معك . إن لم
أتبعك ، فكيف سأستعيد المال ؟”
أجابه بيان تشنغ ببرود :
“ لقد أخذوا بطاقتي ، لكن حين نصل الفندق يمكنني أن
أستدين من صديق وأعطيك المال .
بعدها يمكنك تدبير أمرك للعودة .”
أومأ وين دي موافقاً
خطا الرجل خطوتين، ثم التفت ليجده ما زال واقفاً مكانه
فسأله ما الخطب
كانت مشاعر وين دي معقدة
قبل ربع ساعة ، كان الهدف أن يتبعه إلى الفندق
لكن خلال خمس عشرة دقيقة فقط انقلبت حياته رأساً على عقب بين حزن وفرح
صحيح أنه ما زال يتبعه إلى الفندق، لكن إحساسه الآن مختلف تماماً
سأل فجأة :
“ ما اسمك ؟ لقد مررنا بمحنة حياة أو موت ، وما زلت لا أعرف اسمك .”
: “ إيثان "
: “ إيثان من فيلم Mission: Impossible؟”
لم يجبه الرجل، بل اكتفى بالنظر إليه بعينين مستفهمتين
وين دي:
“ سامويل . نادِني سام فقط . كم يبعد هذا الفندق ؟”
: “ حوالي ستة أميال "
: “ ستة أميال؟!”
حدّق بيان تشنغ بلا انفعال وسأله:
“ ما زلت ستأتي أم لا ؟”
فكّر وين دي في السبعمائة دولار، ثم عض على أسنانه وقال:
“ سأتي "
وهكذا بدأ وين دي أكثر اثنتي عشرة ساعة التواءً وغرابة في حياته ——
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق